*** الفصل الأول ***
الاستعمار هو مصطلح يشير إلى ظاهرة سياسية، اجتماعية وثقافية تشمل إقامة مستوطنات أوروبية خارج أوروبا منذ القرن ال15 واستيلاء الدول الأوروبية سياسيا واقتصاديا على مناطق واسعة في جميع القارات، بما في ذلك إخضاع الشعوب القاطنة فيها لحكم الدول الأوروبية واستغلال كنوزها الطبيعية وعمل السكان المحليين لصالح الدول الأوروبية. انتهى الاستعمار تدريجيا خلال النصف الآخر من القرن ال20 ولكنه يعتبر من أكثر الظواهر السياسية تأثيرا على صورة العالم المعاصر. (1)
تاريخ الاستعمار
ترتبط ظاهرة الاستعمار بالنهضة الأوروبيةوعصر الاستكشاف وتعزز السلطات المركزية في كل من البرتغال، إسبانيا، بريطانيا، فرنسا وبعض الممالك الإيطالية، حيث شهدت أوروبا في نهاية القرون الوسطى تطورات تكنولوجية سريعة، خاصة في مجال الملاحة، وحيث تمكنت السلطات المركزية الأكثر استقرارا من تمويل مشاريع طموحة تشمل إرسال بعثات من الملاحين والجنود والمستوطنين إلى مواقع بعيدة عن بلادهم الأصلية. (1)
يعتبر معظم المؤرخين تأسيس المستعمرة البرتغالية في سبتة في 1415 نقطة البداية لظاهرة الاستعمار. وبغض النظر عن الحملات الصليبية، كان احتلال سبته من قبل الجيوش البرتغالية وتأسيس المستعمرة فيها أول عملية لتوسيع سيطرة دولة أوروبية خارج القارة الأوروبية. خلال القرن ال15، أيام الأمير إنريكه الملاح، الملك أفونسو الخامس والملك مانويل الأول شنت البرتغال حملات استكشافية بحرية، وتمكن ملاحوها في 1437 من عبور رأس بوجادور (اليوم في الصحراء الغربية) الذي اعتبروه الأوروبيين نقطة غير قابلة للاجتياز. وأقامت البرتغال في تلك الفترة محطات تجارية، بما في ذلك محطات التجارة بالعبيد، على الشواطئ الأفريقية الغربية بدعم الفاتيكان الذي منحها الأولوية من بين الدول الكثوليكية في السيطرة على المواقع المعثورة عليها جنوبي رأس بوجادور. في 1487 وصل البرتغاليين إلى رأس الرجاء الصالح وفي 1497 وصلوا إلى شرقي إفريقيا.
في نهاية القرن ال15 انضمت إسبانيا إلى موجة الجولات الاستكشافية والاستعمار حيث قرر الملوك الكاثوليك مراعاة محاولة الرحالة الإيطالي كريستوفر كولومبوس اجتياز المحيط الأطلسي. وكانت نتيجة هذه المحاولة اكتشاف الجزر الكاريبية غربي القارة الأمريكية وإقامة "إسبانيا الجديدة"، منطقة في أمريكا سيطر عليها نائب ملك إسبانيا، في 1525. (2)
مفهوم الاستعمار
الاستعمار هو ظاهرة تهدف إلى سيطرة دولة قوية على دولة ضعيفة وبسط نفوذها من أجل استغلال خيراتها في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وهي بالتالي نهب وسلب منظم لثروات البلاد المستعمرة، فضلاً عن تحطيم كرامة شعوب تلك البلاد وتدمير تراثها الحضاري والثقافي، وفرض ثقافة الاستعمار على أنها الثقافة الوحيدة القادرة على نقل البلاد المستعمرة إلى مرحلة الحضارة. (1)
تطور مفهوم الاستعمار عبر مراحل متداخلة
· الاستعمار الاستيطاني : إنشاء مستعمرات، أي محطات تجارية أو تجمعات سكانية مأهولة بمواطني دولة معينة خارج أراضي هذه الدولة، واستخدام هذه المستعمرات لتعزيز تأثير هذه الدولة على المحليين أو لتثبيت سيطرتها على الطرق، المعابر، المواقع الإستراتيجية، الأراضي الخصبة أو المناجم. شاع هذا النوع من الاستعمار منذ القرن ال16 وحتى منتصف القرن ال20. في الكثير من الأحيان تطور فرق ثقافي وسياسي بين سكان المستعمرات وبلدانهم الأصلية، مما أدى إلى انفصالهم عن دول الأم وإنشاء دول جديدة.
· الاستعمار الاستغلالي، أو الإمبريالية : وهو الدولة سلطتها المباشرة إلى إقليم خارجي بوسائل سياسية أو اقتصادية أو عسكرية. (2)
· الاستعمار الجديد : السيطرة غير المباشرة على دول معينة بأدوات اقتصادية أو ثقافية أو سياسية.
أشكال الاستعمار:
1- الهجرة والاستيطان :اقدماشكالالاستعمارواشدها على شعوب البلاد المستعمرة,حيثشجعت الول المستعمرة شعوبها على الهجرة الي المناطق التي استعمروها ليحلوا مكانالسكان الاصليين,كما حدث في فلسطين والجزائر وليبيا .
2- التميز العنصري :شكل استعماري يمارسة المستعمر على غيره من الاجناس المستعمرة بسبب اللون او العقيدةاو الجنس , وتكون للمستعمر السيطرة ويحرم السكان الاصليين من جميع مظاهر الحياة , مثل ماحدث فيجنوب افريقيا وفلسطين .
3- الاحتلال العسكري:وتستخدم الدولالاستعمارية فية القوة العسكرية المباشرة ,ضد هذه البلدان ,وتتولى من خلالهاالاشراف التام على جميع المناطق المستعمرة ,كاحتلال فرنسا للجزائر 1246هـ ,واحتلالبريطانيا لمصر 1300هــ . (2)
4- الحماية :وهو فرض الدول الاستعمارية حمايتهاعلى البلاد المستعمرة , وبذلك تحتفظ الدول باستقلالها الداخلي ,والدول المستعمرةصاحبة الكلمة في امور الامن والخارجية والدفاع , مثل الحماية البريطانية على عدن 1333هـ والحماية الفر نسية على تونس 1301هـ .
5- الانتداب :وهو نظام ظهر بعدالحرب العالمية الاولي فرضته عصبة الامم على عدد من الشعوب بحجة عدم مقدرتها علىادارة شؤونها ,وعهدت بذلك لعدد من الدول الاستعمارية مثل : الانتداب البريطاني علىالعراق وفلسطين ,والفرنسي على سوريا ولبنان 1339هـ .
6- الوصاية :نظام اقرتههيئة الامم بعد الحرب العالمية الثانية على بعض الشعوب الخاضعة للاستعمار بحجة انمستواها لم يصل الى مرحلة حكم نفسها بنفسها ,فهي محتاجة لمن يدير شؤونها ,مثلالوصاية الدولية على ليبيا والصومال .
7- الاستعمارالثقافي : وهو اخطراشكالالاستعمار,لانه يهاجم روح الامة ,ومعتقداتها ,وقيمها, وعاداتها إذ قامت الول الاستعمارية باستغلال المدارس ومراكز التنصيرالديني التي انشأتها في المناطق المستعمرة, من اجل السيطرةعلى البلاد ثقافيا" ( وقدتحرج من هذه المراكز من تاثر بثقافة المستعمر وتقاليده واخذت تعمل لمصلحته . (2)
أهداف الاستعمار
الأهداف السياسية
· تحسين مركز الدولة الاستعمارية في التنافس على المراكز المتقدمة على سلم القوى الدولية، إِذ إِن تحسن المركز الدولي للدولة يوسع دائرة نفوذها في المجتمع الدولي، ويمكن اعتبار مؤتمر برلين عام (1884م) مؤشراً على ذلك، فقد عقد هذا المؤتمر بسبب الصراع بين الدول الاستعمارية على مناطق النفوذ.
· ويفسر العالم الأمريكي هانس مورغانثوالإِمبريالية بأنها "سياسة تستهدف قلب الوضع القائم والقيام بمراجعة علاقات القوى بين دولتين أو أكثر من أجل تحقيق تفوق محلي أو إقامة امبراطورية قارية أو تحقيق هيمنة عالمية ويرى أن الدول كالأفراد لديها "شهوة القوة" أي الرغبة في تحسين وضعها باستمرار، من غير الاقتناع بالوضع القائم. (1)
· ولكي تتمكن الدولة الاستعمارية من تعزيز مركزها الدولي في إطار هذا التنافس، لا بد لها من زيادة مواردها، وهو أمر يستدعي البحث عن موارد خارج حدودها، فقامت هذه الدول بالإجراءت الآتية:
تمويل بعثات الاستكشافات الجغرافية التي تستهدف البحث عن مناطق غنية بالموارد أو يمكن الاستثمار فيها، ومن أمثلة ذلك تمويل رحلة فاسكو دي غاما البرتغالي الذي اكتشف الطريق إلى الهند عن طريق رأس الرجاء الصالح في رحلته التي دامت من (1497 – 1498م)، – – وتمويل الإسِبان لبعثة كريستوفر كولومبوس الذي اكتشف السواحل الأمريكية (البهاما) عام (1492م). وتمويل بعثة ماجلان الذي وصل إلى سواحل أميركا الجنوبية عام (1519م)، وعبر الباسيفيكي (الهادي) إلى الفلبين حيث قتل هناك، كما تعرضت القارة الإفريقية إلى حملات استكشافية في القرن الخامس عشر الميلادي، لا سيما المناطق الساحلية، وتواصلت هذه الحملات إلى القارة الإفريقية حتى القرن التاسع عشر من البعثات البريطانية والفرنسية والألمانية.(1)
· الاحتلال العسكري المباشر للمناطق الغنية بالموارد، وإرسال موجات من المستوطنين في بعض الأحيان إلى المناطق التي تمت السطرة عليها.
– ومن أمثلة الاحتلال العسكري المباشر: الاحتلال البريطاني لعدن عام (1839م)، ولمصر عام (1882م)، ولنيجريا ابتداء من عام (1861م)، والاحتلال الفرنسي للجزائر عام (1830م)، ولفيتنام عام(1858م)، والاحتلال الأسباني لمناطق من المغرب عام (1912م).
– اما المناطق التي عرفت استعماراً استيطانياً فمن أمثلتها:الاستيطان الصهيوني في فلسطين، والاستيطان الهولندي في جنوب إفريقية منذ عام (1652م)، والاستيطان البريطاني فيها منذ (1823م).
السيطرة على المواقع: يستدعي تعزيز المركز الدولي للدولة الاستعمارية سيطرتها على المواقع التي تمثل مراكز، يمكن منها السيطرة على طرق المواصلات أو التحكم بمنابع بعض الأنهر أو مجاريها، أو منع تشكيل أحلاف متصلة جغرافياً مع بعضها. . (1)
الأهداف الاقتصادية
الحصول على المواد الخام: أدت الثورة الصناعية التي عرفتها أوروبا في أواخر القرن الثامن عشر وأوائل القرن التاسع عشر إلى حاجة الدول الأوروبية إلى المواد الخام التي اعتمدت عليها الصناعات الجديدة. ولسد حاجة مصانع الدول كافة من المواد الخام، اندفعت الدول الأوروبية تبحث عن هذه المواد في أرجاء العالم (كالقطن من مصر، والماسوالذهب من جنوب أفريقيا والأراضي الزراعية في الشمال الإفريقي….الخ). (2)
الأهداف الثقافية
نجد أن لغة المستعمر تحل مكان اللغة المحلية في البلدان المستعمرة؛ فأغلب المستعمرات الإسبانية في أميركا اللاتينة تستخدم اللغة الأسبانية لغة رسمية، وتعد الإنجليزيةاللغة الرسمية لعدد من المستعمرات البريطانية مثل: الهندونيجيرياوجنوب أفريقيا، كما تعد الفرنسيةاللغة الرسمية في المستعمرات الفرنسية مثل تشاد ومالي والسنغال، وتعد اللغة البرتغالية لغة موزمبيق الرسمية بوصفها مستعمرة برتغالية سابقة.
وإِذا طبقنا ذلك على اللغة الثانية في عدد من الدول، فسنجد أنها لغة المستعمر، كما هو حال الإنجليزية في العراقومصروالأردن، و الفرنسية في دول المغرب العربي، وهو أمر ينسجم مع ما قاله العالم تريتشكا من: أن اللغة هي أساس التجارة المزدهرة، إِذ إِن الأمة لا تفقد مستعمراتها المرتبطة بها باللغةوالثقافة حتى لو انقطعت الرابطة السياسية. (2)
الأهداف الدينية
ارتبط عدد من الحملات الاستعمارية بوجود بعثات وإرساليات تبشيرية دينية، وقد نجح عدد منها في تنصير قطاعات من سكان المستعمرات، وكان أبرز حالات النجاح في هذا المجال في الدول الإِفريقية مثل جنوب السودان وجنوب نيجيريا.
الأهداف السكانية (الديموغرافية)
لتخفيف الضغط السكاني عندها بالسيطرة على أقاليم معينة ونقل الفائض السكاني إِليها، وهو ما اعتمدته ألمانياوإيطالياواليابان في الحربين العالميتين، ولذا فإِن من حق الدول الاستعمارية أن تنمو على حساب المناطق التي فيها أماكن للفائض السكاني، وقد قامت في أوروبا عند اشتداد البطالة في القرن التاسع عشر مدرسة الإِصلاح الاستعماري التي دعت لتحويل الفائض السكاني إِلى المستعمرات واستخدامهم في الزراعة، وكان في بريطانيا في هذه الفترة (103) جمعيات لهذا الغرض. (1)
*** الفصل الثاني ***
الاستعمار البرتغالي في الخليج العربي
كانت التجارة بين الشرق و الغرب من أقدم العصور تسلك أحد الطريقين,إما البحر الأحمر و مصر ,أو طريق الخليج العربي و العراق و الشام, وكلا الطريقين تحت سيطرة العرب, وكانت المشاكل و الخلافات السياسية أحيانا تغلق أحدهما أو كليهما , وحين يحدث هذا فإن نفائس الشرق التي تصدر الى أوروبا تنقطع, مما اطر الدول الأوروبيةللبحث عن طريق جديد ,وكانت البرتغال هي الدولة الأوروبية التي كرست أكبر قدر من جهودها للبحث عن هذا الطريق مدفوعة بعوامل اقتصادية و دينية.
وقد ساعد الوجود العربي في الأندلس البرتغاليين على الإطلاع على المعارف العلمية العربية و الاهتمام بدراستها, حيث صححت هذه المعارف و المعلومات الأفكار الخرافية السائدة في أوروبا و التي منها : أن المياه الإستوائية على درجة من الغليان و أن الشياطين و العفاريت يسكنون البحار و المحيطات.
بدأ البرتغاليون بالاتجاه نحو السواحل الشمالية و الشمالية الشرقية للقارة الأفريقية فقد وصل هنري الملاح الى سبته عام 1415م,ووصل آخرون الى الرأس الأخضر , أما فاسكودي كاما فإن رحلته ذات أهمية خاصة لأنه وصل الى الشرق عن طرق رأس الرجاء الصالح حيث صحب في حملته من له معرفة بالغة العربية و اللغات الأفريقية , وسارت حملته بمحاذات السواحل الغربية ووصلت الى النهائية الجنوبية للقارة الأفريقية ( رأس الزوابع)الذي سماها رأس الرجاء الصالح ثم أكمل مسيرته الى السواحل الشرقية فوصل موزنبيق و مالندي في عام 1498م.
قد أراد دي كاما الاستفادة من الخبرة العربية للوصول الى الهند فكان لقاؤه مع أحمد بن ماجد و اقناعه بقيادة السفن البرتغالية عبر المحيط الى الهند وقد استفاد من خبرة ابن ماجد و خبرت الملاحين العرب العلمية.
وفي 23 أيار 1498م وصل دي كاما الى الهند,و بادرو بأول عمل لهم وهو حرمان التجار العرب من الاقامة داخل حدود كاليكوت , ثم أقامو مركزا تجاريا لهم في كوا و الذي أصبح عام 1509 قاعدتهم الرئيسية في شبه القارة ومن ثم بدأو بالاندفاع نحو الشرق الى جزر التوابل ( أندونيسيا و الملايو ) .
أولا: الاحتلال البرتغالي لمنطقة الخليج العربي.
كانت النتيجة السريعة لرحلة دي كاما ثورة في تجارة أوروبا , ومجد عظيم للبرتغاليين , فبعد وصولهم الى الهند صمموا على السيطرة على كل التجارة التي كانت في السابق تحت سيطرة العرب , فأسسوا عدة مجطات تجارية و أصبحت البضائع تنقل بالطريق البحري إذ أنه كان طرقا رخيصا للتجارة, ومنها توزع البضائع الى الأسواق العالمية مثل: فينيسيا و مرسيليا وو برشلونة و جنوا.
بدأ الصراع بين العرب و البرتغاليين حو التجارة مع الهند ,حيث لم تكن العلاقة بين الطرفين ودية قبل هذا التاريخ وذلك بسبب سقوط القسطنطينية و اخراج العرب المسلمين من أسبانيا في نهاية القرن الخامس عشر, فبدأ البرتغاليون عام 1500م بمهاجمة السفن العربية فأحرقو عشر سفن مصرية عند الموانئ الهندية, و في السنة التالية منعوا من المتاجرة بالتوابل وقاموا بأول عمل حربي ضد العرب سنة 1502 عند محاولتهم منع السفن العربية من دخول البحر الأحمر,وفي سنة 1505 وصلو الى جدة و ميناء مكة المقدسة فأصبحو بذلك يهددون السيادة العربي.(1)
أرسل الملك البرتغالي في سنة 1506م أسطولا جديدا لتعزيز الوجود البرتغالي في المنطقة , وكان ضمن قادة الأسطول ألفونسو البوكيرك و الذي بدأ نشاطه باحتلال جزيرة سومطرة, حيث أراد اتخاذها قاعدة لإغلاق باب المندب و النزول في عدن , فتمكن من محاصرة باب المندب تماما , و من التجار العرب من دخول الهند , و بذلك استطاعوا احتكار التجارة و القضاء على الرخاء الاقتصادي العربي.
بعد اغلاق البحر الأحمر توجه البرتغاليون بقيادة البوكيرك في سنة 1507 للسيطرة على منطقة الخليج العربي , و بدأ حملته بسفن كبيرة ذات أسلحة نارية , فهاجم السفن العربية , و أحرق في رأس الحد ثلاثين أو أربعين قارب صيد, ثم توجه اى قلهات و منها الى قريات التي استعد أهلها للدفاع عنها, وحدثت مقاومة عربية بطولية ضد الغزاة, فقام البرتغاليين بقتل كل من يقع في أيديهم دون تمييز , كما قامو بقطع آذان و أنوف أهل البلدة .
بعد ذلك شرع البوكيرك بمهاجمة مسقط, وهي ذات موقع سوقي خطير يتحكم في مدخل الخليج العربي , وقد واجهه البرتغاليين مقاومة عنيفة من أجل مسقط فعمد البوكيرك الى ضرب المدينة بالمدافع و احراق مبانيها وجوامعها و جميع السفن التي كانت راسية على موانئها , ثم بعد ذلك أمر الجنود بتدمير المدينة و حرقها .
بعد خراب مسقط مضر البوكيرك بغزواته التخريبية على طول الساحل العماني, وقدد هدد حاكم صحار البوكير بأنه سيلقى مقاومة عربية أشد مما أظهرته المدن العمانية السابقة , فقد حشد أكثر من 7آلاف مقاتل مما اطر البوكير الى الاستسلام وقبول اعلان الخضوع .
بعدها توجه البوكيرك الى خورفكان فعمل على مهاجمة المدينة و تدميرها وحرقها , بعدها توجه الى رأس مسندم ومنه مباشرة الى هرمز.(1)
ثانيا: احتلال هرمز
كانت هرمز مشيخة عربية كبيرة , استطاعت أن تبسط سلطانها السياسي على أجزاء مترامية من شواطئ الخليج العربي وجزره , فشملت عمان حتى القطيف, ودخلت جزر البحرين , كما ضمت قسما كبيرا من الساحل الشرقي و وعمقها الكبير داخل الجزيرة العربية حتى مشارف عدن , وتعد مشيخة هرمز آنذاك من أعظم الكيانات التي شهدتها منطقة الخليج العربي ثراء و أكثرها ازدهارا و أوفرها سكانا.
وقد استعدت هرمز لصد الغزو البرتغالي , و تجمعت قوات من الفرسان على الساحل , وكام ملك هرمز صبيا صغير السن يسمى سيف الدين , يحكم نيابه عنه مستشاره الشيخ عطار , وازاء استمرار القصف المدفعي البرتغالي لم يد سيف الدين بدا من طلب المفاوضة , و التي كانت نتيجتها أن قام البوكيرك أثناء المفاوضات بطعن الشيخ عطار مستشار الملك فجأة , و أسفرت المفاوضات عن الصلح بشروط قاسية منها:
1- أن يظل سيف الدين حاكما تحت السيادة البرتغالية
2- أن يدفع لملك البرتغال جزية سنوية
3- أن يسمح للبرتغاليين بإقامة منشآت عسكرية في بلاده
ولهذا الغرض استولى البوكيرك على قطعة من أرض الجزيرة لإقامة حصن عليها.
كتاب: موسوعة تاريخ الخليج العربي ..لمحمود شاكر ..دار أسامة للنشر و التوزيع ..سنة 2022
صـــ168ــ170
و بحتلال هرمز فرض البرتغاليون سيطرتهم على المنطقة بشكل لا يقبل الشك فلم يعد (1)
باستطاعة أية سفينة المتاجرة مع الخليج دون أن تحمل جواز خاص بذلك, كما أنهم استفادوا من موقع جزيرة هرمز الإستراتيجي المهم وجعلوا منها محورا للفعاليات البرتغالية و ازدهرت تجارتهم في موانئ الخليج .
ثالثا: الثورات العربية ضد البرتغاليين.
عندما أذاع نبأ موت السفاح البرتغالي البوكيرك سرعان ما شرع سكان الخليج العربي بتحريك ثورة تحت قيادة حكام هرمز على الحكم البرتغالي , بحيث امتدت الثورة الى جميع القواعد و الحصون البرتغالية في منطقة الخليج, فتوصل عرب الخليج بقيادة ملك هرمز الى وصع خطة محكة لإشعال نار الثورة الموحدة ظد الوجود البرتغالي , ففي 30 تشرين الثاني 1521 قام رأيس التجار بمهاجمة السفينتين الموجودتين في ميناء هرمز فكان ذلك نذير ببدء الثورة , فتمكن الأهالي من مهاجمة البرتغاليين و محاصرتهم في القلعة , أما بقية المناطق فقد تعرض فيها البرتغاليين الى هجمات منظمة, وقد شهدت الثورة نجاحا عظيما وتعرض البرتغاليون الى خسائر فادحة .
قام البرتغاليون بنقل تعزيزات عسكرية الى جزيرة هرمز , فقضوا على الثورة بعد سلسلة من الأعمال الوحشية, وقد كان لهذا العمل الوحشي أصداؤه في المناطق الأخرى من الخليج العربي كما أن نتائج اخفاق الثورة أدى الى عدة نتائج ومنها:
1- إلغاء البرتغاليين الادارة العربية في حكم هرمز
2- الاسراف في تنكيل الأهالي
3- مغادرة أهالي هرمز الى جزيرة قشم
وفي عام 1526م قام عرب هرمز بثورة ثانية شاركهم فيها حكام مسقط و قلهات وذلك بسب الاضطهاد و الظلم , فوصل الخبر الى نائب الملك البرتغالي فأرسل حملة عسكرية مؤلفة من خمس سفن للقضاء على الثورة و انتهز القائد البرتغالي الفرصة فقام بتعزيز الوجود العسكري في عمان و أنشأ بها عدة ثكنات وشن الهجوم على ظفار بغرض تدميرها. وهكذا استطاع البرتغاليون القضاء على الثورة .ولكن مع ذلك استمرت روح المقاومة و الثورة حتى أن ملك البرتغال أمر في عام 1529م بترحيل كافة القوى و الجماعات البرتغالية من جزيرة هرمز.
كما أن البحرين ثارت في عام 1529م فأرسل البرتغاليون حملة لاكنها فشلت بسبب نقص استعدادها وكان لهذا الفشل انعكاسات سيئة على هيبة البرتغاليين ونفوذهم في المنطقة.
وثارت القطيف في عام 1550م و استمر العرب في سلسلة ثوراتهم حتى تمكنوا في النهاية من القضاء على البرتغاليين.(1)
رابعا: التنافس العثماني البرتغالي في الخليج العربي.
لقد وصل العثمانيون الى الخليج العربي بعد فترة من السيطرة البرتغالية , وكانوا قد احتلوا بغداد في عام 1534م و البصرة في عام 1546م وخضع مشايخ البحرين و القطيف للسيطرة العثمانية , فاستطاعوا بسط نفوذهم على الأجزاء الشمالية للخليج العربي.
وفي عام 1552م قاد بيري باشا حملة عثمانية تحركت من السويس الى مسقط و استولت على القلعة البرتغالية فيها و أسرت قائدها, ثم تقدمت الحملة الى جزيرة
كتاب: موسوعة تاريخ الخليج العربي ..لمحمود شاكر ..دار أسامة للنشر و التوزيع ..سنة 2022
صــ 172ــــ 175
هرمز وكادت أن تسقط في أيديهم لولا أن قائد الحملة رفع الحصار عنها و اتجه نحو البصرة . فعين السلطان العثماني مراد ريس رئيسا للأسطول ليرجع السفن من البصرة الى السويس , وقد تلاق الأسطولان عند مضيق هرمز , فتكبد العثمانيين خسائر كثير مما اطرهم للرجوع الى البصرة, لكن السلطان أصر على ارجاع الأسطول الى السويس فعين علي رئيس قائد للأسطول فأبحر من البصرة عام 1554م ومعه خمسة عشر سفينة , و التقى مع الأسطول البرتغالي المكون من 25 سفينة بالقرب من خورفكان, وقد دارت بينهم واحدة من أعنف المعارك البحرية أجبر فيها البرتغالين على التراجع ,ولكنهم سرعان ما أعادوا تجهيز أسطولهم ودخلوا في معركة أخرى نتج عنها هزيمة الأسطول العثماني.
بعد ذلك حاول العثمانيون السيطرة على البحرين , حيث صار مصطفى باشا بسفينتين كبيرتين و70 سفينة خفيفة و كان برفقته 1200 جندي. وفي عام 1559م بدأ العثمانيون حصارهم للمنامة و التي هي حصن البحرين, فوصلت أخبار الحملة الى البرتغاليين في هرمز , فبادروا بارسال أسطول مكون من 22 سفينة لإنقاذ الجزيرة , واستطاع البرتغاليين الحاق الأذى و الخسائر بالعثمانيين , وبسبب موت مصطفى باشا ونقص المؤن و التجهيزات قرر العثمانيون إنهاء هذا الصراع .
وبعد مرور مدة سلم العثمانيون أسلحتهم للبرتغاليين بسبب هبوب الرياح الشرقية التي جلبت معها حمى مميتة سببت الموت للكثير من صفوف العثمانيين و البرتغاليين.
وفي بداية القرن السابع عشر حدثت تطورات مهمة أدت الى اضعاف القوة البرتغالية وتلاشي سيطرتهم على الخليج ومن هذه الأسباب .
1- وضع البرتغال السياسي بعد خضوعها للعرش الأسباني في عام 1581م
2- تسخير اسبانيا الموارد البرتغالية لمصالحها
3- ظهور منافسين جدد في الخليج وهم الانجليز و الهولنديين
4- مواصلة العمانيون استعداداتهم لطرد البرتغاليين
5- تنامي قوة العرب من اليعاربة و قضائهم على الإمبراطورية البرتغالية
وبذلك انتهى الحكم و الوجود البرتغالي من منطقة الخليج وتلاشت سيطرتهم.(1)
يتبع……………………