السلام عليكم..
مقام الإحسان من الإسلام
دون أن ندخل في متاهة الاستدلالات الشرعية حول التصوف, واشتقاقا ته اللغوية و مصادره الشرعية (والتي يجدها الزائر الكريم في منبر الأسئلة و الأجوبة من هذا الموقع)نتعامل مع مفهوم التصوف كمُسمى لا كاسم,أي نتعامل مع "مضمونه التجريبي" و "حمولته الشعورية".
من هذا المنطلق يعتبر التصوف هو مقام الإحسان من الإسلام كما جاء ذلك في الحديث المعروف بحديث جبريل, والذي نصه كالتالي:
عن عمر (رض) قال: بينما نحن جلوس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب، شديد سواد الشعر، لا يرى عليه أثر السفر ولا يعرفه منا أحد، حتى جلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأسند ركبتيه إلى ركبتيه ووضع كفيه على فخذيه وقال: يا محمد! أخبرني عن الإسلام؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وتقيم الصلاة, وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا. قال: صدقت. فعجبنا له يسأله ويصدقه، قال: فأخبرني عن الإيمان. قال: أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره. قال: صدقت. قال: فأخبرني عن الإحسان. قال: أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك. قال: فأخبرني عن الساعة. قال: ما المسئول عنها بأعلم من السائل. قال: فأخبرني عن أماراتها. قال: أن تلد الأمة ربتها، وأن ترى الحفاة العراة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان. ثم انطلق. فلبث مليا، ثم قال: يا عمر أتدري من السائل؟ قلت: الله ورسوله أعلم. قال: فإنه جبريل أتاكم يعلمكم دينكم" (رواه مسلم).
فالتصوف هو الطابق الثالث في البناء الإسلامي، أي مستوى الإحسان حيث يصبح الإيمان إيمانا شهود يا بعد أن كان إيمانا غيبيا اعتقاد يا. فالغيب الذي نؤمن به على مستوى الإيمان يصبح واقعا شهود يا نتراءاه (كأنك تراه) على مستوى الإحسان.
فإذا كان الإسلام هو مجموع الطوابق الثلاثة إلا أن طابقه الثالث (مستوى الإحسان) هو كماله من خلال تحقيق مستويي الإسلام والإيمان تحقيقا يحول الظن الغائب إلى يقين حاضر.
ومستوى الإحسان عايشه الصحابة رضوان الله عليهم في علاقتهم بالرسول عليه الصلاة والسلام. وانتقلت أسرار هذا المقام إليهم روحيا من خلال رابط المحبة والتعلق بشخص رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فكما أن أسرار مستوى الإسلام تنتقل بالتلقين والاستماع من فكر إلى فكر، وأسرار مستوى الإيمان تنتقل بالعمل والإتباع من سلوك إلى سلوك، فأسرار مقام الإحسان تنتقل من قلب إلى قلب بالمحبة والتعلق بشخص رسول الله صلى الله عليه وسلم وورثته من أمته.
وإن غياب ممارسة مستوى الإحسان في سلوك المسلمين (لغياب قناة التواصل لديهم التي هي المحبة)، باستثناء بعض الدوائر الضيقة، أدى إلى تأسيس إسلام مبتور بدون روح.
وعندما حاول البعض ترميم الجزء المتداعي من البناء الإسلامي (طابق الإحسان) نعتوا بالمتصوفة، وتم تقييم سلوكهم انطلاقا من تصور قاصر لإسلام بمستويين فقط، حيث اعتبروا أن محاولة الصوفية بناء الطابق المتداعي هو إضافة إلى الإسلام ما ليس منه.
وإن الحقيقة الصوفية التي اكتشفها العارفون بالله ما هي إلا تفصيل لما أجمل في الشريعة.
وإن معارضة النص القرآني أو ألحديثي بالحقيقة الصوفية يرجع إلى معارضة الجزء (الحقيقة الصوفية) بكله (الشريعة). ذلك أن علاقة الحقيقة الصوفية بالنص القرآني أو ألحديثي هي علاقة تضمن واستغراق (الثاني للأول) لا علاقة تضاد وتنافر كما يحاول الإيهام بذلك بعض ممن يوجد خارج التجربة الصوفية.
إن التعارض – إذا وجد – هو تعارض بين سوء تأويل النص القرآني أو ألحديثي و/أو النص الصوفي، أو بين سوء تأويل النص الصوفي (على فرض صحته) والنص القرآني أو ألحديثي. هذا خصوصا إذا علمنا أن اللغة الصوفية هي لغة إشارية لا دلالية، أي أنها تشير إلى الحقيقة عن بعد ولا تدل عليها. إذ الدلالة الحقيقية للنص الصوفي لا يمكن فهمها إلا بالمشاركة الوجدانية.
إن التصوف هو "القلب النابض" للإسلام و كمال بنائه.لأن العبادة بدون محبة لله و معرفة به تجعل من العبادات"طقوسا شكلية"فارغة.
إن التصوف يمثل"الرصيد الشعوري"غير المدون من السنة النبوية لعدم قابليته للتدوين.ذلك أن أحوال الرسول عليه الصلاة والسلام الباطنية لا تدون في الكتب و لكنها تدرك بالمعايشة الوجدانية.
وبالتوفيق=)