قال تعالى : (أَوْكَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُور) (سورة النور: الآية 40).
وعلى الرغم من الظلام الدامس، في أعماق البحار، فهناك عدداً من الكائنات المائية، تستطيع الحياة، في هذه الأعماق المظلمة. فبعض أنواع الأسماك، يحتوي جسمها، على خلايا ضوئية، تضئ في الظلام الدامس، وتتحكم في إضاءته أو إطفائه. ويعتمد بعض آخر اعتماداً كلياً على حواس أخرى، غير حاسة الإبصار، مثل: حاسة الشم، أو اللمس. والماء في هذه الأعماق السحيقة، شديد البرودة. فحرارة سطح البحر أو المحيط تقارب حرارة سطح الأرض. ومع ازدياد الهبوط إلى قاع البحر، تقل درجة الحرارة حتى تصل إلى، أو تقارب، الصفر المئوي على عمق 4 آلاف متر، وقد تقل الحرارة بعد ذلك باستمرار الهبوط، إلاّ أن الماء لا يتجمد، لأنه مالح وتحت ضغط كبير، عند هذه الأعماق. ويعدّ المحيط الهادي أكبر المحيطات، من حيث المساحة، وأعمقها. ويقع بين غربي القارتين الأمريكتين، وشرقي قارة آسيا. وتصل مساحته إلى حوالي 180 مليون كيلومتر مربع، ويغطى أكثر من ثلث الكرة الأرضية. ويصل متوسط عمق المحيط الهادي إلى حوالي 3940 متراً، وبه أعمق نقطة في الكرة الأرضية، ممثلة في شق أو أخدود "ماريانا". ويحتوي المحيط الهادي على أكثر من نصف الماء على سطح الأرض، كما يحتوي، كذلك، على حوالي 25 ألف جزيرة، يقع معظمها جنوبي خط الاستواء. وتوجد على حواف المحيط الهادي المتعرجة، عدداً من البحار، والخلجان، منها: البحر الأصفر، وبحر اليابان، وبحر الصين، وخليج ماجلان، الذي يصل المحيط الهادي بالمحيط الأطلسي.
أمّا المحيط الأطلسي فهو ثاني أكبر المحيطات، من حيث المساحة، ويقع ما بين غربي أفريقيا وأوروبا، وشرقي الأمريكتين. وينقسم المحيط الأطلسي إلى: المحيط الأطلسي الشّمالي، والمحيط الأطلسي الجنوبي، بالتيار الاستوائي المضاد، عند 8 درجات شمالي خط الاستواء. ويرتبط المحيط الأطلسي، بالمحيط الهادي، عند المحيط القطبي المتجمد في الشمال، وممر الدراك (Drake Passage) في الجنوب. كما يرتبط المحيط الأطلسي، بالمحيط الهادي، كذلك، عند قناة بنما (Panama Canal). وتصل مساحة المحيط الأطلسي، بالبحار الممتدة منه، مثل البحرالمتوسط، إلى حوالي 107 ملايين كيلومتر مربع، حيث يغطي ما يقرب 20%، من مساحة الأرض. ويصل متوسط عمق المحيط الأطلسي، حوالي 3332 متراً، بينما يبلغ أقصى عمق فيه، إلى 8381 متراً، عند شق بورتريكو. ويُعد المحيط الهندي، أصغر المحيطات الثلاثة، إذ تصل مساحته، بالبحار الممتدة منه، مثل البحر الأحمر، والخليج الفارسي، إلى حوالي 74 مليون كيلومتر مربع، مغطياً ما يقرب من 20% من مساحة ماء الكرة الأرضية، وتقع معظم مساحة المحيط الهندي في نصف الكرة الأرضية الجنوبي، حيث يحده من الشمال، قارة آسيا، وشبه القارة الهندية، ومن الغرب، الساحل الغربي لأفريقيا، وشبه الجزيرة العربية، ومن الجنوب، قارة أنتاركيتكا (Antarctica)، ومن الشرق، شبه جزيرة الملايو، وقارة أستراليا.
وبمقارنة متوسط عمق المحيطات والبحار، بارتفاع الأرض اليابسة، فوق سطح الكرة الأرضية، لوجدنا مفارقة عجيبة. فمتوسط ارتفاع القارات، يصل إلى حوالي 840 متراً، فوق سطح الأرض، بينما يصل متوسط أعماق المحيطات، إلى حوالي 3700 متر. وبتوزيع كمية المياه الموجودة في هذه الأعماق على سطح الأرض، بفرض أنها كرة ملساء، فإن الماء، سيغطي سطح الأرض، حتى ارتفاع 2430 متراً، إلاّ أن رحمة الخالق وسعت كل شئ، باتساع هذه المحيطات، لهذا الكم الهائل من الماء. وتُعد البحار أحواضاً جانبية، ممتدة من المحيطات، قريباً من سواحل القارات. لذا، فهي تتلقى كثيراً من مياه صرف الأنهار العذبة، الأمر الذي يحافظ على درجة الملوحة ثابتة في البحار والمحيطات. وإذا نظرنا إلى الكرة الأرضية، نجد أن غالبية البحار، تفصل بين القارات. فالبحر الأبيض المتوسط، يفصل بين شمال قارة أفريقيا، وجنوب قارة أوروبا. والبحر الأحمر، يفصل بين جنوب غربي آسيا، وشمال شرقي أفريقيا. والبحر الكاريبي، يفصل بين أمريكا الشمالية، وأمريكا الجنوبية. وفي بعض الحالات، توجد بحار تكونت على حواف القارات، وتحاط بسلاسل من الجزر، أو بمساحات من الأرض، مثل: الخليج العربي، الذي يمتد من المحيط الهندي، وبحر إيجة، الذي يمتد من البحر الأبيض المتوسط، وبحر اليابان، الذي يوجد بين اليابان والصين.
وعلى الرغم من اتساع المحيطات والبحار، وما تحويه من ماء، فإن هذا الكم الهائل من المياه، لا يعد سائغاً للشرب، أو للاستخدام الآدمي، لكونه ماء مالحاً. ويبلغ متوسط نسبة الملوحة في معظم مياه البحار والمحيطات، إلى حوالي 3.5%، وفي الخليج العربي إلى حوالي 4.2%، وفي البحر الأحمر إلى 4%، وفي البحر المتوسط تصل إلى حوالي 3.9%. وترتفع نسبة الملوحة، أو تنخفض، في ماء البحر، تبعاً لوجود مصبات أنهار عذبة، في البحر، أو تبعاً لظروف المناخ السائد، في المنطقة. ففي حالة البحر المتوسط، نجد عديد من الأنهار التي تصب فيه، الأمر الذي يؤدي إلى ثبات نسبة الملوحة عند حد معين، وهو 3.9%. أمّا في البحر الأحمر، أو الخليج العربي، فلا توجد مصبات لمياه الأنهار العذبة الرئيسية في هذه البحار، الأمر الذي يؤدى إلى ازدياد نسبة ملوحتها عن البحر الأبيض المتوسط. كما تصل نسبة الملوحة في البحر الميت إلى 27.5%، وهي نسبة ليس لها مثيل في أي من بحار العالم. وقد أدت هذه الزيادة في الملوحة إلى اختفاء معظم الكائنات الحية منه، لذا، أشتقت تسميته من هذه الحقيقة، إذ لا تستطيع معظم الكائنات الحية، مقاومة زيادة نسبة الملوحة، في هذا البحر. وقد سُمي ماء البحر "بالماء المالح"، نظراً لاحتوائه على عدد من الأملاح الذائبة فيه، التي يؤدي ذوبانها إلى ملوحة مياهه. ومن أهم الأملاح في مياه البحار والمحيطات، المسببة للملوحة، ملح الطعام، أو ما يعرف بالاسم الكيميائي "كلوريد الصوديوم". وتصل نسبة ملح الطعام إلى حوالي 75%، من مجموع الأملاح الذائبة في ماء البحر. كما يوجد هناك عدد من الأملاح الأخرى، مثل أملاح كلوريد البوتاسيوم، وسلفات الماغنسيوم، وسلفات البوتاسيوم، وأملاح الكالسيوم، التي تشكل في مجموعها مع ملح الطعام، حوالي 3.5% من ماء البحر أو (35 جزءاً من الألف من ماء البحر). ويعني هذا أنّ لتراً واحداً، من ماء البحر، لو عُرض لعملية التبخير، لأنتج كمية من الملح، تساوي 35 جراماً. كما تحتوي مياه البحر، كذلك، على جميع العناصر الكيميائية المعروفة، نظراً لاستقباله مياه صرف الأنهار العذبة، التي تكون محملة بما تحتويه القشرة الأرضية من عناصر، أثناء تدفقها على سطح الأرض. ومن العناصر، التي يحتويها ماء البحر، عنصرا الذهب والفضة، إلاّ أن استخراجهما من ماء البحر، يتطلب مشقة مضنية، وتكاليف عالية، تزيد كثيراً عن قيمة ما يمكن استخراجه.
وجد العلماء، أن 99% من المواد الذائبة في ماء البحر، تتكون بصفة أساسية من ستة مكونات، أكثرها شيوعاً الكلور، ويوجد بنسبة 1.9%، يليه الصوديوم، ويوجد بنسبة 1.06%، ثم الماغنسيوم، ثم الكبريتات، فالكالسيوم، والبوتاسيوم. وعلى الرغم من وجود هذا الكم الهائل من الأملاح الذائبة في ماء البحر، فإن ذلك لا يغير من لون الماء شيئاً. فإذا قارنت بين كوبين، أحدهما يحتوي على ماء عذب، والآخر يحتوي على ماء مالح، من حيث اللون، فلن تجد هناك فرقاً، إذ يحتوي كلاهما على ماء شفاف لا لون له. بيد أن أحدهما يحتوي ملحاً أجاجاً لا يستساغ شربه، والآخر يحتوي عذباً فراتاً سائغاً شرابه. ولكن هناك عددٌ من الخواص الطبيعية، التي تغيرت بوجود هذه الأملاح، منها كثافة الماء. فالماء المالح أثقل من الماء العذب، لذا نجد الطفو فوق الماء المالح، أيسر كثيراً من الطفو فوق الماء العذب. وهذا نتيجة أن السنتيمتر المكعب الواحد من الماء العذب، يزن جراماً واحداً عند درجة حرارة 4 ْم، (وقد اتخذ هذا المقدار وحدة للأوزان). أمّا السنتيمتر المكعب من الماء المالح، فيزن ما يقرب من 1.026 جرام، عند درجة الحرارة نفسها، نتيجة لوجود عددٍ من الأملاح الذائبة فيه، ويسمى هذا الوزن "الوزن النوعي" للماء المالح. ولا يعتمد وزن الماء على مقدار الملوحة فقط، بل يتأثر، كذلك، بدرجة الحرارة. فقد وجد العلماء أن الماء الدافئ، أخف وزناً من الماء البارد. لذلك تسبب الحرارة الشديدة في المياه الاستوائية تسبب خفة وزن الماء، كما أنها تسبب، في الوقت نفسه، زيادة البخر، مما يزيد من نسبة الملوحة، ومن ثم زيادة وزن الماء. كما، أن ازدياد برودة الماء في المناطق القطبية، يسبب ازدياد وزنه، ومن ثم هبوطه إلى القاع، مسبباً التيارات المائية القطبية. وفضلاً عن الأملاح، والأيونات، والعناصر الكيميائية، الذائبة في ماء
البحر، فإنه يحتوي، كذلك، على عدد من الغازات الذائبة، أهمها غاز الأكسجين، الذي تستخدمه الكائنات البحرية، للتنفس. وتتنفس الكائنات البحرية، كالأسماك، والرخويات، والقشريات، الأُكسجين الذائب في المياه، عن طريق أعضاء تنفسية خاصة، تسمى "الخياشيم"، وهي مماثلة للرئتين في الكائنات البرية، إلاّ أن لها القدرة على استخلاص الأكسجين من الماء. أمّا الكائنات البحرية الثديية، مثل الحيتان، والدلافين، فإنها تتنفس الأكسجين من الهواء الجوي، عن طريق الرئة الموجودة داخل جسمها، حيث تصعد من آن إلى آخر، إلى سطح الماء، للحصول على جرعة من الهواء، وإخراج ناتج التنفس، من غازات محملة بثاني أكسيد الكربون. وتتحكم درجة حرارة الماء، ونسبة ملوحته، في كمية الغازات الذائبة في الماء. فكلما انخفضت درجة حرارة الماء، وملوحته، ازدادت مقدرة الماء على التشبع بالغازات. لذا تزداد نسبة الأكسجين كثيراً، في المياه الباردة، وتقل في المناطق الاستوائية. كما تزداد نسبة الأكسجين في المياه العذبة، عنها في المياه المالحة. وهناك مصدران رئيسيان للأكسجين الذائب في الماء، أحدهما عن طريق الهواء الجوي، لذا تزداد نسبة الأكسجين الذائب، في الماء الملامس للهواء الجوي، وتقل نسبته في المياه العميقة. ويُعد الأكسجين المتصاعد من عملية البناء الضوئي للنباتات البحرية، المصدر الثاني للأكسجين الذائب في الماء. وتمتص النباتات البحرية في هذه العملية، ثاني أكسيد الكربون الذائب في الماء ـ في وجود أشعة الشمس والكلوروفيل ـ وتكوِّن مركبات عضوية، يستفيد منها النبات، ويُخرج في المقابل الأكسجين. ويُعَدّ ثاني أكسيد الكربون، من الغازات المهمة الذائبة في الماء. وتكمن أهميته في دخوله في بناء أجسام النباتات وتكوينها. إذ تستخدمه النباتات في عملية البناء الضوئي، لتصنيع غذائها. وتعد الأنشطة الحيوية في الماء، من تنفس للكائنات الحية، وتحلل لأجسامها، المصدر الرئيسي لغاز ثاني أكسيد الكربون. ترتبط درجة حرارة الماء بدرجة حرارة الجو؛ فترتفع درجة حرارة المياه في المناطق الاستوائية، وتقل بدرجة كبيرة في المناطق القطبية.