السسلام علييكم
الجمهور من علماء اللغة والتفسير لا يفرقون بين الضوء، والنور؛ بل يعتبرونهما لفظين مترادفين على معنى واحد، فيعرِّفون الضوء بأنه النور، الذي تدرك به حاسة البصر الأجسام المعتمة. والله سبحانه وتعالى قد فرق بينهما تفريقًا دقيقًا، ففي الآية السابقة وصف أشعة الشمس بالضياء، ووصف أشعة القمر بالنور، وأصل كل منهما الضوء المنبعث من السراج. وهذا ما يشير إليه سبحانه وتعالى بقوله:
﴿ وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجاً وَقَمَراً مُّنِيراً ﴾(الفرقان: 61) ، وقوله تعالى:
﴿ وَجَعَلْنَا سِرَاجًا وَهَّاجًا ﴾(النبأ: 13)
فشبه الشمس بالسراج، والسراج هو المصباح، الذي يضيء بالزيت، أو بالكهرباء، أو بأي نوع آخر من أنواع الوقود، وشعاع ضوئه، وسطوعه على الأجسام المعتمة هو الذي يسمَّى نورًا. ولهذا وصف سبحانه وتعالى القمر بأنه منير، ولم يصفه في أيٍّ من الآيات بأنه مضيء. والسر في ذلك أن القمر يستمد نوره من ضوء الشمس، ثم يعكسه، فيبدو لمن يراه مضيئًا.
هذا وقد اشتهر- في العرف- أن الضوء ينتشر من المضيء إلى مقابلاته، فيجعلها مستضيئة. والمعروف عادة أن مصادر الضوء تقسم إلى نوعين: مصادر مباشرة كالشمس والنجوم والمصباح والشمعة وغيرها. ومصادر غير مباشرة كالقمر والكواكب. والأخيرة هي الأجسام، التي تستمد نورها من مصدر آخر، مثل الشمس، ثم تعكسه علينا.
فإذا عرفنا بعد ذلك أن الشمس والمصباح يشتركان في خاصية واحدة، وهي أنهما يعتبران مصدرًا مباشرًا للضوء، أدركنا سر تشبيه الله سبحانه الشمس بالمصباح، دون القمر.
ومما تجدر الإشارة إليه- هنا- أن شركة أمريكية كانت قد أعدت فيلمًا سينمائيًّا عن الجهود الأمريكية لغزو القمر، عنوان هذا الفيلم خطوة عملاقة لاكتشاف جيولوجيا القمر ). والفلم من أوله إلى آخره يعرض كيف تمكن العلماء الأمريكان بوسائلهم العلمية من أن يكتشفوا أن القمر كان من قبل كتلة مشتعلة، ثم بردت، أو انطفأ ضوؤها. وهذا ما أشار إليه تعالى بقوله:
﴿ وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلاً ﴾(الإسراء: 12)
وآية الليل هي القمر، وآية النهار هي الشمس، وقد محا الله تعالى الآية الأولى، وأبقى الثانية مبصرة. ولولا ذلك المحو، لم يعرف ليل من نهار، ولا نهار من ليل. وفيه دليل على أن القمر، الذي هو آية الليل، كان كتلة مشتعلة ثم بردت، وكان مضيئًا ثم انطفأ ضوؤه. وكونه منيرًا بعد المحو يعني أنه يستمد نوره من انتشار ضوء الشمس، وسطوعه عليه.
ويؤكد ذلك قول رسول الله لعبد الله بن سلام، حين سأله عن السواد، الذي في القمر:” كانا شمسين، فقال الله:
﴿ وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْل ﴾(الإسراء: 12)
فالسواد الذي رأيت من المحو “.
وبذلك فسره ابن عباس- رضي الله عنهما- بعد أن قال:” كان القمر يضيء كما تضيء الشمس، والقمر آية الليل، والشمس آية النهار “.
نُورٌ عَلَى نُورٍ ﴾
أي: نور متضاعف، تعاون عليه المشكاة البلورية، والزجاجة الصافية صفاء الكوكب الدري، والزيت، الذي يكاد من شدة إشراقه يضيء، فلم يبقَ ممَّا يقوِّي النورَ، ويزيده إشراقًا شيءٌ؛ لأن المصباح، إذا كان في مشكاة، كان أجمع لنوره، وإذا كان في زجاجة درية، كان أعون على زيادة نوره، وكذلك إذا كان وقوده الزيت النقي الصافي.
وهذا النور هو أقصى ما كان يمكن أن تحصل عليه الإنسانية، أو تتشهى الحصول عليه عند نزول القرآن الكريم. أما ما جدَّ بعد ذلك من نور الكهرباء فلا يَنقُضُ هذا النور، ويُنقِصُ من جلاله وروعته؛ لأنه نور وديع هادىء لطيف، على حين نور الكهرباء زاعق صارخ. ولعل هذا هو السر، أو بعض السر في ضَرْبِ المَثَل بهذا النور، دون نور الشمس، وهو أبهى بهاء، وأقوى قوة من كل نور تعرفه البشرية. وهنا تم المثل. فهنا نور الوحى التى انزل وهو ان الله النور التى احتجب عن الخلق بنور وانزل بواسطة جبريل النور بكتاب ووحى نور على رسول النور وإذا كان الله سبحانه قد شبَّه الشمس بالسراج الوهَّاج، فإنه سبحانه قد شبَّه نبيه محمدًا بالسراج المنير الهادىء الوديع، الذي يجلو الظلمات، ويكشف الشبهات، وينير العقول، ويهدي القلوب؛ وذلك في قوله جل وعلا:
﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً * وَدَاعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُّنِيراً ﴾(الأحزاب: 45- 46)
أما نوره الذي ينير الوجود كله، ويقوم عليه نظام الكون كله فقد شبهه سبحانه بنور سراج- أي: مصباح- في مشكاة، اجتمعت له أسباب الإضاءة كلها؛
وبعد أن بلغ هذا النور، الذي ضربه الله تعالى لنوره مثلاً، إلى هذا الحد في الظهور والوضوح والكمال، الذي لا يمكن الزيادة عليه، قال تعالى:
﴿ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ ﴾
فأشار بذلك إلى أن النور، الذي يملأ الوجود؛ إنما هو نفحة من النور العلوي، وأن هذه النفحة موجودة في كل موجود. ومع ذلك، فإن لله سبحانه ألطافًا بعباده، فيصِلُ نورهم بنوره، ويفتح لهم بهذا النور طريقًا إلى عالم الحق والخير.
فالوجود كله، وإن كان نورًا من نور الله- بالإفاضة والخلق- فإن هناك نور الهداية، الذي يضيء البصائر، ويشرح الصدور، ويجلي العقول. والله سبحانه يهدي لهذا النور من يشاء من خلقه، ممن يفتحون قلوبهم لهذا النور، الذي لا ينقطع، ولا يحتبس، ولا يخبو. فحيثما توجه إليه القلب رآه، وحيثما تطلع إليه الحائر هداه، وحيثما اتصل به وجد الله عز وجل.
فكما ان هذة النجوم وهى الاشياء الحسية تهدى الخلق بنورها كمما قال الله (
وعلاماتٍ وبالنجم هم يهتدون) فى ظلمات البحار تهدى النجوم الى ما يريدون الخلق فى ظلمات البحر كذلك الله يهدى الله لنورة وهو الوحى وهو النور الثانى من يشاء وهو نور على نور اى نور الماديات على نور المعنويات وهو القران فهذا نور الكون المشهود وهذا نور الكتاب المقروء و نحن نرى ايات الله فى الكون ونسضىء بكتابة هذا النور المادى فى الكون ويثبت صدق كلامة فهو من نور الله كلة فهذا صفتة وهذا فعلة ولا تتعارض صفاتة مع افعالة
أما قوله تعالى:﴿ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾
فهو إشارة إلى أن هذا النور، الذي صوَّره سبحانه بصورة المشكاة والمصباح والزجاجة الدرية؛ إنما هو مَثَلٌ، يقرب للإدراك المحدود طبيعة هذا النور حين يعجز عن تتبع مداه وآفاقه المترامية وراء الإدراك البشري الحسير. ويرسم له هذه الصورة المصغرة، التي يتأملها الحس، حين يقصر عن تملي الأصل؛ وإلا فإن نور الله سبحانه وتعالى لا يمكن إدراكه، ولا يمكن وصفه. وهو سبحانه العليم بطاقة البشر، وأن علمه محيط بالأشياء كلها صغيرها، وكبيرها، لا يغيب عن علمه شيء من ذلك.
نسأله سبحانه وتعالى أن يهدينا لنوره، ويسهل لنا السبيل للوصول إلى مرضاته، ومتابعة رسوله ، إنه قريب سميع الدعاء مجيب، والحمد لله رب العالمين