يعتبر الشباب من أهم شرائح المجتمع وعماد الأمة ومكمن
طاقتها المبدعة وقوتها الواعدة. ومشكلات الشباب محور
المشكلات الاجتماعية، وحلها هو المدخل إلى حلّ مشكلات
المجتمع وبنائه وتقدمه. وإفساد المجتمع والوطن وتخريب الدين
يبدأ من إفساد فئة الشباب وحرفهم عن الطريق القويم بشتى
الطرق والأساليب والمغريات.
الموضوع
مفهوم الجريمة و المجرم و الضحية:
كان هناك اتجاه دائم إلى الربط بين مفهوم الجريمة و مفهوم المرض على أساس أن السلوك الإجرامي سلوك مريض وليس سلوكا صحيا أو سويا. و هذا الربط أدى إلى نتائج غير دقيقة في تفسير الجريمة و وضع سياسة للوقاية و الجزاء بل أنه يؤدي و يشجع المجتمع على البحث عن ميكروب الجريمة هذه، مثلها مثل ما يبحث الطبيب عن ميكروب المرض و هو أبعد الأشياء عن الحقيقة إذ ليس هناك ميكروب مسئول عن المجرم و الجريمة فالمجرم في النهاية هو صناعة المجتمع الذي يعيش فيه. و يترتب على ذلك أنه ليس هناك مصل معين للوقاية من الجريمة فلا هو ميكروب و لا هو سبب وحيد آخر مسئول عن الجريمة.
و نجد إن كل الآراء التي اتجهت إلى محاولة تفسير الجريمة و إرجاعها إلى سبب واحد مثل الجهل أو الفقر أو الاضطرابات النفسية أو سوء الحالة الأسرية أو القدوة السيئة أو الإعلام السىء..الخ جميعها قد باءت بالفشل و الاعتقاد العام بين الباحثين الآن أن ظاهرة الجريمة مرتبطة بجذور متعددة تتفاعل في بيئة معينة و ظروف معينة لا يمكن حصرها يتولد عنها السلوك الإجرامي في النهاية.
و من ناحية أخرى فإن وصف الجريمة بالوباء هو وصف صادق على انتشار الجريمة فنجد في الواقع أن وباء الجريمة قد انتشر انتشاراً ذريعاً في العصر الحديث و تلونت ملامحه أكثر من أي وقت مضى و تضاعف عدد المجني عليهم حتى أصبحوا يزيدون أضعافا عن ضحايا أي وباء. و هو ما يعرض المجتمع كله كيانه و سعادته و مصيره للخطر و التدهور.
إن مفهوم الجريمة مفهوم عريض جدا و متعدد و إن كان أول ما نسمع كلمة الجريمة نميل إلى التفكير بالجرائم التقليدية و الضحايا التقليدية مثل ضحايا السرقات و القتل و الاغتصاب..الخ من الجرائم التي أطلق عليها بعض العلماء الجرائم الطبيعية أي التي توجد في كل مجتمع و في كل زمان و مكان إلا أن أفق الجريمة و المجرمين و الضحايا قد اتسع كثيرا بتعقد المجتمع البشري فهي أصبحت أكثر خطورة و تعقيدا و أكثر عقلانية أي نشاطا محسوباً و مقصوداً أكثر منها مصادفة و نزوة مثل: العصابات الدولية القوية المسيطرة.
مفهوم الجريمة:
تعريف الجريمة من المنظور الاجتماعي أنها:
هي كل فعل يتعارض مع ما هو نافع للجماعة و ما هو عدل في نظرها. أو هي إنتهاك العرف السائد مما يستوجب توقيع الجزاء على منتهكيه. أو هي انتهاك و خرق للقواعد و المعايير الاخلاقية للجماعة. و هذا التعريف تبناه الاخصائيون الانثروبولوجيون في تعريفهم للجريمة في المجتمعات البدائية التي لا يوجد بها قانون مكتوب.
و على هذه فإن عناصر أو أركان الجريمة من هذا المنظور هي:
•قيمة تقدرها و تؤمن بها جماعة من الناس.
•صراع ثقافي يوجد في فئة أخرى من تلك الجماعة لدرجة أن أفرادها لا يقدرون هذه القيمة و لا يحترمونها و بالتالي يصبحون مصدر قلق و خطر على الجماعة الأولى.
•موقف عدواني نحو الضغط مطبقاً من جانب هؤلاء الذين يقدرون تلك القيمة و يحترمونها تجاه هؤلاء الذين يتغاضون عنها و لا يقدرونها.
تعريف الجريمة من المنظور النفسي:
هي إشباع لغريزة انسانية بطريقه شاذه لا يقوم به الفرد العادي في إرضاء الغريزة نفسها و هذا الشذوذ في الإشباع يصاحبة علة أو أكثر في الصحة النفسية و صادف وقت إرتكاب الجريمة إنهيار في القيم و الغرائز السامية. أو الجريمة هي نتاج للصراع بين غريزة الذات أي نزعة التفوق و الشعور الاجتماعي.
تعريف الجريمة من المنظور القانوني:
الجريمة هي كل عمل يعاقب علية بموجب القانون. أو ذلك الفعل الذي نص القانون على تحريمة و وضع جزاء على من ارتكبه.
مفهوم المجرم:
تعريف المجرم من المنظور الاجتماعي:
هو الشخص الذي لا يلتزم و لا يخضع لقانون الدولة و يحاول إنتهاكه. و هو الشخص الذي يعتبر نغسة مجرماً و يعتبرة المجتمع مجرماً كذلك.
تعريف المجرم من المنظور النفسي:
و هم الاشخاص الذين يعانون من اضطرابات او انحرافات في الاشخصية او السمه. و هي ناجمة عن النمو و الارتقاء و الانفصال اللاسوي و للعلاقات الغير مرضية و المعبة بين (الهو و الأنا و الأنا العليا) و هي الاسباب الرئيسية لسلوكهم الاخرامي هذا.
ايضاً المجرم هو من يعاني قصوراً في التوفيق بين غرائزه و ميولة الفطرية و بين مقتضيات البيئة الخارجية التي يعيش فيها.
تعريف المجرم من المنظور القانوني:
هو الشخص الذي ينتهك القانون الجنائي الذي تقررة السلطة التشريعية التي يعيش في ظلها. و من ثم هو الذي يرتكب جرم ما و يعد جريمة في نظر القانون فقط و لا يعتبر مجرماً إذا ما قام بفعل جرم ما و لا يحبذه المجتمع.
و في وجهة نظر القانون فلفظ مجرم لا يطلق على الشخص المرتكب الجريمة إلا بعد التحقيق فيها و صدور الحكم فيها و إلا فهو يعتبر متهماً فقط. نجد ايضاً أنه توجد معايير تقرر جواز معاملة مرتكب الجريمة كمجرم منها:
•السن: يجب أن يكون سن مرتكب الجريمة مناسباً فهناك بعض البلاد التي تحدد سن ال7 لتعاقبه حيث أن قبل ذلك يكون الطفل غير واعي و لا يعرف الصح من الخطاء و بعض البلاد التي نجدها تحدد سن المسؤلية الجنائية بقانون وضعي او في الدستور. و بغض النظر على القوانين الجنائية نجد أن مرتكبي الجريمة من الاطفال يعاقبون بطريقة إنشائية أو تودعهم مركز للأحداث بما يعود عليهم بالفائدة و المصلحة.
•يجب أن تكون الأفعال الإجرامية أيضاً إختيارية و ارتكبت دون أي ضغوط أو إكراه و الإكراه الذي يجب أن يكون واضحاً و متصل اتصالاً مباشراً بالفعل الاجرامي المعين. فمثلاً أن تأثير الأباء او اصدقاء السوء الغير مباشر و القديم على مرتكب الجريمة لا يعترف بها على أنها ضغوط.
•يجب أن يكون الفعل مصنفاً قانوناً كضرر للدولة و ليس ضرر خاص أو خطاء ما لأن عادة يقوم الناس بمعالجة بعض الأمور بنفسهم فيما بينهم و التي يمكن أن تتطور و تصبح مشكلة كبيرة و يتضرر فيها العديد من الاشخاص و الممتلكات و التي كان يمكن إجتنابها برفع دعوى خاصى للمحكمة او للشرطة ليقوموا هم بمعالجتها.
مفهوم الضحية:
الضحية هم كل ما أصابهم شراً أو أذى نتيجة لخطاء أو عدوان أو حادث.
الضحايا أنواع و تختلف هذه الأنواع باختلاف الجرائم التي يرتكبها المجرمون. فهناك ..
ضحايا القتل العمد
ضحايا القتل الخطأ
ضحايا الإيذاء
ضحايا السرقات
ضحايا النصب
ضحايا الاغتصاب لكلا الجنسين
ضحايا الإدمان
ضحايا العنف ضد النساء
ضحايا العنف من الأطفال
ضحايا الحوادث المختلفة من مواصلات
ضحايا السقوط من علو
ضحايا الانتحار
ضحايا الفقر
ضحايا الحروب
والجرائم المرضية قليلة العدد نسبياً. فالذين يرتكبونها على وجه الخصوص هم:
1- المصابون بالصرع، في فترة الخلط العقلي التي تلي الأزمة الصرعية، والفعل، ذو العنف الأقصى، ينبعث فجأة؛ فثمة أشخاص، لا يعرفهم الفاعل على الغالب، يكونون موضع الهجوم والضرب بأية أداة؛ وليس لدى المريض بعد الأزمة أي ذكر لما حدث؛
2- الفصاميون الشباب؛ فقتل الإنسان عبث، عنيف وغير متوقع؛ والموجود الأعز، الام، هو الضحية في بعض الأحيان؛
3- المصابون بالذهان الهذاني (البارانويا) والهذيان الذين يتوصلون، جراء استنتاجات خاطئة، إلى جعل الغير مسؤولاً عن تعاساتهم وآلامهم؛ إنهم يعتقدون أنهم مضطهدون ويعزمون على استبعاد المضطهد المزعوم قتلاً؛ وهذا المضطهد المزعوم يمكنه أن يكون شخصاً حيادياً بل شخصاً عطوفاً من محيطهم، فجريمتهم فعل من أفعال الإنصاف في ناظريهم.
الشباب والإسلام
مما لاشك فيه أن الإسلام يعي هذه الحقيقة ومدى خطورتها على الأمة والدين لذلك اهتم بقطاع الشباب، وتوجهت التربية الإسلامية إلى عقولهم ونفوسهم وعواطفهم من أجل رعايتهم وتربيتهم تربية صالحة، وتلبية حاجاتهم ورغباتهم المادية والنفسية المشروعة، ووقايتهم من الفساد والانحراف. وقد بين النبي صلى الله عليه وسلّم أن مقام الشاب الصالح عند الله تعالى يعادل مقام الإمام العادل يوم القيامة في حديثه عن السبعة الذين يظلهم الله في ظلّه ، منهم " إمام عادل وشاب نشأ في طاعة الله .." (1).
ظاهرة الجنوح والانحراف عند الشباب تعتبر من أبرز المشكلات التي تعاني منها المجتمعات في العالم. بما تخلّفه من تأثيرات نفسية واجتماعية على شخصية الشاب وما تتركه من آثار سلبية وخطيرة على المجتمع في مجالات الجريمة والسرقة وانتشار المخدرات والفساد والانحلال الخلقي. وتجد المؤسسات الاجتماعية والدينية نفسها مضطرة للتصدي لهذه الانحرافات وقمعها وتحمل مسؤولية معالجة أسبابها والوقاية منها .
أسباب الجريمة
في كل بلاد العالم تقع جرائم كثيرة و متعددة و متنوعة، فشخص يقتل و آخر يغتصب فتاة من فتيات المجتمع و ثالث يسرق اموال الناس و رابع يحرق مجمعا تجاريا و هكذا. ان سبب الجرائم يعود الى امور كثيرة منها الفقر و الجوع، فاذا كان الانسان فقيرا لا يملك قوت يومه يرتكب جريمة السرقة و ينهب اموال الناس، و اذا كان يعشق فتاة و هي لا ترضى بهذا الحب الحرام ولا تخضع ولا تستسلم له و هو غير ملتزم بالدين و الخلق و القانون و الاعراف يعتدي عليها او يقتلها نتيجة لعدم التزامه بما ذكرنا، او يقدم على ارتكاب جريمة ما بسبب حالة الفراغ و البطالة و عدم وجود عمل له او يبطش و يفتك و يعيث في الارض فسادا لامتلاكه روح الشباب و القوة او يقوم بأعمال تنافي العفة و الحياء لامكاناته المالية الواسعة. وصدق الشاعر في قوله:
ان الفراغ و الشباب و الجدة ***مفسدة للمرء اي مفسدة
و لذا نرى ان الاسلام منعنا من اتباع الشهوات و الغرائز الحيوانية و الانسياق وراء الملذات و شجع من يكبح جماح غرائز نفسه الامارة بالسوء «و اما من خاف مقام ربه و نهى النفس عن الهوى فان الجنة هي المأوى»، و كذلك اوجب الاسلام العمل في سبيل تحصيل لقمة العيش و الحياة السعيدة و لعن البطالين الذين يتكلون على الغير «ملعون ملعون من القى كلّه على الناس» و عالج مشكلة الفراغ و ملأه بما ينسجم مع طبيعة و فطرة الانسان و حذر من العواقب الوخيمة للفراغ الذي يسبب المشاكل و المصائب، و كذلك نرى ان الاسلام يوجه الشباب نحو الابتعاد عن الجرائم و يهيىء لهم مناخا مناسبا نظيفا لكي يعيشوا في اجوائه الطاهرة و يبتعدوا عن المعاصي و الفواحش و ارتكاب المحرمات و ايذاء الناس، و منع تكديس الاموال و عدم تحريكها و انفاقها في سبيل الله و اوجب فيها الزكاة و مساعدة الفقراء و المحرومين حتى لا يصرفها في الحرام او ينفقها في امور مضرة به و بالمجتمع او يسيء استخدامها و يتلفها في امور تافهة محرمة كالقمار او شرب الخمور او صرفها على النساء المنحرفات و الممثلات و المغنيات.
و السبب الآخر لارتكاب الجريمة هو تقليد الغرب المتحلل و مشاهدة الافلام الارهابية التي تعرض مشاهد الجريمة و الارهاب و كيفية السطو على البنوك و قتل الناس و مشاهدة الافلام الخلاعية و الخيانة الزوجية حيث يتعلم ضعاف النفوس طريقة ارتكاب الجريمة و الخيانة و الفساد و الفحشاء و المنكرات. فيجب تطهير القنوات من هذه الافلام الغربية و ملؤها بأفلام مفيدة و مربية للناس و مبينة لهم طريق السعادة و النجاح و صراط الخير و الهداية و الصلاح.
الجنوح والانحراف وعوامله :
يوضح علم الاجتماع أن الجنوح نموذج من السلوك الاجتماعي, يقوم المنحرف من خلاله بتصرفات مخالفة للقوانين الاجتماعية والأعراف والقيم السائدة في المجتمع, ويسيء به إلى نفسه وأسرته ومجتمعه. يبدأ الجنوح غالباً عند الأحداث الذين تتراوح أعمارهم بين 12 – 18 سنة، وهي بداية فترة المراهقة التي تعتبر من أخطر مراحل العمر في حياة الإنسان. وتؤكد الدراسات النفسية والاجتماعية على أهمية دور التربية الصالحة للشاب منذ الطفولة في كنف الأسرة ثم المدرسة، فإذا تلقى الشاب منذ صغره رعاية وتربية جيدة ينشأ إنساناً صالحاً، وإن كانت تربيته سيئة تظهر لديه ظواهر الانحرافات في وقت مبكر.
تتعدّد عوامل وأسباب جنوح الأحداث وانحراف سلوكهم الاجتماعي، منها:
ـ عوامل اجتماعية:
بعض الأسر تدفع بأبنائها إلى سوق العمل لساعات طويلة خلال اليوم, فيغيبون عن البيت أو المدرسة بعيداً عن الرعاية والمتابعة، مما يفتح أمام الأطفال أبواباً واسعة للانحراف والقيام بالأعمال والسلوكيات الطائشة والمتهورة والانغماس في الشذوذ الأخلاقي والاجتماعي، فالطفل يتأثر بسهولة بالبيئة المحيطة به، وينجرّ وراء رفاق السوء إذا لم يلق الرعاية والمتابعة المستمرة.
وقد بينت الدراسات أن الجنوح جمعي وليس فرديا. فالشاب لا يقوم بتنفيذ أعمال منحرفة كالسرقة والنشل وعمليات التهريب وغيرها بمفرده، بل بعمليات جماعية شبه منظمة على شكل عصابات أو شلّة بالتعاون مع أقرانه. من هنا تأتي أهمية الرفقة الصالحة للشاب واختياره لأصحابه من أهل الصفات الحميدة.
ومن أسباب الانحراف الإدمان على السكر وتعاطي المخدرات من قبل ربّ الأسرة. كما أن الهروب والتسرّب من المدرسة ومن البيت, وعدم شغل أوقات فراغه بنشاطات وفعاليات مفيدة (رياضية – أدبية – ثقافية – … الخ ), يؤدي إلى ظهور الشذوذ والانحراف النفسي والأخلاقي والخروج على قيم المجتمع عند الشاب .
ـ عوامل بيئية:
منها تفكّك الأسرة والنزاعات الدائمة بين الوالدين, أو فقدان الأب في الأسرة، أو وجود زوجة الأب الذي يؤدي هذا إلى إهمال الأولاد. وممارسة القمع والقسوة تدفع الناشئة من الشباب إلى الهروب المستمر من البيت واللجوء إلى الشوارع والزوايا السيئة، فيتعلّم منها بسهولة العادات والقيم غير الأخلاقية.
ـ عوامل نفسية:
كثيراً ما تؤدي مشاعر الإحباط واليأس وخيبة الأمل, نتيجة الفقر والعوز والحاجة في الأسرة إلى انحراف الشباب واتباع السلوكيات السيئة، مثل السرقة لشراء ما يسد حاجته من الملابس والألعاب ووسائل الترفيه، وأحياناً شح ّ الوالدين وبخلهما وتقتيرهما بالمصروف على أبنائهما. فالشاب ضمن هذه الأجواء الأسرية سيعاني من الحرمان المادي والعاطفي والرعاية والحب والحنان والعطف والتربية الحسنة. وهي من الضرورات النفسية الأساسية التي يجب أن تتوفر في الأسرة , لينشأ الشاب نشأة صالحة, تقيه مخاطر الجنوح والشذوذ الاجتماعي .
وتتنوع مظاهر الجنوح عند الشاب فيبدي عدائية مفرطة تجاه محيطه الأسري ووسطه الاجتماعي على شكل تجاوزات مستمرة وتمرد وعصيان للأوامر والتوجيهات. ويقوم بالاعتداء على حقوق وأملاك الآخرين . ويفتعل العراك والنزاعات مع أقرانه ويلحق الأذى بهم. وتبلغ عدوانيته حدّ تحطيم ممتلكات غيره, وإشعال النار في المنزل . ومن أهم نتائج الجنوح الإخفاق في المدرسة. لأنه يؤدي إلى إهمال الشاب لواجباته المدرسية ويدفعه إلى التحايل والكذب والتعويض عن هذا الفشل باتباع أساليب غير مشروعة لإثبات وجوده في المجتمع . ويشيع بين الشباب الجانحين ظاهرة الإدمان على التدخين والكحول والمخدرات . ويتميز الجانحون بضياع رغباتهم وعدم وضوح غاياتهم في الحياة وعدم قدرتهم على تحديد ما يريدون .
الوقاية والعلاج :
لمعالجة هذه المشكلة من خلال تضافر جهود المؤسّسات الاجتماعية والتربوية (الأسرة – المدرسة – المسجد – … ) لأن هذه المؤسّسات بالأساس تتحمل مسؤولية انحراف وجنوح الأولاد منذ البداية . فالأسرة المهملة التي تعاني من الأزمات والمشكلات, والمدرسة التي يسود فيها ظاهرة التعليم بالقوة والصرامة والعنف .
ومعالجة مظاهر الانحراف عند الشباب يحتاج إلى تكوين رؤيا شاملة وعميقة. وفق معايير وأسس, تستند على أصول التربية الإسلامية , وتحليلات علم النفس التربوي الحديثة, لفهم مشكلات الشباب ومعاناتهم ومعرفة دوافعهم للانحراف. ودفعهم للالتزام بالانضباط السلوكي والقوانين والأنظمة, ومعايير القيم الاجتماعية والدينية ولتحقيق هذه الأهداف, يجب تحقيق التفاعل البنّاء مع الشباب وكسب ثقتهم ومحبتهم , وإبعادهم عن مشاعر وأجواء العنف والخوف والقلق والتوتر والنفور والضياع . وإلا فإن أسلوب الترهيب والعقاب لا يشكل سوى حلّ آنيٍّ مؤقتٍ, يختفي ويتلاشى باختفاء مؤثراته .
أما القناعة والتجاوب الذاتي, فتشكل ضمانة لاستمرار التزام الشاب وتطوير وترسيخ دافعية الانضباط الإيجابي لديه. فيكتسب من خلالها سلوكاً جديداً, موافقاً لقيم المجتمع وأخلاقه . والتربية الإسلامية تقوم بالأساس على مبدأ الحوار والإقناع والأسلوب الحسن ، من قوله تعالى: "ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن " (2). وللأسرة دور أساسي في تكوين شخصية الشاب النفسية والسلوكية من خلال التربية الصالحة وغرس المفاهيم والقيم الحسنة وتقديم الرعاية والحب والاهتمام والتوجيه اللازم . وإلا فإن أوضاع ومشكلات الأسرة ، خاصة الفقر والبطالة والانحلال الخلقي والنزاعات داخل الأسرة, تؤدي إلى ضياع الشباب وانحرافهم وشذوذهم والتمرد على القانون الاجتماعي . دفاعاً عن الذات, ضد ما يشعرون به من ظلم اجتماعي وقهر وحرمان .
ـ الوقاية من الانحراف أهم وسائل معالجة ظاهرة جنوح الأحداث عن طريق الفهم الواعي الثقافي والاجتماعي والديني واعتبار الأبوة والأمومة رسالة مقدسة ومسؤولية عظيمة يجب أن تؤديها الأسرة على أكمل وجه . وكما قال النبي عليه الصلاة والسلام: "كلّكم راعٍ وكلّكم مسؤول عن رعيته " (3).
كما يجب على المؤسسات التربوية والاجتماعية والدينية , الاهتمام جيداً بعالم الشباب ورعايتهم وتطوير ثقافتهم وشغل أوقات فراغهم بنشاطات متعددة (رحلات – نوادي – جمعيات – رياضة – أدب – علوم – بحث – فنون … الخ ) مما يتلاءم مع ميولهم ويشبع حاجاتهم ورغباتهم المشروعة. فاستئصال أسباب الجنوح منذ البداية هو الأساس في معالجة هذه الظاهرة لتأمين حياة أفضل للشباب , في أحضان أسرة صالحة ومستوى معيشي جيد وتكوين أسرة عاملة ومتعلمة ومسئولة, تشكل ضمانة له من الانحراف.
فالوقاية من انحراف الشباب, تحتاج إلى إجراءات حازمة لمعالجتها من جذورها وذلك بتحسين الأوضاع المعيشية للأسر الفقيرة وانتفاء الحاجة إلى العمل المبكر . وفرض التعليم الإلزامي في المرحلة التعليمية الأساسية.وتوفير ظروف صحية وسليمة لمتابعتهم الدراسة وإيجاد اهتمامات قيميّة سامية وغايات نبيلة يعملون من أجل تحقيقها .
الخاتمة
ثمة كلمة لا بد منها تخاطب عقول الشباب . وهي أن قوة إيمان الشاب
ورسوخ العقيدة الإسلامية في نفسه ووعيه هي الأساس في تحديد
مساراته واتجاهاته في الحياة. ووقايته من الانحرافات والشذوذ والبقاء على
الطريق الصحيح والصمود أمام مغريات الحياة وعواصفها ومواجهة المخطّطات
المشبوهة التي تستهدف تخريب عقول الشباب وإفسادهم من أجل تقويض
المجتمع الإسلامي وانحلاله وهدم أسسه .
فالإيمان يمدّ الشاب بالقوة اللاّزمة على الصمود والمواجهة والتحمل والصبر
على المكاره ومقاومة الشهوات وحب المتع الدنيوية والجري وراءها ، بهدف
الحصول على مرضاة الله تعالى والفوز بوعده وجزائه للصابرين , وتجنب
معصية الله تعالى وارتكاب المحرّمات والخوف من عقابه تعالى . وليكن شعار
الشاب المسلم قوله تعالى : (ومن يتقِ الله يجعلْ له مخرجاً ويرزقْه من حيث
لا يحتسب) (4).
اسأل الله سبحانه و تعالى ان يبعدنا عن المعاصي و الذنوب و الآثام و ان يوفقنا لتحرير انفسنا من الشهوات و ان يرحم شهداءنا الابرار ويفك قيد اسرانا و يحفظ بلدنا من كل سوء و مكروه بحق محمد و آله الطاهرين الهداة الميامين آمين يا رب العالمين.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــ :
(1) رواه البخاري ومسلم في صحيحهما .
(2) سورة النحل الآية/ 125/ .
(3) رواه مسلم في صحيحه .
(4) سورة الطلاق الآية /2/ .
المراجع:
www.annabaa.org/nbanews/61/319.htm
كتاب أكادمية شرطة دبي ( المؤلف محمود علي حمودة)