المصدر:الرحالة الأماراتية
المقدمة
التضامن العربي
أخذ التضامن العربي حيزاً كبيراً من جهود صاحب السمو الشيخ خليفة، حيث اعتبره واجباً يفرضه الانتماء إلى الأمة العربية، وقد أكد ذلك مبكراً، فقال " إن موقف أبوظبي بالنسبة للحق العربي موقف محدد وواضح، وهو ليس التأييد فقط ولكنه موقف التدعيم المستمر، وموقف المساندة، بكل ما تملك، فقضية العرب واحدة على كل حال. إن الوطن العربي الذي أصابته التجزئة لا يمكن أن ينفصل فإن روابط الدين واللغة والتاريخ تجمع كل العرب إلى جانب أن آمالهم واحدة ومستقبلهم واحد أيضاً.
إن أبوظبي تؤمن بهذه الحقائق الثابتة، وتنطلق في سياستها على أساس من هذه الحقائق. إن كل ما نقيمه من إنجازات في الداخل هو نواة في تقدم العرب وكل تقدم في أي بلد عربي نعتبره تقدماً لكل عربي".
كما أكد أن دولة الإمارات تؤمن بالوحدة العربية الشاملة، لأنها جزء لا يتجزأ من الوطن العربي، وتقريب وجهات النظر بين الإخوة، واستبعاد كل ما شأنه التأثير على التضامن العربي.
ومن هذا المنطلق الوحدوي اعتبر أن مشكلة الحدود بين الدول العربية مشكلة مصطنعة فقال:" إننا جميعاً نسعى إلى الوحدة الشاملة وهذا يعني إذابة الحدود بين الأشقاء فنحن أمة واحدة والحدود الجغرافية مصطنعة وما دمنا نؤمن بأن مصيرنا إلى الوحدة العربية باعتبارنا جزء من الوطن العربي الكبير فلماذا نختلف عن الحدود ونتمسك بشكليات رسمها الاستعمار على خرائط بلادنا. إن علينا أن نمهد الطريق لأجيالنا القادمة لتحقيق أمل أمتنا في الوحدة " .
وقد أكد على ذلك في مناسبة أخرى، عندما قال: " إن أعداء الأمة العربية دأبوا على إذكاء الخلافات بين الدول العربية باعتبارها منفذاً إلى إضعاف القوة العربية.. إن الخلافات الحدودية تجدها بين كل بلد عربي وآخر، وهي ليست بدعة تتفرد بها الأمة العربية بين الأمم ذات الجذور المشتركة .
ونظرة بلادنا، كما عبر عنها سمو الوالد الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان في مناسبات عديدة هي أن كل مشكلة أو خلاف بين شقيقة عربية وأخرى لا يجب أن يؤثر على الإستراتيجية العربية الشاملة.. وأن هذه المشكلات والخلافات لا تمس الجوهر .. ومن الممكن حلها بالتفاهم والحوار بين الأخوة. ولقد ثبت عمق هذه النظرة كما ثبتت عمق هذه النظرة كما ثبتت فعاليتها في كل المواقف والأحداث".
وحين كانت العلاقات العربية العربية على غير ما يرام لم يخف سمو القلق على مستقبل الأمة، مبرزاً ضرورة تحكيم العقل، وانتهاج أسلوب الحوار من أجل تجاوز تلك العقبات، فقال: "لقد تمكنت الخلافات العربية من أن تكبل إرادتنا العربية الواحدة لسنوات طويلة، وكان لذلك انعكاسات سيئة على قضايانا المصيرية، إن الموقف العربي الراهن يحتاج إلى مراجعة ووقفة صادقة مع النفس من جانب كل الأطراف، فعلى كل العرب أن يدركوا البندقية الصهيونية تتربص بالجميع وأن إهدار الوقت في خلافات هامشية هو فرصة إضافية للعدول لتثبيت وجوده بالأراضي العربية، والانتقال بأطماعه إلى مرحلة جديدة لابتلاع أرض عربية أخرى .
وأضاف أنه علينا أن لا نستسلم للتشاؤم، راضين بالحال التي نحن فيها كأمر واقع، لأن إدراكنا لحجم الأخطار التي تهدد أوطاننا وثرواتنا وحضارتنا ومصيرنا تجعلنا قادرين ولاشك على تخطي الخلافات بقوة وصلابة بدل الانقسام والفرقة، وعلينا أن نجعل الأمر الواقع على عكس ما يحاول أعداء أمتنا فرضه " .
وخلال استقباله للرئيس ياسر عرفات بتاريخ 01/08/1987 صرح بأن العمل العربي المشترك هو أساس القوة العربية، القادرة على مواجهة التحديات وإغلاق الأبواب أمام الأطماع والمخاطر ومكامن الضعف، وأن الفرقة بين العرب عامل يخدم العدو، ولابد من مواصلة الجهود التي تقرب الأمة العربية من أهدافها في وحدة الكلمة والصف باعتبارها الضمانة الأكيدة لتحقيق ما نصبو إليه من آمال.
وفضلاً عن جهوده في تعزيز العلاقات الثنائية بين دولة الإمارات العربية والدول العربية، فقد بذل جهوداً مشهودة في المصالحة العربية العربية، وفي رجوع مصر للصف العربي، انطلاقاً من دورها في المسيرة العربية، وثقلها المادي والمعنوي، وإدراكاً منه أن الكيان العربي جزء لا يتجزأ، وأن التضامن العربي يجب أن يكون فوق الخلافات الآنية، والمواقف الطارئة، وفي هذا السياق صرح سموه قائلاً: "إننا جميعاً نقدر أهمية دور مصر وثقلها بالنسبة للعمل العربي الموحد، ولا أحد من القادة العرب ينكر دور مصر القيادي في المسيرة العربية الموحدة، وما قدمته لنصرة قضايا أمته العربية من مساندة ودعم وتضحيات"، وظل يؤكد على هذه الحقيقة ويعمل من أجلها حتى استعادت مصر موقعها في العمل العربي المشترك، ومن تصريحاته في هذا المجال:" نحن نعتقد أن مصر جديرة بأن تأخذ مكانتها الطبيعية ضمن أسرتها الكبيرة في الجامعة العربية خدمة للقضايا المصيرية والعربية إقليمياً ودولياً، لأننا لا نتصور عملاً عربياً ناضجاً دون أن تشارك مصر في صياغته، ودون أن تشترك في تنفيذه. وهذا المطلب يأتي من حتمية وقدرة موقع مصر في الوطن العربي وفي الوجدان العربي وفي التاريخ العربي" .
وإلى جانب دعوته إلى استعادة مصر لمكانتها في العمل العربي المشترك فقد رأى بعقله الثاقب أن الحرب الأهلية التي اندلعت في لبنان آفة ينبغي العمل على توقيفها، ليعود هذا القطر كما كان وكما يجب أن يظل عضواً فاعلاً في كيان هذه الأمة، فأكد " أن ما يحدث على الساحة اللبنانية يشكل كارثة بكل المقاييس، ولا يستفيد منه غير أعداء العرب". وقال: "إن ما يجري على الساحة اللبنانية من اقتتال يثير الألم والأسى في قلب كل عربي، فضلاً عن أنه مبعث للقلق على مصير هذا البلد العزيز على القلب والنفس، كما أنه مبعث للقلق على مستقبل المنطقة لما قد يترتب عليه من احتمالات خطيرة قد تلحق بالمنطقة العربية.
إن القوى اللبنانية المتصارعة تدرك تماماً أن لبنان العريق مهدد بالضياع، وأن القوى المتربصة بهذا البلد هي صاحبة المصلحة الوحيدة في إزالة لبنان من فوق خريطة العالم بتغذية ذلك الصراع حتى تتحقق لها أهدافها.
إن حل الأزمة اللبنانية يتوقف قبل كل شيء على اللبنانيين أنفسهم، لأنهم القادرون وحدهم على صيانة وحدة أراضيهم واستقلالهم، وأعتقد أن سقوط اتفاق 17 آيار هو خطورة كبيرة يساهم مساهمة كبيرة في تعميق الحوار بين الأطراف اللبنانية، بما يستهدف في النهاية عودة السلام إلى لبنان وتحقيق العدالة بين جميع أبنائه. وأود أن أقول إن كل الأطراف مطالبة بمراجعة مواقفها وأن تفكر في أن وحدة لبنان هي حجر الزاوية في سلامة لبنان وأمنه واستقلاله وأن تعمل بإخلاص وتجرد من أجل تحقيق هذه الغاية النبيلة".
وهكذا انطلقت رؤية صاحب السمو لمشاكل لبنان من الحرص على تجاوز تلك المشاكل، والتأكيد على أن تجاوزها بيد اللبنانيين أولاً وأخيراً، وأنها لا تخدم سوى أعداء الأمة الذين يذكون الصراعات بين أبناء الوطن الواحد من أجل اختراقه، وخلق اتفاقيات تخدم مصالحهم في المنطقة العربية؛ لذلك اعتبر أن سقوط اتفاق 17 آيار هو خطورة كبيرة في تعميق الحوار بين أبناء لبنان، وبادرت دولة الإمارات العربية المتحدة إلى السعي بكل الوسائد لحل المشكل اللبناني، فشاركت في قوات الردع العربية، وظلت الجهود مستمرة لحقن الدماء بين الأشقاء، ثم لدعم حكومة الوفاق الوطني، والتأكيد على حق لبنان في المقاومة حتى تحرير الجنوب وعندما تم تحرير الجنوب توجه صاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رئيس الدولة حفظه الله بمكرمته الكريمة التي تجلت في مبادرة الإمارات إلى مشروع "نزع الألغام من جنوب لبنان" لتعود الحياة إلى تلك المنطقة الغالية، ولتزول منها كل عوامل الخوف والرعب والإرهاب التي زرعها العدو الصهيوني. كل ذلك فضلاً عن مشاريع الاستثمار المتعددة والاتفاقيات الثنائية، والزيارات المتبادلة التي تآزرت كلها من أجل إزالة عوامل الحرب الأهلية والاحتلال الصهيوني اللذين عانى منهما لبنان خلال السنوات الماضية.
لقد كانت رؤية صاحب السمو الشيخ خليفة للمشكل اللبناني تنطلق من إحساس قومي صادق وعميق عبر عنه بقوله: " إننا في دولة الإمارات العربية المتحدة ننطلق في نظرتنا للقضايا العربية بأنها قضايا مرتبطة ببعضها، وبأن الألم العربي ألم واحد، وحينما يتألم العربي في فلسطين المحتلة أو في لبنان فإن هذا الألم يصيب أبناء الإمارات، وكذلك عندما نتوصل إلى حل مشكلة عربية معينة فإن الانفراج يصيبنا جميعاً فالأمن القومي العربي واحد ولا يمكن أن يشعر أحد منا بالطمأنينة ومنزل أخيه يتصدع وأمنه وحياته معرضان للخطر ".
"إن ما يحدث حالياً في لبنان هو من جراء الاعتداء الصهيوني على الأمة العربية منذ نكبة فلسطين عام 48 فمنذ أيام النكبة أصيبت الأمة العربية بهزة عنيفة لا تزال مضاعفتها تتفاعل حتى اليوم، كما أن العدو الصهيوني لا يتوقف عن تدبير المؤامرات ضد الشعبين العربيين اللبناني والفلسطيني".
إنها الرؤية التي تنطلق من وحدة الألم والأمل، وتدرك أن الأمن العربي واحد، وأن العدو الذي يسعى إلى اختراقه يعمل ما في وسعه لتنفيذ خططه ومؤامراته لذلك فلابد من التضامن والتآزر لمجابهته؛ الأمر الذي جعل منه صاحب السمو ولي عهد أبوظبي برنامج عمل دؤوب سعى إلى تحقيقه بين كل الدول العربية، وأكد عليه في مختلف المناسبات. ومن ذلك قوله: "تحرص دولة الإمارات العربية المتحدة بقيادة صاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رئيس الدولة على تحقيق التضامن العربي، ووحدة الصف وتعزيز العمل العربي المشترك،انطلاقاً من إيمانها بأن التضامن قوة، والفرقة ضعف، ولذلك ترى دولة الإمارات أن اللقاءات العربية من أجل صيانة العمل العربي، وسد الثغرات التي تعتري هذا العمل، ونتمنى أن تزول الخلافات العربية حتى تجد الأمة العربية المكانة اللائقة بها في عصر العولمة الذي لا مكان فيه للكيانات الصغيرة أو الضعيفة ".
وانطلاقاً من هذه الحقيقة فقد أكد على ضرورة توفر الثقة بين العواصم العربية فقال:" إن إقامة جسور الثقة بين مختلف العواصم العربية تسهل تحقيق تضامن قادر على استثمار كافة الإمكانات المتاحة، لمواجهة مختلف التحديات التي تواجهنا، ونحن مطالبون الآن، أكثر من أي وقت مضى، بالارتفاع فوق الخلافات الثنائية والجانبية، إلى المستوى الذي يجعلنا قادرين على التلاقي وتبادل الرأي بروية ومسؤولية، والاتفاق على موقف محدد واضح، مضيفاً أن الوقت لم يفت لإنقاذ الموقف ورأب الصدع في وحدة الصف العربي، لأن استمرار التمزق ضرب من المستحيل، ولابد أن تعود الروح إلى العمل العربي المشترك وتكون وحدتنا هي السبيل لمواجهة عدونا المشترك. وقد حان الوقت لكي ندرك حقائق هذا العصر، أن عالم اليوم، لا يقيم وزناً ولا يلتفت إلى قضية إلا بقدر القوة الضاغطة لأصحابها.. ولهذا يجب أن يكون لنا تحرك وموقف، لأن حقوقنا لن ترد إلينا بمجرد التمني، وعلينا أن نسعى إلى استردادها بكل السبل "إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم"، وعندما تتغير موازين كثيرة في المنطقة، فإن الإرادة العربية القادرة، تستطيع حينئذ فرض إرادتها وتصبح لإمكانياتنا الضخمة قوة فاعلة ".
وقد رسم منهجاً قويماً للتضامن العربي حين قال: "إن أمتنا العربية تعيش اليوم مرحلة تاريخية وحاسمة، وتحتاج إلى تصفية القلوب وإنكار الذات، واستبعاد أية مشكلة جانبية أمام التعاون المطلق لإعلاء المصلحة العربية العليا فوق كل اعتبار. وفي رأينا أن اللقاء العربي المباشر هو الحوار الدائم الذي لا ينقطع لتدارس ما يواجهنا من مشاكل لنتخذ متحدين مواقف لها فعاليتها وتأثيرها في مجال العالمي . إن الخلاف في وجهات النظر لا يجب أن يتحول إلى اختلافات لأن ما بين الدول العربية وشعوبها لا يمكن أن تؤثر فيه عوامل طارئة ".
ولاشك أن التضامن والعمل المشترك لابد أن يتجليا في إطار عملي واحد، لذلك كانت نظرة صاحب السمو الشيخ خليفة للجامعة العربية، بوصفها إطاراً للعمل العربي المشترك على مستوى إدراكه للتحديات التي تواجه الأمة.
قولو لي قبل ما تاخذون