الدعاء هو العبادة :
1. مما يبين مكانة الدعاء العظيمة ومنزلته الرفيعة افتتاح القرآن واختتامه بالدعاء وسورة الفاتحة تشتمل على نوعي الدعاء : دعاء العبادة ودعاء المسألة وختم بالمعوذتين وهي كلها مبنية على الدعاء .
وسمى الله الدعاء الدين :
ـ ( وإذا غشيهم موج كالظلل دعوا الله مخلصين له الدين )
ـ ( هو الحي لا إله إلا هو فادعوه مخلصين له الدين الحمد لله رب العالمين ) .
الدعاء يشتمل على خصائص جليلة ومزايا كثيرة لا توجد في غيره من أنواع العبادات :
1. نفع الدعاء يقع في الحياة والممات حيث ثبت انتفاع الميت بدعاء الأحياء من ولد أو والد أو قريب قال صلى الله عليه وسلم ( إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث : منها ولد صالح يدعو له ) وقال تعالى ( والذين جاؤوا من بعدهم يقولون …. )
2. سهولة الدعاء وعدم تقيده بزمان ولا مكان ولا حال .
3. اشتماله على حضور قلبي لا يوجد في غيره ، فإن من تعبد بالصلاة والزكاة والصيام يغلب عليه فيها الغفلة فإذا دعا استدعى ذلك له حضور في قلبه .
4. اشتماله على التذلل وإظهار الفاقة وذل العبودية وعز الربوبية.
الدعاء يجتمع فيه أنواع العبادات مالا يجتمع في غيره :
1. توجه القلب إلى المدعو وقصده بكليته .
2. رجاء إجابته للدعاء والرغبة إليه رغبة صادقة مع قطع الرجاء والأمل عن غيره .
3. الخوف من عدم إجابته والرهبة والخشية منه
4. التوكل والاعتماد عليه في قضاء الحاجات .
5. تعظيم المدعو بأنواع التعظيم من التضرع والتذلل والخضوع والتملق والانطراح بين يديه .
6. ذكر المدعو باللسان واللهج باسمه في السر والعلن وندائه والاستغاثة به والهتاف باسمه .
7. محبة المدعو فإن النفس مولعة بمحبة من يحسن إليها .
8. التواضع وإظهار الفقر والحاجة والانكسار بين يدي الله تعالى و التذلل له و التبري من الحول و القوة إلا به.
9. البكاء ورفع اليدين إلى السماء .
10. الإخلاص يقوى في الدعاء بالذات .
ولقد اعتنى به القرآن أيما عناية , ومن عناية القرآن به وبضده أن مسألة الدعاء هي أعظم مسألة خالف فيها النبي صلى الله عليه وسلم المشركين فإنهم كانوا يتعبدون بإشراك الصالحين في دعاء الله تعالى وعبادته .
كما قال تعالى ( ويعبدون من دون الله ما لا ينفعهم و لا يضرهم و يقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله) وأقول إن القرآن لم يعتن بموضوع آخر مثل ما اعتنى بهذا الموضوع لأن الشرك في الألوهية هو السبب في الخلاف بين رسول الله صلى الله عليه وسلم والمشركين .
ـ أغلب المشركين الأوائل الذين أرسل إليهم الرسول صلى الله عليه وسلم كان في الدعاء لأن الحاجة إلى الدعاء أعظم. وإذ الافتقار والاحتياج من لوازم الإنسان والمشرك كلما وقع في مشكلة لا يخطر بباله إلا الاتجاه إلى معبوده بالدعاء .
ـ إن أصل شرك العالم هو الشرك في الدعاء وطلب الحوائج من الصالحين الميتين .
توحيد الأسماء والصفات :
o فمنها صفة العلم : إن من شأن الدعاء أن يعتقد الداعي أن مدعوه يعلم بدعائه وأحواله وما هو فيه من الكرب والشدة الفاقة والهم والغم .
وعليه فالداعي يعتقد أن المدعو عالم وعلمه محيط بجميع الكائنات وما تتحرك ذرة في السماء والأرض إلا هو عالم بها ولا يخطر على البال خاطر إلا هو يعلمه ، ولا يختلج في النفس شيء إلا وهو مطلع عليه .
o ومنها : صفة السمع والبصر : لأن من شأن الداعي أن يعتقد أن المدعو المنادى المستغاث به يسمع نداءه واستصراخه ويرى تضرعه وتذلُله وانطراحه بين يديه ومكانه في هذا العالم الفسيح المترامي الأطراف المختلطة فيه أصوات المستغيثين ونداءات المضطرين وشكايات المضطهدين .
وقد عاب إبراهيم على قومه دعاءهم لأصنامهم قال ( قال هل يسمعونكم إذ تدعون أو ينفعونكم أو يضرون)
وسماع أصوات الخلائق من البعد ليس إلا لله ( أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم ونجواهم بلى ورسلنا لديهم يكتبون)
o صفة المعية والقرب ( وإذا سألك عبادي عني فإني قريب ) قيل في سبب نزولها أنها نزلت في سائل سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا محمد أقريب ربنا فنناجيه أم بعيد فنناديه فأنزل الله الآية السابقة .
o صفة الحياة والقيومية : فالميت والنائم أو الغافل لا يستطيع التصرف لنفسه ولهذا عاب الله المشركين بدعائهم للأصنام التي ليس لها حياة فضلا عن القوامة فقال ( والذين يدعون من دون الله لا يخلقون شيئا وهم يخلقون أموات غير أحياء وما يشعرون أيان يبعثون )
o ومن الصفات الإرادة المطلقة والجود والكرم والرأفة والرحمة والغنى وغيرها .
o ومن أهمها صفة العلو : فإن البشر على اختلاف مستوياتهم في المعرفة واختلاف لغاتهم وتباعد أوطانهم وتباين عاداتهم وتقاليدهم اتفقوا على التوجه بالدعاء إلى السماء ورفع الأيدي إليها لا يختلف في ذلك مسلمهم وكافرهم وعربيهم وعجميهم عالمهم وجاهلهم وهذا يدل على أنه أمر فطري وضروري . ومن هنا جاءت الشريعة برفع الأيدي إلى جهة العلو تكميلا لما عليه الفطرة من اعتقاد العلو .
الرسل وشيء من دعائهم :
1. آدم عليه السلام وزوج (قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (23) )الأعراف
2. نوح عليه السلام (رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَارًا (28)نوح
3. إبراهيم عليه السلام (رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آَمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ (35) رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (36) رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ (37) رَبَّنَا إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِي وَمَا نُعْلِنُ وَمَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ (38) الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ (39) رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ (40) رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ )(41)إبراهيم
4. يوسف عليه السلام " قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ (33) (رَبِّ قَدْ آَتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ (101))يوسف
وكذلك الصالحون :
وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (250)البقرة وقول سحرة فرعون لما آمنوا: وَمَا تَنْقِمُ مِنَّا إِلَّا أَنْ آَمَنَّا بِآَيَاتِ رَبِّنَا لَمَّا جَاءَتْنَا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ (126)الأعراف.
وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالدعاء وحث عليه : فمن الأحاديث :
1. ( ادع إلى ربك الذي إن مسك ضر فدعوته كشف عنك والذي إن ضللت بأرض قفر فدعوته رد عليك والذي إن أصابتك سنة فدعوته أنبت لك ) رواه أحمد وغيره .
2. ( أعجز الناس من عجز عن الدعاء وأبخل الناس من بخل بالسلام ) .
3. حديث أنس ( إن الله حيي كريم يستحيي أن يبسط العبد يديه إليه فيردهما صفرا )
4. عن أبي هريرة ( إن لله تعالى عتقاء في كل يوم وليلة لكل عبد منهم دعوة مستجابة ) رواه أحمد .
5. عن أبي هريرة ( إن من لم يسأل الله تعالى يغضب عليه ) .
6. وعنه رضي الله عنه ( ليس شيء أكرم على الله تعالى من الدعاء ) رواه احمد .
7. عن أبي أمامة ( ما أنعم الله على عبد نعمة فحمد الله عليها إلا كان ذلك الحمد أفضل من تلك النعمة … ) رواه الطبراني وحسنه الألباني .
فضائل الدعاء من السنة:
1. عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر يقول من يدعوني فأستجيب له من يسألني فأعطيه من يستغفرني فأغفر له" متفق عليه
2. عن شداد بن أوس رضي الله عنه: عن النبي صلى الله عليه وسلم ( سيد الاستغفار أن تقول اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت أعوذ بك من شر ما صنعت أبوء لك بنعمتك علي وأبوء لك بذنبي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت . قال ومن قالها من النهار موقنا بها فمات من يومه قبل أن يمسي فهو من أهل الجنة ومن قالها من الليل وهو موقن بها فمات قبل أن يصبح فهو من أهل الجنة) رواه البخاري
3. عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" يقول الله عز وجل أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه حين يذكرني إن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي وإن ذكرني في ملإ ذكرته في ملإ هم خير منهم وإن تقرب مني شبرا تقربت إليه ذرعا وإن تقرب إلي ذراعا تقربت منه باعا وإن أتاني يمشي أتيته هرولة"متفق عليه
4. عن أبي مالك الأشجعي عن أبيه قال:" كان الرجل إذا أسلم علمه النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة ثم أمره أن يدعو بهؤلاء الكلمات اللهم اغفر لي وارحمني واهدني وعافني وارزقني" رواه مسلم
5. عن أم الدرداء عن أبي الدرداء قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ما من عبد مسلم يدعو لأخيه بظهر الغيب إلا قال الملك ولك بمثل"رواه مسلم
6. قام أبو بكر الصديق على المنبر ثم بكى فقال قام رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الأول على المنبر ثم بكى فقال اسألوا الله العفو و العافية فإن أحد لم يعط بعد اليقين خيرا من العافية رواه الترمذي
موفقين