إن الأسرة إحدى العوامل الأساسية في بناء الكيان التربوي وإيجاد عملية التطبيع الاجتماعي، وتشكيل شخصية الطفل، وإكسابه العادات التي تبقى ملازمة له طول حياته، فهي البذرة الأولى في تكوين النمو الفردي وبناء الشخصية، فإن الطفل في أغلب أحواله مقلّد لأبويه في عاداتهم وسلوكهم فهي أوضح قصداً، وأدق تنظيماً،
وأكثر إحكاماً من سائر العوامل التربوية ونعرض فيما يلي لأهميتها، وبعض وظائفها، وواجباتها وعمّا أثر عن
الإسلام فيها، كما نعرض لما منيت به الأسرة في هذه العصور من الانحراف وعدم القيام بمسؤولياتها.
الموضوع:
مفهوم الأسرة:
الأسرة: في علم الاجتماع رابطة اجتماعية تتكون من زوج زوجة وأطفالهما، وتشمل الجدود والأحفاد، وبعض الأقارب على أن يكونوا مشتركين في معيشة واحدة. ويرى البعض أن الزواج الذي لا تصحبه ذرية لا يكون أسرة!!.
أهمية الأسرة:
وليس من شك أن الأسرة لها الأثر الذاتي والتكوين النفسي في تقويم السلوك الفردي، وبعث الحياة، والطمأنينة في نفس الطفل، فمنها يتعلم اللغة ويكتسب بعض القيم . وقد ساهمت الأسرة بطريق مباشر في بناء الحضارة الإنسانية، وإقامة العلاقات التعاونية بين الناس، ولها يرجع الفضل في تعلّم الإنسان لأصول الاجتماع، وقواعد الآداب والأخلاق، كما أنها السبب في حفظ كثير من الحِرف والصناعات التي توارثها الأبناء عن آبائهم..
مثال عليها :
ومن الغريب أن الجمهورية التي نادى بها أفلاطون، والتي تمجّد الدولة، وتضعها في المنزلة الأولى قد تنكرت للأسرة، وأدت إلى الاعتقاد بأنها عقبة في سبيل الإخلاص والولاء للدولة، فليس المنزل – مع ما له من القيمة العظمى لدينا – سوى لعنة وشر في نظر أفلاطون، وإذا كان من بين أمثالنا أن بيت الرجل هو حصنه الأمين، فإن أفلاطون ينادي: اهدموا هذه الجدران القائمة فإنها لا تحتضن إلا إحساساً محدوداً بالحياة المنزلية.
واجبات الأسرة:
إن الأسرة مسؤولة عن نشأة أطفالها نشأة سليمة متسمة بالاتزان، والبعد عن الانحراف، وعليها واجبات، ملزمة برعايتها، وهي:
-أولاً: أن تشيع في البيت الاستقرار، والودّ والطمأنينة، وإن تُبعد عنه جميع ألوان العنف والكراهية، والبغض.
ثانياً: أن تشرف الأسرة على تربية أطفالها.
ثالثاً: يرى بعض المربين أن من واجبات الآباء والأمهات تجاه أطفالهم هو تطبيق ما يلي:
1ـ ينبغي أن يتفق الأب والأم على معايير السلوك
2ـ ينبغي أن يكون وجود الطفل مع الأب بعد عودته من عمله جزءاً من نظام حياته اليومي.
3ـ ينبغي أن يعلم الأطفال أن الأب يحتاج إلى بعض الوقت يخلو منه إلى نفسه كي يقرأ أو يستريح.
4ـ تحتاج البنت إلى أب يجعلها تشعر بأنوثتها
5ـ يحتاج الولد إلى أب ذي رجولة وقوة على أن يكون في الوقت نفسه عطوفاً، حسن الإدراك.
إن إشاعة الود والعطف بين الأبناء له أثره البالغ في تكوينهم تكويناً سليماً، فإذا لم يرع الآباء ذلك فإن أطفالهم يصابون بعقد نفسية تسبب لهم كثيراً من المشاكل في حياتهم ولا تثمر وسائل النصح والإرشاد التي يسدونها لأبنائهم ما لم تكن هناك مودة صادقة بين أفراد الأسرة، وقد ثبت في علم النفس أن أشد العقد خطورة، وأكثرها تمهيداً للاضطرابات الشخصية هي التي تكون في مرحلة الطفولة الباكرة خاصة من صلة الطفل بأبويه، كما أن تفاهم الأسرة وشيوع المودة فيما بينهما مما يساعد على نموه الفكري، وازدهار شخصيته.
وظائف الأسرة:
وللأسرة وظائف حيوية مسؤولة عن رعايتها، والقيام بها، وهذه بعضها:
1ـ إنها تنتج الأطفال، وتمدّهم بالبيئة الصالحة لتحقق حاجاتهم البيولوجية والاجتماعية.
2ـ إنها تعدّهم للمشاركة في حياة المجتمع، والتعرف على قيمة وعاداته.
3ـ إنها تمدّهم بالوسائل التي تهيئ لهم تكوين ذواتهم داخل المجتمع.
4ـ مسؤوليتها عن توفير الاستقرار والأمن والحماية والحنو على الأطفال مدة طفولتهم فإنها أقدر الهيئات في المجتمع على القيام بذلك لأنها تتلقى الطفل في حال صغره، ولا تستطيع أية مؤسسة عامة أن تسد مسد الأسرة في هذه الشؤون.
5ـ على الأسرة يقع قسط كبير من واجب التربية الخلقية والوجدانية والدينية في جميع مراحل الطفولة..
لقد أكد علماء النفس والتربية أن للأسرة أكبر الأثر في تشكيل شخصية الطفل، وتتضح أهميتها إذا ما تذكرنا المبدأ البيولوجي الذي ينص على ازدياد القابلية للتشكيل أو ازدياد المطاوعة كلما كان الكائن صغيراً. بل يمكن تعميم هذا المبدأ على القدرات السيكولوجية في المستويات المتطورة المختلفة.
أن ما يواجهه الطفل من مؤثرات في سنّه المبكر يستند إلى الأسرة فإنها العامل الرئيسي لحياته، والمصدر الأول لخبراته، كما أنها المظهر الأصيل لاستقراره، وعلى هذا فاستقرار شخصية الطفل وارتقائه يعتمد كل الاعتماد على ما يسود للأسرة من علاقات مختلفة كماً ونوعاً… إن من اكتشافات علم التحليل أن قيم الأولاد الدينية والخلقية إنما تنمو في محيط العائلة.
الخاتمة:
إن السعادة العائلية تبعث الطمأنينة في نفس الطفل، وتساعده على تحمل المشاق، وصعوبات الحياة، يقول سلامة موسى: (إن السعادة العائلية للأطفال تبعث الطمأنينة، في نفوسهم بعد ذلك حتى إذا مات أبوهم بقيت هذه الطمأنينة، وقد وجد عند إجلاء الأطفال من لندن مدة الغارات في الحروب الأخيرة أن الذين سعدوا منهم بوسط
عائلي حسن تحملوا الغربة أكثر مما تحمّلها الذين لم يسعدوا بمثل هذا الوسط، ذلك لأن الوسط العائلي الحسن
بعث الطمأنينة في الأطفال، فواجهوا الغربة مطمئنين، ولكن الوسط العائلي القلق الذي نشأوا فيه يزداد بالغربة.
وإذا أعطينا الطفل ـ مدة طفولته في العائلة ـ الحب والطمأنينة أعطى هو مثل ذلك.
المراجع: