المقدمة
الحمد لله الذي امتن على عباده بنبيه المرسل صلى الله عليه وسلم وكتابه المنزل " الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد " حتى اتسع على أهل الأفكار طريق الاعتبار بما فيه من القصص والأخبار.
واتضح به سلوك المنهج القويم والصراط المستقيم بما فصل فيه من الأحكام.
وفرق بين الحلال والحرام فهو الضياء والنور وبه النجاة من الغرور وفيه شفاء لما في الصدور. ومن خالفه من الجبابرة قصمه الله ومن ابتغى العلم في غيره أضله الله.
هو حبل الله المتين ونوره المبين والعروة الوثقى والمعتصم الأوفى وهو المحيط بالقليل والكثير والصغير والكبير.
لا تنقضي عجابئه ولا تتناهى غرائبه لا يحيط بفوائده عند أهل العلم تحديد ولا يخلقه عند أهل التلاوة كثرة الترديد هو الذي أرشد الأولين والآخرين ولما سمعه الجن لم يلبثوا أن ولوا إلى قومهم منذرين
" فقالوا إنا سمعنا قرآناً عجباً يهدي إلى الرشد فآمنا به ولن نشرك بربنا أحداً "
فكل من آمن به فقد وفق ومن قال به فقد صدق ومن تمسك به فقد هدي ومن عمل به فقد فاز وقال تعالى " إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون " ومن أسباب حفظه في القلوب والمصاحف استدامة تلاوته والمواظبة على دراسته مع القيام بآدابه وشروطه والمحافظة على ما فيه من الأعمال الباطنة والظاهرة.
في فضل القرآن وأهله وذم المقصرين في تلاوته فضيلة القرآن
قال صلى الله عليه وسلم " من قرأ القرآن ثم رأى أن أحداً أوتي أفضل مما أوتي فقد استصغر ما عظمه الله تعالى "
وقال صلى الله عليه وسلم : " ما من شفيع أفضل منزلة عند الله تعالى من القرآن لا نبي ولا ملك ولا غيره "
وقال صلى الله عليه وسلم " لو كان القرآن في إهاب ما مسته النار "
وقال صلى الله عليه وسلم " أفضل عبادة أمتي تلاوة القرآن "
وقال صلى الله عليه وسلم أيضاً " إن الله عز وجل قرأ طه ويس قبل أن يخلق الخلق بألف عام فلما سمعت الملائكة القرآن قالت: طوبى لأمة ينزل عليهم هذا وطوبى لأجواف تحمل هذا وطوبى لألسنة تنطق بهذا "
وقال صلى الله عليه وسلم " خيركم؟؟… من تعلم القرآن وعلمه "
وقال صلى الله عليه وسلم " يقول الله تبارك وتعالى من شغله قراءة القرآن
عن دعائي ومسألتي أعطيته أفضل ثواب الشاكرين "
وقال صلى الله عليه وسلم " أهل القرآن أهل الله وخاصته "
وقال صلى الله عليه وسلم " إن القلوب تصدأ كما يصدأ الحديد فقيل يا رسول الله وما جلاؤهها فقال: تلاوة القرآن وذكر الموت "
وقال صلى الله عليه وسلم " لله أشد أذناً إلى قارىء القرآن من صاحب القينة إلى قينته "
الآثار:
قال أبو أمامة الباهلي: اقرءوا القرآن ولا تغرنكم هذه المصاحف المعلقة فإن الله لا يعذب قلباً هو وعاء للقرآن.
وقال ابن مسعود: إذا أردتم العلم فانثروا القرآن فإن فيه علم الأولين والآخرين.
وقال أيضاً: لا يسأل أحدكم عن نفسه إلا القرآن فإن كان يحب القرآن ويعجبه فهو يحب الله سبحانه ورسوله صلى الله عليه وسلم وإن كان يبغض القرآن فهو يبغض الله سبحانه ورسوله صلى الله عليه وسلم.
وقال عمرو بن العاص: كل آية في القرآن درجة في الجنة ومصباح في بيوتكم وقال أيضاً: من قرأ القرآن فقد أدرجت النبوة بين جنبيه إلا أنه لا يوحى إليه.
وقال أبو هريرة: إن البيت الذي يتلى فيه القرآن اتسع بأهله وكثر خيره وحضرته الملائكة وخرجت منه الشياطين وإن البيت الذي لا يتلى فيه كتاب الله عز وجل: ضاق بأهله وقل خيره وخرجت منه الملائكة وحضرته الشياطين.
وقال أحمد ابن حنبل: رأيت الله عز وجل في المنام فقلت: يا رب ما أفضل ما تقرب به المتقربون إليك قال: بكلامي يا أحمد قال قلت: يا رب بفهم أو بغير فهم قال: بفهم وبغير فهم.
وقال محمد بن كعب القرظي: إذا سمع الناس القرآن من الله عز وجل يوم القيامة فكأنهم لم يسمعوه قط.
وقال الفضيل بن عياض: ينبغي لحامل القرآن أن لا يكون له إلى أحد حاجة ولا إلى الخلفاء فمن دونهم فينبغي أن تكون حوائج الخلق إليه.
وقال أيضاً حامل القرآن حامل راية الإسلام فلا ينبغي أن يلهو مع من يلهو ولا يسهو مع من يسهو ولا يلغو مع من يلغو تعظيماً لحق القرآن.
وقال سفيان الثوري: إذا قرأ الرجل القرآن قبل الملك بين عينيه.
وقال عمرو بن ميمون: من نشر مصحفاً حين يصلي الصبح فقرأ منه مائة آية رفع الله عز وجل له مثل عمل جميع أهل الدنيا.
ويروى " أن خالد بن عقبة جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال اقرأ علي القرآن فقرأ عليه " إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى " الآية فقال له أعد فأعاد فقال: والله إن له لحلاوة وإن عليه لطلاوة وإن أسفله لمورق وإن أعلاه لمثمر وما يقول هذا بشر "
وقال الحسن والله ما دون القرآن من غنى ولا بعده من فاقة.
وقال الفضيل: من قرأ خاتمة سورة الحشر حين يصبح ثم مات من يومه ختم له بطابع الشهداء ومن قرأها حين يمسي ثم مات من ليلته ختم له بطابع الشهداء وقال القاسم بن عبد الرحمن: قلت لبعض النساك ما ههنا أحد نستأنس به فمد يده إلى المصحف ووضعه على حجره وقال: هذا.
وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: ثلاث في ذم تلاوة الغافلين قال أنس بن مالك: رب تال للقرآن والقرآن يلعنه.
وقال ميسرة: الغريب هو القرآن في جوف الفاجر
وقال أبو سليمان الداراني: الزبانية أسرع إلى حملة القرآن الذين يعصون الله عز وجل منهم إلى عبدة الأوثان حين عصوا الله سبحانه بعد القرآن.
وقال بعض العلماء: إذا قرأ ابن آدم القرآن ثم خلط ثم عاد فقرأ قيل له: مالك ولكلامي.
وقال ابن الرماح: ندمت على استظهاري القرآن لأنه بلغني أن أصحاب القرآن يسألون عما يسأل عنه الأنبياء يوم القيامة.
وقال ابن مسعود ينبغي لحامل القرآن أن يعرف بليله إذا الناس ينامون وبنهاره إذا الناس يفرطون وبحزنه إذا الناس يفرحون وببكائه إذا الناس يضحكون وبصمته إذا الناس يخوضون وبخشوعه إذا الناس يختالون.
وينبغي لحامل القرآن أن يكون مستكيناً ليناً ولا ينبغي له أن يكون جافياً ولا ممارياً ولا صياحاً ولا صخاباً ولا حديداً.
وقال صلى الله عليه وسلم " اقرإ القرآن ما نهاك فإن لم ينهك فلست تقرؤه "
وقال صلى الله عليه وسلم " ما آمن بالقرآن من استحل محارمه "
وقال بعض السلف: إن العبد ليفتتح سورة فتصلي عليه الملائكة حتى يفرغ منها وإن العبد ليفتتح سورة فتلعنه حتى يفرغ منها فقيل له: وكيف ذلك فقال: إذا أحل حلالها وحرم حرامها صلت عليه وإلا لعنته.
وقال بعض العلماء: إن العبد ليتلو القرآن فيلعن نفسه وهو لا يعلم يقول " ألا لعنة الله على الظالمين " وهو ظالم نفسه " ألا لعنة الله على الكاذبين " وهو منهم.
وقال الحسن: إنكم اتخذتم قراءة القرآن مراحل وجعلتم الليل جملاً فأنتم تركبونه فتقطعون به مراحله وإن من كان قبلكم رأوه رسائل من ربهم فكانوا
يتدبرونها بالليل وينفذونها بالنهار.
وقال ابن مسعود أنزل القرآن عليهم ليعملوا به فاتخذوا دراسته عملاً إن أحدكم ليقرأ القرآن من فاتحته إلى خاتمته ما يسقط منه حرفاً وقد أسقط العمل به.
وفي حديث ابن عمر وحديث جندب رضي الله عنهما: لقد عشنا دهراً طويلاً وأحدنا يؤتى الإيمان قبل القرآن فتنزل السورة على محمد صلى الله عليه وسلم فيتعلم حلالها وحرامها وآمرها وزاجرها وما ينبغي أن يقف عنده منها.
ثم لقد رأيت رجالاً يؤتى أحدهم القرآن قبل الإيمان فيقرأ ما بين فاتحة الكتاب إلى خاتمته لا يدري ما آمره ولا زاجره ولا ما ينبغي أن يقف عنده منه ينثره نثر الدقل وقد ورد في التوراة: يا عبدي أما تستحي مني يأتيك كتاب من بعض إخوانك وأنت في الطريق تمشي فتعدل عن الطريق وتقعد لأجله وتقرؤه وتتدبره حرفاً حرفاً حتى لا يفوتك شيء منه وهذا كتابي أنزلته إليك انظر كم فصلت لك فيه من القول وكم كررت عليك فيه لتتأمل طوله وعرضه ثم أنت معرض عنه أفكنت أهون عليك من بعض إخوانك يا عبدي يقعد إليك بعض إخوانك فتقبل عليه بكل وجهك وتصغي إلى حديثه بكل قلبك فإن تكلم متكلم أو شغلك شاغل عن حديثه أومأت إليه أن كف وها أنا ذا مقبل عليك ومحدث لك وأنت معرض بقلبك عني أفجعلتني أهون عندك من بعض إخوانك
في ظاهر آداب التلاوة وهي عشرة
الأول في حال القارىء:
وهو أن يكون على الوضوء
واقعاً عل هيئة الأدب والسكون إما قائماً
وإما جالساً مستقبل القبلة
مطرقاً رأسه
غير متربع
ولا متكىء
ولا جالس على هيئة التكبر.
ويكون جلوسه وحده كجلوسه بين يدي أستاذه.
وأفضل الأحوال أن يقرأ في الصلاة قائماً وأن يكون في المسجد فذلك من أفضل الأعمال.
فإن قرأ على غير وضوء وكان مضطجعاً في الفراش فله أيضاً فضل ولكنه دون ذلك.
قال الله تعالى " الذين يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السموات والأرض " فأثنى على الكل ولكن قدم القيام في الذكر ثم القعود ثم الذكر مضطجعاً.
قال علي رضي الله عنه من قرأ القرآن وهو قائم في الصلاة كان له بكل حرف مائة حسنة ومن قرأه وهو جالس في الصلاة فله بكل حرف خمسون حسنة.
ومن قرأه في غير صلاة وهو على وضوء فخمس وعشرون حسنة.
ومن قرأه على غير وضوء فعشر حسنات.
وما كان من القيام بالليل فهو أفضل لأنه أفرغ للقلب قال أبو ذر الغفاري رضي الله عنه: إن كثرة السجود بالنهار وإن طول القيام بالليل أفضل الثاني في مقدار القراءة: وللقراء عادات مختلفة في الاستكثار والاختصار فمنهم من يختم القرآن في اليوم والليلة مرة وبعضهم مرتين وانتهى بعضهم إلى ثلاث ومنهم من يختم في الشهر مرة وأولى ما يرجع إليه في التقديرات قول رسول الله صلى الله عليه وسلم " من قرأ القرآن في أقل من ثلاث لم يفقهه " وذلك لأن الزيادة عليه تمنعه الترتيل.
وقد قالت عائشة رضي الله تعالى عنها – لما سمعت رجلاً يهذر القرآن هذراً – " إن هذا ما قرأ القرآن ولا سكت " وأمر النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن يختم القرآن في كل سبع وكذلك كان جماعة من الصحابة رضي الله عنهم يختمون القرآن في كل جمعة كعثمان وزيد بن ثابت وابن مسعود وأبي بن كعب رضي الله عنهم.
ففي الختم أربع درجات:
الختم في يوم وليلة وقد كرهه جماعة
والختم في كل شهر كل يوم جزء من ثلاثين جزءاً – وكأنه مبالغة في الاقتصار كما أن الأول مبالغة في الاستكثار – وبينهما درجتان
معتدلتان إحداهما في الأسبوع مرة والثانية في الأسبوع مرتين تقريباً من الثلاث.
والأحب أن يختم ختمة بالليل وختمة بالنهار ويجعل ختمه بالنهار يوم الإثنين في ركعتي الفجر أو بعدهما ويجعل ختمه بالليل ليلة الجمعة في ركعتي المغرب أو بعدهما ليستقبل أول النهار وأول الليل بختمته.
فإن الملائكة عليهم السلام تصلي عليه إن كانت ختمته ليلاً حتى يصبح وإن كان نهاراً حتى يمسي فتشمل بركتهما جميع الليل والنهار.
والتفصيل في مقدار القراءة أنه إن كان من العابدين السالكين طريق العمل فلا ينبغي أن ينقص عن ختمتين في الأسبوع.
وإن كان من السالكين بأعمال القلب وضروب الفكر أو من المشتغلين بنشر العلم فلابأس أن يقتصر في الأسبوع على مرة.
وإن كان نافذ الفكر في معاني القرآن فقد يكتفي في الشهر بمرة لكثرة حاجته إلى كثرة الترديد والتأمل
مراجع :
معهد الامارات التعليمي