التصنيفات
الصف السابع

الهجرة النبوية المباركة – مواقف وعبر -1 للصف السابع

الهجرة النبوية المباركة – مواقف وعبر -1

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونشكره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضلّ له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أنْ لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولا مثيل له، ولا ضِدّ ولا نِدّ له، وأشهد أنَّ سيّدنا وحبيبنا وعظيمنا وقائدنا وقرّة أعيننا محمّدًا عبده ورسوله وصفيّه وحبيبه، بلّغ الرسالة وأدّى الأمانة ونصح الأمّة فجزاه الله عنّا خير ما جزى نبيًّا من أنبيائه. الصلاة والسلام عليك سيِّدي يا علم الهدى يا أبا الزهراء يا أبا القاسم يا محمّد ضاقت حيلتنا وأنت وسيلتنا أدركنا يا رسول الله .

أما بعد عباد الله، فإني أوصيكم ونفسي بتقوى الله العليِّ العظيم ، والسير على خطى رسوله الكريم، يقول الله تعالى في محكم كتابه: ﴿إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا

وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُواْ السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ التوبة/40 .

إخوة الإيمان يا أحباب الحبيب، دعا النبيّ صلّى الله عليه وسلّم إلى العدل والإحسان ومكارم الأخلاق ونهى عن المنكر والبغي. فهو أفضل الأوّلين والآخرين على الإطلاق، هو محمّد صلّى الله عليه وسلّم الذي عرّفه قومه قبل نزول الوحي بلقب الأمين فلم يكن سارقًا ولم يكن رذيلاً ولم يكن متعلّق القلب بالنساء، وكان يدور في المواسم التي يجتمع فيها الناس ويقول: "أيها الناس قولوا لا إله إلا الله تُفلحوا". وكان يتبعه رجل من المشركين ويقول: "أيها الناس لا تصدّقوه".

صبر صلّى الله عليه وسلّم على إيذاء المشركين. أليس حينما كان يصلّي عند الكعبة رمى على ظهره عقبة بن أبي معيط سلى جزور؟ وذلك المشرك أبو جهل أراد أن يخنقه بثوبه فمنعه أبو بكر وقال: "أتقتلون رجلاً يقول ربي الله؟". أليس كُسرت رباعيّته من أسنانه؟ أليس ضرب بالحجارة عليه الصلاة والسلام؟ ولكن هذا النبي المؤيّد بنصر الله المبين ثبت كما أمره الله، فما من نبي يتخلّى عن الدعوة إلى الله لشدّة إيذاء، الكفار تعجّبوا لهذا الصبر فقالوا لأبي طالب: "يا أبا طالب ماذا يريد إبن أخيك؟ إن كان يريد جاهًا أعطيناه فلن نمضي أمرًا إلا بعد مشورته، وإن كان يريد مالاً جمعنا له المال حتى يصير أغنانا، وإن كان يريد الملك توّجناه علينا".

ولكن النبيّ الذي يوحى إليه أجاب عمّه بقوله: "والله يا عمّ لو وضعوا الشمس بيميني والقمر بشمالي ما تركت هذا الأمر حتى يظهره الله أو أهلك دونه".

فأجمع المشركون على قتل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وجمعوا من كلِّ قبيلة رجلاً جلدًا ليضربوه ضربة رجلٍ واحدٍ حتى يتفرّق دمه بين القبائل، فأتى جبريل عليه السلام وأخبره بكيد المشركين وأمره بأن لا يبيت في مضجعه الذي كان يبيت فيه. فدعا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه وأمره أن يبيت على فراشه ويتسجّى بِبُرد له أخضر ففعل ، ثمّ خرج صلّى الله عليه وسلّم وهم على بابه ومعه حفنة تراب فجعل يذرّها على رؤوسهم وهو يقرأ: ﴿يس وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ عَلَىصِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ تَنزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ لِتُنذِرَ قَوْماً مَّا أُنذِرَ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلاَلاً فَهِيَ إِلَىالأَذْقَانِ فَهُم مُّقْمَحُونَ وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدّاً وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدّاً فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ﴾ (يـس).

ثمّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يختار حبيبه أبا بكر الصدِّيق رضي الله عنه يرافقه في الهجرة، ويدخلان إلى الغار وفي الغار ثقوب فجعل الصدّيق رضي الله عنه يسدّ الثقوب بثوبه وبقي ثقب فسدّه برجله ليحمي حبيبه وقرّة عينه محمّدًا، فلدغته الأفعى برجله فما حرّكها وما أزاحها، فمن شدّة ألَمه بكى رضي الله عنه فنَزلت دمعته وأيقظت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقام صلّى الله عليه وسلّم ومسح له بريقه الطاهر فشفي بإذن الله تعالى.

هادينا والصديق معا ***** في الغار ثقوبا وَجَدَ

وأبو بكر فيهـا وضع ***** ثوبًا مزّقـه إذ وَرَدَ

ويسدّ الباقي من خوفٍ ***** بالرجل لكي يحمي طه

لدغته الأفعى من جوفٍ ***** ما حرّكها وما زاح

فبكى من ألَـمٍ أتعبَهُ ***** والدمعة أيقظت المحبوب

بالريق الطاهر طيّبهُ ***** وارتاح من الألم المكروب

وحمى الله تعالى حبيبه بخيط العنكبوت، حمى الله تعالى حبيبه بأضعف البيوت وأوهن البيوت بيت العنكبوت، فأرسل الله حمامة باضت على فم الغار ونسج العنكبوت خيطه . قال تعالى: ﴿يُرِيدُونَ أَن يُطْفِؤُواْ نُورَ اللّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللّهُ إِلاَّ

أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ﴾ التوبة/32 .

والمؤمنون في المدينة المنوّرة ينتظرون حبّا وشوقًا، ينتظرون وصول الحبيب المصطفى صلّى الله عليه وسلّم، فكانوا يتوافدون إلى مشارف المدينة من ناحية طريق مكّة وكان بعضهم يتسلّق الأشجار وينظر إلى بعد علّه يرى أثرًا لقدوم الحبيب صلّى الله عليه وسلّم، وتمضي الأيام والساعات ويعودون حزينين.

وذات يوم والناس في انتظار بلهف وشوق وقد انتصف النهار واشتدّ الحرّ ورجعوا جماعة بعد جماعة وإذ برجل ينادي بأعلى صوته: ها قد جاء من تنتظرون يا أهل المدينة، فتكرّ الجموع عائدة لاستقبال الحبيب المحبوب والحبّ يسبقها ولسان حالها يقول: "طلع البدر علينا من ثنيات الوداع".

اللهمّ أعد علينا هذه الذكرى بالأمن والأمان يا ربّ العالمين .

هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم

الخطبة الثانية:

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونشكره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيّئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضلّ له ومن يضلل فلا هادي له، والصلاة والسلام على محمّد بن عبد الله وعلى كلِّ رسول أرسله الله.

أما بعد عباد الله ، فأوصيكم ونفسي بتقوى الله العليّ العظيم .

الهجرة النبويّة أيها الإخوة لم تكن هروبًا من قتال ولا جبنًا عن مواجهة ولا تخاذلاً عن إحقاق حقٍّ أو إبطال باطل، ولكن هجرة بأمر الله تعالى.

فأنبياء الله تعالى يستحيل عليهم الجبن، فالأنبياء هم أشجع خلق الله. وقد أعطى الله نبيّنا قوّة أربعين رجلاً من الأشدّاء.

فالجبن والهرب هذا لا يليق بأنبياء الله تعالى . "فلا يقال عن النبيّ هرب لأنّ هرب يشعر بالجبن، أمّا إذا قيل هاجر فرارًا من الكفار أي من أذى الكفّار فلا يشعر بالجبن بل ذلك جائز ما فيه نقص ". (الشرح القويم صحيفة 341 ).

واعلَموا أنَّ اللهَ أمرَكُمْ بأمْرٍ عظيمٍ أمرَكُمْ بالصلاةِ والسلامِ على نبيِهِ الكريمِ فقالَ:﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً﴾ اللّـهُمَّ صَلِّ على سيّدِنا محمَّدٍ وعلى ءالِ سيّدِنا محمَّدٍ كمَا صلّيتَ على سيّدَنا إبراهيمَ وعلى ءالِ سيّدِنا إبراهيمَ وبارِكْ على سيّدِنا محمَّدٍ وعلى ءالِ سيّدِنا محمَّدٍ كمَا بارَكْتَ على سيّدِنا إبراهيمَ وعلى ءالِ سيّدِنا إبراهيمَ إنّكَ حميدٌ مجيدٌ، يقول الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ﴾، اللّهُمَّ إنَّا دعَوْناكَ فاستجبْ لنا دعاءَنا فاغفرِ اللّهُمَّ لنا ذنوبَنا وإسرافَنا في أمرِنا اللّهُمَّ اغفِرْ للمؤمنينَ والمؤمناتِ الأحياءِ منهُمْ والأمواتِ ربَّنا ءاتِنا في الدنيا حسَنةً وفي الآخِرَةِ حسنةً وقِنا عذابَ النارِ اللّهُمَّ اجعلْنا هُداةً مُهتدينَ غيرَ ضالّينَ ولا مُضِلينَ اللّهُمَّ استرْ عَوراتِنا وءامِنْ روعاتِنا واكفِنا مَا أَهمَّنا وَقِنا شَرَّ ما نتخوَّفُ. عبادَ اللهِ ﴿إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾، يعظُكُمْ لعلَّكُمْ تذَكَّرون. اذكُروا اللهَ العظيمَ يذكرْكُمْ واشكُروهُ يزِدْكُمْ، واستغفروه يغفِرْ لكُمْ واتّقوهُ يجعلْ لكُمْ مِنْ أمرِكُمْ مخرَجًا، وَأَقِمِ الصلاةَ.

مواضيع ذات صلة

لقراءة ردود و اجابات الأعضاء على هذا الموضوع اضغط هناسبحان الله و بحمده

التصنيفات
الصف السابع

ورقة عمل الهجرة وقيام الدولة الإسلامية للصف السابع

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

ورقة عمل عن موضوع الهجرة وقيام الدولة الاسلاميه زمن الرسول صلى الله عليه وسلم

السؤال الاول :- بم تفسر انتصار المسلمين في غزوة بدر رغم عدم التكافؤ بينهم وبين المشركين من حيث العدد والعدة ؟

………………………………………….. ……..

س2 :- ما السبب الرئيسي لتراجع المسلمين في معركة احد ؟

………………………………………….. ….

س3 :- ما ابرز النتائج التي ترتبت على فتح المسلمين لمكه ؟

………………………………………….. ……

س6 :- لماذا بدأ الرسول اعماله بالمدينه المنورة ببناء المسجد ؟

………………………………………….. …….

س7 :- عدد بنود صلح الحديبية؟ ………………

س8:- املا الفراغ بالجواب المناسب :-

قائد جيش المسلمين في غزوة الخندق هو ………………..
قائد جيش المشركين في غزوة الخندق هو ………………..
كان عدد جيش المسلمين في غزوة الخندق ………………. والمشركين ……………

لقراءة ردود و اجابات الأعضاء على هذا الموضوع اضغط هناسبحان الله و بحمده

التصنيفات
الصف السابع

الفوائد الجنية من الهجرة النبوية (3) الفوائد الجنية من الهجرة النبوية (4) -تعليم الامارات

الفوائد الجنية من الهجرة النبوية (3)

أولا .. لماذا الهجرة ..؟
إني لما نظرتُ إلى تأريخِ الهجرةِ ، ونظرتُ إلى الإعِدادِ الذي أعدّهُ الرسولُ صلى الله عليه وسلم ونظرتُ إلى الأسبابِ والأساليبِ التي اتخذَها ، ابتداءً من إذْنِه بالهجرةِ للصحابةِ ، وانتهاءً بوُصُولِه إلى المدينة ، وما بينهما من أسبابٍ بشريةٍ كثيرةٍ ، فيها الاختفاءُ والسِّريةُ ، فيها كثيرا من الأسبابِ البشرية ، تساءلتُ : ألم يُسْرَ بالرسولِ صلى الله عليه وسلم قبلَ عامٍ فقطٍ إلى بيتِ المقدسِ ، ويُعرَج به إلى السماءِ ؟ ألم يأتِ إليه جبريلُ على الصلاةُ والسلامُ وهو مُسْنِدٌ ظهره الشريف للكعبة بالبراقِ ليرحلَ هو وإياهُ من مكةَ المكرمة إلى بيتِ المقدس ومن هناك إلى السموات ..؟ سبحان الله ! يُسْرى به إلى بيتِ المقدس ، ويُعرج به إلى السماءِ ، ويرْجِع في ليلةٍ واحدةٍ ، ويجلس عدَّةَ شهورٍ صلى الله عليه وسلم ويتَّخِذَ كثيرا من الأسبابِ والوسائلِ لهذه الهجرةِ ! لماذا ..؟ ما السبب ..؟ لِمَ لمْ تكن تلك الهجرةِ كذاكَ الإسراء ..؟ يُمْسي في مكةَ ويصبحُ في المدينةِ النبوية بأمرِ الله سبحانه وتعالى وبقدرته ؟ أليس الله قادرٌ على ذلك ..؟ أيُعْجِزُه سبحانَه وتعالى شيءٌ في الأرضِ والسماء ..؟ كيف لا.. والمعجزاتُ تتنزلُ عليه عليه الصلاة والسلام ، لكنني بعدَ التأمُلِّ وجدتُ أن الله سبحانه وتعالى أراد منا ومن أمةِ النبي صلى الله عليه وسلم أن نفقه هذا الدين فِقْهًا دقيقاً ، أرادنا أن نفقهَ هذه الدعوة المحمدية فقها سديدا ، فهذه الدعوةُ أيها الأحبابُ هي وربي منهجٌ للبشر ، ربنا جل وعلا قادرٌ أن يأخذَ رسوله صلى الله عليه وسلم في لحظةٍ واحدة ، وينقُلُه من مكةَ إلى المدينة ، لا يحتاجُ إلى إعداد ، لا يحتاج إلى اختفاء ، لا يحتاج إلى مئونة ، لا يحتاج إلى مطاردةٍ ، لا يحتاج إلى مصاحبةٍ ، لكن الأمرَ أعمقَ من ذلكَ وربي وأبعدَ بكثير ، إنه الدينُ ..! أراده الله ليكونَ منهجاً للبشريةِ ، لماذا .. ؟ لأنه لو فُعل ذلك برسول الله صلى الله عليه وسلم وجاءَ بعدَه من الدعاةِ ممن تواجهُهُم مثلُ هذه المشاكلِ ، مشاكلِ الاضطهاد ، ومعاناةِ العذاب في سبيلِ تبيينِ الدعوةِ وإخراجِ الناسِ من عبادةِ العباد إلى عبادةِ ربِ العبادِ فأين حينَها يجدُونَ الحلَّ ؟ كيف يجدونَ المخرج ؟ إلى من يلتجئون ..؟ أولئك الذين يُضطهدونَ في دينهم ، أولئكَ الذينَ يحارَبونَ في عقيدتهم ، أولئك الذين تُمتَهَنُ كرامتُهم عليهم أن يأخذوا الدروسَ العظيمَةَ من هذه الهجرةِ .
إذًا ..
نحن في هذه الهجرةِ بجميعِ مراحلِها ، نتبينُّ من خلالِها الدروسَ العظيمةَ للدعاةِ وللمسلمينَ ، فلو تمَّتْ هذه الهجرةُ بين عشيةٍ وضحاها ؛ لخسرنا تلكَ الدروسَ ، ولخسرنا تلكَ المواقفَ ، وهذا أمرٌ لا ينتبه له كثيرٌ من الناس ، ويكفي التأريخَ شرفاً أن سطَّرَ بأحرفهِ الذهبيةِ هذه السيرةِ العطرةِ ، وهذه الهجرة المباركة ، لنلجأ إليها كمخرجٍ من كُرباتِنا ، وحلٍ لأزماتِنا ، وشِفاءٍ لأمراضَنا ، بعد الله جل وعلا .
في هذه الهجرةِ يعرفُ الداعيةُ كيف يأخذُ بالأسبابِ ، كيف يفرقُ بين التوكلِ والتواكُلِ ، يأخذ الحذرَ والحِيطةَ ، يعرفُ المسلمُ من هذه الهجرةِ النبويةِ أنه لا يستكينُ ولا يستهينُ ولا يقْبَلُ الذلةَ في دينه ، ولا في عقيدته أبدا ، نعم .. إن هذه الهجرةَ العظيمةَ منهجٌ للبشر ، ولو خرجْتُ عن الموضوعِ من جهةٍ أخرى في درسٍ عظيمٍ أربِطُهُ بهذا الموضوعِ ، وهو " قضيةُ المنافقين " فلقد وقفتُ كثيراً وتأمّلتُ بتمعُّنٍ قصةَ علاجِ الإسلامِ لقضيةِ المنافقين ، وكيف عالج الرسولُ صلى الله عليه وسلم قضيتهم حتى انتهت ، ابتداءً من الهجرةِ وحتى وفاتِه صلى الله عليه وسلم مروراً بالأطوارِ التي مرت بها قضيةُ المنافقينَ وأثرُهم في المدينة ، وتساءَلْتُ وقلتُ : الله جلا وعلا قادرٌ على أن يُعْلِمَ نبيهَ صلى الله عليه وسلمَ بعض أسماء المنافقينَ لِيَسْتَتِيَبهم ؛ فإن تابوا ، وإلا قُتلوا ، أو طُردوا " وممن حولكم من الأعراب منافقون ومن أهل المدينة مردوا على النفاق لا تعلمهم نحن نعلمهم " نعم .. لا تعلمهم كلهم نحن نعلمهم ، لأن الله لم يُردْ إبلاغَه إياهم ؛ لأن الله تعالى لو أخبرَ رسولَه صلى الله عليه وسلم بهذهِ الأسماء ، نحنُ الذينَ نأتي من بعدِه من سيخبِرُنا بالمنافقينَ الذين يعيشونَ بيننا ؟ كيف نعالجُ مُشْكِلَتِنَا معهم وهم من بني جلدتِنا ؟ إذا
لا بدَّ من اللجوءِ بعد الله تعالى إلى سيرةِ الرسولِ صلى الله عليه وسلم ، إلى هجرةِ الرسول صلى الله عليه وسلم ، فَمِثْلَمَا عالجَ الرسولُ صلى الله عليه وسلم تلكَ المشكلةَ وتلكَ الفتنةَ داخلَ الصفِّ المسلمِ ، ووقفَ على تلكَ الخياناتِ التي ارتُكبتْ في داخلِ هذا الصفِّ ؛ سنجدُ حينها علاجا لمشكلاتِنا في زماننا هذا .
إن درسَ الهجرةِ أيها الأحبة درسٌ عظيم ، أراد الله سبحانه وتعالى لنا أن نتعلمَ منه الشيءَ الكثيرَ ، ولكن أين القلوبُ الحيةُ ؟ أين القلوبُ الصادقةُ اليقظةُ ؟ أين القلوبُ الباحثةُ عن الحق ؟ فالعودة العودة الصادقة الحميمة إلى هجرةِ الرسولِ صلى الله عليه وسلم لنستلهمَ الدروسَ والعبرَ ,,, وإلى ثاني الدروس الجنية من الهجرة النبوية .

الفوائد الجنية من الهجرة النبوية (4)

ثانيا : المدينة النبوية ، التأسيس والتوطين ..!
وهذه قضيةٌ مهمةٌ ، وهي أنه لا بُدَّ أن يكونَ للفئةِ المسلمةِ موطنٌ أو موضعٌ تتأسسُ فيه وتتربى عليه ، وتستطيعُ أن تمارسَ من خلالِه عمليةَ التغيير ، وقد كان هذا في دارِ الأرقمِ بنِ أبي الأرقمَ قبلَ الهجرةِ ، فقد كان موطنُ بناءٍ وتعليمٍ وإرشادٍ وغرسٍ للعقيدةِ وبناءٍ للإسلام في النفوسِ ، وتجميعٍ للصفوف ومعرفةٍ لواقع الباطلِ والجاهليةِ ، وهذا التجمعُ هو الذي كان يحرِّكُ دعوةَ الإسلامِ حتى أذن الله بالهجرةِ فكان التأسيسُ والتوطينُ في صورةِ دولةٍ وفي صورةِ مجتمعٍ متكاملٍ في مهَاجَرِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم .
لقد كانَ هدفُ النبيِ صلى الله عليه وسلم من هجرتهِ إلى المدينةِ إيجادُ موطئ قدم للدعوة هناك حتى تَنْعُمَ بالأمنِ والاستقرار ، حتى تستطيعَ أن تَبْنِي نفسَهَا من الداخلِ وتَنْطَلِقَ لتحقيقِ أهدافِها في الخارجِ ، ولقد كان هذا الهدفُ أملاً وحلُما يراودُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم "رأيتُ في المنامِ أني أهاجرُ من مكةَ إلى أرضٍ بها نخلٌ ، فذهب ظني إلى أنها اليمامة أو هجر ، فإذا هي يثرب "

كان هدفُ الرسولِ صلى الله عليه وسلم من الهجرةِ تكثيرُ الأنصارِ وإيجاد رأيٍ عامٍ مؤَيِّدٍ للدعوةِ ، لأن وجودَ ذلكَ يوفرُ على الدعوةِ الكثيرَ من الجهودِ ويُذَلِّلُ في طريقِها الكثيرَ من الصِعاب ، والمجالُ الخَصْبُ الذي تَتَحققُ فيه الأهدافُ والمُنْطَلَقُ الذي تَنْطَلِقُ منه الطاقاتُ هو في المدينة ، ولهذا حرِصَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أن يبعثَ مصعبَ بنَ عميرٍ أولَ سفيرٍ في الإسلام ، حرِص صلى الله عليه وسلم أن يرسله ليكونَ سفيرَه إلى المدينةِ ليعلِّمَ الأنصارَ الإسلامَ وينشرَ دعوةَ الله فيها ، ولمّا اطمأنَّ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إلى وجودِ رأيٍ عامٍ مؤَيِّدٍ للدعوةِ في المدينة حثّ أصحابَه إلى الهجرةِ إليها وقال لهم "هاجروا إلى يثرب ، فقد جعلَ الله لكم فيها إخواناً وداراً تأمنونَ بها "
لقد كان هدفُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلمَ من الهجرةِ استكمالُ الهيكلِ التنظيميِ للدعوةِ ، فقد كان صعباً أن يكونَ الرسولُ القائدُ في مكةَ ، والأنصارُ والمهاجرونَ في المدينة ، صعبٌ أن يكونَ المعلمُ في مكةَ والتلاميذُ بعيدونَ عنه في المدينة ، ولهذا هاجرَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ليكونَ بين ظهْرَاَنيْ أتباعِه ، لأن الجماعةَ بدونِ قائدٍ كالجسدِ بلا رأسٍ ، ولأنَّ تحقيقَ أهدافِ الإسلامِ الكبرى لا يتمُّ إلا بوجودِ جماعةٍ مؤمنةٍ منظَمَةٍ ، تُغَذِّ السيرَ إلى أهدافِها بخُطًى وئيدةٍ وطيدةٍ متينةٍ .
فما أحوجَ المسلمينَ اليومَ إلى هجرةٍ نحو الله ورسولِه ، هجرةٍ إلى الله بالتمسكِ بحبله المتينِ وتحكيمِ شرعهِ القويم وهجرةٍ إلى رسوله صلى الله عليه وسلم باتباعِ سنته ، والاقتداءِ بسيرته ، فإنْ فعلوا ذلك فقد بدأوا السيرَ في الطريقِ الصحيحِ وبدأوا يأخذونَ بأسبابِ النصرِ ، وما النصرُ إلى مِن عندِ الله ، ويسألونكَ متى هو ؟ قل عسى أن يكونَ قريباً .

لقراءة ردود و اجابات الأعضاء على هذا الموضوع اضغط هناسبحان الله و بحمده

التصنيفات
الصف السابع

ابغي بحث عن درس الهجرة وقيام الدوله الاسلامية -تعليم الامارات

ابغي بحث عن درس الهجرة وقيام الدوله الاسلامية

ارجوووووووووووووكم

الملفات المرفقة

لقراءة ردود و اجابات الأعضاء على هذا الموضوع اضغط هناسبحان الله و بحمده

التصنيفات
الصف السابع

الفوائد الجنية من الهجرة النبوية (1)

الفوائد الجنية من الهجرة النبوية (1)

مقدمة السلسلة

في جوٍ مشحونٍ بزيفِ الباطل وركامِ الجاهلية ، يسوسُ الناسَ جهلهم ، ويحكمُهم عرفُهم وعاداتُهم ، قتلٌ وزنا ، عُهُرٌ وخَنا وأدٌ للبنات ، تفاخرٌ بالأحساب والأنساب ، سادَ في البِقاعِ قانونُ الغاب ، فالبقاءُ للقوي ، والتمكينُ للعزيز ، تُغِيرُ القبيلةُ على الأخرى لأتفهِ الأسباب ، تقومُ الحروبُ الطاحنةُ ، تُزهق الأرواحُ ، وتُهلَك الأموال ، وتُسبى النساءُ والذراري ، وتدومُ السنون وتتعاقبُ الأعوام ، والحربُ يرثها جيلٌ بعد جيلٍ ، وأصلها بعيرٌ عُقْر ، وفرسٌ سبقتْ أخرى ، أو قطيعُ أغنامٍ سيقٌ وسرْق ، ساد في ذلكمُ المجتمعُ عاداتٌ غريبةٌ عجيبة ، فعند الأشراف منهم كانتِ المرأة إذا شاءتْ جمعتِ القبائلَ للسلامِ وإن شاءت أشعلتْ بينهم نارَ الحربِ والقتال ، بينما كان الحالُ في الأوساطِ الأخرى أنواعٌ من الاختلاطِ بين الرجلِ والمرأةِ لا نستطيعُ أن نعبرَّ عنه إلا بالدَعارةِ والمجونِ والسِفاحِ والفاحشةِ ، كانت الخمرُ مُمتَدحُ الشعراء ، ومَفخَرة ُالناس ، فهي عندهم سبيلٌ من سُبُلِ الكرم ، ناهيك عن صورِ الشركِ وعبادةِ الأوثان ، التي تُصوِّرُ كيف كانَ أولئكَ يعيشون بعقولٍ لا يفكرون بها ، وأعينٍ لا يبصرون بها ، وأذانٍ لا يسمعون بها إِنْ هُمْ إِلاَّ كَالأنْعَـامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ في هذه الأثناءِ حدث حادثٌ عجيبٌ لمكةَ وحرمِها ، رأى أبرهةُ نائبَ النجاشي على اليمنِ أن العربَ يحجونَ الكعبةَ ، فبنى كنيسةً كبيرةً بصنعاءَ ليصرفَ حجَّ العربِ إليها ، وسمع بذلك رجلٌ من بني كِنانة ، فدخلها ليلاً ولطَّخَ قِبلتها بالعَذِرة ، ولما علم أبرهةُ بذلك ثار غضبه وسارَ بجيشٍ عرمرمٍ عدده ستونَ ألفَ جنديٍ إلى الكعبةِ ليهدمها ، واختار لنفسه فيلاً من أكبرِ الفيلةِ ، وكان في الجيشِ قُرابةَ ثلاثةَ عشر فيلاً ، وتهيأ لدخولِ مكةَ فلما كان في وادي محسِّرٍ بين مزدلفةَ ومنى بركَ الفيلُ ولم يقُم ، وكلما وجهوه إلى الجنوبِ أو الشمالِ أو الشرقِ قام يهرول ، وإذا وجهوه قِبَلَ الكعبةِ بركَ فلم يتحرك ، فبينما هم كذلك إذ أرسل الله عليهم طيرًا أبابيل أمثالُ الخطاطيف مع كل طائرٍ ثلاثةُ أحجارٍ مثلُ الحُمُص ، لا تصيبُ أحدًا منهم إلا تقطعت أعضاؤه وهلك ، وهربَ مَن لم يصبه منها شيءٌ يموجُ بعضهم في بعض ، فتساقطوا بكلِ طريقٍ ، وهلكوا على كل مهلكٍ ، وأما أبرهةُ فبعثَ الله عليه داء تساقطت بسببه أنامِلُه ، ولم يصِل إلى صنعاءَ إلا وهو مثلُ الفرخِ ، وانصدع صدرُه عن قلبِه ثم هلك ، وكانتْ هذه الوقعةْ قبل مولدِ النبي بخمسين يومًا أو تزيد ، فأضحت كالتقْدُمةِ قدَّمها الله لنبيه وبيتِه ، وبعد أيامٍ من هلاكِ ذلكم الجيشِ أشرقت الدنيا وتنادت ربوعُ الكونِ تزُّفُ البشرى بولدِ سيدِ المرسلين ، وإمامِ المتقين ، والرحمةِ للعالمين في شِعْبِ بني هاشمٍ بمكةَ صبيحةَ يومُ الإِثنين التاسعِ من ربيعٍ الأولِ لعامِ الفيل ، وُلد خيرُ البشر ، وسيدُ ولدِ آدم ، ولد الرحيمُ الرفيقُ بأمته ، أطلَّ على هذه الحياةِ محمدُ بنُ عبد الله بنُ عبد المطلبِ الهاشميِ القرشي ، أرسله الله إلى الناس جميعا ليقول للناس " إني رسول الله إليكم جميعا الذي له ملك السماوات والأرض لا إله إلا هو يحي ويميت فآمنوا بالله ورسوله النبي الأمي الذي يؤمن بالله وكلماته واتبعوه لعلكم تهتدون " جاء النبيُ صلى الله عليه وسلم يدعوا الناسَ إلى شهادةِ أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله بكل ما تضمنته هذه الشهادة من معنى ، جاء نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم يدعو الناسَ إلى العفافِ والطهرِ والخلقِ الكريم والاستقامةِ وصلةِ الأرحام وحسنِ الجوار والكفِّ عن المظالم والمحارم ، يدعوهم إلى التحاكمِ إلى الكتابِ العزيز لا إلى الكهان وأمرِ الجاهلية ، وجعْلِ الناس كلهم أمام شريعةِ الله سواءً يتفاضلون بالتقوى ، روى ابنُ جريرٍ عن ابنِ عباسٍ رضي الله عنهما قال " لما مرِضَ أبو طالبٍ دخلَ عليه مشيخةٌ من قريشٍ فيهم أبو جهلٌ فقالوا : إنَّ ابنَ أخيك يشتُمُ آلهتَنَا ويفعلُ ويفعلُ ويقولُ ويقولُ فأنْصِفْنَا من ابنِ أخيك ، فلْيَكُفَّ عن شتمِ آلهتِنا وندَعُهُ وإلهُهُ ، فقال أبو طالبٍ : يا ابنَ أخي ما بالُ قومِكَ يشكُونَكَ ويزعُمُون أنكَ تشتُمُ آلهتَهم ..؟ قال يا عم : أريد أن يقولوا كلمةً تَدِينُ لهم بها العربُ ، وتؤدي لهم بها العجم الجزية ، فقال أبو جهل : نقولُها وعشرًا ، فقال عليه الصلاة والسلام : قولوا لا إله إلا الله ، ففزِعوا وولوا مدبرينَ وهم ينفُضُون ثيابَهم ويقولون : أجعل الآلهةَ إلهً واحدًا إنّ هذا لشيء عجاب " نعم .. لقد دعا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم الناسَ كلَّهم إلى هذا المعنىَ العظيم ، وقام بهذا الواجبِ الكبيرِ الذي هو أكبرُ واجبٍ في تأريخ البشريةِ كلها ، دعا إلى دينٍ قويمٍ يرقى به الإنسانُ إلى أعلى المنازلِ ، ويسْعَدُ به في الآخرةِ سعادةً أبديةً في النعيمِ المقيم ، فاستجاب له القلة المؤمنة المستضعفة في مكة ، فأذاقَهُمُ المشركونَ أنواعَ العذاب ، ووقف في وجههِ ثلاثةُ أنواعٍ من الناس : المستكبرونَ الجاحدونَ العالمونَ بالحق ، والحاسِدونَ المحترقون ، والجهالُ الضالون ، وكوّنَ هذا الثالوثُ جبهةً عنيدةً وحربًا وحزبًا شيطانيًا لا يترُكُ من سبيلٍ ولا وسيلةٍ إلا سلكها للصد عن سبيل الله ) يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون ( واشتدَّ الكربُ بمكةَ وضُيِّقَ الخِناقُ على الدينِ الإسلامي ، وائتمرَ المشركونَ بمكةَ أن يقتلوا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال جبريل عليه السلام " إن الله أذن لك يا محمد بالهجرةِ إلى المدينةِ فلا تَبِتْ هذه الليلةَ في فراشك " ورصده المشركونَ عند بابه ليضربوه ضربةَ رجلٍ واحدٍ ليتفرقَ دمَه بين القبائلِ ، فخرج عليه الصلاةُ والسلام عليهم وهو يتلو صدرَ سورةِ يس وذرى على رؤوسهمُ الترابَ وأخذ الله بأبصارهم عنه فلم يروه ، وأخذهمُ النعاسَ ، واختبأ هو وصاحبَه أبو بكر الصديقِ في غارِ ثورٍ ثلاثةَ أيامٍ حتى هدأ الطلبُ ، ففتشتْ عنه قريشٌ في كلِ وِجْهَةٍ، وتتبعوا الأثرَ حتى وقفوا على الغارِ فقال أبو بكر رضي الله عنه : يا رسولَ الله لو أن أحدَهم نظر إلى موضعِ قدميه لأبصرنا ، فقال " يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما " ولقيا الدليلَ بعد ثلاثٍ براحلتْيَهما ، ويمّما المدينة َفكانت هجرةُ المصطفى صلى الله عليه وسلم نصرًا للإسلام والمسلمين حيثُ أبطلَ الله مكرَ المشركينَ وكيدَهم في تفكيرهِمُ القضاءَ على الإسلامِ بمكةَ وظنهَّمُ القدرةَ على قتلِ رسول الله

——————————————————————————–

الفوائد الجنية من الهجرة النبوية (2)

من أهمِّ الدروسِ أيها الأحبة التي ينبغي التأملُ فيها وخاصةً من يَسْبُرُ أوراقَ السيرةِ ، ذلكم الأمرُ المهمُ في حياةِ النبي صلى الله عليه وسلم ، ألا وهو أمرُ الهجرةِ وما أدراكم ما الهجرة .
إن الهجرةَ النبويةَ في حدِّ ذاتِها بغَضِّ النظرِ عن أحداثِها تستحقُ الوقفةَ المتأنيَة ، تستحقُ الوقفةَ الثاقبة ، تستحقُ النظرَ الدقيق ، فهي ليستْ نزهةً بريةً ولا وسياحةً بحريةً ، الهجرةُ النبويةُ ليست للتفرجِ والإطلاعِ ، ولا للنظرِ والمعاينةِ ، ولا للسفرِ والتحصيلِ في مُتَعِ هذه الدنيا وملذاتِها ، وإنما هي نقلةٌ جديدةٌ وانتقالٌ وطيدٌ من أجلِ الحفاظِ على العقيدةِ ، الحفاظ على الركنِ الأساسِ ، والأُسِّ المتينِ مع التضحيةِ بالنفسِ والمالِ والأهلِ والولدِ ، نعم .. إنه الحفاظُ على العقيدةِ والمحافظةِ عليها ، فهو مبدؤها وهدفُها وأملُها وغايتُها ونهايتها .
إن الهجرةَ النبويةَ حدثٌ غيّرَ مجرى التأريخ ، حدثٌ حملَ في طياتِه معانيْ الشجاعةِ والتضحيةِ والإباءِ والصبرِ والنصرِ والفداءِ والتوكلِ والقوةِ والإخاءِ والاعتزازِ بالله وحده .
إنَّ حدثَ الهجرةِ النبويةِ حدثٌ جعلَه الله سبحانه طريقاً للنصرِ والعزةِ ورفعِ رايةِ الإسلامِ وتشييدِ دولتِه وإقامةِ صرحِ حضارتِه ، فما كانَ لنورِ الإسلامِ أن يشِّعَ في جميعِ أرجاءِ المعمورةِ لو بقيَ حبيساً في مهده ، إنه حدثٌ شاملٌ كاملٌ متكاملٌ لمن أحسنَ الاستفادةَ منه وأخذَ العبرةَ والعظةَ على أحسنِ وجه ، إنه في الحقيقةِ حدثٌ يعرِضُ منهجَ النبيِ صلى الله عليه وسلم ، منهجَ المعصومِ صلى الله عليه وسلم ، منهجَ من لا ينطقُ عن الهوى ، مهجَ المؤَيَّدِ من ربِ العالمين ، فليست الهجرةُ حدثاً عادياً ، ولا أمرا طبيعيا ، بل هي أمرٌ جللٌ يستحقُ منا الاهتمام بما تحويه هذه الهجرة وما بداخلها من كنوز .
إن بين أيدينا هجرةُ الرسول صلى الله عليه وسلم ، بين أحضاننا هجرةُ النبي صلى الله عليه وسلم وفيها الدواءُ الناجعُ لكثيرٍ من أمراضِنا وأوضاعِنا وعللنا .
إن في هذه الهجرةِ المباركةِ من الآياتِ البيناتِ والآثارِ النيراتِ والدروسِ والعبرِ البالغاتِ ما لو استلهمَتْه أمةُ الإسلامِ اليومَ وعملتْ على ضوئِه وهي تعيشُ على مُفْتَرَقِ الطرقِ لتحقّقَ لها عِزُّهَا وقوتُها ومكانتُها وهيبتُها ، ولعلمت علمَ اليقينِ أنه لا حلَّ لمشكلاتِها ولا صلاحَ لأحوالِها إلا بالتمسكِ بإسلامِها والتزامِها بعقيدتِها وإيمانها ، فوالذي بعثَ محمدا صلى الله عليه وسلم بالحقِ بشيراً ونذيراً ما قامتِ الدنيا إلا بقيامِ الدينِ ولا نالَ المسلمونَ العزةَ والكرامةَ والنصرَ والتمكينَ إلا لما خضعوا لربِّ العالمين وهيهاتَ أن يَحُلَّ أمنٌ ورخاءٌ وسلامٌ إلا باتباعِ نهجِ الأنبياءِ والمرسلين ، ومن هنا جئنا لنتحدثَ هذه الليلة حولَ بعضِ المفاهيمِ والدروسِ والعبرِ والعظاتِ المجتناهْ من هجرةِ المجتبى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم ، وإني لمَّا كنتُ أُقلِّبُ صفحات هذه الهجرةِ المباركةِ عرضتُ أتذكرُ حكمةً عربيةً قديمةً تقول " من أخْصَبَ تخيّر " أي من وجدَ الأرضَ الخِصبةَ الوفيرةَ تخيَّرَ المرعى ، فرأيتُ الحكمةَ تنقلبُ علي َّ فإني لم أَعُدْ أجدُها وأنا أقلبُ صفحات هذهِ الهجرة " من أخصب تخير "
ولكني وجدتها " من أخصب تحير " فماذا أقول الليلةَ وماذا أدع ..؟ فلا أكتمُكم أحبتي أنني وقفتُ أمامَ المفاهيمِ والدروسِ التي اطلعْتُ عليها ، واحترت : نعم .. احترتُ أيَّ مفهومٍ من هذه المفاهيم آخُذ ؟ وأيها أترُك ؟ أيها أدعُ ؟ وأيها ألتمس ؟ ووصَلَتْ معي هذه المفاهيم وهذه الدروسُ عددا وكمّا كبيرا ، ولكن مراعاةً للوقت ، وتركيزاً على بعضِ النقاط ، وإلا لا أقولُ "على المهم ، أو الأهم " فكلُ هجرةِ الرسولِ صلى الله عليه وسلم مهمة ، وتركيزاً على بعضِ النقاطِ التي تزدادُ حاجتنا إليها ؛ سأذكرُ بعضَ الوقفات ، وبعضَ المفاهيم وبعضَ الدروس التي أخذتها من استيعابِ هذه الهجرةِ المباركة ، فما أجملَ أن نُشيرَ إشاراتٍ عابرةٍ لعددٍ من القضايا المهمةِ الجديرة بالإشادةِ والتذكيرِ في هجرة رسولِ العالمين الذي أسأل الله بمنه وكرمه أن يُلحقنا به وأن يحشرَنا في زمرته وأن يُسقِيَنَا من حوضه شربةً لا نظمأ بعدها أبدا

لقراءة ردود و اجابات الأعضاء على هذا الموضوع اضغط هناسبحان الله و بحمده

التصنيفات
الصف السابع

الهجرة النبوية المباركة – حوادث وعبر – 2 -تعليم الامارات

الهجرة النبوية المباركة – حوادث وعبر – 2

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونشكره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضلّ له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أنْ لا إله إلا الله وحده لا شريـك له ولا مثيـل له، وأشهد أنَّ سيّدنا وحبيبنا وعظيمنا وقائدنا وقرّة أعيننا محمّدًا عبده ورسوله وصفيّه وحبيبه، صلّى الله عليه صلاة يقضي بها حاجاتنا ويفرّج بها كرباتنا ويكفينا بها شرّ أعدائنا، صلّى الله عليه وسلّم وعلى كل رسول أرسله.

أما بعد عباد الله فإني أوصيكم ونفسي بتقوى الله العليِّ العظيم ، القائل في محكم كتابه: ﴿إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ﴾ سورة غافر/51.

إنّ الله تعالى وعد المؤمنين بالنصر المبين وجعل لهم من الشدّة فرجًا ومن العسر يسرًا ومن الضيق سعة، وإنّ الدروس المستفادة من الهجرة كثيرة ومن جملتها ضرورة الصبر على الشدائد والبلايا وكافّة أنواع الظلم والاستبداد، والصمود في وجه الباطل، والوقوف إلى جانب الحقِّ في شجاعة وحزم وعزم، وإنّ بهجتنا بهذه الذكرى العظيمة تبعثنا على مضاعفة الجهد في سبيل نشر دين الله، تبعثنا على مضاعفة الجهد في سبيل إعلاء كلمة لا إله إلا الله محمّد رسول الله بالتعلّم والتعليم.

ولقد كان لهجرة الفاروق الذي فرق بين الحقِّ والباطل قصّة شأنها شأن كل قصصه وأخباره العظيمة التي تدلّ على حبّه لدين الله واستبساله في سبيل الله، ذلك أنه عندما جاء دور سيّدنا عمر بن الخطاب قبل هجرة الرسول بسبعة أيام، خرج مهاجرًا وخرج معه أربعون من المستضعفين جمعهم عمر رضي الله عنه في وضح النهار وامتشق سيفه وجاء (دار الندوة) وهو مكان تجتمع فيه قريش عادة، فقال الفاروق عمر لصناديد قريش بصوت جهير: "يا معشر قريش من أراد منكم أن تفصل رأسه أو تثكله أمّه أو تترمّل امرأته أو ييتّم ولده أو تذهب نفسه فليتبعني وراء هذا الوادي فإني مهاجر إلى يثرب". فما تجرّأ أحد منهم أن يحول دونه ودون الهجرة لأنهم يعلمون أنه ذو بأس وقوّة وأنه إذا قال فعل .

ومن بركات الهجرة أنّ امرأة مِمّن سبقت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالهجرة مات ولدها معها في الطريق إلى المدينة، أصابه مرض فمات فتملّكها الجزع فقالت: "اللهمّ إنك تعلم أني ما هاجرت إلا ابتغاء مرضاتك ومحبّة فيك وفي نبيّك فلا تشمّت بي الأعداء"، فتحرّك ولدها من تحت الكفن، قام ولدها في الحال أحياه الله تعالى، والله على كلِّ شىء قدير. قالت أمّه: "طعم وطعمنا".

وبقي حيا إلى خلافة سيّدنا عمر رضي الله عنه.

هاجر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى المدينة المنوّرة في شهر صفر وليس في الأول من شهر محرّم كما هو شائع واستقبله المؤمنون بالفرح واستبشر الناس بقدوم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وسمّى الرسول يثرب المدينة المنوّرة، وآخى بين أهلها بين المهاجرين والأنصار وبنى مسجده، وصار المسلمون على قلب رجل واحد لا يفرّق بينهم طمع الدنيا ولا يباعد بينهم حسد ولا ضغينة، مثلهم كمثل البنيان المرصوص يشدّ بعضه بعضًا ومثلهم في توادّهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمّى.

وأوّل بيت نزل فيه صلّى الله عليه وسلّم في المدينة المنوّرة بيت خالد بن زيد أبي أيوب الأنصاريّ، وخالد بن زيد كان مِمّن حفظ هذه الأبيات التي قالها أسعد الحميري الذي كان يحكم بلاد اليمن قبل بعثة النبيّ صلّى الله عليه وسلّم بستمائة عام، صفّـت له الجياد من اليمن إلى بلاد الشام فمرّ بالمدينة المنوّرة التي كانت تسمّى يثرب ليكسر أهلها، فاجتمع به حبران من الأحبار المسلمين الذين كانا على دين موسى عليه السلام وقرءا في التوراة أنها أي المدينة المنوّرة هي مهاجر نبي ءاخر الزمان أحمد ، فأنشد أسعد الحميريّ تبع الأوسط:

شهدت على أحمد أنـه ***** رسول من الله باري النسمّ

ولو مدّ عمري إلى عمره ***** لكنت وزيـرًا له وابن عمّ

وجاهدت بالسيف أعداءه ***** وفرّجت عن صدره كل غمّ

قبل ستمائة عام من بعثة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال هذه الأبيات أسعد الحميري في مدح النبيّ صلّى الله عليه وسلّم وتوارثها أهل المدينة خلفًا عن سلف.

اللهمّ أعد علينا هذه الذكرى بالأمن والأمان يا ربّ العالمين .

هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم

مواضيع ذات صلة

لقراءة ردود و اجابات الأعضاء على هذا الموضوع اضغط هناسبحان الله و بحمده

التصنيفات
الصف السابع

الهجرة … فاتحة عهد جديد

الهجرة … فاتحة عهد جديد

كانت هجرة رسول الله سيدنا محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينةِ حدثًا هامًا من الأحداثِ الحاسمة في تاريخ الدعوة الإسلامية، فبها انتهى عهد وابتدأ عهد، وصارت طيبة مهاجر النبي ومثواه الأخير حيث دفن جسده الشريف في أرضها.

لقد حفلت كتب السيرة بتدوين حوادث الهجرة المباركة، وتبارت أقلام الكاتبين في ذكر المعاني البالغةِ والعبر التي انطوت عليها رحلة كَتبت للخلائق تاريخًا مجيدًا وعصرًا زاهرًا جديدًا، فكانت نهضة عظيمة لم تعرف لها البشرية مثالاً سبقها.

لقد ناصب رجال القبائل، خصوصًا قريش في مكة، نبي الله العداء، واجتمعوا على إيذائِه وتعذيب أصحابه والوقوف بوجه دعوته ليفتنوا الذين ءامنوا عن دينهم، فأشار الرسول صلى الله عليه وسلم على أصحابهِ أن يهاجروا إلى الحبشةِ فهاجر عشرة رجال وأربع نسوة، ثم زاد عددهم حتى بلغ ثلاثة وثمانين رجلاً وسبع عشرة امرأة سوى الصبيان، هاجروا مخافة الفتنة وفرارًا إلى الله بدينهم فكانت أول هجرة في الإسلام.

وقد أحسن النجاشي ملك الحبشةِ استقبالهم وأكرمهم، فاطمأنوا في جواره وأمنوا. وحاولت قريش التقرب إلى النجاشي بالهدايا النفيسة لاستردادهم والإيقاع بينهم وبين النجاشي، ولكن النجاشي سمع منهم ءايات بينات من القرءان في حقّ نبي الله عيسى عليه السلام وأمه الصدّيقة مريم فصدق بدعوتهم وزاد من إكرامهم وحمايتهم وباءت قريش بالخيبة والخسران المبين.

لقد كان أذى المشركين للمسلمين عجيبًا، ولكن صبرهم على الأذى كان أعجب، فثبتهم الله، فازداد عددهم وقويت شوكتهم، حتى خشي المشركون بأسهم، فأجمعوا على مقاطعة بني هاشم حتى يسلّموا إليهم الرسول ليقتلوه، ولكن أهل بيته نصروه برغم ما وجدوه من الشدائد والأهوال.

ثم فقد النبي الكريم نصيرين بوفاة عمه أبي طالب ثم زوجته خديجة، فانطلق إلى الطائف ولكنه لم يجد من أهلها أذنًا صاغية وءاذوه بأقوالهم وأفعالهم فعاد إلى مكة. وكان يقصد في نشر الدعوة الموسم حيث تأتي القبائل إلى مكة، فوجدت دعوته صدى طيبًا بين أهل يثرب الأوس والخزرج الذين عرفوا وصفه بأنّه نبي ءاخر الزمان من اليهود، فآمن منهم ستة كانوا سبب انتشار الدعوة بعد ذلك.

لقد وجدوا في دعوة التوحيد وتعاليم النبي ما يوحّد كلمتهم ويجمع شتات شملهم ويقضي على ما بينهم من تنازع وبغضاء، ووجدوا في شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم ضالتهم المنشودة فاجتمعوا تحت لوائه. لقد دعاهم إلى التوحيد الخالص ونهاهم عن عبادة الأوثان، وعلّمهم الإيمان برسل الله وكتبه المنزلة وملائكته المقربين وبالبعث والجزاء، كما دعاهم إلى مكارم الأخلاق وترك الخبائث من الأعمال والسيئات من العادات وهذا مصداق لقوله جل وعلا في سورة الجمعة :{هو الذي بعث في الأميين رسولاً منهم يتلو عليهم ءاياتِه ويزكّيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين}.

وهكذا انتشر الإسلام بالمدينة، ثم لما سمعت قريش بإسلام الأنصار ومبايعتهم له صلى الله عليه وسلم، جزعوا وفزعوا أشد الفزع ووجدوا في ذلك خطرًا عليهم، فيزول سلطانهم وتذهب ريحهم وتتعرض تجارتهم إلى الشام غادية ورائحة لخسران عظيم، فمكروا مكرهم وتآمروا على قتل النبيّ وسمعوا رأي زعيمهم عمرو بن هشام الذي سماه الرسول فيما بعد بأبي جهل، فقد أشار عليهم بأن يجتمع عدد من شبان قبائل العرب يحمل كل واحد منهم سيفًا صارمًا ثم يعمد هؤلاء إلى النبيّ فيضربوه بها ضربة رجل واحد فيتفرق دمه بين القبائل فلا يقدر بنو عبد مناف على قتال قبائل العرب جميعهم ثم يعطونهم الدية بعد ذلك، وقد اجتمع كفار قريش على هذا الرأي.

ثم إن الله تبارك وتعالى أوحى للنبي صلى الله عليه وسلم بتآمرهم ووَعَدَه بالعصمة والنجاة منهم، وأذن الله له بالهجرةِ فأخبر الصدّيق أبا بكر رضي اللهُ عنه بعزمه على الرحيل وقال: يا أبا بكر إن الله قد أذِنَ لي في الخروج والهجرة فقال أبو بكر: الصحبة يا رسول الله. قال رسول الله: الصحبة. فهيأ سيدنا أبو بكر راحلتين لهذا السفر المبارك الميمون.

ثم إن النبي أمر سيدنا عليًّا كرم الله وجهه بالمبيت في مضجعه وأن يلبس بردته وطمأنه أنه لن يصيبه مكروه بإذن الله.

وخرج عليه الصلاةُ والسلام مع أبي بكر الصديق ليلاً ومكثا في غار ثور قرب مكة، ولكن المشركين بثوا العيونَ والأرصاد ووعدوا بالجوائز لمن يظفر بالنبيّ ويأتي به، وباتوا مترصدين فلما أصبحوا ذهبوا إلى مضجعه فأبصروا سيدنا عليًّا فبهتوا وخيّب اللهُ سعيهم وأعمى أبصارهم.

نام في بردة النبيّ عليّ * كي يضلّ الأرصادُ والرقباءُ

ومشى المصطفى يخوض المنايا * والمنايا مشلولة عمياءُ

وهكذا ظفر الغار بشرف ضيافة النزيلين الكريمين ثلاثة أيام، وكان عامر بن فُهيرة مولى سيدنا أبي بكر يمر عليهم بالأغنام فيحتلبان. وكان عبد الله بن أبي بكر يوافيهما بما يجد من الأخبار، حتى سكن من ورائهما الطلب، وغفل عنهما الناس.

وفي اليوم الرابع وافاهما عبد الله بن الأريقط براحلتين فخرجا إلى المدينة. وفي الطريق أدركهما سراقة، وظن أن الفرصة سانحة لربح الجائزة، ولكن فرسه عثر به وساخت في الأرضِ قوائمه، وأحدق به إعصار، عندها استغاث سراقة ووعد أن يكتم أمرهما، ووفى سراقة بما وعد.

ولما وصل النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبه رضي الله عنه إلى المدينة كان النصر والتأييد من الأنصار، وءاخى الرسول بينهم وبين المهاجرين فكانت نقطة تحول مهمة كسبت منها الدعوة الإسلامية قوة واندفاعًا، وذيوعًا وانتشارًا، وأعوانًا وأنصارًا.

وشاعَ في نفوس المؤمنين سرور اللقاء فالإسلام يدعوهم إلى العدل والإحسان، وينهاهم عن البغي والعدوان، ويؤلف بين قلوب كانت فرّقتها الجاهلية، ويجمع كلمات مزقتها العصبية. وأمرهم نبيّهم بإفشاء السلام وهو عنوان المودة والرحمة، وأمرهم بإطعام الطعام وهو ءاية التعاون والتراحم، وبصلاة الليل والناس نيام وهي صلاة الأوابين المتبتلين.

لم تكن هجرته صلى الله عليه وسلم جُبنًا أو فرارًا بل كانت انتقالاً من دار صعب فيها نشر الدعوة إلى دار وضع فيها أساس الدولة الإسلامية العظيمة، فتألفت قلوب الأوس والخزرج وتآخى المهاجرون مع الأنصار فصارت الهجرة فرقانًا بين الحق والباطل وكثر المؤمنون بعد قلة واجتمعوا بعد شتات.

إن علينا أن نعتبر بمعاني الهجرة ونأخذ منها الدروس والعظات؛ ففي الهجرة مفارقة للوطن والأهل والديار والأموال، وفي هذا ثبات المؤمن على عقيدة الحق، وصبر وعزم وتضحية جعل الله فيها الثواب الجزيل، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول :"إنّما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرىء ما نوى فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه".

لقراءة ردود و اجابات الأعضاء على هذا الموضوع اضغط هناسبحان الله و بحمده

التصنيفات
الصف السابع

الهجرة المباركة دروس وعبر -تعليم اماراتي

الهجرة المباركة دروس وعبر

إن الهجرة المباركة كانت درساً في الصبر والتوكل على الله تعالى ولم تكن طلبا للراحة ولاهرباً من العدو ولاتهرباً من الدعوة وأعبائها بل كانت بأمر من الله تعالى في وقت أشد ماتكون البشرية في ذلك الزمن إلى الهدي المحمدي فلقد أرسل الله خير خلقه محمد صلى الله عليه وسلم إلى البشرية وهي أحوج ما تكون إلى رسالته، وأشدَّ ما تكون ضرورة إلى دينه، بعد أن صار الكثير من الناس في ظلمات الشرك والجهل والكفر، فأرسل الله عبده محمداً صلى الله عليه وسلم إلى الناس جميعاً، قال الله تعالى: قُلْ يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنّى رَسُولُ ٱللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا ٱلَّذِى لَهُ مُلْكُ ٱلسَّمَٰوٰتِ وَٱلأرْضِ لا إِلَٰهَ إِلاَّ هُوَ يُحْىِ وَيُمِيتُ فَأمِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ ٱلنَّبِىّ ٱلأمّيّ ٱلَّذِى يُؤْمِنُ بِٱللَّهِ وَكَلِمَٰتِهِ وَٱتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ [الأعراف:158].

فوجدهم يعبدون آلهة شتى، منهم من يعبد الأشجار، ومنهم من يعبد الأحجار والشمس والقمر والملائكةوالجن، ويلجؤون إليهم في كشف الشدائد والكربات، ويرغبون إليهم في جلب النفع والخيرات، ويذبحون لهم، وينذرون لهم، ووجد الرسول صلى الله عليه وسلم بعض الناس يتحاكمون إلى الكهان والسحرة والعرافين، ويغشون الفواحش والمحرمات، ويسيئون الجوار، ويقطعون الأرحام، ويكسبون الأموال لا يبالون بالحلال و بالحرام، الربا والبيع عندهم سواء، والغصب والميراث قرناء، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بدعوة الناس إلى شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، بكل ما تضمنته هذه الشهادة من معنى، بإفراد الله وحده بالعبادة وعدم الإشراك بالله شىء وبينَ لهم أن الله المعبود بحق لايوصف بصفات البشر فهو الخالق وما سواه مخلوق وهو الموصوف بالصفات التى تليق به فهو الأول قبل كل شىء والله الموجود قبل الكل بلا مكان ولازمان ولاجهة ولايحتاج إلى شىء بل الكل محتاج إليه قال تعالى: قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً [الأنعام:151]، وإفراد الرسول صلى الله عليه وسلم بالاتباع، قال تعالى: وَمَا ءاتَٰكُمُ ٱلرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَٰكُمْ عَنْهُ فَٱنتَهُواْ [الحشر:7].

جاء نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم يدعو الناس إلى العفاف والطهر والخلق الكريم والإستقامة وصلة الأرحام وحسن الجوار والكف عن المظالم والمحارم، ويدعوهم إلى التحاكم إلى الكتاب العزيز، لا إلى الكهان وأمر الجاهلية، وكسب المال من وجوه الحلال، وإنفاقه في الطرق المشروعة والمباحة، وجعل الناس كلهم أمام شريعة الله سواء، يتفاضلون بالتقوى، قال الله تعالى: قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبّيَ ٱلْفَوٰحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَٱلإِثْمَ وَٱلْبَغْىَ بِغَيْرِ ٱلْحَقّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِٱللَّهِ مَا لَمْ يُنَزّلْ بِهِ سُلْطَٰناً وَأَن تَقُولُواْ عَلَى ٱللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ [الأعراف:33]، وقال تعالى: إِنَّ ٱللَّهَ يَأْمُرُ بِٱلْعَدْلِ وَٱلإْحْسَانِ وَإِيتَآء ذِى ٱلْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ ٱلْفَحْشَاء وَٱلْمُنْكَرِ وَٱلْبَغْى يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ .[النحل:90].

دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس إلى هذا المعنى العظيم، وقام بهذا الواجب الكبير، دعا إلى دين قويم يرقى به الإنسان إلى أعلى المنازل، ويسعد به في الآخرة سعادةً أبدية في النعيم المقيم، فاستجاب له القلة المؤمنة المستضعفة في مكة، فأذاقهم المشركون أنواع العذاب، كالحرق بالناروإنزال أشد ألوان العذاب، واشتد الكرب في مكة، وضيّق الخناق على المسلمين المستضعفين، وائتمر المشركون بمكة أن يقتلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ورصده المشركون عند بابه ليضربوه ضربة رجل واحد، فخرج عليه الصلاة والسلام عليهم وهو يتلو صدر سورة " يس"،وذرَّ على رؤوسهم التراب، وأخذ الله بأبصارهم عنه فلم يروه، وأخذهم النعاس ولجأ هو وصاحبه أبو بكر الصديق في غار ثور ثلاثة أيام حتى هدأ الطلب، وفتشت قريش في كل وجه، وتتبعوا الأثر حتى وقفوا على الغار، فقال أبو بكر: يا رسول الله لو أن أحدهم نظر إلى موضع قدميه لأبصرنا، فقال: "يا أبا بكر، ما ظنك باثنين الله ثالثهما؟!" أي ان الله تعالى مطلع علينا لاتخفى عليه خافية ثم يمَّما نحو المدينة، فكانت هجرة المصطفى صلى الله عليه وسلم نصراً للإسلام والمسلمين، حيث أبطل الله مكر المشركين وكيدهم في تقديرهم القضاء على الإسلام بمكة، وظنهم القدرة على قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم.

قال الله تعالى: إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ ٱللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ ٱثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِى ٱلْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ ٱللَّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ ٱللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلسُّفْلَىٰ وَكَلِمَةُ ٱللَّهِ هِىَ ٱلْعُلْيَا وَٱللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [التوبة:40].

إن حادثة هجرة المصطفى صلى الله عليه وسلم تمد المسلمين بالعبر والعظات والدروس والتوجيهات، وقد شاء الله تعالى أن تكون بأسباب مألوفة للبشر، يتزود فيها للسفر، ويركب الناقة، ويستأجر الدليل، ولو شاء الله لحمله على البراق، ولكن لتقتدي به أمته بالصبر والتحمل لمشقاة الدنيا والعمل الدؤب للأخرة التى هي العقبى، فينصر المسلم دينه بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالحكمة والموعظة الحسنة، وإن حال المسلمين في العالم حريَ بالاستفادة من معاني الهجرة النبوية المباركة، بفهم أمر الدين والفصل بين الدين الحق وأهله وبين المتاجرين المتطرفين المنفرين عن الدين بأساليب وفتاوى ليس لها في الدين من أصل بل تخالف الدين، في ذكرى الهجرة المباركة علينا أن نعلم أن الدين الإسلامي دين علم وعمل وثقافة ومعرفة ودعوةللحق مؤيدة بالبراهين العقلية والنقلية المنورة للقلوب فلن يصلح حال المسلمين في هذا العصر إلا بالأمور التي صلح بها السلف الصالح من العلم والمعرفة الصحيحة لدين الله والتحذير من المضللين أصحاب الفتاوى السيئة التى جلبت الويلات للمسلمين، وبالخلق الكريم، والصدق مع الله، والتوكل عليه، والصبر على المكاره، وإحسان العبادة، على وفق ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم في السنة المطهرة، قال صلى الله عليه وسلم: "اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن" نسأل الله تعالى أن تكون هذه السنة الهجرية بركة وخيرأ يعم البلاد والعباد وكل عام وأنتم بخير.

لقراءة ردود و اجابات الأعضاء على هذا الموضوع اضغط هناسبحان الله و بحمده

التصنيفات
الصف السابع

الهجرة النبوية المباركة – حوادث وعبر – 2 للصف السابع

الهجرة النبوية المباركة – حوادث وعبر – 2

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونشكره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضلّ له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أنْ لا إله إلا الله وحده لا شريـك له ولا مثيـل له، وأشهد أنَّ سيّدنا وحبيبنا وعظيمنا وقائدنا وقرّة أعيننا محمّدًا عبده ورسوله وصفيّه وحبيبه، صلّى الله عليه صلاة يقضي بها حاجاتنا ويفرّج بها كرباتنا ويكفينا بها شرّ أعدائنا، صلّى الله عليه وسلّم وعلى كل رسول أرسله.

أما بعد عباد الله فإني أوصيكم ونفسي بتقوى الله العليِّ العظيم ، القائل في محكم كتابه: ﴿إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ﴾ سورة غافر/51.

إنّ الله تعالى وعد المؤمنين بالنصر المبين وجعل لهم من الشدّة فرجًا ومن العسر يسرًا ومن الضيق سعة، وإنّ الدروس المستفادة من الهجرة كثيرة ومن جملتها ضرورة الصبر على الشدائد والبلايا وكافّة أنواع الظلم والاستبداد، والصمود في وجه الباطل، والوقوف إلى جانب الحقِّ في شجاعة وحزم وعزم، وإنّ بهجتنا بهذه الذكرى العظيمة تبعثنا على مضاعفة الجهد في سبيل نشر دين الله، تبعثنا على مضاعفة الجهد في سبيل إعلاء كلمة لا إله إلا الله محمّد رسول الله بالتعلّم والتعليم.

ولقد كان لهجرة الفاروق الذي فرق بين الحقِّ والباطل قصّة شأنها شأن كل قصصه وأخباره العظيمة التي تدلّ على حبّه لدين الله واستبساله في سبيل الله، ذلك أنه عندما جاء دور سيّدنا عمر بن الخطاب قبل هجرة الرسول بسبعة أيام، خرج مهاجرًا وخرج معه أربعون من المستضعفين جمعهم عمر رضي الله عنه في وضح النهار وامتشق سيفه وجاء (دار الندوة) وهو مكان تجتمع فيه قريش عادة، فقال الفاروق عمر لصناديد قريش بصوت جهير: "يا معشر قريش من أراد منكم أن تفصل رأسه أو تثكله أمّه أو تترمّل امرأته أو ييتّم ولده أو تذهب نفسه فليتبعني وراء هذا الوادي فإني مهاجر إلى يثرب". فما تجرّأ أحد منهم أن يحول دونه ودون الهجرة لأنهم يعلمون أنه ذو بأس وقوّة وأنه إذا قال فعل .

ومن بركات الهجرة أنّ امرأة مِمّن سبقت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالهجرة مات ولدها معها في الطريق إلى المدينة، أصابه مرض فمات فتملّكها الجزع فقالت: "اللهمّ إنك تعلم أني ما هاجرت إلا ابتغاء مرضاتك ومحبّة فيك وفي نبيّك فلا تشمّت بي الأعداء"، فتحرّك ولدها من تحت الكفن، قام ولدها في الحال أحياه الله تعالى، والله على كلِّ شىء قدير. قالت أمّه: "طعم وطعمنا".

وبقي حيا إلى خلافة سيّدنا عمر رضي الله عنه.

هاجر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى المدينة المنوّرة في شهر صفر وليس في الأول من شهر محرّم كما هو شائع واستقبله المؤمنون بالفرح واستبشر الناس بقدوم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وسمّى الرسول يثرب المدينة المنوّرة، وآخى بين أهلها بين المهاجرين والأنصار وبنى مسجده، وصار المسلمون على قلب رجل واحد لا يفرّق بينهم طمع الدنيا ولا يباعد بينهم حسد ولا ضغينة، مثلهم كمثل البنيان المرصوص يشدّ بعضه بعضًا ومثلهم في توادّهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمّى.

وأوّل بيت نزل فيه صلّى الله عليه وسلّم في المدينة المنوّرة بيت خالد بن زيد أبي أيوب الأنصاريّ، وخالد بن زيد كان مِمّن حفظ هذه الأبيات التي قالها أسعد الحميري الذي كان يحكم بلاد اليمن قبل بعثة النبيّ صلّى الله عليه وسلّم بستمائة عام، صفّـت له الجياد من اليمن إلى بلاد الشام فمرّ بالمدينة المنوّرة التي كانت تسمّى يثرب ليكسر أهلها، فاجتمع به حبران من الأحبار المسلمين الذين كانا على دين موسى عليه السلام وقرءا في التوراة أنها أي المدينة المنوّرة هي مهاجر نبي ءاخر الزمان أحمد ، فأنشد أسعد الحميريّ تبع الأوسط:

شهدت على أحمد أنـه ***** رسول من الله باري النسمّ

ولو مدّ عمري إلى عمره ***** لكنت وزيـرًا له وابن عمّ

وجاهدت بالسيف أعداءه ***** وفرّجت عن صدره كل غمّ

قبل ستمائة عام من بعثة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال هذه الأبيات أسعد الحميري في مدح النبيّ صلّى الله عليه وسلّم وتوارثها أهل المدينة خلفًا عن سلف.

اللهمّ أعد علينا هذه الذكرى بالأمن والأمان يا ربّ العالمين .

هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم

مواضيع ذات صلة

الهجرة المباركة
الهجرة النبوية المباركة
الهجرة النبوية المباركة – مواقف وعبر -1
الهجرة النبوية المباركة
الهجرة … فاتحة عهد جديد
الهجرة المباركة دروس وعبر
الهجرة الشريفة
الهجرة المباركة
الهجرة
الهجرة النبوية

لقراءة ردود و اجابات الأعضاء على هذا الموضوع اضغط هناسبحان الله و بحمده

التصنيفات
الصف السابع

الهجرة المباركة للصف السابع

الهجرة المباركة

إنَّ في حياةِ رسول الله أحداثاً حوّلت مجرَى التاريخ وأحدَثت أعظمَ نقلة وأعقبت أقوَى الآثار، تبوَّأت منها الهجرة النبوية المبارَكَة مكاناً عليًّا ومقاماً كريماً، حيث كانت بحقٍّ فتحاً مبيناً ونصراً عزيزاً ورِفعة وتمكيناً وظهوراً لهذَا الدّين، وهزيمةً وصَغاراً للكافرين.

وفي وقائِع هذه الهجرة مِن الدّروس والعبَر وفي أحداثِها من الفوائد والمعاني ما لا يكاد يحِيط به الحصر ولا يستوعِبه البيان، فنها أنَّ العقيدةَ أغلى من الأرض، وأنَّ التوحيدَ أسمى من الديار، وأنَّ الإيمان أثمنُ من الأوطان، وأنَّ الإسلامَ خير من القناطير المقنطَرة من الذّهب والفضّة والخيلِ المسوّمة والأنعام والحرث ومن كلِّ متاعِ الحياة الدنيا، يتجلّى هذا المعنَى بيّنًا في خروجِ هذا النبيّ الكريم صلوات الله وسلامه عليه مع صاحبِه الصدّيق رضي الله عنه مهاجرَيْن من هذا الحِمى المبارَك والحرمِ الآمِن والأرضِ الطيّبة التي صوّر واقعَها الحديثُ الذي أخرجَه أحمد في مسندِه والترمذيّ وابن ماجه في سننهما بإسناد صحيح عن عبد الله بن عديّ بن حمراء الزّهريّ أنّه قال: رأيتُ رسول الله واقفًا على الحَزْوَرَة[1]قال: ((والله، إنَّك لخيرُ أرضِ الله وأحبُّ أرضِ الله إلى الله، ولولا أنِّي أُخرجتُ منكِ ما خرجت))

وفي الهجرة كمَال اليقينِ بمعيّة الله تعالى لعبادِه المؤمنين الصَّادقين، ذلك اليقين الرَّاسخ الذي لا تزعزِعُه عواصِف الباطل، يستبينُ ذلك جليًّا في حالِ هذَين المهاجرَين الكريمَين حين عظُم الخَطب وأحدَق الخطرُ ببلوغ المشركين بابَ الغارِ الذِي كانَا فيه، وحينَ قال أبو بكر رضي الله عنه: والله يا رسول الله، لو أنَّ أحدَهم نظر إلى موضعِ قدمَيه لرآنا، فقال رسول الله قولتَه التي أخذَت بمجامعِ القلوبِ. ((يَا أبَا بَكر، مَا ظنُّكَ باثنَين اللهُ ثالثُهما)) ، وأنزَلَ سبحانه مصداقَ ذلك في كتابه، أنزل قولَه : إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ ٱللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ ٱثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِى ٱلْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ ٱللَّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ ٱللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلسُّفْلَىٰ وَكَلِمَةُ ٱللَّهِ هِىَ ٱلْعُلْيَا وَٱللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [التوبة:40].

وأيُّ معيّةٍ هذه المعيةَ؟ إنّها المعيّةَ الخاصّة التي تكون بالتّأييد والتّوفيق والحِفظ والمعونةِ والنّصر إنّما جعلها الله تعالى لأوليائِه المتّقين المحسِنين الذين بذلوا حقَّ الله عليهم في توحِيده وإفرادِه بالعبادةِ وتركِ الإشراكِ به، ثمَّ بامتثال أوامرِه والانتهاء عمَّا نهاهم عنه.والمعية تاءتى بمعنى العلم كقوله تعالى(( وهو معكم أينما كنتم)) أي عالم بكم حيث كتتم الله تعالى لا يخفى عليه شيء عالم بالأماكن كلها وهو موجود بلا مكان , حتى إذا سكن الطلب عنهما قليلا خرجا من الغار بعد ثلاث ليال متجهين إلى المدينة على طريق الساحل فلحقهما سراقة بن مالك المدلجي على فرس له فالتفت أبو بكر فقال: يا رسول الله هذا الطلب قد لحقنا فقال النبي : ((لا تحزن إن الله معنا)) فدنا سراقة منهما حتى إذا سمع قراءة رسول الله غاصت يدا فرسه في الأرض حتى مس بطنها الأرض وكانت أرضا صلبة فنزل سراقة وزجرها فنهضت فلما أخرجت يديها صار لأثرهما عثان ساطع في السماء مثل الدخان قال سراقة: فوقع في نفسي أن سيظهر أمر رسول الله فناديتهم بالأمان فوقف رسول الله ومن معه فركبت فرسي حتى جئتهم وأخبرتهم بما يريد الناس بهم وعرضت عليهم الزاد والمتاع وقال للنبي : إنك تمر على إبلي وغنمي بمكان كذا فخذ منها حاجتك. فقال: ((لا حاجة لي في ذلك)) وقال: ((أخف عنا)). فرجع سراقة وجعل لا يلقى أحدا من الطلب إلا رده وقال: كفيتم هذه الجهة فسبحان الله رجل ينطلق على فرسه طالبا للنبي وصاحبه ليظفر بهما فيفخر بتسليمهما إلى أعدائهما من الكفار فلم ينقلب حتى عاد ناصرا معينا مدافعا يعرض عليهما الزاد والمتاع وما يريدان من إبله وغنمه ويرد عن جهتهما كل من أقبل نحوها وهكذا كل من كان الله معه فلن يضره أحد وتكون العاقبة له. ويعود سراقة ويكمل الرسول مسيرته إلى طيبة ويصل هناك ليستقبله المسلمون بحفاوة وترحيب وفرح وحب، وليؤسس صلى الله عليه وسلم دولة الإسلام ويعز الله دينه ويعلي كلمته ولو كره الكافرون ولو كره المشركون.

إنَّ هذه الهجرةِ المباركة وعبرِها هيَ جديرة بأن تبعثَ فينا اليومَ ما قد بعثَته بالأمسِ مِن روحِ العزَّة، وما هيَّأته من أسبابِ الرِّفعة وبواعثِ السموِّ وعواملِ التَّمكين. إِنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَواْ وَّٱلَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ

لقراءة ردود و اجابات الأعضاء على هذا الموضوع اضغط هناسبحان الله و بحمده