الصحابي الجليل النعمان بن بشير
النعمان بن بشير
هو النعمان بن بشير بن سعد بن ثعلبة بن جلاس بن زيد الأنصارى الخزرجى ويكنى عبد الله.
ولم يدرك النعمان الجاهلية فقد كان أول مولود ولد في الإسلام من الأنصار بعد الهجرة بأربعة عشر شهرا.
وهو أول مولود ولد للأنصار بعد الهجرة رضي الله عنه. (1)
وكان النعمان أول مولود ولد بالمدينة بعد الهجرة للأنصار في جمادى الأول سنة ثنتين من الهجرة فأتت به أمه تحمله إلى النبي (صلي الله عليه وسلم) فحنكه وبشرها بأنه يعيش حميدا ويقتل شهيدا ويدخل الجنة.(2)
من مواقفة مع الصحابة:
كان النعمان ذا منزلة من معاوية( رضي الله عنه ) وكان معاوية يقول يا معشر الأنصار تستبطئونني وما صحبني منكم إلا النعمان بن بشير وقد رأيتم ما صنعت به وكان ولاه الكوفة وأكرمه.(3)
من مواقفه مع التابعين:
قيل إن أعشى همدان قدم على النعمان بن بشير وهو على حمص وهو مريض فقال له النعمان ما أقدمك قال لتصلني وتحفظ قرابتي وتقضى ديني فقال والله ما عندي ولكني سائلهم لك شيئا ثم قام فصعد المنبر ثم قال يا أهل حمص إن هذا ابن عمكم من العراق وهو مسترفدكم شيئا فما ترون فقالوا احتكم في أموالنا فأبى عليهم فقالوا قد حكمنا من أموالنا كل رجل دينارين وكانوا في الديوان عشرين ألف رجل فعجلها له النعمان من بيت المال أربعين ألف دينار فلما خرجت أعطياتهم أسقط من عطاء كل رجل منهم دينارين.(4)
وقال أبو مخنف (وهو شيعي ) بعث يزيد بن معاوية إلي النعمان بن بشير الأنصاري فقال له ائت الناس وقومك فافثأهم عما يريدون فإنهم إن لم ينهضوا في هذا الأمر لم يجترئ الناس على خلافي وبها من عشيرتي من لا أحب أن ينهض في هذه الفتنة فيهلك.
فأقبل النعمان بن بشير فأتى قومه ودعا الناس إليه عامة وأمرهم بالطاعة ولزوم الجماعة وخوفهم الفتنة وقال لهم إنه لا طاقة لكم بأهل الشأم فقال عبد الله بن مطيع العدوي ما يحملك يا نعمان على تفريق جماعتنا وفساد ما أصلح الله من أمرنا فقال النعمان أما والله لكأني بك لو قد نزلت تلك التي تدعو إليها وقامت الرجال على الركب تضرب مفارق القوم وجباههم بالسيوف ودارت رحا الموت بين الفريقين قد هربت على بغلتك تضرب جنبيها إلى مكة وقد خلفت هؤلاء المساكين يعني الأنصار يقتلون في سككهم ومساجدهم وعلى أبواب دورهم فعصاه الناس.(5)
وبالتوفيق=)
اليوم يبتلكم نبذه عن الصحابي الجليل النعمان بن بشير
النعمان بن بشير
هو النعمان بن بشير بن سعد بن ثعلبة بن جلاس بن زيد الأنصارى الخزرجى ويكنى عبد الله.
ولم يدرك النعمان الجاهلية فقد كان أول مولود ولد في الإسلام من الأنصار بعد الهجرة بأربعة عشر شهرا.
وهو أول مولود ولد للأنصار بعد الهجرة رضي الله عنه. (1)
وكان النعمان أول مولود ولد بالمدينة بعد الهجرة للأنصار في جمادى الأول سنة ثنتين من الهجرة فأتت به أمه تحمله إلى النبي (صلي الله عليه وسلم) فحنكه وبشرها بأنه يعيش حميدا ويقتل شهيدا ويدخل الجنة.(2)
من مواقفة مع الصحابة:
كان النعمان ذا منزلة من معاوية( رضي الله عنه ) وكان معاوية يقول يا معشر الأنصار تستبطئونني وما صحبني منكم إلا النعمان بن بشير وقد رأيتم ما صنعت به وكان ولاه الكوفة وأكرمه.(3)
من مواقفه مع التابعين:
قيل إن أعشى همدان قدم على النعمان بن بشير وهو على حمص وهو مريض فقال له النعمان ما أقدمك قال لتصلني وتحفظ قرابتي وتقضى ديني فقال والله ما عندي ولكني سائلهم لك شيئا ثم قام فصعد المنبر ثم قال يا أهل حمص إن هذا ابن عمكم من العراق وهو مسترفدكم شيئا فما ترون فقالوا احتكم في أموالنا فأبى عليهم فقالوا قد حكمنا من أموالنا كل رجل دينارين وكانوا في الديوان عشرين ألف رجل فعجلها له النعمان من بيت المال أربعين ألف دينار فلما خرجت أعطياتهم أسقط من عطاء كل رجل منهم دينارين.(4)
وقال أبو مخنف (وهو شيعي ) بعث يزيد بن معاوية إلي النعمان بن بشير الأنصاري فقال له ائت الناس وقومك فافثأهم عما يريدون فإنهم إن لم ينهضوا في هذا الأمر لم يجترئ الناس على خلافي وبها من عشيرتي من لا أحب أن ينهض في هذه الفتنة فيهلك.
فأقبل النعمان بن بشير فأتى قومه ودعا الناس إليه عامة وأمرهم بالطاعة ولزوم الجماعة وخوفهم الفتنة وقال لهم إنه لا طاقة لكم بأهل الشأم فقال عبد الله بن مطيع العدوي ما يحملك يا نعمان على تفريق جماعتنا وفساد ما أصلح الله من أمرنا فقال النعمان أما والله لكأني بك لو قد نزلت تلك التي تدعو إليها وقامت الرجال على الركب تضرب مفارق القوم وجباههم بالسيوف ودارت رحا الموت بين الفريقين قد هربت على بغلتك تضرب جنبيها إلى مكة وقد خلفت هؤلاء المساكين يعني الأنصار يقتلون في سككهم ومساجدهم وعلى أبواب دورهم فعصاه الناس.(5)
ان شاء الله نال اعجابكم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ,,
المقدمة
إن المجتمع الإسلامي قد اشتهر بعلمائه البارزين و أئمته الذين قاموا بكل ما ييسر لطريق الإسلام و يبسطه على العباد و لذلك قررنا أن نختار أحد الأئمة الأربعة و هو الإمام أبي حنيفة النعمان لما عرف عنه من التقوى و الورع الشديد فللإمام شخصية عظيمة تمتلك ما يجعلها القدوة الحسنة الإسلامية فكان أبي حنيفة يحترم و يقدر كل من ساهم في تعليمه الفقه ، و كذلك كان سخياً في إنفاقه على طلاب العلم قاصداً المحافظة على هيبة العلم في مجالسه ، و هذا ما كان له دور في جعله محط اختيارنا و بحثنا عن تفاصيل حياته و ما مر به من أحداث في مسيرته التي كانت في سبيل العلم و الإسلام لرفع كلمة الله و الإقتداء بالرسول صلى الله عليه و سلم .
.. الإمام الأعظم أبو حنيفة النعمان ..
سيرة عطرة وحياة زاهدة ..
هو أبو حنيفة النعمان بن ثابت بن زوطي بن ماه الكوفي. إن هذه الشخصية العراقية الأصيلة، مثل معظم الشخصيات العراقية في الفترة العباسية، قد قام المستشرقون الغربيون ومعهم للأسف جوقة من المؤرخين العراقيين والعرب، بسلخه عن هويته العراقية واحتسابه بكل بساطة على(الموالي الأعاجم)!! وقد اعتمدوا في تشويههم هذا على عبارة واحدة قيلت عنه بأن أصل جده من(كابل) أي(كابول) في أفغانستان الحالية. بينما تم التغاضي تماما عن المصادر الأخرى والكثيرة التي تقول أن جده من(بابل) وليس من(كابل)، أو من(الأنبار) !! وفي كل الأحوال إن هذا المثقف الكبير والفقيه الأصيل، كان عراقيا كوفيا بمولده هو ومولد أبيه وأمه وتربيته وثقافته، ثم انه دفن في بغداد(منطقة الأعظمية)، وحتى مذهبه(الحنفي) أطلق عليه (مذهب أهل العراق) !!
أدرك أبو حنيفة أربعة من الصحابة، وكانت ولادته سنة ثمانين للهجرة، أو إحدى وستين، في الكوفة.تتلمذ على يد الإمام جعفر الصادق(ع). لهذا فأن المذهب الحنفي يعتبر من اقرب المذاهب السنية قربا للمذهب الجعفري الشيعي. ولاستناد هذا المذهب على(الاجتهاد)، فأن العديد من رجال الصفوة الدينية يضفون على مذهبه صفة(الديمقراطية)، لقوله : ما جاء عن الرسول صلى الله عليه وسلم فعلى الرأس تكون، وما جاء عن الصحابة اخترنا وما كان ذلك، فهم رجال ونحن رجال. ومن ميزات هذه الإمام الصالح، انه رفض تماما التواطئ مع الظلم رغم كل الإغراءات والضغوطات التي تعرض إليها، ورفض بصورة قاطعة أن يلبي طلب الخليفة(أبو جعفر المنصور) ليصبح قاضيا، حتى غضب عليه هذا الخليفة وسجنه الومات في السجن، سنة خمسين ومائة للهجرة، وقيل بل خرج ثم مات في بغداد .
حياة حافلة بالزهد والتقوى ..
عاش النعمان بن ثابت ـ كنيته أبو حنيفة ـ في آخر عصر بني أمية وأول عصر بني العباس، وكان مبدأه في الحياة أن يكرم نفسه وعلمه، وعقد عزمه على أن يأكل من كسب يده. دعاه الخليفة المنصور ذات مرة إلى زيارته، فلما كان عنده أكرمه ورحب به وقربه من مجلسه وجعل يسأله عن كثير من شئون الدين والدنيا، فلما أراد الانصراف دفع إليه بكيس من النقود فيه ثلاثون ألف درهم مع أن المنصور كان يعرف عنه البخل والشح ولكن الإمام أبي حنيفة النعمان رضي الله عنه قال: (( يا أمير المؤمنين إني غريب في بغداد وليس لهذا المال موضع عندي ـ واني أخاف عليه فاحفظه لي في بيت المال حتى إذا احتجته طلبته منك. فأجابه المنصور إلى رغبته، ولكن أبا حنيفة توفي بعد الحادث بقليل، ووجد في بيته ودائع للناس تزيد على إضعاف هذا المبلغ.فلما سمع المنصور بذلك قال: يرحم الله أبا حنيفة فقد خدعنا وأبى أن يأخذ شيئا
منا، وتلطف في ردنا )).
ولا عجب في ذلك فلقد كان مبدأ الإمام أبي حنيفة " أن ما أكل امرؤ لقمة أزكى ولا أعز من لقمة يأكلها من كسب يده". ولذلك كان يخصص جزءا من وقته للتجارة، وكان يتاجر في الصفوف والحرير وكانت تجارة رابحة وكان متجره معروفا يقصده الناس فيجدون فيه الصدق في المعاملة والأمانة في الأخذ والعطاء، وكانت تجارته تدر عليه خيرا وفيرا، وتهبه من فضل الله مالارا. وكان رحمه الله يأخذ المال من حله ويضعه في محله وكان كلما حال عليه الحول، أحصى أرباحه من تجارته، واستبقى منها ما يكفيه لتجارته ثم يشتري بالباقي حوائج القراء، والمحدثين والفقهاء وطلاب العلم، وأقواتهم وكسوتهم، وكان يقول لهم "هذه أرباح بضعائكم أجراها الله لكم على يدي. والله ما أعطيتكم من مالي شيئا وإنما هو فضل الله علي فيكم".
في يوم جاءته امرأة عجوز تطلب ثوبا من حرير، فلما أخرج لها الثوب المطلوب قالت له: أني امرأة عجوز ولا علم لي بالإثمان، فبعني الثوب بالثمن الذي اشتريته وأضف إليه قليلا من الربح فاني ضعيفة فقال لها :" إني اشتريت ثوبين اثنين في صفقة واحدة ثم إني بعت احدهما برأس المال الأربعة دراهم فخذيه بها ولا أريد منك ربحا "
ويروى أن الإمام أبو حنيفة رحمه الله تعالى، رأى أحد جلسائه وعليه ثياب رثة فلما انصرف الناس، ولم يبق في المجلس إلا هو والرجل قال له :" ارفع هذا المصلى وخذ ما تحته" فرفع الرجل المصلى فإذا تحته ألف درهم فقال له أبو حنيفة : "خذها وأصلح بها من شأنك"، فقال الرجل إني موسر وقد أنعم الله علي، ولا حاجة لي بها فقال له أبو حنيفة:" إذا كان قد انعم عليك فأين آثار نعمته؟ أما بلغك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول(إن الله يحب أن يرى اثر نعمته على عبده) فينبغي عليك أن تصلح من شأنك حتى لا تحزن صديقك".
وكان من جود وكرم أبي حنيفة رحمه الله ورضي الله عنه، انه كان إذا انفق على عياله نفقة تصدق بمثلها على غيرهم من المحتاجين.وإذا اكتسى ثوبا جديدا كسا المساكين بقدر ثمنه، وكان إذا وضع الطعام بين يديه عرف منه ضعف ما يأكله عادة ودفع به إلى الفقراء.
وكان لأبي حنيفة شريك في بعض تجارته واسمه حفص بن عبد الرحمن. فكان أبو حنيفة يجهز له أمتعة الخز(الحرير) ويبعث بها معه إلى بعض مدن العراق. فجهز له ذات مرة متاعا كثيرا واعلمه أن فيه ثوب فيه كذا وكذا من العيوب وقال له :" إذا هممت ببيعها فبين للمشتري ما فيها من عيب"، فباع حفص، المتاع كله، ونسي أن يعلم المشتري بما في الثوب من عيوب. فلما عرف بذلك أبو حنيفة، بحث عن الذين اخذوا هذه التجارة التي بها عيبا فلم يجدوهم، فأخرج أبو حنيفة ثمن البضاعة كلها زكاة وصدقة.
وكان من أخلاق أبي حنيفة رضي الله عنه ـ انه كان طيب المعاشرة ـ حلو المؤانسة يسعد به جليسه ولا يتعب به من غاب عنه، ولو كان عدوا له، حدث أحد أصحابه قال: سمعت عبد الله بن المبارك، يقول لسفيان الثوري يا أبا عبد الله، ما أبعد أبي حنيفة عن الغيبة، فان ما سمعته يذكر عدوا له بسوء قط، فقال له سفيان: إن أبا حنيفة أعقل من أن نسلط على حسناته ما يذهب بها . وكان الإمام أبو حنيفة رضي الله عنه، مولعا باقتناص ود الناس حريصا على استدامة صداقتهم، وقد عرف عنه انه ربما مر به الرجل من الناس، فقعد في مجلسه من غير قصد ولا مجالسة فإذا قام سأل عنه فان كانت حاجة أو فقر أعانه وان كان به مرض عاده، وان كانت له حاجة قضاها حتى يجره إلى مواصلته جرا.
في يوم جاءته امرأة بثوب من حرير تبيعه فقال كم ثمنه ؟ قالت : مائة، قال : هو خير من ذلك بكم تقولين ؟ فزادت مائة، قال : هو خير من ذلك حتى قالت أربعمائة، قال : هو خير من ذلك، قالت : تهزأ بي ؟ قال : هاتي رجلا ً يقومه فجاءت برجل فاشتراه أبو حنيفة بخمسمائة.
عرف عن الإمام أبو حنيفة عليه رحمة الله تعالى بأنه كان صوام النهار وقوام الليل، صديقا للقرآن الكريم، مستغفرا في الأسحار وكان من أسباب تعمقه في العبادة انه اقبل ذات يوم على جماعة من الناس فسمعهم يقولون، إن هذا الرجل الذي ترونه لا ينام الليل، فلما سمعهم قال: "إني عند الناس على خلاف ما أنا عليه عند الله تعالى.والله لا يتحدث الناس عني منذ الساعة بما لا أفعل، ولن أتوسد فراشا بعد اليوم حتى ألقى الله ".
عرف عن الإمام أبي حنيفة انه صلى الفجر بوضوء العشاء نحو من أربعين سنة، ما ترك ذلك خلالها مرة واحدة وكان إذا قرأ(سورة الزلزلة) اقشعر جلده، وخاف قلبه ويقول:" يا من يجزي بمثقال ذرة خيرا فخير، ويا من يجزي بمثقال ذرة شرا شرا أجر عبدك النعمان من النار، وباعد بينه وبين ما يقربه منها".
جاء في(سير أعلام النبلاء) : عن الشافعي قال قيل لمالك هل رأيت أبا حنيفة؟ قال نعم رأيت رجلا لو كلمك في هذه السارية أن يجعلها ذهبا لقام بحجته.
و قد عرف عنه :
احترامه وتقديره لمن علمه الفقه؛
فقد ورد عن ابن سماعة، أنه قال: سمعت أبا حنيفة يقول: ما صليت صلاة مُذ مات حماد إلا استغفرت له مع والدي، وإني لأستغفر لمن تعلمت منه علماً، أو علمته علما.
سخاؤه في إنفاقه على الطلاب والمحتاجين وحسن تعامله معهم، وتعاهدهم مما غرس محبته في قلوبهم حتى نشروا أقواله وفقهه، و لك أن تتخيل ملايين الدعوات له بالرحمة عند ذكره في دروس العلم في كل أرض. نسأل الله من فضله، ونسأل الله لإمامنا أن يتغمده بواسع رحمته، ومن عجائب ما ورد عنه أنه كان يبعث بالبضائع إلى بغداد، يشتري بها الأمتعة، ويحملها إلى الكوفة، ويجمع الأرباح عنده من سنة إلى سنة، فيشتري بها حوائج الأشياخ المحدثين وأقواتهم، وكسوتهم، وجميع حوائجهم، ثم يدفع باقي الدنانير من الأرباح إليهم، فيقول: أنفقوا في حوائجكم، ولا تحمدوا إلا الله؛ فإني ما أعطيتكم من مالي شيئا، ولكن من فضل الله عليَّ فيكم، وهذه أرباح بضاعتكم؛ فإنه هو والله مما يجريه الله لكم على يدي فما في رزق الله حول لغيره. وحدث حجر بن عبد الجبار، قال: ما أرى الناس أكرم مجالسة من أبي حنيفة، ولا أكثر إكراماً لأصحابه. وقال حفص بن حمزة القرشي: كان أبو حنيفة ربما مر به الرجل فيجلس إليه لغير قصد ولا مجالسة، فإذا قام سأل عنه، فإن كانت به فاقة وصله، وإن مرض عاده.
الاهتمام بالمظهر والهيئة؛
بما يضفي عليه المهابة، فقد جاء عن حماد بن أبي حنيفة أنه قال: كان أبي جميلا تعلوه سمرة حسن الهيئة، كثير التعطر هيوباً لا يتكلم إلا جواباً ولا يخوض _رحمه الله_ فيما لا يعنيه. وعن ابن المبارك قال: ما رأيت رجلا أوقر في مجلسه ولا أحسن سمتاً وحلماً من أبي حنيفة.
كثرة عبادته وتنسكه -رحمه الله-؛
فقد قال أبو عاصم النبيل كان أبو حنيفة يسمى الوتد لكثرة صلاته، واشتهر عنه أنه كان يحيى الليل صلاة ودعاء وتضرعا. وذكروا أن أبا حنيفة _رحمه الله_ صلى العشاء والصبح بوضوء أربعين سنة. وروى بشر بن الوليد عن القاضي أبي يوسف قال بينما أنا أمشي مع أبي حنيفة إذ سمعت رجلاً يقول لآخر هذا أبو حنيفة لا ينام الليل ،
فقال أبو حنفية والله لا يتحدث عني بما لم أفعل فكان يحيى الليل صلاة وتضرعا ودعاء , ومثل هذه الروايات عن الأئمة موجودة بكثرة، والتشكيك في ثبوتها له وجه، لاشتهار النهي عن إحياء الليل كله، وأبو حنيفة _رحمه الله_ قد ملأ نهاره بالتعليم مع معالجة تجارته، فيبعد أن يواصل الليل كله. ولكن عبادة أبي حنيفة وطول قراءته أمر لا ينكر، بل هو مشهور عنه _رحمه الله_. فقد روي من وجهين أن أبا حنيفة قرأ القرآن كله في ركعة.
خوفه من الله تعالى؛
فقد روى لنا القاسم بن معن أن أبا حنيفة قام ليلة يردد قوله _تعالى_ " بل الساعة موعدهم والساعة أدهى وأمر " القمر 46 ويبكي ويتضرع إلى الفجر.
ومن مظاهر القدوة شدة ورعه؛
وخصوصا في الأمور المالية، فقد جاء عنه أنه كان شريكاً لحفص بن عبد الرحمن، وكان أبو حنيفة يُجهز إليه الأمتعة، وهو يبيع، فبعث إليه في رقعة بمتاع، وأعلمه أن في ثوب كذا وكذا عيباً، فإذا بعته، فبين. فباع حفص المتاع، ونسى أن يبين، ولم يعلم ممن باعه، فلما علم أبو حنيفة تصدق بثمن المتاع كله.
تربيته لنفسه على الفضائل كالصدقة، فقد ورد عن المثنى بن رجاء أنه قال جعل أبو حنيفة على نفسه إن حلف بالله صادقا أن يتصدق بدينار وكان إذا أنفق على عياله نفقة تصدق بمثلها.
وله رحمه الله حلم عجيب مع العوام؛
لأن من تصدى للناس لا بد وأن يأتيه بعض الأذى من جاهل أو مغرر به، ومن عجيب قصصه ما حكاه الخريبي قال: كنا عند أبي حنيفة فقال رجل: إني وضعت كتابا على خطك إلى فلان فوهب لي أربعة آلاف درهم فقال أبو حنيفة إن كنتم تنتفعون بهذا فافعلوه. وقد شهد بحلمه من رآه، قال يزيد بن هارون ما رأيت أحدا أحلم من أبي حنيفة , وكان ينظر بإيجابية إلى المواقف التي ظاهرها السوء، فقد قال رجل لأبي حنيفة اتق الله فانتفض واصفر وأطرق وقال جزاك الله خيرا ما أحوج الناس كل وقت إلى من يقول لهم مثل هذا , وجاء إليه رجل، فقال: يا أبا حنيفة، قد احتجت إلى ثوب خز , فقال: ما لونه؟ قال: كذا، وكذا , فقال له: اصبر حتى يقع، وآخذه لك، _إن شاء الله تعالى_ , فما دارت الجمعة حتى وقع، فمر به الرجل، فقال: قد وقعت حاجتك، وأخرج إليه الثوب، فأعجبه، فقال: يا أبا حنيفة، كم أزن؟ قال: درهماً , فقال الرجل: يا أبا حنيفة ما كنت أظنك تهزأ , قال: ما هزأت، إني اشتريت ثوبين بعشرين ديناراً ودرهم، وإني بعت أحدهما بعشرين ديناراً، وبقي هذا بدرهم، وما كنت لأربح على صديق.
قبره في الأعظمية ببغداد مزار معروف. روى الخطيب في تاريخه عن علي بن ميمون قال : سمعت الشافعي يقول : إني لأتبرك بأبي حنيفة وأجي إلى قبره في كل يوم ـ يعني زائرا ـ فإذا عرضت لي حاجة صليت ركعتين وجئت إلى قـبـره وسـالـت اللّه تـعـالـى الـحـاجة عنده فما تبعد [عني ] حتى تقضى.
وقـال ابـن الجوزي في المنتظم: في هذه الأيام ـ يعني سنة(459) ـ بنى أبو سعد المستوفي الملقب شرف الملك مشهد أبي حنيفة، وعمل لقبره ملبنا، وعقد القبة وعمل المدرسة بإزائه، وانزلها الفقهاء ورتب لهم مدرسا، فدخل أبو جعفر ابن البياضي إلى الزيارة فقال ارتجالا :
الم تر أن العلم كان مضيعا فجمعه هذا المغيب في اللحد
كذلك كانت هذه الأرض ميتة فانشرها جود العميد أبي سعد
ثم قال إن بناء الضريح قد تم سنة ست وثلاثين وأربعمائة هجرية.. . وكان الشخص الذي انفق على البناء رجل تركي قدم إلى بغداد حاجا. كذلك قام بعض أمراء التركمان بالصرف على إتمام البناء. وقام (ا شرف الملك) بإعادة البناء وتأسيس المشهد الحالي في القرن الخامس الهجري. ويقال أنهم اضطروا لنقل بقايا الموتى الذين تم دفنهم حول الضريح، إلى بقعة بعيدة. وقد تم حفر أساس القبة حتى سبع عشر ذراعا في ستة عشر ذراعا حتى بلغوا الأرض الصلبة . وقال ابن خلكان في تاريخه : قبره مشهور يزار، بني عليه المشهد والقبة سـنـة(459).وقـال ابـن جـبـيـر فـي رحـلـتـه (ص 180) : وبـالرصافة مشهد حفيل البنيان، له قبة بيضاء سامية في الهواء، فيه قبر الإمام أبي حنيفة (رض) .
وقـال ابـن بـطـوطـة فـي رحـلته (1/142) : قبر الإمام أبي حنيفة (رض) عليه قـبـة عظيمة، وزاوية فيها الطعام للوارد والصادر، وليس بمدينة بغداد اليوم زاوية يطعم الـطـعـام فيها ما عدا هذه الزاوية ثم عد جملة من قبور المشايخ ببغداد فقال : وأهل بغداد لـهم في كل جمعة يوم لزيارة شيخ من هؤلاء المشايخ، ويوم لشيخ آخر يليه، هكذا إلى آخر الأسبوع .
وقـال ابـن حجر في الخيرات: إن الإمام الشافعي أيام كان ببغداد، كان يتوسل(يطلب الشفاعة) من الإمام أبي حـنـيـفـة ، ويحي إلى ضـريحه يزور فيسلم عليه، ثم يتوسل إلى اللّه تعالى
به في قضاء حاجته ….
وقد كتب الكثير عن حياه هذا الإمام العابد الزاهد الذي كرس حياته في العبادة و طلب العلم و قد كتب عنه ( عبد الحميد محمود طهماز ) في كتابه الشهير (كتاب الفقه الحنفي في ثوبه الجديد ) و قد قال فيه …
يعد الإمام أبو حنيفة رحمه الله أول من دون الفقه و رتبه أبوابا ً و كتبا ً على نحو ما هو عليه اليوم ، و تبعه الإمام مالك رحمه الله في موطئه. و أبو حنيفة يعتبر أيضا ً من سادات علماء التابعين ، إذ صح أنه أدرك بالسن نحو عشرين صحابيا ً فقد ولد رحمه الله سنة ثمانين قبل أن ينقرض جيل الصحابة رضي اله تعالى عنهم .
تفقه رحمه الله في الكوفة على تلاميذ الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ، و لذلك قالوا : الفقه زرعه عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ، و سقاه علقمة بن قيس ، الذي أخذ العلم عن ابن مسعود و علي و أبي الدرداء و السيدة عائشة رضي الله عنهم ، و حصده إبراهيم النخعي ، الإمام المشهور المتوفى سنة 95 ، و داسه حماد بن مسلم الكوفي ، أي اجتهد في تنقيحه و توضيحه ، و هو شيخ الإمام أبو حنيفة ، الذي قال عنه الإمام : ما صليت صلاة إلا استغفرت له مع والدي .توفي سنة 120 هجري ، و طحنه أبو حنيفة أي أصل أصوله و فرع فروعه و أوضح سبله ، و عجنه أبو يوسف ، أي دقق النظر في قواعد الإمام و أصوله و اجتهد في زيادة استنباط الفروع منها و الأحكام ، و هو أكبر تلاميذ الإمام يعقوب بن إبراهيم قاضي القضاة ، فقد ذكر الخطيب البغدادي في تاريخه أن أبا يوسف وضع الكتب في أصول الفقه على مذهب أبي حنيفة و أملى المسائل و نشرها ، ولد سنة 113 هجري و توفي في بغداد سنة 182 هجري ، و خبزه محمد بن الحسن الشيباني التلميذ الثاني في المذهب لأبي حنيفة النعمان و هو محرر المذهب المتوفى بالري سنة 189 هجري . و قد روى الخطيب عن الربيع تلميذ الإمام الشافعي قال سمعت الشافعي يقول: الناس عيال على أبي حنيفة في الفقه، كان أبو حنيفة ممن وفق له الفقه…
الخاتمة
أخيراً إن الجدية والاستمرار وتحديد الهدف هي خلاصة ما وصل إليه أبي حنيفة و ما أفادنا به جاهدا ً فقد أنار لنا ما كان قد خفي عن التفصيل ؛
فقد وضع نصب عينيه أن ينفع الأمة في الفقه والاستنباط، وأن يصنع رجالا قادرين على حمل تلك الملكة.
ترك الغيبة و الخوض في الناس فعن ابن المبارك: قلت لسفيان الثوري، يا أبا عبد الله، ما أبعد أبا حنيفة من الغيبة، وما سمعته يغتاب عدوا له قط. قال: هو والله أعقل من أن يسلط على حسناته ما يذهب بها. بل بلغ من طهارة قلبه على المسلمين شيئا عجيبا، ففي تاريخ بغداد عن سهل بن مزاحم قال سمعت أبا حنيفة يقول: "فبشر عباد الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه" قال: كان أبو حنيفة يكثر من قول: اللهم من ضاق بنا صدره فإن قلوبنا قد اتسعت له.
و قد حرص على بناء شخصيات فقهية تحمل عنه علمه فاستمر ووصل إلى مختلف بقاع الأرض؛
وقد نجح أيما نجاح. ومن طريف قصصه مع تلاميذه التي تبين لنا حرصه على تربيتهم على التواضع في التعلم وعدم العجلة , كما في (شذرات الذهب): لما جلس أبو يوسف _رحمه الله_ للتدريس من غير إعلام أبي حنيفة أرسل إليه أبو حنيفة رجلا فسأله عن خمس مسائل وقال له: إن أجابك بكذا فقل له: أخطأت، وإن أجابك بضده فقل له: أخطأت فعلم أبو يوسف تقصيره فعاد إلى أبي حنيفة فقال "تزبيت قبل أن تحصرم" – يعنى تصدرت للفتيان قبل أن تستعد لها فجعلت نفسك زبيبا وأنت لازلت حصرما –.
المصادر ..
http:// www.mesopotamia4374.com/adad4/18.ht
http:// www.nourallah.com/shakseyat.asp?PersonelID=9
– من كتاب الفقه الحنفي في ثوبه الجديد ، الجزء الأول بعنوان فقه العبادات من تأليف عبد الحميد محمود طهماز من دار القلم ( دمشق ) و الدار الشامية ( بيروت ) ..
و كذلك من الكتب التالية
سير أعلام النبلاء – للذهبي
شذرات الذهب – لابن العماد
تذكرة الحفاظ – للذهبي
المنتظم – لابن الجوزي
البداية والنهاية – لابن كثير
وفيات الأعيان – لابن خلكان
الطبقات السنية في تراجم الحنفية – للغزي
م/ن
والله الموفق
هو النعمان بن بشير بن سعد بن ثعلبة بن خلاس بن زيد بن مالك الأغر بن ثعلبة بن كعب بن الخزرج بن الحارث بن الخزرج. وأمه عمرة بنت رواحة، وأخت عبد الله بن رواحة، والتي يقول فيها قيس بن الخطيم:
أجد بعمرة غنـيانـهـا
فتهجر أم شاننا شانهـا
وعمرة من سروات النسا
ء تنفح بالمسك أردانهـا
وله صحبة بالنبي صلى الله عليه وسلم، ولأبيه بشير بن سعد. وكان جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم ومعه آخر، ليشهد معه غزوة له فيما قيل، فاستصغرهما فردهما.
وأبوه بشير بن سعد أول من قالم يوم السقيفة من الأنصار إلى أبي بكر رضي الله عنه فبايعه، ثم توالت الأنصار فبايعته. وشهد بشير بيعة العقبة وبدراً وأحداً والخندق والمشاهد كلها، واستشهد يوم عين التمر مع خالد بن الوليد.
وكان النعمان عثمانياً، وشهد مع معاوية صفين، ولم يكن معه من الأنصار غيره، وكان كريماً عليه، رفيعاً عنده وعند يزيد ابنه بعده، وعمر إلى خلافة مروان بن الحكم، وكان يتولى حمص. فلما بويع لمروان، دعا إلى ابن الزبير، وخالف على مروان، وذلك بعد قتل الضحاك بن قيس بمرج راهط. فلم يجبه أهل حمص إلى ذلك.
فهرب منهم، وتبعوه فأدركوه فقتلوه، وذلك في سنة خمس وستين.
ويقال إن النعمان بن بشير أول مولود ولد بالمدينة بعد قدوم رسول الله صلى الله عليه وسلم إياها. وقد قيل ذلك في عبد الله بن الزبير، إلا أن النعمان أول مولود ولد بعد مقدمه عليه السلام من النصار، روى ذلك عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم.
وروى النعمان بن بشير عن النبي صلى الله عليه وسلم كثيراً.
حدثني أحمد بن محمد بن الجعد الوشاء. قال حدثني أبو بكر بن أبي شبية، قال: حدثنا عباد بن العوام، عن الحصين، عن الشعبي، قال: سمعت النعمان بن بشير يقول: أعطاني أبي عطية، فقالت أمي عمرة: لا أرضى حتى تشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتى رسول الله فقال: ابني من عمرة أعطيته عطية فأمرتني أن أشهدك. فقال: أعطيت كل ولدك مثل هذا؟ قال: لا فقال: فاتقوا الله واعدلوا بين أولادكم.
أخبرني محمد بن خلف وكيع، قال: حدثنا محمد بن سعيد، قال: حدثنا العمري، عن الهيثم بن عدي، عن مجالد، عن الشعبي، قال: أمر معاوية لأهل الكوفة بزيادة عشرة دنانير في أعطيتهم، وعامله يومئذ على الكوفة وأرضها النعمان بن بشير، وكان عثمانياً، وكان يبغض أهل الكوفة لرأيهم في علي عليه السلام. فأبى النعمان أن ينفذها لهم. فكلموه وسألوه بالله، فأبى أن يفعل. وكان إذا خطب على المنبر أكثر قراءة القرآن. وكان يقول: لا ترون على منبركم هذا أحداً بعدي يقول: إنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم. فصعد المنبر يوماً فقال: يا أهل الكوفة. فصاحوا : ننشدك الله والزيادة. فقال: اسكتوا. فلما أكثروا قال: أتدرون ما مثلي ومثلكم؟ قالوا: لا. قال: مثل الضبع والضب والثعلب: فإن الضبع والثعلب أتيا الضب في وجاره، فنادياه: أبا الحسل. فقال: سميعا دعوتما. قالا: أتيناك لتحكم بيننا. قال: في بيته يؤتي الحكم. قالت الضبع: إني حللت عيبتي. قال: فعل الحرة فعلت. قالت: فلقطت ثمرة. قال: طيباًلقطت. قالت: فأكلها الثعلب. قال: لنفسه نظر. قالت: فلطمته. قال: بجرمه. قالت: فلطمني. قال: حر انتصر. قالت: فاقض بيننا. قال: قد فعلت. قال: حدث امرأة حديثين، فإن أبت فعشرة .
فقال عبد الله بن همام السلولي:
زيادتنا نعمان لا تحـبـسـنـهـا
خف الله فينا والكتاب الذي تتلـو
فإنك قد حمـلـت مـنـا أمـانة
بما عجزت عنه الصلاخمة البزل
فلا يك باب الشر تحسن فتـحـه
وباب الندى والخيرات له قـفـل
وقد نلت سلطاناً عظيماً فلا يكـن
لغيرك جمات الندى ولك البخـل
وأنت امرؤ حلو اللسان بـلـيغـه
فما باله عند الـزيادة لا يحـلـو
وقبلك قد كانـوا عـلـينـا أئمة
يهمهم تقويمنـا وهـم عـصـل
إذا نصبوا للقول قالوا فأحسـنـوا
ولكن حسن القول خالفه الفعـل
يذمون دنياهم وهم يرضعونـهـا
أفاويق حتى ما يدر لهم ثـعـل
فيا معشر الأنصار إني أخـوكـم
وإني لمعروفٍ أنى منكـم أهـل
ومن أجل إيواء النبي ونـصـره
يحبكم قلبي وغـيركـم الأصـل
فقال النعمان بن بشير: لا عليه ألا يتقرب ، فوالله لا أجيزها ولا أنفذها أبداً.
أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهري، قال: حدثنا عمر بن شبة، قال: حدثنا الأصمعي ، قال: حدثني شيخ قديم من اهل المدينة. وأخبرني إسماعيل بن يونس الشيعي، قال: حدثنا عمر بن شبة قال: حدثنا أبو غسان، عن أبي السائب المخزومي. وأخبرني الحسين بن يحيى المرداسي عن حماد بن إسحاق عن أبيه، قال: ذكر لي عن جعفر بن محرز الدوسي قال: دخل النعمان بن بشير المدينة في أيام يزيد بن معاوية وابن الزبير، فقال: والله لقد أخفقت أذناي من الغناء، فأسمعوني. فقيل له: لو وجهت إلى عزة الميلاء، فإنها من قد عرفت. فقال: إي ورب الكعبة، وإنها لمعن تزيد النفس طيباً، والعقل شحذاً. ابعثوا إليها عن رسالتي، فإن أبت صرت إليها. فقال له بعض القوم: إن النقلة تشتد عليها، لثقل بدنها، وما بالمدينة دابة تحملها. فقال النعمان بن بشير: وأين النجائب عليها الهوادج؟ فوجه إليها بنجب، فذكرت علة. فلما عاد الرسول إلى النعمان قال لجليسه: أنت كنت أخبر بها، قوموا بنا. فقام هو مع خواص أصحابه حتى طرقوها. فأذنت وأكرمت واعتذرت، فقبل النعمان عذرها، وقال لها: غني، فغنت:
أجد بعمرة غنـيانـهـا
فتهجر أم شاننا شانهـا
وعمرة من سروات النسا
ء تنفح بالمسك أردانهـا
قال: فأشير إليها أنها أمه، فأمسكت. فقال: غني، فوالله ما ذكرت إلا كرماً وطيباً، ولا تغني سائر اليوم غيره. فلم تزل تغنيه هذا اللحن فقط حتى انصرف.
قال إسحاق: فتذكروا هذا الحديث عند الهيثم بن عدي، فقال: ألا أزيدكم فيه طريفة؟ فقلنا: بلى، يا أبا عبد الرحمن. فقال: قال لقيط ونحن عند سعيد الزبيري ، قال عامر الشعبي: اشتاق النعمان بن بشير إلى الغناء، فصار إلى منزل عزة الميلاء، فلما انصرف إذا امرأة بالباب منتظرة له. فلما خرج شكت إليه كثرة غشيان زوجها إياها، فقال النعمان: لأفضين بينكما بقضية لا ترد علي، قد أحل الله له من النساء أربعاً: مثنى، وثلاث، ورباع، له مرتان بالنهار، ومرتان بالليل. أخبرني محمد بن الحسن بن دريد، قال حدثني عمي، عن العباس بن هشام ، عن أبيه؛ وأخبرني الحسين بن يحيى، عن حماد، عن أبيه، عن الكلبي . وأخبرني عمي قال: حدثنا الكراني قال: حدثني العمري عن الهيثم بن عدي، قالوا: خرج أعشى همدان إلى الشام في ولاية مروان بن الحكم، فلم ينل فيها حظاً؛ فجاء إلى النعمان بن بشير وهو عامل على حمص، فشكا إليه حاله. فكلم له النعمان اليمانية، وقال لهم: هذا شاعر اليمن ولسانها، واستماحهم له. فقالوا: نعم، يعطيه كل واحد منا دينارين من عطائه. فقال: أعطه ديناراً، واجعلوا ذلك معجلاً. فقالوا له: أعطه إياه من بيت المال، واحتسب ذلك على كل رجل من عطائه. ففعل النعمان ذلك، وكانوا عشرين ألفاً، فأعطاه عشرين ألف دينار، وارتجعا متهم عند العطاء. فقال الأعشى يمدح النعمان:
ولم أر للحاجات عند التماسهـا
كنعمان نعمان الندى ابن بشـير
إذا قال أوفى ما يقول ولم يكـن
كمدلٍ إلى الأقوام حبل غـرور
متى أكفر النعمان لا ألف شاكراً
وما خير من لا يقتدي بشكـور
فلو لا أخو الأنصار كنت كنازل
ثوى ماثوى لم ينقلب بنـقـير
أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهري، وحبيب بن نصر المهلبي قاللا: حدثنا عمر بن شبة، قال: حدثنا يحيى الزبيري قال حدثني ابن أبي زريق، قال: شبب عبد الرحمن بن حسان برملة بنت معاوية، فقال:
رمل هل تذكرين يوم غـزال
إذ قطعنا مسيرنا بالتـمـنـي
لإذ تقولين عمرك الله هل شيء
وإن جل سوف يسليك عنـي
أم هل اطمعت منكم يا بن حسا
ن كما قد أراك أطمعت مني
فبلغ ذلك يزيد بن معاوية، فغضب ودخل على معاوية، فقال: يا أمير المؤمنين، ألا ترى إلى هذا العلج من أهل يثرب، يتهكم بأعراضنا، ويشبب بنسائنا؟ فقال: ومن هو؟ قال: عبد الرحمن بن حسان. وأنشده ما قال.
فقال: يا يزيد؛ ليس العقوبة من أحد أقبح منها بذوي القدرة، ولكن أمهل حتى يقدم وفد الأنصار، ثم أذكرني به. فلما قدموا أذكره به. فلما دخلوا، قال: يا عبد الرحمن، ألم يبلغني أنك شببت برملة بنت أمير المؤمنين؟ قال: بلى، ولو عملت أن أحداً أشرف لشعري منها لذكرته. فقال: فأين أنت عن اختها هند؟ قال: وإن لها لأختاً يقال لها هند؟ قال: نعم. وإنما أراد معاوية أن يشبب بهما جميعاً، فيكذب نفسه. قال: فلم يرضى يزيد ما كان من معاوية في ذلك، فأرسل إلى كعب بن الجعيل، فقال: اهج الأنصار. فقال: أفرق من أمير المؤمنين، ولكن أدلك على هذا الشاعر الكافر الماهر الأخطل. قال: فدعاه، فقال له: أهج الأنصار. فقال: أفرق من امير المؤمنين. قال: لا تخف شيئاً، أنا بذلك لك. فهجاهم، فقال:
وإذا نسبت ابن الفريعة خلتـه
كالجحش بين حمارة وحمار
لعن الإله من اليهود عصـابة
بالجزع بين صليصل وصدار
قوم إذا هدر العصير رأيتهـم
حمرا عيونهم من المسطـار
خلو المكارم لستم من أهلهـا
وخذوا مساحيكم بني النجـار
إن الفوارس يعرفون ظهوركم
أولاد كل مـقـبـح أكـار
ذهبت قريش بالمكارم والعلا
واللؤم تحت عمائم الأنصـار
فبلغ ذلك النعمان بن بشير، فدخل على معاوية، فحسر عمامته عن رأسه، وقال: يا امير المؤمنين، أترى لؤماً؟ قال: بل أرى كرماً وخيراً. قما ذاك؟ قال: زعم الأخطل أن اللؤم تحت عمائم الأنصار. قال: أو فعل ذلك؟ قال: نعم. قال لك لسانه. وكتب فيه أن يؤتي به. فلما أتى به، سأل الرسول أن يدخله إلى يزيد أولاً، فأدخله عليه. فقال له: هذا الذي كنت أخاف. قال: لا تخف شيئاً. ودخل إلى معاوية، فقال: علام أرسل إلى هذا الرجل الذي يمدحنا، ويرمي من وراء جمرتنا ؟ قال: هجا الأنصار. قال: ومن زعم ذلك؟ قال: النعمان بن بشير. قال: لا تقبل قوله عليه، وهو المدعى لنفسه، ولكن تدعوه بالبينة، فإن أثبت شيئاً أخذت به له. فدعاه بالبينة، فلم يأت بها، فخلى سبيله، فقال الأخطل:
وإني غداة استعبرت أم مالـك
لراض من السلطان أن يتهددا
ولولا يزيد ابن الملوك وسعيه
تجللت حد بارا من الشر أنكدا
فكم أنقذتني من خطوب حـبـالـه
وخرساء لو يرمى بها الفيل بلـدا
ودافع عني يوم جـلـق غـمـرة
وهما ينسيني الشراب الـمـبـردا
وبات نجيا فـي دمـشـق لـحـيةٍ
إذاا هم لم ينم السلـيم وأقـصـدا
يخافته طـوراً، وطـوراً إذا رأى
من الوجه إقبـالاً ألـح وأجـهـدا
أبا خالد دافعت عـنـي عـظـيمة
وأدركت لحمي قبـل أن يتـبـددا
وأطفأت عني نار نعمان بـعـدمـا
أغـذ لأمـر فـاجـر وتـجـردا
ولما رأى النعمان دوني ابن حـرة
طوى الكشح إذ لم يستطعني وعردا
لما أمر يزيد بن معاوية كعب بن الجعيل بهجاء الأنصار، قال له: أرادي أنت إلى الكفر بعد الإسلام؟ أأهجو قوماً آووا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونصروه؟! قال: أما إذ كنت غير فاعل فأرشدني إلى من يفعل ذلك. قال: غلام منا خبيث الدين نصراني، فدله على الأخطل.
أخبرنا محمد بن الحسن بن دريد، قال: حدثنا أبو حاتم عن أبي عبيدة عن أبي الخطاب، قال: لما كثر الهجاء بين عبد الرحمن بن حسان بن ثابت وعبد الرحمن بن الحكم بن أبي العاصي، وتفاحشا، كتب معاوية إلى سعيد بن العاصي وهو عامله على المدينة، أن يجلد كل واحد منهما مئة سوط، وكان ابن حسان صديقاً لسعيد، وما مدح أحداً غيره قط، فكره أن يضربه أو يضرب ابن عمه، فأمسك عنهما. ثم ولي مروان. فلما قدم أخذ ابن حسان فضربه مئة سوط، ولم يضرب أخاه. فكتب ابن حسان إلى النعمان بن بشير وهو بالشام، وكان كبيراً أثيراً مكيناً عند معاوية:
ليت شعري أغائب ليس بالشـا
م خليلي أم راقـد نـعـمـان
أية ما يكن فقد يرجـع الـغـا
ئب يوماً ويوقظ الـوسـنـان
إن عمراً وعـامـراً أبـوينـا
وحراماً قدما على العهد كانوا
أفهم ما نعـوك أم قـلة الـك
تاب أم أنت عاتب غضـبـان
أم جفاء أم أعوزتك القراطـي
س أم امري به عليك هـوان
يوم أنبئت أن ساقـي رضـت
وأتتكم بـذلـك الـركـبـان
ثم قالوا إن ابن عمك في بـل
وى أمور أتى بها الحـدثـان
فنسيت الأرحام والود والصـح
بة فيما أتـت بـه الأزمـان
إنما الرمح فاعلـمـن قـنـاة
أو كبعض العيدان لو لا السنان
وهي قصيدة طويلة. فدخل النعمان بن بشير على معاوية، فقال: يا أمير المؤمنين، إنك أمرت سعيداً بأن يضرب ابن حسان وابن الحكم مئة مئة، فلم يفعل، ثم وليت أخاه، فضرب ابن حسان ولم يضرب أخاه: قال. فتريد ماذا ؟ قال: أن تكتب إليه بمثل ما كتبت به إلى سعيد. فكتب معاوية إليه يعزم عليه أن يضرب أخاه مئة. فضربه خمسين، وبعث إلى ابن حسان بحلة، وسأله أن يعفو عن خمسين. ففعل، وقال لأهل المدينة: إنما ضربني حد الحر مئة، وضربه حد العبد خمسين. فشاعت هذه الكلمة حتى بلغت ابن الحكم. فجاء إلى أخيه فأخبره، وقال: لا حاجة لي فيما عفا عنه ابن حسان. فبعث إليه مروان: لا حاجة لنا فيما تركت، فهلم فاقتص من صاحبك. فحضر فضربه مروان خمسين أخرى.
أخبرني الحسن بن علي، قال: أخبرنا أحمد بن الخحارث، قال: حدثنا المدائني، عن يعقوب بن دواد الثقفي ومعاوية بن محارب : أن معاوية تزوج امرأة من كلب، فقال لا مرأته ميسون أم يزيد بن معاوية: ادخلي فانظري إلى ابنة عمك هذه . فأتتها فنظرت إليها، ثم رجعت فقالت: ما رأيت مثلها، ولقد رأيت خالاً تحت سرتها ليوضعن تحت مكانهفي حجرها رأس زوجها. فنطير من ذلك، فطلقها، فتزوجها حبيب بن مسلمة، ثم طلقها، فتزوجها النعمان بن بشير، فلما قتل وضعوا رأسه في حجرها.
قالوا: وكان النعمان بن بشير لما قتل الضحاك بن قيس بمرج راهط، في خلافة مروان بن الحكم، أراد أن يهرب من حمص، وكان عاملاً عليها، فخالف ودعا لابن الزبير، فطلبه أهل حمص، فقتلوه واحتزوا رأسه. فقالت امرأته هذه الكلبية: ألقوا رأسه في حجري، فأنا أحق به. فألقوه في حجرها، فضمته إلى جسده، وكفنته ودفنته.
أخبرني هاشم بن محمد أبو دلف الخزاعي، قال: حدثنا أبو غسان دماذ، قال: حدثنا أبو عبيدة، فقال: نظر معاوية إلى رجل في مجلسه، فراقه حسناً وشارة وجسماً، فاستنطقه فوجده سديداً. فقال له: ممن أنت؟ قال: ممن أنعم الله عليه بالإسلام، فاجعلني حيث شئت يا أمير المؤمنين. قال: عليك بهذه الأزد الطويلة العريضة، الكثر عددها، التي لا تمنع من دخل فيهم، ولا تبالي من خروج منهم. فغضب النعمان بن بشير، ووثب من بين يديه، وقال: أما والله أنك ما علمت لسيء المجالسة لجليسك، عاق بزورك ، قليل الرعاية لأهل الحرمة بك فأقسم عليه إلا جلس فجلس. فضحكه معاوية طويلاً، ثم قال له: إن قوماً أولهم غسان وآخرهم النصار، لكرام.
وسأله عن حوائجه، فقضاها حتى رضى.
نسخت من كتاب أبي سعيد السكري بخطه: أخبرنا ابن حبيب، قال: قال خالد بن كلثوم.
خرج النعمان بن بشير في ركب من قومه وهو يومئذ حديث السن، حتى نزلوا بأرض من الأردن يقال لها حفي ، وحاضرتها بنو القين. فأهدت لهم امرأة من بني القين يقال لها ليلى، هدية . فبينا القوم يتحدثون ويذكرون الشعراء، إذ قال بعضهم: يا نعمان هل قلت شعراً؟ قال: لا والله ما قلت، فقال شيخ من الحارث بن الخزرج يقال له ثابت بن سماك: لم تقل شعراً قط؟ قال: لا. قال: فأقسم عليك لتربطن إلى هذه الرحة، فلا تفارقها حتى يرتحل القوم، أو تقول شعراً. فقال عند ذلك، وهو أول شعر قاله:
يا خليلي ودعا دار لـيلـى
ليس مثلي يحل دار الهوان
إن قينية تحـل مـحـبـا
وحفيراً فجنبتي ترفـلان
لا تؤاتيك في المغيب إذا ما
حال من دونها فروع قنان
إن ليلى ولو كلفت بليلـى
عاقها عنك عائق غيروان
قال: وضرب الدهر على ذلك، وأتى عليه زمن طويل. ثم أن ليلى القينية قدمت عليه بعد ذلك، وهو أمير على حمص، فلما رأها عرفها فأنشأ يقول:
فإن أناسا زرتهم ثم حرمـوا
عليك دخول البيت غير كرام
واحسن صلتها، ورفدها طول مقامها، إلى أن رحلت عنه.
أخبرني عمي، قال: حدثنا عبد الله بن أبي سعد، قال: حدثني محمد بن الحسن بن مسعود، عن أبيه، عن مشيخة من النصار، قال: حضرت وفود النصار باب معاوية بن أبي سفيان، فخرج إليهم حاجبه سعد أبو درة – وقد حجب بعده عبد الملك بن مروان- فقالوا له: استاذن للأنصار. فدخل إليه وعنده عمرو بن العاص، فاستأذن لهم. فقال لهم عمرو: ما هذا اللقب يا أمير المؤمنين؟ اردد القوم إلى أنسابهم. فقال معاوية: إني أخاف من ذلك الشنعة. فقال: هي كلمة تقولها، إن مضت عضتهم ونقصتهم، وإلا فهذا الاسم راجع إليهم. فقال له: اخرج فقل: من كان ههنا من ولد عمرو بن عامر فليدخل. فقالها الحاجب، فدخل ولد عمرو بن عامر كلهم إلا الأنصار. فنظر معاوية إلى عمرو نظراً منكراً، فقال له: باعدت جداً. فقال: اخرج فقل: من كان ههنا من الأوس والخزرج فليدخل. فخرج فقالها، فلم يدخل أحد. فقال له معاوية: أخرج فقل: من كان ههنا من الأنصار فليدخل. فخرج فقالها، فدخلوا يقدمهم النعمان بن بشير وهو يقول:
يا سعد لا تعد الدعاء فما لنـا
نسب نجيب به سوى الأنصار
نسب تخيره الإله لقـومـنـا
أثقل به نسباً على الكـفـار
إن الذين ثووا ببدر مـنـكـم
يوم القليب هم وقود الـنـار
فقال معاوية لعمرو: قد كنا أغنياء عن هذا .
والنعمان بن بشير: هو من المعروفين في الشعر سلفاً وخلفاً، جده شالعر، وأبوه شاعر، وعمه شاعر، وهو شاعر، وألاده وأولاد أولاده شعراء.
فأما جده سعد بن الحصين فهو القاتل.
إن كنت سائلة والحق مـعـتـبة
فالأزد نسبتنا والمـاء غـسـان
شم الأنوف لهم عز ومـكـرمة
كانت لهم من جبال الطود أركان
وعمه الحسين بن سعد أخو بشير بن سعد، القائل:
إذا لم أزلا إلا لآكـل أكـلة
فلا رفعت كفي إلي طعامي
فما أكلة إن نلتها بـغـنـيمة
ولا جوعة إن جعتها بغـرام
وأبوه بشير بن سعد الذي يقول :
لعمرة بالبطحاء بـين مـعـرفٍ
وبين المطاف مسكن ومحاضر
لعمري لحي بين دار مـزاحـم
وبين الجثا لا يجشم السير حاضر
وحي حلال لا يروع سربـهـم
لهم من وراء القاصيات زوافر
أحق بها مـن فـتـية وركـائب
يقطع عنها الليل عوج ضوامـر
تقول وتذري الدمع عن حر وجهها
لعلك نفسي قبل نفسـك بـاكـر
أباح لها بطريق فارس غـائطـا
لها من ذرا الجولان بقل وزاهر
فقربتها للرحل وهـي كـأنـهـا
ظليم نعامٍ بالـسـمـاوة نـافـر
فأوردتها ماء فما شـربـت بـه
سوى أنه قد بل منها المشـافـر
فباتت سراها ليلة ثـم عـرسـت
بيثرب والأعراب بادٍ وحـاضـر
قال خالد بن كلثوم: ودخل النعمان بن بشير على معاوية لما هجا الخطل الأنصار، فلما مثل بين يديه أنشأ يقول:
معاوي إلا تعطنا الحق تعتـرف
لحى الزد مشدوداً عليها العمـائم
أيشتمنا عـبـد الأراقـم ضـلة
وماذا الذي تجدى عليك الأراقـم
فمالي ثأر غير قطع لـسـانـه
فدونك من يرضيه عنك الدراهم
وأرع رويداً لا تسـمـتـا دنـية
لعلك في غب الحـوادث نـادم
متى تلق منا عصبة خـزرجـية
أو الأوس يوماً تخترمك المخارم
وتلقك خيل كالقطا مسـبـطـرة
سماطيط أرسال عليها الشكـائم
يسومها العمران عمرو بن عامر
وعمران حتى تستباح المحـارم
ويبدو من الخود الغريرة حجلهـا
وتبيض من هول السيوف المقادم
فتطلب شعب الصدع بعد انفتاقـه
فتعيا به فالآن والأمـر سـالـم
وإلا فـبـزي لامة تـبـعــيه
مواريث آباني وأبـيض صـارم
وأجرد خوار العـنـان كـأنـه
بدومة موشي الذراعـين صـائم
وأسمر خطي كـن كـعـوبـه
نوى القسب فيها الهذمي ضبارم
فإن كنت لم تشهد ببـدر وقـيعة
أذلت قريشاً والأنـوف رواغـم
فسائل بناحي لؤي بـن غـالـب
وأنت بما تخفي من الأمر عالـم
ألم تبتدركم يوم بـدر سـيوفـنـا
وليلك عما ناب قـومـك نـائم
ضربناكم حتى تفرق جمعـكـم
وطارت أكف منكم وجمـاجـم
وعاذت على البيت الحرام عوانس
وأنت على خوفٍ عليك تـمـائم
وعضت قريش بالأنامل بغـضة
ومن قبل ما عضت علينا الأباهم
فكنا لها في كـل أمـر تـكـيده
مكان الشجا والأمر فيه تفـاقـم
فما إن رمى رام فأوهى صفاتنـا
ولا ضامنا يوماً من الدهر ضائم
وإني لأغضي عن أمور كثـيرة
سترقى بها يوماً إليك السـلالـم
أصانع فيها عبد شمس وانـنـي
لتلك التي في النفس مني أكاتـم
فلا تشتمنا يا بن حرب فـإنـمـا
ترقي إلى تلك الأمور الأشـائم
فما أنت والأمر الذي لست أهلـه
ولكن ولي الحق والأمر هاشـم
إليهم يصير الأمر بعد شـتـاتـه
فمن لك بالأمر الذي هـو لازم
بهم شرع الله الهدى واهتدى بهـم
ومنهم له هـادٍ إمـام وخـاتـم
قال: فلما بلغت هذه الأبيات معاوية، أمر بدفع الأخطل إليه، ليقطع لسانه. فاستجار ببزيد بن معاوية، فمنع منه وأرضوا النعمان، حتى رضى وكف عنه.
وقال عمرو بن أبي عمرو الشيباني عن أبيه: لما ضرب مروان بن الحكم عبد الرحمن بن حسان الحد، ولم يضرب أخاه، حين تهاجيا وتقاذفا، كب عبد الرحمن إلى النعمان بن بشير يشتكي ذلك إليه، فدخل إلى معاوية وأنشأ يقول:
يا بن أبي سفيان ما مثلـنـا
جار عليه ملـك أو امـير
اذكر بنا مقدم أفـراسـنـا
بالحنو إذ أنت إلينا فـقـير
واذكر غداة الساعدي الـذي
آثركم بالأمر فيها بـشـير
واحذر عليهم مثل بدر فقـد
مر بكم يوم ببدر عـسـير
إن ابن حـسـان لـه ثـائر
فأعطه الحق تصح الصدور
ومثل أيام لـنـا شـتـتـت
ملكاً لكم أمرك فيها صغير
أما ترى الأزد وأشياعـهـا
نحوك خزراً كاظمات تزير
يطوف حولي منهم مـعـشـر
إن صلت صالوا وهم لي نصير
يأبى لنا الضيم فـلا يعـتـلـي
عز مـنـيع وعـديد كـثـير
وعنصر في حـر جـر ثـومة
عادية تنتقل عنها الصـخـور
أخبرني محمد بن خلف وكيع، قال: حدثني أحمد بن الهيثم الفراسي، قال: حدثني العمري، عن الهيثم بن عدي قال: حضرت الأنصار باب معاوية ومعهم النعمان بن بشير، فخرج إليهم سعد أبو درة، وكان حاجب معاوية، ثم حجب عبد الملك بن مروان، فقال: استأذن لنا. فدخل، فقال لمعاوية: الأنصار بالباب. فقال له عمرو بن العاص: ما هذا اللقب الذي قد جعلوه نسباً؟ أردهم إلى نسبهم. فقال معاوية: إن علينا في ذلك شناعة. قال: وما في ذلك؟ إنما هي كلمة مكان كلمة، ولا مرد لها. فقال له معاوية: اخرج فناد من بالباب من ولد عمرو بن عامر فيدخل. فخرج فنادى بذلك، فدخل من كان هناك منهم سوى الأنصار. فقال له: أخرج فناد من كان هههنا من الأوس والخزرج فليدخل. فخرج فنادى ذلك، فوثب النعمان بن بشير، فأنشأ يقول:
يا سعد لا تعد الدعاء فما لنـا
نسب نجيب به سوى الأنصار
نسب تخيره الإله لقـومـنـا
أثقل به نسباً على الكـفـار
إن الذين ثووا ببدر مـنـكـم
يوم القليب هم وقود الـنـار
وقام مغضباً وانصرف. فبعث معاوية فرده، فترضاه وقضى حوائجه وحوائج من حضر معه من الأنصار.
ومن مخار شعر النعمان قوله، رواها خالد بن كلثوم، واخترت منها:
إذا ذكـرت أم الـــحـــويرث أخـــضـــلـــت
دمـوعـي عـلـى الـسـربـال أربـعة سـكــبـــا
مراجع و مصادؤ :
معهد الامارات التعليمي
www.uae.ii5ii.com
قوقل
www.google.com
مكتوب
http://hamid2017sa.maktoobblog.com/6…E4%D5%C7%D1%ED