المقدمة:
لكي يكون المجتمع الإسلامي مجتمعاً سليماً قوياً متيناً معافى منالأمراض الاجتماعية حمل الإسلام المسؤولية جميع الأطراف فيه، عدا الصبي والمجنونوبإلقاء المسؤولية على الجميع، يحصل التوازن في المجتمع ويعلم كل فرد أنه مؤاخذومحاسب على ما يفعله وما تكسبه يداه وما يكنه ضميره.
يمارس كل فرد منّا منذكر و أنثى في مجتمعه مجموعة من المسؤوليات التي يفرضها عليه مكان وجوده وقدراته . ومقدار معرفة الفرد لمسؤولياته وفهمه لها . ثم حِرصه على تحقيق المصلحة و الفائدةالمرجوة منها ، يجعل المجتمع متعاوناً فعالاً تسوده مشاعر الانسجام و المودة بينأفراده . ويُعد الحديث الآتي أصلاً من أصول الشرعية التي تقرر مبدأ المسؤوليةالشاملة في الإسلام.
قال تعالى (وقفوهم إنهم مسئولون* مالكم لا تنصرون * بل هماليوم مستسلمون( )الصافات:24-26 (
المسئولية في إسلامنا تكليف لا تشريف، ولايتنافس عليها إلا الغافلون أو المغفلون الذين لا يدركون حال المسؤول في الآخرة منحبس في الموقف، وسؤال عسير، فلا يجد من ينصره من بطانة السوء حيث لا يملك إلاالانقياد والذلة والخضوع لرب الأرض والسماء سبحانه .
أن المسؤول مسؤول أمام منهو فوقه إلا رب العزة سبحانه فليس فوق الله أحد قال تعالى: (لا يسأل عما يفعل وهميسألون) (الأنبياء:23)
عن عبد الله بن عمر بن الخطاب قال : سمعت الرسول محمد (صلى الله عليه وسلم ): يقول كلكم راعٍ وكلكم مسؤولٌ عن رعيته؛الإمام راعٍ ومسؤولٌ عن رعيته ، و الرجل راعٍ في أهله وهو مسؤولٌ عن رعيته ، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها ، و الخادم راعٍ في مال سيده ومسؤولٌعن رعيته ، وكلكم راعٍ ومسؤولٌ عن رعيته ).
قررت الشريعة الإسلامية مبدأالمسؤولية الشاملة في المجتمع الإسلامي وحملت كل فرد فيه مجموعة من المسؤوليات التيتتفق وموقعه وقدراته ، وذلك في الدنيا و الآخرة .
وقد ذكر الرسول محمد (صلى اللهعليه وسلم ) في هذا الحديث ، مجموعة من المسؤوليات الخاصة لبعض من افراد المجتمعشملت الحاكم و الرجل و المرأة و العامل ، و أشار إليها بلفظ "راعٍ".
1. المسؤولية الأولى فهي مسؤولية الإمام وهو كل شخص بيده سلطة فعلية أو تنفيذيةكالحاكم والوزير والقاضي ورئيس الدائرة :
فالحاكم مسؤوليته عظيمة وخطيرة للغايةلذا تكون له المنزلة الرفيعة العظيمة يوم القيامة إذا كان عادلاً يحكم بكتاب اللهوسنة رسوله.
وتكون له المنزلة الوضعية الأليمة إذا كان مستبداً جباراً في الأرضنابذاً لكتاب الله ولتعاليم نبيه.
فإذا كان عادلاً بين الأمة يسير على هدىالله ورسوله ولا يحابي أحداً ويجعل الناس سواسية في حكمه لا يعرف قريباً أو بعيداًأو ذا جاه أو ذا مال وثروة فإن الله تعالى يكرمه جزاء لذلك بأن يظله في ظله يوم لاظل إلا ظله قال – صلى الله عليه وسلم: «سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: إمام عادل….».
فكان الإمام العادل أول من ميزه الله تعالى بهذهالميزة العظيمة وقائل هذا الكلام هو سيد العادلين وإمام الحاكمين طبق هذا الكلامبالفعل فلم يكن في يوم من الأيام مسيئاً لأحد ولم يكن في يوم من الأيام مفرقاً فيالحكم بين قريب أو بعيد أو غني أو فقير الكل في نظره سواء وقد تحمل المشقة والأعباءالكثيرة والسهر في سبيل راحة الأمة.
إذن فمسؤولية الحاكم ليست بالأمر السهلالهين لأن خطأه خطأ للأمة وصوابه صواب الأمة.
فعائل الأسرة هو مسؤول أمام الله عن زوجته وعن أولاده وعن خدمه وعنكل من تحت يده وكل ما يدور في البيت.
فإذا ما قصروا في واجبات الله أوتعدوا نواهيه فعليه أن يعالج الأمر بالحكمة والموعظة الحسنة مراراً فإذا لم يجد ذلكفيتحتم عليه معالجتهم بالقوة ولا يتركهم على ما هم عليه يفعلون ما يشاءون ويجالسونمن يشاءون ويذهبون أين يشاءون.
وهو مسؤول كذلك عن القيام بواجبه نحومتطلبات زوجته وأولاده من غذاء وكسوة وتعليم وتأديب.
ويجب عليه أن يكونقدوة حسنة لجميع أفراد الأسرة فهم ينظرون إليه كمعلم وكمرب كبير يقتدون به ويحذونحذوه فإذا كان مثلاً حسناً فسوف ينطبق عليهم وإذا كان مثلاً سيئاً فهم منه أسوأ.
فالمرأة هي مسؤولة كذلك أمام الله عن كل ما يدور في داخل البيت عن الأطفالوعن تربيتهم وعن غذائهم وعن راحتهم كما أنها مسؤولة عن كل ما تفعله من وراء زوجهامن خيانة ومن مصاحبة غير مرضية وأفعال منافية للأخلاق الإسلامية وكذلك مسؤولة عنمال زوجها فلا يجوز لها البذخ والإسراف في ماله ولا إعطاء الغير بغير إذنه سواء كانقريباً أم بعيداً ومسؤولة عن الخدم ومسؤولة عما يؤذيه ويسبب عدم راحته وعدم تنفيذوصاياه وعدم توفير رغباته ومتطلباته في حدود الشرع فهي أمينه على عرضه وعرضها وعنماله وأولاده فعليها أن تراقب الله في كل ذلك.
فالخادم ايضاً فهو مسؤول عن كل ما تحت يده من مال سيده وأهلبيته وأولاده فهو أمين على ذلك فيجب عليه أن ينصح له في عمله وأن يخلص له وإلا فهومؤاخذ على كلذلك.
ويشبهه الموظف في الدائرة الحكومية والأهلية والعمالفإنهم مسؤولون عن كل صغيرة وكل كبيرة عما تحت أيديهم وتحت سيطرتهم..
نصلالى ان كل إنسان مسؤول عن كسبه ، إلا إذا كنت سبباً في الأعمال السيئة للآخرين ،فعليك وزر الذي عليهم ، وإن كان لك سبب في الأعمال الصالحة للآخرين ، فلك أجر علىهذه الأعمال مثل الذي لهم .
الآن نحن في الدنيا ، إذا تورط الإنسان ، وخالفالقوانين ، وحُجزت حريته ، فقد أصبح رهينَ عمله السيئ ، أو رهين مخالفته ، هذا فيالدنيا !! فكيف في الآخرة ؟ لهذا ! قال النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) للأقربينمن عشيرته : ((اعملوا لأنفسكم فإني لا أغني عنكم من الله شيئاً)) ، فالإنسان مسؤولعن كسبه فقط ، فقال الله " لاتزر وازرة وزر أخرى " فيقول النبي عليه الصلاة والسلام : " كل الذنب شؤم على غير صاحبه " ، كيف شؤم ؟: وقال : إن ذَكَرَهُ فقد اغتابه ،وإن رضّي به فقد شاركه في الإثم ، وإن عيّره ابتلي به ، فليحذر أحدنا إن رأى أخاًله قد وقع في ذنب أن يُشهِّر به ، فيقع في الغيبة ، وليحذر أن يرضى عن هذا العمل ،فيقع في إثم المشاركة ، وليحذر أن يعيّره عندئذٍ يعاقب بأن يبتلى بالذنب ، وبالعيبنفسه .
وايضا الإنسان مسؤول عن آثار كسبه الإرادي ، ومحاسب عليه ، فله ثوابالصدقة الجارية ، ولو بعد موته ، لأن استمرار الاستفادة منها في أبواب الخير منآثار كسبه ، وله ثواب العلم النافع الذي يقوم ببثه ، ونشره ، أو التأليف فيه ، فماينجم عنه من نفع ولو بعد موته ، إلا كان له منه أجرٌ ، لأن استمرار الانتفاع به كانلكسبه تأثير فيه ، كذلك كل من ساهم بنشر هذا العلم النافع ، فله عند الله أجر ،وفضل الله واسع ، لا يُنقص من أجر الآخر شيئاً ، مهما كثر المساهمون .
أنتكإنسان تعطي على صنع باب ألف درهم ، أو ألفين ، أمّا أن تدفع مائة مليون درهم علىصنع باب واحد !! فهذا مستحيل ، بينما ربنّا عزّ وجل يثيب على العمل الصالح مَن دلّعليه ، ومَن ساهم فيه ، ومن أعان ، وكل من له علاقة به ، وكل من له علاقة بهذاالعمل ينال مثل أجر الأول ، هذا من باب كرم الله عزّ وجل .
وكذلك ينفعالإنسانَ بفضل الله دعوةُ ولده الصالح ، هذا الابن حينما يقول : رب اغفر لي ولوالدي، فمِن تربية أمِّه ، وأبيه له حينما كان صغيراً ، والعناية الطبية ، والصحية ،والاجتماعية ، والتربوية ، وتحمل نفقاته ، وهذا الحرص ، وهذا القلق ، إلى أن صارسوياً ،هذا إذا قال في صلاته : رب اغفر لي ولوالدي ، رب ارحمهما كماربياني صغيراً ، يصل الأبَ من الأجر بسبب هذا الدعاء بقدرِ ما لهذا الابن مِن فضلٍ .
لذلك فإنّ تربية الأولاد عمل عظيم كبير ، فلا يزهد فيها أحد ، وينفعه بعدموته دعوةُ ولده الصالح له ، لأن صلاح الولد في الغالب ثمرةٌ من ثمرات تربية أبيهله ، وذلك من آثار كسبه ، إلا في حالة واحدة ، وهي إذا كان الأب يريد لابنه طريقالشر ، طريق البعد عن الدين ، يمنعه من الدين ، يغريه بالدنيا بالانغماس في ملذاتها، والابن منصرف إلى الدين ، هذا العمل الطيب للابن ليس في صحيفة الأب ، لأن الأب ماأراد ذلك بل أراد عكس ذلك .
ولـه أجر كل من اهتدى بهديه من أتباعه ، أوأتباع أتباعه ، أو أتباع أتباع أتباعه ، إلى يوم القيامة ، هذا شيء عظيم .
فالله تبارك وتعالى يكتب ما قدّم الناس من أعمال الخير ، وأعمال الشرليحاسبهم عليها ، ويكتب أيضاً آثار أعمالهم ، ولو ظهرت الآثار بعد انتهاء آجالهم فيحياتهم الدنيا .
فإذا اخترع شخص اختراعاً ، تحمل وزرَ وإثمَ كل مفسدة تحققتمن جرائه على وجه الأرض إلى يوم القيامة .
وهذا دليل خامس : سيدنا رسولالله صلى الله عليه وسلم أرسل إلى هرقل ملك الروم كتاباً قال : أما بعد أسلم تسلميؤتك الله أجرك مرتين " ، لماذا مرتين ؟ هذا جزاء القدوة ، مرة لأنه أسلم، ومرة لأنأتباعه بقدوته أسلموا ، حينما أسلم أسلم معه أتباعه ، فالذين لهم مكانة اجتماعية ؛كالأب ، والمعلم ، ومدير المدرسة ، كل إنسان له مكانة
اجتماعية ، له مركزقيادي ، صاحب محل ، وعنده ثمانية موظفين ، إذا صلى الظهر أمامهم شجعهم على الصلاة ،وإذا غضّ بصره عن امرأة دخلت المحل شجعهم على طاعة الله ، فكل إنسان
لهمكانة بين عشرة من الناس ، إذا استقام على أمر الله فإن له الأجر مرتين ؛ مرة لأنهاستقام ، ومرة لأنه شجَّعَ الآخرين على الاستقامة ، قال له : " أسلم تسلم يؤتك اللهأجرك مرتين . فإن توليت فإن عليك إثم الأريسين ، أيْ : أتباعك إثمهم جميعاً فيرقبتك إن لم تسلم .
إذاً فالإنسان مسؤول عن آثار كسبهالمادي وكل إنسان مسؤول عن كسبه ، ولا يتحمل وزر الآخرين ، وإنّ الخواطر التي تخطرعلى فكر الإنسان دون أن تتحول بإرادته إلى عزم وتصميم ، لا تدخل في باب المسؤوليةوالمحاسبة ، فإن تحولت بالإرادة إلى عزم وتصميم دخلت في باب المسؤولية والمحاسبة ،ويُسمى هذا الخاطر عندئذٍ همًّا ، فالهمُّ يعني التصميم ، وهو العمل القلبي الذييسبق العمل المادي ، فالإنسان خواطره لا يُحاسَب عليها، لكن أذكر لكم هذه الملاحظة : لو أن الإنسان أرخى لخواطره العنان لخشينا أن تتحول هذه الخواطر إلى أعمال .
لو أن واحداً تخيل المعصية، وسبح فيها ، إذا لم يقف عند حدٍّ ربما انقلبتهذه الخواطر إلى أعمال ، فلذلك إن المؤمن لا يسمح لنفسه أن يسبح في خواطر لا ترضيالله عزّ وجل ، مبدئياً الإنسان لا يُحاسَب إلا على أعماله المادية ، لكن نخشى أنيسترسل الإنسان في هذه الخواطر ، فتنقلب إلى أعمال مادية ، فالأفضل والأولى كلماخطر في بالإنسان شيء لا يرضي الله عزّ وجل ، أن يبتعد عنه ، أو أن يقطع هذه الخواطر.
الخاتمة:
اذا و من هنا فإن تحقق الايمان الصادق والعبودية الحقيقية لله بما يقتضيه هذا الايمانهذا الايمان وهذه العبودية من القيام بمسؤولية التكليف الدينية والدنيوية ومرتبطبترسيخ حقيقة معية الله للإنسان , تلك المعية التي تبسغ على وجود القيمة , او علىحياته المعنى , او على علمه الفائدة , او على عمله الاتقان , وتقتضي ان يتعاونالبيت , والتعليم , والإعلام , والمسجد جميعاً على زرعها في اعماق الفرد , وتنمنيتها , ورعايتها , حتى تثمر مسلماً سويَّاً , فعّالاً , متفاعلاً , خالياً منالعقد والمتناقضات , بعيداً عن السلبية والتسطيح .
كتاب الدين الصف 9
الوكيبيديا
مدونة معهد الامارات