التصنيفات
الارشيف الدراسي

نظرة على نظام الحكم والقانون القبلي قبل قيام الاتحاد في الإمارات -تعليم الامارات

بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله , والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبة أجمعين, نظراً لما تشهده الساحة العربية من تأزمات على المستوى العربي سببه تراكم إخفاقات الحكومات العربية , والتي كان يعول عليها الشعب العربي بعد التحرر من الاستعمار والتي بدورها خيبت آمال الشعب العربي أجمع في عدم إيفائها بما وعدت به , ونظراً لما ساد العالم العربي بعد الاستعمار من استبداد وكبت للحريات بالإضافة إلى عمل الحكومات العربية ما يحلو لها بعيداً عن المحاسبة سواء من الناحية الشعبية أو حتى القضائية , وذلك لأن أغلب الحكومات العربية نجحت في خلق حاجز بينها وبين الشارع من خلال (الفئة الحاجبة) التي جعلتها تدير الأمور بينها وبين الشعب وساند في ذلك الشأن القوة العسكرية والأمن والتي بدورها كانت رادع أساسي في وجهه الشعب العربي والحاجز المر بينها وبين حكامها ، فإذا كان هذا هو حال الحاكم العربي بعد خروج المستعمر في التعامل مع شعبه فكيف كان تعامله معهم قبل ذلك ؟؟!
وإذا سلمنا بالأساليب التي استخدمها الشعب في رفع ذلك الظلم عنه لاسيما الانقلابات العسكرية والثورات..الخ فكيف كان حالها في الماضي ؟ وأقصد هنا الماضي الذي كانت خلاله الكثير من الدول العربية تخضع تحت نظام الحكم القبلي أو نظام المشيخة وبالأخص دول شبه الجزيرة العربية والتي كانت عبارة عن تجمعات من قبائل وتحزبات شعبية ..
هذا هو المحور الذي حاولت أن من خلال هذا البحث أن أكتب عنه وأفصله حتى ولو كان التفصيل بالقدر اليسير مما تيسر في هذا الموضوع والذي اعتقد أنه قد يفيد طلاب السياسة والتاريخ بالإضافة إلى العاملين في مجال معرفة الخلفية التاريخية في علاقة الحاكم بالمحكوم في منطقتنا الخليجية وبالأخص هذه المنطقة والتي كان يطلق عليها اسم (ساحل عمان) وأحب أن أوضح بأني سوف أتناول تحديداً منطقة ( الظاهرة) والتي تعني في القاموس العماني مناطق أكثر نفوذها لسكان البدو والتي عرف عنهم إبائهم وعدم رضوخهم لحكامهم إذا تعارضوا معهم, وسوف أحاول أن آتي ببعض الأساليب التي كانوا يستخدمونها عن التعبير عن امتعاضهم لسياسات حكامهم أو حتى شيوخهم من خلال بعض الأحداث التاريخية والتي توضح ذلك بالقدر المتواضع بتواضع مستواي العلمي.
تمهيد:
البنية السياسية في المجتمع القبلي :
منذ فترة ليست بالقريبة عرفت هذه المنطقة التنظيم السياسي القبلي الذي ينظر إليه البعض باعتباره مرحلة لم ترق إلى مستوى تأسيس الدولة, وإن كان ذلك ليس صحيح, فهو تنظيم منسق في المجتمعات القبيلة وقادر على إدارة الشؤون الاجتماعية والسياسية والاقتصادية فيها.
أما بالنسبة لكيفية تولي السلطة في النظام القبلي فهو نظام تحكمه أعراف وتقاليد راسخة سواء فيما يتعلق بالشرعية أو طبيعة السلطة وكيفية تداولها أو حتى العلاقات بين الحاكم والمحكوم, أو التأثير السياسي على مجريات الأمور السياسية في المجتمع القبلي. ونجد في عملية ممارسة السلطة في المجتمع القبلي عدة ضوابط تلزم الحاكم لا يستطيع تعديها و النزوع للتسلط ، ومن هذه الضوابط:
1- أن الحاكم نفسه محكوم بأعراف وتقاليد وقيم المجتمع تجعله يمارس السلطة في إطار ذلك
2- أن قوته ونفوذه مستمدة من الولاء القبلي له, فإن عمل على استرضاء أي قبيلة قوى ذلك من ولائهم له ومنه ثم زادت سلطته الحاكم ونفوذه. والعكس صحيح, إذا حاول في قراراته الابتعاد عن مصلحة القبيلة خسر ولائهم له مما يضعفه ويقلص نفوذه.
3- أن أفراد الحاكم برأيه يحدث, أن تسعى القبيلة لممارسة أساليب الضغط والتي تمتلكها كضغط كبار القبيلة عليه , وذلك يثمر احد أساليب التأثير السياسي القبلي على ممارسة السلطة, وفي ظل ذلك التذمر غالباً ما يقوم الحاكم باسترضاء كبار القبيلة لتعود المياه إلى مجاريها وذلك يعرف "بالمعارضة السياسية السلبية"
4- أما "المعارضة السياسية الإيجابية" هي تنحية الحاكم من الحكم وتصل إلى أن يصفى الحاكم جسدياً ، وقد سمي هذا الأسلوب بالإيجابي لأنه يغير مجريات الأمور بشكل كبير في اتجاه الصالح العام.
5- قد ينفرد الحاكم برأيه رغم إدراكه الأكيد بما لدى أفراد قبيلته من أساليب ضغط ومدى خطورتها, إلا أن ينزع إلى ذلك ويرجع ذلك إلى:
– سمة العناد والتي هي من سمات تركيبة شخصيته البدوية العربية .
– الاستقلالية, كأن يجمع الشيخ بين القوة و الثراء و الأصل القبلي مما يجعله يكون أكثر استقلالية على أفراد قبيلته.

1- التحزب السياسي القبلي الغافري والهناوي:
تعود جذور هذا الخلاف إلى أزل بعيد بحيث ساعد على بروزه في الفترة الأخيرة النشاطات السعودية في المنطقة والتي كانت تمر عبر أراضي الإمارات مما جعل الناس تنقسم إلى حزبين رئيسيين ( هنائي مؤيد للسلطة في عمان , وحزب غافري معارض لها ويستمد تحركاته من دعم السعودية ) فكانت الحصيلة الأولى الانقسام السياسي أن تزعم القواسم الحلف الغافري في الإمارات والذي ضم معه ( الشارقة – وعجمان – وأم القيوين – ورأس الخيمة ) وأما الحزب الهنائي فتزعمه بنو ياس وقد ضم ( أبوظبي – دبي – الفجيرة ) , ولكن يجب النظر إلى هذا الانقسام بمنظور سياسي وبما أضفت علية التركيبة السكانية لمجتمع الإمارات من عصبية قبلية وراحت تلك العصبية تمارس فعلياً بشكل واضح على شكل معارك شديدة بين الطرفين ، وقد مثل هذا الانقسام بين القبائل المحدد المستقبلي لتصرفاتها تجاه حكامها.

1- تأثر بعض القبائل بالدعوة ( الوهابية)
لقد أثرت الدعوة الوهابية على كثير من القبائل في المنطقة, بحيث أثرت عليهم كحركة دينية سياسية وبثت فيهم من القيم التي تحملها هذه الدعوة السلفية, وما يهمنا في هذا البحث هو القيم السياسية التي تبنتها هذه القبائل والتي كان مصدرها من الدعوة الوهابية. وفي تصوري اعتقد منها :-
1- عدم اللجوء إلي ( التصفية الجسدية) لزعمائهم.
2-الطاعة في غير معصية الله .
3-تنامي الثقافة الدينية وخصوصاً علوم القرآن في القراءة والحفظ مما انعكس على تصرفاتهم تجاه حاكميهم
وفي تلك الفترة أتصور بأن الثقافة الدينية كانت لا تزالى قليله وفي طور النمو خصوصاً بين الناس الذين لا يغادرون مناطقهم ومن مظاهرها كما أسلفت التقصير في معرفة الأحكام الشرعية في بعض العبادات الدينية .

1- القضــاء البــدوي:
لقد عرف البدو من قديم الزمان القضاء وطبقوه على مستوى مجتمعاتهم الضيقة فيما يخص المعاملات والقصاص وعلى أساس أعراف قديمة ورثوها من آبائهم وأجدادهم وهي بمثابة الدستور الغير مكتوب لهؤلاء البدو , إلا أن هذه النظم المتعارف عليها لم يكن يطبق على كل الأفراد بالتساوي وهنا تلعب قوة ومكانة القبيلة في تحديد حجم ونوع الحكم الواقع عليها, وكانوا يسمون القاضي بالشرع, وكان ابرز هؤلاء القضاة ( بن اليبيهه ).
أ‌- الهيكل التنظيمي للقضاء:
يتكون القضاء القبلي من شخص مشهود له بالعدل ويكون إما حافظاً للقرآن أو شخص كبير في السن ملم بما تنص علية الأعراف البدوية القديمة – أشبه هنا القضاء الذي كان في البادية (بالقانون الدولي العام) بحيث إذا ما قارنَّا بينهما نجد أن القضاء البدوي لا توجد به سلطة تلزم الذي عليه الحق بالمثول أمام القاضي إلا إذا كان من قبيلة ضعيفة وتحتاج إلى رضا القبائل الأكبر منها وقس بذلك على العشائر التي هي في القبيلة, ونجد القانون الدولي العام تسري أحكامه على الدول الضعيفة جبراً وبضغوط المجتمع الدولي إما فيما يتعلق بالدول القوية أو الكبرى نجد هنالك استثناءات ومثال على ذلك ( أزمة أسلحة الدمار الشامل التي هي بحوزة كوريا وبدعم من الصين حيث وقفت الولايات المتحدة الأمريكية عاجزة حيال ذلك أما فيما يخص أسلحة العراق فقد تدخلت الولايات المتحدة الأمريكية بالقوة العسكرية ).

ب‌- إلزامية الأحكام القضائية:
لا توجد هناك أدوات تلزم الذي علية الحق بما يراه القضاء كرجال الشرطة اليوم النيابة إلى ما هنالك إلا بعض السلوكيات التقليدية مثل ( – أن تتبرأ القبيلة منه – أن يهدر دمه – أن يستثنى من الذهاب مع قبيلته في غزواتها – أن لا يزوج من القبيلة )الخ لكن هذه السلوكيات كانت تعتبر رادع قوي في وجه من كان لا يذعن للقضاء وما يراه القاضي في القضية المعروضة عليه, ولذلك نجد من لم يلتزم بذلك ينفى من القبيلة ويخرج بإرادته إلى قبيلة أخرى أو يقطع الطريق على القوافل إلى حين, و من ثم يذهب برفقة أحد شيوخ القبائل إلى قبيلته ليرضهم عليه ويلتزم بما عليه من مغرم.
ج- المرافعات القضائية عند البدو:
على عكس ما نراه اليوم في محاكمنا القضائية من قضاة ومحامين ونيابيين, فإن البدو كانوا في مرافعاتهم أمام القاضي يتحدثون عن قضيتهم بلغة تشبه الشعر وكثير من الأحيان يفلح الذي لديه خطابة قوية لاستمالة القاضي إلى دعواه .
وأحياناً يبذلون الشهود في دعاويهم وأحياناً يكون لشاهد حاجة عن صاحب الدعوة الظالم فيعطيه حاجته على شهادة الزور معه, وعندما تحدثت في هذه القضية مع كبار السن أكدوا بأنه كان البدو لا يعرفون الأحكام الشرعية في شهادة الزور وما لها من الإثم العظيم في ديننا الإسلامي.
2- الوضع الاقتصادي في حياة البداية:
إن دولة الإمارات العربية المتحدة كان سكانها قبل قيام الاتحاد كثير ما يعتمدون على الغوص ( بنسبة كبيرة ) وذلك لأنه كان يوفر فائض مالي بالنسبة لهم ويمكنهم الادخار منه ونجد أن بعض البدو كانوا يذهبون ليعملوا كغواويص في البحث عن اللؤلؤ إلا أن الثروة الحقيقة التي يقاس بها الثراء الاقتصادي في حياة البادية هي الثروة الحيوانية والأرض الزراعية التي يزرعها صيفاً, ومن خلال حديثي مع كبار السن في ذلك وجدت أن الحياة البدوية قد تتسم بالخشونة وعدم الإذعان إلا أنه كان هنالك تكافل اجتماعي بينهم البعض وتآزر مع ضعفائهم أي الفقراء منهم, وعندما دار الحديث حول التفاوت الاقتصادي بين الناس أتضح أن التفاوت محدود ويقاس بما ذكرت سابقاً, فقد نجد رجل يملك مثلاً 10جمال و30 رأس غنم وآخر لا يملك سوى نعجة واحدة فيقوم الأول منهم بإعطائه ناقة حليب وتسمى (المنيحة) لمدة سنه كاملة ومن ثم يرجعها ويعطيه غيرها للعام المقبل وهكذا إلى أن يفرجها الله على المعسر, وعندما سألت عن الأسواق التي كانوا يشترون منها ذكروا ( سوق البر يمي –سوق العين- سوق دبي – سوق عبري ) وكان البيع والشراء بصفة تبادلية بمعنى سلعة بسلع نادراً ما يحضر المال وهو ( الروبية الهندية)
+ ملاحظة: قد كان الذي سرقت علية ناقة في الماضي يبلغ شيخ البلاد التي فيها السوق فيقوم الشيخ بمنع بيع تلك الناقة المسروقة في سوق مدينته, وبهذا تعرف وجهت السارق في تلك الفترة إلى أحد هذه الأسواق.
إذا تحدثنا في البداية عن الأحوال التي كانت علية القبائل في السابق فإننا لابد أن نتعرض إلى التركيبة الأساسية التي كانت تبنى عليها ممارسات القبائل في داخلها وأيضا فيما بينها و موازين القوة التي كانت تبنى على أساسها قوة أو ضعف هذه القبيلة فموازين القوة عند البدو سابقاً فهي من يسود من وبماذا ؟

أولاً: التنظيم الداخلي للقبائل:
تتكون عادة أي قبيلة من عدة بطون أو أفخاذ أو عشائر أو طوائف وتمثل هذه مجتمعة القبيلة ويكون لكل عشيرة رئيس منتخب من أفراد عشيرته أو يقدم لعدة أسباب منها (السمعة – العلم – الدين –المال- الجسم) ويكون بمثابة البرلماني المعاصر, ويترتب هذا التنظيم حسب العادات والتقاليد التي كانت من السابق وأما أفراد القبيلة فهم يراعون هذا الترتيب ما دام لا يمس مصالحهم المباشرة.

وهذا الشكل يوضح التكامل بين العشيرة القبيلة ولكن الأمر يحتاج بعض التفصيل, إذ أن ترتيب العشائر داخل القبيلة غير متساو لأسباب منها عدد أفراد أهل العشيرة والمال الذي يملكونه وأيضا مناطق نفوذهم داخل القبيلة نفسها وبناً على هذه المعايير يتحدد من يدير زمام الأمور داخل القبيلة.
ثانياً: معايير القوة:
كانت معايير القوة التي كان على أساسها يسود بعضهم البعض الآخر هي من الأشياء التقليدية والتي يتحدد على أساسها الكلمة التي يمكن أن تعارض (تحتج) على إرادة الشيخ إذا ما أقدم على أمر يخالف ما يرونه مناسب أو حتى أن يتحدث باسمهم دون أن يرجع الأمر إليهم ويحصل على الموافقة المبدئية.
المعيار الأول والاهم: عدد أفراد العشيرة .
المعيار الثاني: مناطق نفوذهم ( إمدادهم الجغرافي ( الرعي, السكن )– تحالفاتهم – العلاقات الخارجية ).
المعيار الثالث: المال ( وهو إما – جمال, مزارع – عبيد – ماشية – السلاح ).
المعيار الرابع: الثأر ( بمعنى هل أفراد العشيرة لهم ثأر لم يؤخذ أم هم قد استوفوا ثأرهم).
المعيار الخامس: السمعة (هل العشيرة لها سمعتها طيبة من حيث – إكرام الضيف , منع اللاجئين إليها – الالتزام بأحلافها – تأدية ما عليها من مال أو قصاص .
المعيار السادس: لرئيس العشيرة ( الرشيد ) الأصل – الذكاء – الدين – المال – الحزم – الشورى مع أفراد عشيرته ).
وهذه المعايير الأساسية التي كان تحكم القوة التي كان البدو قديماً وهم يعولون عليها كثيراً , والتي كان من يملك منها أكثر فإنه يسود داخل إطار القبيلة وخارجها .
ثالثاً: أساليب الاحتجاج التقليدية:
هناك أكثر من أسلوب يلجأ إليه البدو في احتجاجهم على سياسات رؤسائهم ومحاولة تغيير السياسات العامة أو الآراء التي لا توافقهم من الشيخ ويمكننا أن نلخص هذه الأساليب فيما يلي:
1- أسلوب التصفية الجسدية ( قتل الشيخ ) وهو يعد واحد من أشد تلك الأساليب التي يتخذها البدو ويتم اللجوء إليها إلى عند الضرورة القصوى, وسوف أورد أمثلة عليه .
2- أسلوب الانفصال عن الشيخ:( الاستقلال) وكثيراً ما يرافق ذلك ما يسمى (بالرفق) أي الالتحاق بفئة أو قبيلة أخرى وهو أسلوب يتم الضغط من خلاله على الشيخ ليتراجع عن قراراته وهو يعد في المرتبة الثانية من الشدة.
3- أسلوب التهميش: والذي هو بما معناه أن يتم تهميش دور الشيخ في قبيلته بحث يصبح كسائر العامة إلى حين أن يتراجع عن رأيه.
4- أسلوب التخلي:أن تقوم فئة من المجموعة أو القبيلة بالتهديد بعدم المشاركة في تلك المهمة تحديداً أو القيام بذلك فعلاً.

الأسلوب الأول : التصفية الجسدية (قتل الشيخ أو القائد)
بداية أود التوضيح بأن هذا الأسلوب مارسه العامة من قديم العصور بما تقتضي مصلحتهم في تلك الفترة " وعليه يلجأ المحكوم في ضل ممارسات الحاكم الجائرة عليه في تبني خيارات عديدة في محاولة صد الحاكم أو الشيخ عن سياساته الخاطئة أو التي تمس مصلحة المحكوم بالضرر المباشر , وفي نهاية المطاف يلجأ المحكوم لاستخدام أشد أساليب الاحتجاج عنفاً وهو ( التصفية الجسدية ) ومن الملاحظ أنه لا يستخدم المحكوم هذا الأسلوب إلا في ضل فشل الأساليب الاحتجاجية الأقل تأثيراً على حاكمة ." وهذا ما يعرف في وقتنا الحاضر بالاغتيال السياسي ولكن لابد من توضيح نقطة مهمة في هذا الشأن وهو " أن الاغتيال السياسي قد يكون من القائد تجاه معارضه ولا اقصد هذا بالطبع ولكن ما اقصده هو اغتيال جماعة لا تمارس الحكم ضد شخص يمارس الحكم أو المشيخة . ويظهر ذلك جلياً في معارضة الجماعة الإسلامية لحكم السادات ومعارضتها له في تطبيع علاقاته مع إسرائيل وبالتالي انتهى الأمر به إلى القتل رمياً بالرصاص !!

ولكن لدي بعض التساؤلات حول هذه النقطة ,,,,,.
هل مارسنا أسلوب التصفية الجسدية في مجتمعاتنا في فترة "قبل قيام الدولة "؟
هل كانت تلك الفترة فترة أمن واستقرار خصوصاً بين القبائل بعضها البعض من جهة ومن جهة أخرى بين رؤساء القبائل وبين أفرادها …..؟
هل كان هناك مراعاة للدين وما ينص عليه من عدم جواز الخروج على الحاكم أو الشيخ..؟

الأسلوب الثاني : ( الانفصال) أو (التحول إلى الخارج)

أ- انفصال الفئة قوية من القبيلة:
( مثال ) الأزمة في قبيلة آل بو شامس1942م تقريباً
إن قبيلة الشامسي هي قبيلة أزدية قحطانية ، يتصل نسبها إلى شمس بن عمرو بن غنم بن غالب بن عثمان بن نصر بن ‏زهران بن كعب بن الحارث بن كعب بن عبد الله بن مالك بن نصر بن الأزد ، وكانت قبيلة آل بوشامس في ذلك الوقت ممتدة بين دولة الإمارات العربية المتحدة حالياً وسلطنة عمان في منطقة يسمونها الختم وما يهمنا في هذا الإطار الأزمة التي كادت تقسم قبيلة آل بو شامس إلى نصفين وهي احتجاج أكبر عشيرة ( العوابد ) على قرار الزكاة التي أرادها شيخ القبيلة .

أسباب الأزمة:
في سنة 1942 تقريباً وفي منطقة (السنينة) والتي هي حالياً في سلطنة عمان وتعتبر المركز الأساسي لقبيلة آل بوشا مس, وبعد الانتهاء من صلاة الجمعة أُعلم رؤساء العشائر بأن الشيخ يريد الزكاة فرضاً كل سنة, وقد تردد رؤساء العشائر وقالوا سوف يأتيك الرد في المساء وبعد التشاور بين أفراد ورؤساء العشائر اجتمعت كلمتهم على أنهم لن يدفعوا الزكاة , وبعدها غضب الشيخ وهدد بأنه سوف يسحب مواثيق الصلح مع القبائل الأخرى إذا لم ترضخ العشائر لإرادته, أما عن عشيرة ( العوابد ) فاستمروا على موقفهم ذلك لأنهم يعرفون تمام المعرفة وإنهم قادرين على حماية أنفسهم, وبأن الشيخ لن يقدم على مسألة كهذه , فاشتعل فتيل الأزمة بين الشيخ من طرف و عشيرة العوابد من الطرف الآخر, وكانت هناك مناوشات بين النعيم وبين آل بو شامس في تلك الفترة ,وقد قدم العوابد على شيخ النعيم ( الصلف ) ذلك لتأكيد الصلح الذي بينهم وإقامة صلح جديد منفرد عن باقي أفراد القبيلة , وقد عرض عليهم شيخ النعيم الانضمام الكلي لنعيم ولكن العشيرة رفضت ذلك واتفقوا على بقاء ثلاثة من أفراد عشيرة العوابد في ضيافته إلى انتهاء الأزمة .. وأخذت الغارات تتوالى على قبيلة آل بوشامس لفترة عامين تقريباً, وقد أنهكهم الدفاع عن منطقتهم , ولكن بعد وفاة المغفور أحد شيوخ عشيرة العوابد عادت المياه إلى مجاريها .

ب: انفصال الفئة الضعيفة:
( مثال ) : محاولة لانسحاب قبيلة القبيسات إلى العديد 1835- 1837:
وفي سنة 1835- حين راحت السلطات البريطانية تجمع التعويضات عن الخسائر الجسيمة التي سببتها أعمال القرصنة من جانب شيخ أبو ظبي بدأ رعايا الشيخ خليفة يهربون في كل الاتجاهات كي يتفادوا دفع أنصبتهم حتى أنه أصبح من الضروري أن تطلب السلطات البريطانية من بقية الشيوخ عدم إيواء هؤلاء الهاربين من أبو ظبي أو تقديم الحماية لهم.
وكان من المستحيل – أن تؤدي تلك الإجراءات إلى منع هجرة فرع القبيسات من بني ياس الذين تركوا وراءهم ديونهم في أبو ظبي دون سداد وانتقلوا في جماعة واحدة إلى خور العديد في المنطقة الساحلية غير المأهولة بالسكان قريباً من قاعدة شبه جزيرة قطر على بعد حوالي 200 ميل من أبو ظبي ، ولقد بذل المقيم البريطاني بعض الجهد لعقد صلح بين القبيسات وشيخهم في أبو ظبي ولإغرائهم بالرجوع للولاء له، لكنه فشل ، وبعدها بقليل بدأ يتردد أن أولئك المستوطنين الجدد في العديد يشجعون عمليات القرصنة وخاصة مغامرات القرصان جاسم بن جابر والذي أدت غاراته إلى قيام البحرية البريطانية بعمل على ساحل قطر في سنة 1836 على نحو ما هو مذكور في تاريخ ذلك الإقليم. وكان المقر الرئيسي للقراصنة هو مرفح وهو مرسى على ساحل تاف في الظافرة كانوا يأتون إليه بأسلابهم ومن هناك يحملوّنها على ظهور الجمال لتنقل إلى مختلف الاتجاهات، غير أن قاسماً كان يخرج في جميع عملياته من العديد، وكان شيخها يقدم إليه المعونات على قدر ما يستطيع.
وأخيراً في مايو 1837 استطاع الشيخ خليفة الحصول على إذن من المقيم البريطاني للهجوم على مستوطنة العديد حيث دمرها تدميراً كاملا وقتل حوالي 50 رجلاً من أهلها، وسوى منازلها واستحكاماتها بالأرض وامتلأت الآبار بأنقاض البيوت وجثث القتلى ، ولجأ بعض القبيسات إلى دبي وربما إلى غيرها أيضاً، لكنهم حين عرفوا أن من عاد منهم إلى أبوظبي عومل معاملة طيبة وردت إليه سفنه، وافقوا على قبول ما عرضه عليهم الشيخ خليفة وعادوا إلى أبو ظبي وإلى ولائهم لشيخها، وكان من بينهم خادم بن نعمان زعيم الانفصاليين.

ثالثاً: الأسلوب الثالث : وهو التهميش أو ( التحول إلى الداخل) :
بدايةً أحب توضيح معنى التهميش, التهميش هو الترك أو التقليل من قيمة الشيء وإني قد استخدمت كلمة تهميش لأنها في وقتنا الحاضر تعطي معني أكثر دقة مما سبق, وهي ما أستطيع أن أقول أنها كان أداة من أدوات الضغط التي كانت تمارس في الماضي, ويترتب على هذه النقطة في تصوري أن نجد استخدامها في القبائل التي تأثرت بالدعوة الوهابية وهي التي ذكرنا سلفاً ذلك بأن الدعوة تدعوا إلى عدم الخروج كما في الأسلوب الأول أو منازعة الأمر أهله وهذا يترتب عليه أن يكون هناك رد فعل معاكس في حال عدم الرضا عن سياسات الرئيس أو الشيخ, ولكن في هذا الأسلوب نجد أن المجموعة أو العشيرة تبدي امتعاضاً من رئيسها ولكنها تتركه وتنزع صلاحياته مؤقتاً أو بمعنى آخر فإنها لا تمتثل إلى طاعته لحين أن يعدل عن رأيه وينصاع إلى رغبة المجموعة الأكبر أو الفئة الأقوى, ولكن يجدر بنا ذكر أن التهميش ينتج عنه تحول جزئي إلى الداخل, بمعنى أن تقوم المجموعة بعدم الامتثال إلى سياسات رئيسها أو أنها تميل إلى الشخص الثاني في القبيلة كأن يكون أخ للشيخ أو للحاكم بدافع الضغط, وفي حال عدم تراجع الشيخ عن قراره تنزع منه الشرعية وتمنح لمن تراه تلك المجموعة مناسباً وبمعنى آخر تمنح إلى من ينفذ ما تراه تلك المجموعة مع مراعاة عدم طغيانه على المجموعة الأضعف كلياً.
ونجد هذا الأسلوب على الرغم من قدمه فكان يستخدم في مجتمعاتنا البدوية إلا أنه يستخدم الآن وعلى أعلى المستويات, ونذكر مثال محاكمة الرئيس الأمريكي "بيل كلينتون" على الرغم من أنه حقق مكاسب اقتصادية للولايات المتحدة الأمريكية لم تسبق خلال 100سنة تقريباُ إلا أنه حين تعارضت سياساته الخارجية مع اللوبي الصهيوني تمت المؤامرة عليه في قضية جنسية ودفع ثمن تعارض سياساته مع اللوبي المسيطر أو المجموعة الأقوى في الولايات المتحدة الأمريكية.

رابعاً: الأسلوب الرابع: التخلي أو الترك أو الانسحاب من المهمة

في البداية هذا الأسلوب تحديداً يعنى بموقف معين وأثناء ظروف معينة لا يتم الاتفاق عليها ضمن المجموعة الواحدة فتقوم الفئة المعارضة بالتخلي في ذلك الموقف تحديداً وتعلن عدم مشاركتها في الأمر, ويعد ذلك من الأساليب التي من خلالها كان البدو في منطقتنا يديرون غزواتهم وأحوالهم الحياتية في مجتمعاتهم, وبهذا المثال البسيط قد أستطيع أن أوضح الصورة أكثر فيما يخص هذا الأسلوب,

+ ( مثال ) في منطقة السنينة دارت مشكلة بين الشيخ وأحد كبار القبيلة على قضية سرقة خادمات قبيلة الدروع من منطقة قريبة لمنطقة ( السنينة ) وقد كانت الخادمات في حماية آل بوشامس , وما يهما في هذا الإطار تمثل الخلاف بين الشيخ وهذا الرجل على كيفية اللحاق بالخاطفين فقد قال الشيخ : سوف نتتبع أثرهم كي نلحق بهم , ولكن كانت لدي الرجل فكرة أخرى وهي السير باتجاه خط يقطع طريقهم بحث يكسب الوقت والمسافة لصالحة , ولكن الشيخ رفض وأصر على موقفه بتتبع أثر الفاعلين ,وبعدها نادى هذا الرجل وكان كبيراً في القبيلة مسموع الكلمة في جماعته بأنه من كان شأنه من شأني فلن يذهب في هذه المهمة تحديداً ( وقد حاول الرجل الضغط بهذا الأسلوب على قرار الشيخ من خلال ما له من مكانة واحترام لدى أفراد قبيلته) وبالفعل نراه قد نجح في ذلك ولم يذهب أي شخص من أفراد القبيلة في هذه المهمة .

وما نستفيده مما سبق هو : قد يصدر الشيخ أو القائد أمراً أحياناً يكون ليس في الصالح العام , ولكن في ظل وجود نظام لا انتخابي والسيطرة تكون فيه للقوي , أتصور بأن هذا شيء غريب نوعاً مـا ,,, بحيث هل الوضع ذلك الوقت أكثر ديمقراطية ,,,,,,؟ ولكـني أراه فقط من حيث ممارسة السلطة إذا رجعنا قليلاً بذاكرتنا في ما قاله المفكر السياسي هوبز والمجتمعات التي كانت قبل الدولة بأنهم كانوا يعيشون حياة تتصف بالوداعة في حال وجود دولة ولكن بدونها يصبحون ذئاب يأكل منهم القوي الضعيف ولا يكتفي بما يحصل عليه وإنما رغباته متجددة من دافع حب التملك, وإذا نظرنا بعين الباحث فيما يقول سوف نجد أن هناك تشابه بين ما يقول وبين الأحوال التي كان عليها سكان المنطقة قبل الدولة, وأيضا في ما يقول المفكر السياسي (جون لووك) بمحدودية صلاحية الحاكم وشرعية الخروج عليه فإننا سوف نجد تشابه أيضا, ولكننا لا نستطيع أن نطلق الحكم بشكل مطلق وكامل لأن تباين الثقافات والخلفيات التاريخية لا تمكننا من أن نقرن بينهم باستثناء بعض النواحي, أما على الأساس التنظيمي فالبعض يرى أن هذه المجتمعات لم ترق إلى مستوى التنظيم الموجود في الدولة, ولكن إذا كان مهام الدولة التي نعرف ما هو وجه القصور في المهام التي كان يقوم بها الشيخ القبلي ؟
إلا أن الشيخ في الماضي كان يميل أكثر للديمقراطية من الآن ويرجع لأسباب ذكرتها في بدايات هذا البحث, أما على أساس العلاقات الخارجية فقد كان مستوى التخطيط الذي يصدر عن هؤلاء البدو على قدر كبير من الحكمة والفطنة والتي بدورها توفق بين مصالح القبيلة ككل و (علاقاتها الخارجية مع القبائل الأخرى) من ناحية ومن ناحية أخرى تراعي مصالح أفرادها الشخصية المباشرة ، فالنسق التنظيمي الذي كانت تقوم عليه تلك العمليات على أساس الموروث الماضي من أعراف قبلية لا تعطي الكثيرين الفرصة لمعارضتها أو التعديل الجذري عليها لان ذلك يمس الجانب الحساس لدى أي فرد, وحتى في ضل هذا التطور و الانفتاح الذي تشهده البلاد الآن فإننا نجد الكثيرين الذين يعتزون بماضيهم ويتمسكون به.

الخاتمة
بالرغم من أن معظم الأساليب التي ذكرتها لم يستطع الأفراد الذين قابلتهم الزيادة عليها و الأساليب التي تناولتها ليست بالضرورة كل الأساليب التي قد كان يمارسها البدو , ولربما كان هناك أساليب أكثر فاعليه من هذه الأساليب, ولقد خرجت بنتائج من هذا البحث وهي تتمحور حول العلاقة بين الحاكم والمحكوم من ناحية الممارسة. وإذا رجعنا قليلاً بذاكرتنا فيما قاله المفكر السياسي هوبز والمجتمعات التي كانت قبل الدولة بأنهم كانوا يعيشون حياة ( غابة ) تتصف بالوداعة في حال وجود دولة ولكن بدونها يصبحون ذئاب يأكل منهم القوي الضعيف ولا يكتفي بما يحصل عليه وإنما رغباته متجددة من دافع حب التملك , وإذا نظرنا بعين الباحث فيما يقول سوف نجد أن هناك تشابه بين ما يقول وبين الأحوال التي كان عليها سكان المنطقة قبل الدولة, وأيضا في ما يقول المفكر السياسي ( جون لووك ) بمحدودية صلاحية الحاكم وشرعية الخروج عليه فإننا سوف نجد تشابه أيضا, ولكننا لا نستطيع أن نطلق الحكم بشكل مطلق وكامل لأن تباين الثقافات والخلفيات التاريخية لا تمكننا من أن نقارن بينهم باستثناء بعض النواحي, أما على الأساس التنظيمي فالبعض يرى أن هذه المجتمعات لم ترق إلى مستوى التنظيم الموجود في الدولة, ولكن إذا كانت مهام الدولة وقيادتها واضحة ومعروفة للجميع وتلبي احتياجات أبناء الدولة فإننا نود أن نعرف ما هو وجه القصور في المهام التي كان يقوم بها الشيخ القبلي ؟

المصادر المستخدمة في إعداد هذا البحث :
1- نظرية القوة " روبرت دال"
2- عقود الجمان في تاريخ آل سعود في عمان " عبدالله بن صالح المطوع ( مهم)
3- الجواهر والآلي في تاريخ عمان الشمالي "عبدالله بن صالح المطوع( مهم)
4-الحدود الشرقية لشبة الجزيرة العربية " جي بي كيلي( مهم)
5-نقل الأخبار في وفيات المشايخ وهذه الديار"حميد بن سلطان الشامسي(مهم)
6-تاريخ الفكر السياسي " د. علي مقلد

م/ن

لقراءة ردود و اجابات الأعضاء على هذا الموضوع اضغط هناسبحان الله و بحمده