هو خير الدين بن محمود بن محمد بن علي بن فارس الزركلي الدمشقي، ولد في بيروت في 25 حزيران 1893م حيث كان والده تاجراً هناك، والده وأمه دمشقيان.
نشأ الزركلي في دمشق، وتعلم في مدارسها الأهلية، وأخذ عن معلميها الكثير من العلوم خاصة الأدبية منها، كان مولعا في صغره بكتب الأدب، وقال الشعر في صباه. أتم دراسته (القسم العلمي) في المدرسة الهاشمية بدمشق،ثم عمل فيها مدرساً بعد التخرج، كما أصدر مجلة (الأصمعي) الأسبوعية فصادرتها الحكومة العثمانية. انتقل إلى بيروت لدراسة الآداب الفرنسية في الكلية العلمانية (اللاييك)، بعد التخرج عين في نفس الكلية أستاذاً للتاريخ والأدب العربي.
بعد الحرب العالمية الأولى، أصدر في دمشق جريدة يومية أسماها (لسان العرب) إلاّ أنها أُقفلت، ثم شارك في إصدار جريدة المفيد اليومية وكتب فيها الكثير من المقالات الأدبية والاجتماعية.
على أثر معركة ميسلون ودخول الفرنسيين إلى دمشق حُكم عليه من قبل السلطة الفرنسية بالإعدام غيابياً وحجز أملاكه إلاّ إنه كان مغادراً دمشق إلى فلسطين، فمصر فالحجاز.
سنة 1921م تجنس الزركلي بالجنسية العربية في الحجاز، وانتدبه الملك حسين بن علي لمساعدة ابنه (الأمير عبد الله) بانشاء الحكومة الأولى في عمّان، حيث كلّف مفتشاً عاماً لوزارة المعارف ثم رئيساً لديوان الحكومة (1921ـ 1923).
ألغت الحكومة الفرنسية قرار الإعدام على الزركلي فرجع إلى سورية، ومن ثم غادرها إلى مصر، وهناك أنشأ (المطبعة العربية) حيث طبع فيها بعض كتبه وكتباً أخرى.
أصدر في القدس مع رفيقين له جريدة (الحياة) اليومية، إلاّ أن الحكومة الإنجليزية عطّلتها فأنشأ جريدة يومية أخرى في (يافا)، واختير عضواً في المجمع العلمي العربي بدمشق سنة 1930.
عينه الأمير فيصل بن عبد العزيز آل سعود سنة 1934 مستشاراً للوكالة ثم (المفوضية) العربية السعودية بمصر، كما عُيّن مندوباً عن السعودية في مداولات إنشاء (جامعة الدول العربية)، ثم كان من الموقعين على ميثاقها.
مثّل الأمير فيصل آل سعود في عدة مؤتمرات دولية، وشارك في الكثير من المؤتمرات الأدبية والاجتماعية، وفي عام 1946م عين وزيراً للخارجية في الحكومة السعودية متناوباً مع الشيخ يوسف ياسين، وكذلك متناوباً معه العمل في جامعة الدول العربية، واختير في نفس العام عضواً في مجمع اللغة العربية بمصر.
عام 1951م عين وزيراً مفوضاً ومندوباً دائماً لدى جامعة الدول العربية، فاستقر في مصر، وهناك باشر بطبع مؤلفه (الأعلام).
من عام 1957م وحتى عام 1963، عين سفيراً ومندوباً ممتازاً (حسب التعبير الرسمي) للحكومة السعودية في المغرب كما انتخب في المجمع العلمي العراقي سنة 1960.
منحته الحكومة السعودية بسبب مرض ألمّ به إجازة للراحة والتداوي غير محدودة، فأقام في بيروت وعكف على إنجاز كتاب في سيرة عاهل الجزيرة الأول (الملك عبد العزيز آل سعود) وأخذ يقوم من حين لآخر برحلات إلى موطنه الثاني السعودية ودمشق والقاهرة وتركيا وإيطاليا وسويسرا. قام برحلات إلى الخارج يذكر أنها أفادته كثيراً.
ـ إلى إنجلترا سنة (1946) ومنها إلى فرنسا، ممثّلا للحكومة السعودية في اجتماعات المؤتمر الطبي الأول في باريس.
ـ إلى الولايات المتحدة الأمريكية سنة (1947) بمهمة رسمية غير سياسية، حضر خلالها بعض اجتماعات هيئة الأمم المتحدة.
ـ إلى أثينا العاصمة اليونانية سنة (1954) بصفة (وزير مفوض ومندوب فوق العادة) وجعل طريق عودته منها إلى استنابول لزيارة بعض مكتباتها.
ـ إلى تونس سنة (1955) مندوباً لحضور مؤتمر أقامه الحزب الدستوري فيها، ومنها إلى إيطاليا لزيارة أهم مكتباتها.
كان شاعراً مجيداً، ومؤرخاً ثقة، ويكفيه أنه صاحب الأعلام.
قام خير الدين الزركلي في مصر بدور مميز في تنفيذ المهمات القومية السياسية والإعلامية، وذلك من خلال اللقاءات والاجتماعات وكتابة المقالات ونشر الأشعار القومية والوطنية. وتناول الزركلي المستعمرين وأذنابهم بنبرة حادة خشيها الفرنسيون في سوريا كثيراً، فحكموا عليه غيابياً بالإعدام وبحجز أملاكه، وقد تلقى الزركلي النبأ برباطة جأش وقال:
نذروا دمي حنقاً علي وفاتهم
أن الشقـي بما لقيت سعيد
الله شاء لي الحياة وحاولوا
ما لم يشـأ ولحكمه التأييد
وعندا انطلقت الثورة السورية عام 1925م، انطلقت ثورة الزركلي الشعرية بكل لهيبها وروحيتها العربية، فأخذ ينظم القصائد ويرسلها إلى دمشق إماّ منشورة على صفحات الجرائد المصرية، وإماّ بوسائل النقل الأخرى، فأصبحت أبيات قصائده الوطنية على ألسنة الناس يتغنون بها في شوارع المدن السورية. وكانت ردود الفعل الفرنسية أقوى من ردود فعلها عام 1920م فأذاعت حكماً عليه ثانياً غيابياً بالإعدام، وطالبت الحكومة المصرية بإسكاته أو طرده من مصر غير أن الزركلي لم يكترث وظل يرسل قصائده الوطنية من القاهرة سراً، شاحذاً همم العرب حتى لا يسكتوا على الاستعمار ولا يتوانى أحدهم عن النضال. يقول:
تأهبوا لقراع الطامعين بكم
ولا تغركــم الآلاء والنعم
كان الزركلي يراقب ويتابع أحداث وطنه من بعيد، لذلك نراه يشارك إخوانه آلامهم حين ضربت دمشق بالقنابل عام 1925م، فيقول في قصيدته (بين الدم والنار):
الأهل أهلـي والديار دياري
وشعار وادي النيربين شعاري
ما كان مـن ألم بجلق نازل
وأرى الزناد فزنده بي واري
ويحس الزركلي أن دم الثوار الذي يراق في دمشق هو دمه، فيقول:
إن الدم المهـراق في جنباتها
لدمي وأن شــفارها أشفاري
دمعي لما منيـت به جار هنا
ودمي هناك على ثراها جاري
بنى الزركلي علاقات حميمة مع الكتاب والشعراء والمفكرين في مصر، من منطلق أهمية الكلمة التحضيرية في تعزيز الشعور الوطني والقومي في نفوس الجماهير العربية التي تعيش الهم القومي بكل جوانبه من هؤلاء الشاعر أحمد شوقي الذي ألقى قصيدته في حفل أقيم في القاهرة عام 1926، لإعانة منكوبي سوريا حين قامت بالثورة ضد المستعمر الفرنسي والتي مطلعها: سلام من صبا بردى أرقّ ودمع لا يكفكف يا دمشق
يشخص الزركلي صورة الدأب العلمي المنتج في كتابه الأعلام الذي جمع فيه فأوعى فكان بحق أيسر وأشمل معجم عربي مختصر في تاريخ الرجال. فكان الزركلي في حياته مثالاً: للثائر والشاعر والباحث.
في الخامس والعشرين من تشرين الثاني عام 1976، توفي أبو الغيث خير الدين الزركلي.
له من المؤلفات :
ـ كتاب (ما رأيت وما سمعت)، سجل فيه أحداث رحلته من دمشق إلى فلسطين فمصر فالحجاز.
ـ الجزء الأول من ديوان أشعاره، وفيه بعض ما نظم من شعر إلى سنة صدوره (1925).
كتاب (عامان في عمّان)، مذكرات الزركلي أثناء إقامته في عمّان وهو في جزآن.
ـ ماجدولين والشاعر، قصة شعرية قصيرة.
ـ كتاب شبه الجزيرة في عهد الملك بن عبد العزيز.
ـ كتاب (الأعلام)، وهو قاموس تراجم لأشهر الرجال والنساء من العرب والمستعربين والمستشرقين يقع في ثمانية مجلدات.
ـ الملك عبد العزيز في ذمة التاريخ.
ـ صفحة مجهولة من تاريخ سوريا في العهد الفيصلي.
ـ الجزء الثاني من ديوان أشعاره (1925ـ 1970).
ـ قصة تمثيلية نثرية أسماها (وفاء العرب).