بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..
الألواح البنائيــة
كانت الحرب العالمية الثانية سببا غير مباشر فى تقدم الأبحاث الخاصة ببنائية الأرض فقد كانت أجهزة السونار Sonar التى مهمتها كشف الغواصات المعادية عن طريق إنعكاس الموجات الصوتية صاحبة النصيب الأكبر فى توافر كم هائل من البيانات والمعلومات عن الجزء المجهول من الأرض وهو قاع البحار والمحيطات . كما أسفر تطور أجهزة سبر أغوار المحيطات عن مزيد من المعلومات والاكتشافات التى غيرت كثيرا من المفاهيم العلمية والتى أدت فى نهاية المطاف إلى صياغة نظرية الألواح البنائية والتى تعرف أحيانا بالألواح التكتونية Plate Tectonics ومن أهم هذه الاكتشافات : ـ
1- أعراف منتصف المحيط Mid-Oceanic Ridges :
وتعرف أحيانا بحيود منتصف المحيط وهى سلسلة جبال مرتفعة فى قاع المحيط وفى منتصفه وتمتد بطوله وترتفع حوالى ثلاثة كيلومترات عن قاع المحيط ويصل عرضها إلى أكثر من 2022 كم . كما يوجد وادى ضيق Rift Valley نتيجة تأثير قوى شد أفقية عمودية على محور الحيد التى تتسبب فى حدوث الزلازل عند
مركز الحيد وبطوله . ومن أحسن الأمثلة لحيود منتصف المحيط نذكر حيد منتصف الأطلنطى Mid-Atlantic Ridge . ويمتد من المحيط المتجمد الشمالى ويمر فى منتصف الأطلنطى بطوله ثم يمر حول الطرف الجنوبى بقارة أفريقيا متجها إلى المحيط الهندى حيث يتفرع إلى فرعين يمتد أحدهما شرقا إلى المنطقة الواقعة جنوب استراليا حتى يصل إلى المحيط الهادى . أما الفرع الأخر فيمتد داخل المحيط الهندى حتى يصل إلى خليج عدن والبحر الأحمر . ويمثل البحر الأحمر محيطا فى طور التكوين Embryonic Ocean .
2- الخنادق المحيطية Oceanic Trenches :
وهى أجزاء منخفضة من قاع المحيط تتميز بأنها توجد عند بعض أطراف المحيطات بجوار القارات غالبا ويفصلها عن القارات أقواس جزر Island Arcs أى مجموعة جزر على شكل قوس وعندها تحدث الزلازل والنشاط البركانى ومن أمثلة الخنادق الجزر التى تصاحبا تلك الموجودة فى أندونسيا .
3- مغناطيسية قاع المحيط Sea Floor Geomagnetism :
دل المسح المغناطيسى لقاع المحيطات على وجود شذوذ قيم فى المغناطيسية الأرضية المقاسة Geomagnetic Anomalies . وتكون هذه القيم الشاذة على شكل أحزمة أو شرائط تسمى الأشرطة المغناطيسية Magnetic Stripes يصل عرضها إلى عشرات الكيلومترات وطولها عدة مئات من الكيلومترات . وتمثل هذه الأشرطة شذوذات موجبة وسالبة متبادلة مع بعضها . وتكون الأشرطة المغناطيسية غالبا مقطوعة ومزاحة أفقيا لمسافات تصل لأكثر من مائة كيلومترات على طول خطوط تقطعها وتسمى صدوع النقل Transform Faults .
4- القشرة المحيطية Ocean Crust :
تتكون القشرة المحيطية من البازلت ويوجد تحته صخور كالجابرو والسربنتينيت . ويعلو طبقة البازلت قشرة رقيقة من رسوبيات المحيط . وبتحديد عمر رسوبيات المحيط عن طريق دراسة محتواها الحفرى أمكن التوصل إلى أن أقدم هذه الرسوبيات هو أبعدها عن حيد منتصف المحيط بينما أحدث الرسوبيات هى القريبة من الحيد . وهذا الاكتشاف من الأدلة القوية على نظرية انتشار قاع المحيط .
5- نظرية تمدد وانتشار قاع المحيط Sea Floor Spreading :
يرجع الأصل فى ابتكار هذه النظرية إلى كل من هارى هيس H.Hess ، ودايت R.S.Diet فى عامى 1961و1962م. ولو أن السبق يعطى لهيس إلا أن التسمية ذاتها ترجع إلى دايت. وتعتمد هذه النظرية على فكرة تيارات الحمل Convection Currents فى الوشاح Mantle فقد افترض هيس Hess فى سنة 1961. أن قاع المحيط يتكون من السربنتينيتSerpertinite المشتق من البيريدوتيت Peridotite الذى يكون وشاح الأرض . ويمثل حيد منتصف المحيط مكان نشأة جزء جديد من قاع المحيط فهو مكان ارتفاع تيارات الحمل لأعلى حاملة معها مادة جديدة من الوشاح إلى قاع المحيط .
وينتشر قاع المحيط الجديد انتشارا جانبيا على ناحيتى حيد منتصف المحيط نتيجة إضافة جزء جديد من القشرة المحيطية على ناحيتى الحيد . وتمثل الخنادق المحيطية أماكن هبوط تيارات الحمل لأسفل حاملة معها جزءاً من قاع المحيط .
أما القارات أو الكتل القارية فيتم حملها فوق الوشاح المتحرك بفعل تيارات الحمل وأثناء نزول القشرة المحيطية إلى الوشاح مع تيارات الحمل النازلة لإسفل عند الخنادق المحيطية حيث يتم لصق جزء من رسوبيات قاع المحيط إلى حافةالقارة حيث يتم تحطيم وتشويه هذه الرسوبيات تكتونيا وتحولها . ونظرا لأن تيارات الحمل تصعد لأعلى عند الحيد فيؤدى ذلك إلى زيادة كمية السريان الحرارى فى ذلك المكان. والمعدل الذى تتحرك به التيارات الحمل وبالتالى معدل حركة وانتشار قاع المحيط يبلغ حوالى 1-2سم فى السنه ومعنى هذا أن قاع المحيط كله يستبدل كل 200-300 مليون سنة ولذلك تعتبر القشرة المحيطية أحدث دائما من القشرة القارية المتواجدة منذ بلايين السنين .
ميكانيكية الألواح التكتونية :
على الرغم من أن نظرية الإنجراف القارى لفاجنر قد فشلت فى إعطاء التفسير المقنع للأسباب التى إلى حدوث حركة القارات .
غير أن نظرية الألواح التكتونية قد قامت بهذا التفسير وذلك من خلال فرضيتين :
الأولــى :
أن الغـلاف الصخـرى وهو الليثوسفـر Lithosphere يشمـل كـلا مـن قشـرة الأرضيـة Earth’s Crust والأجـزاء العليـا من الوشاح Uppermost part of the upper mantle . والغلاف الصخرى الذى يرتكز على غلاف يتميز باللدونة إلى حد ما يعرف بالغلاف الوهن أو السينوسيفر Athenosphere بحيث يمكن التحرك عليه ببطء شديد .
الثانيــة :
أن الغلاف الصخرى ينقسم إلى عدة ألواح تتحرك متباعدة أحيانا عن بعضها البعض أو متقاربة أحيانا أخرى مع بعضها البعض . وعلى الرغم من عدم الاتفاق حول عدد هذه الألواح إلا أنه يمكن تمييز ستة ألواح كبرى هى على النحو التالى : ـ
1- اللوح الباسفيكى ( لوح المحيط الهادى ) : Pacific Plate
وهو الوحيد الذى يتكون معظمة من صخور محيطية خاصة الحواف الوسطى وإلى ما تحت صخور غرب أمريكا الشمالية .
2- اللوح الأمريكى American Plate :
ويشمل الكتلة القارية للأمريكتين . مع جزء من قشرة المحيط الأطلنطى حتى حوافة الوسطى .
3- اللوح الإفريقى African Plate :
ويشمل كل إفريقيا حتى الحافة الوسطى للمحيط الأطلسى ونحو نصف المحيط الهندى الغربى .
4- اللوح الأوراسىEurasian Plate :
ويمتد بين الحافة الوسطى للمحيط الأطلسى غربا والبحر المتوسط وسلسلة الجبال الإلتوانية الحديثة جنوبا لتنتهى فى المحيط الهادى بسلسلة الجزر الممتدة فى شرقها . وبذلك يشمل اللوح معظم أسيا وأوروبا .
5- اللوح الاسترالى Australian Plate :
ويشتمل على كتلة صخور الهند واستراليا وكل ما يحيط بهما من المحيط الهندى.
6- لوح القارة القطبية الجنوبية ( أنتاركاتيكا ) Antarcatica :
وتضم القارة القطبية الجنوبية مع الأطراف الجنوبية لكل من المحيط الهادى والأطلسي والهندى .
وبالإضافة إلى هذه الألواح الكبرى يوجد عشرا لوحات صغرى من بينها شبه الجزيرة العربية التى تبعد الساحل الإفريقى ما بين 2-6سم سنويا خاصة فى جنوبها الغربى وأن التصدع النصف فى قاع البحر الأحمر يؤدى إلى زحزحته وتحركه شرقا بمعدل 2سم سنويا وذلك على حساب الخليج العربى الذى يضيق بنفس القدر . وأن ارتكاز شبه الجزيرة العربية على الهضبة السورية فى الشمال الغربى يزيد جبال إيران تضاعفا وتعقيد الأمر الذى يتبعه بالتالى مزيد من الزلازل .
هذا .. وتصنف حركة الألواح بما يتضمنه كل لوح من قشرة قارية وأخرى محيطية على النحو التالى : ـ
1- تقارب قشرة قارية مع قشرة قارية :
وينشأ عن هذا التقارب إرتطام قشرتين قاريتين لهما نفس الكثافة . وقبل حدوث هذا الارتطام أو التصادم تغوص القشرة المحيطية التى تفصل بينهما والتى تكونت أثناء فترة سابقة تحت أحد القشرتين ومع تمام عملية الغوص أو الاندساس Subduction وبعد استهلاك القشرة المحيطية ترتط هاتان القشرتان . وينتج عن هذا الإرتطام تكون سلسلة جبلية يصاحبها عمليات طى وتصدع . بعدها تبدأ عمليات التعربة نشاطها لتشكل الملامح السطحية للحزام الجبلى .
وتتميز هذه الجبال بأنها شاهقة وتعد من أشهر وأهم السلاسل الجبلية فى الكرة الأرضية . ومن أهمها ما يلى : ـ
* اصطدام لوحة الهند القارية مع لوحة آسيا القارية مكونة سلسلة جبال الهيملايا الشاهقة ومرتفعات التبت التى تعد أحدث تكوين للجبال من هذا النوع إذ أنه حدث منذ حوالى 45 مليون سنة .
* حدوث اصطدام ـ قبل حوالى 360-286 مليون عام – بين القارة الأوروبية والقارة الأسيوية لتكونان قارة أوراسيا الحالية والذى نجم عنه تكوين سلسلة جبال الأورال بين حدود اللوحتين الأوروبية والآسيوية آنذاك .
* تصادم اللوحة الإفريقية واللوحة الأوروبية وانغلاق بحر التيثيز ( Tethys ) ، الذى كان يفصل قارتى لوراسيا وجندوانا لاند ـ وتكوين سلسلة جبال الألب فى أوروبا وجبال الأطلس فى أفريقيا .
* إصطدام الصفيحة الإفريقية بصفيحة أمريكا الشمالية لتكوين جبال الابالاش قبل حوالى 360-286 مليون سنة ، وعلى الرغم من أن هاتين القارتين بعيدتان كل البعد إحداهما عن الأخرى فى الوقت الحاضر إلا أنه من المعتقد أنهما كانتا متصلتين قبل حوالى 2022 مليون عندما كانتا جزءا منن قارة بانجيا العملاقة .
* تكوين جبال زاجروس بإيران بسب تصادم الصفيحة العربية مع الإيرانية .
2- تقارب قشرة محيطية مع قشرة قارية :
عند ارتطام مسطح محيطى بقشرة قارية فإن القشرة المحيطية تنثنى وتغوص فى النطاق الوهن ( السينوسفير Asthenosphere) وأثناء نزول المسطح المحيطى تقوم القشرة القارية من فوقهما بكشط ما يعلوها من رسوبيات غير متماسكة .
لذا نجد أن مثل الظاهرة تضيف المزيد من الرسوبيات المتراكمة على طول القارة نتيجة لعوامل التعرية . ومع هبوط اللوح المتحرك ودخوله النطاق الوهن الساخن فإن مكوناته وما يحمله من رسوبيات مشبعة بالماء تبدأ فى الإنصهار وبالرغم من أن هذه العملية غير مفهومة التفاصيل إلا أن الإنصهار الجزئى لهذا الخليط من الصخور البازليته والرسوبيات يعطى صهيرا مماثلا لصخور الأنديزيت أو الجرانيت أحيانا . وحيث أن الصهير الناتج يكون أقل كثافة من صخور الوشاح . فإن هذه المكونات تبدأ بالصعود تدريجيا حال تراكم كميات كافية منها . ومعظم الصهير الصاعد يبرد ويتبلر عند أعماق تبلغ عدة كيلومترات . أما الباقى فقد يخرج على السطح لينتج عنه أنشطة بركانية أحيانا .
3- تقارب قشرة محيطية مع قشرة محيطية :
عند ارتطام مسطحين محيطيين يغوص طرف أحدهما تحت الآخر متسببا فى نشاط بركانى يشبه ذلك الذى يحدث عند إرتطام لوح محيطى بآخر قارى . غير أن مثل هذه البراكين تحدث فى قيعان المحيطات بدلا من حدوثها على اليابسة . وإذا ما استمرت هذه النشاطات البركانية فإن كتلا من اليابسة قد تبرز من أعماق المحيطات .
وفى البداية تكون مثل هذه الظاهرة على هيئة سلسلة من الجزر البركانية تسمى بقوس الجزر مثل جزر اليابان واندونسيا والفلبين وعادة ما تقع أقواس الجزر على بعد بضع مئات من الكيلومترات من خندق محيطى . حيث لا تزال عملية غوص الغلاف الصخرى مستمرة .
وعلى مدى زمنى طويل من النشاط البركانى تتراكم طفوح بركانية هائلة على قاع المحيط مما يساعد مع صعود الصخور النارية النابطة داخل القشرة الأرضية فتعمل على زيادة حجم وإرتفاع الأقواس المتكونة . ويزيد هذا النمو بالتالى كمية الرسوبيات المتراكمة بعوامل التعرية على قاع البحر . وقد تصل هذه الرسوبيات إلى الخنادق البحرية مما يجعلها تتحول وتتشكل تحت قوة الضغط الناتجة عن جهد الألواح المتقاربة . وينتج عن هذه النشاطات المختلفة قوس جزر ناضج مكون من صخور بركانية مطوية ومتحولة وصخور نارية نابطة . ومثال ذلك شبه جزيرة ألاسكا والفلبين واليابان .
إعداد الدكتور : مصطفى يعقوب
بالتوفيق