المقدمة
عني الإسلام بالوالدين عناية بالغة ، وحض الأبناء على حسن معاملتهما وألزمهم بالبر بهما وطاعتهما ، وفعل كل ما يرضيهما إذ أن برهما حق واجب إلا في ما حرم الله عز وجل أو نهى عنه فإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق .. يقول الله تبارك وتعالى : " واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً وبالوالدين إحساناً " ( النساء / 36 )
فقد قرن الله تعالى بر الوالدين بتوحيده وعبادته جل وعلا قال تعالى : " وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحساناً " ( الإسراء / 23 ) وهذا تأكيد من الله عز وجل على ما بين العبادة لله وبر الوالدين من تلازم وارتباط ، وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ قلت : أي العمل أفضل ؟ قال : " الصلاة على ميقاتها " قلت : ثم أي ؟ قال : " ثم بر الوالدين " قلت : ثم أي ؟ قال : " الجهاد في سبيل الله " فسكتّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولو استزدته لزادني (1) وهنا تأكيد من رسول الله صلى الله عليه وسلم على وجوب وأهمية بر الوالدين ، كما أنه سبب رئيس من أسباب دخول الجنة فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " رغم أنف ، ثم رغم أنف ، ثم رغم أنف " قيل: من يا رسول الله ؟ قال: " من أدرك أبويه عند الكبر أحدهما أو كلاهما فلم يدخل الجنة " (2) وقد حذر رسول الله صلى الله عليه وسلم مراراً من كبيرة عقوق الوالدين .. فعن سالم بن عبد الله عن أبيه رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ثلاثة لا ينظر الله عز وجل إليهم يوم القيامة : العاق لوالديه ، والمرأة المترجلة ، والديوث .. وثلاثة لا يدخلون الجنة ؛ العاق لوالديه ، والمدمن على الخمر ، والمنان بما أعطى " (3) وعن أنس رضي الله عنه قال : سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الكبائر قال : " الإشراك بالله ، وعقوق الوالدين وقتل النفس ، وشهادة الزور " (4) إذن حق الوالدين على الأبناء كبير ، ومهما فعل هؤلاء الأبناء من الإحسان إليهما ، والإنفاق عليهما ، والتلطف معهما ، والرفق بهما ؛ فلن يردّوا إلا النزر القليل من أفضالهما عليهم .. وقد يظن بعض الأبناء أنهم قد أدوا كافة الحقوق الواجبة عليهم لأمهاتهم وآبائهم بكفالتهم مادياً أو بمعاملتهم معاملة حسنة ، وهذا الاعتقاد خطأ فقد رأى عبد الله بن عمر رضي الله عنهما رجلاً قد حمل على رقبته أمه وهو يطوف بها حول الكعبة فقال : يا ابن عمر ، أتراني جازيتها ؟ قال ابن عمر : " ولا بطلقة واحدة من طلقاتها ولكن قد أحسنت والله يثبك على القليل كثيراً " (5) ..
وليس الأمر بالإحسان إلى الوالدين وبرهما خاصاً بالمسلمين وحدهم بل هو أمر لكافة الناس على اختلاف أجناسهم وعقائدهم و ألسنتهم على مر العصور منذ أن بزغ نجم الإسلام في سماء التاريخ الإنساني وقد كتبه الله أيضاً على الأمم السابقة قبل مجيء الإسلام .. يقول الله تعالى : " وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدون إلا الله وبالوالدين إحساناً وذي القربى واليتامى والمساكين " ( البقرة / 83 ) .
بر الوالدين مقدّم على الجهاد :
ــــــــــــــــ
بلغ من عظمة الدين الإسلامي الحنيف أن يقدم بر الوالدين على الجهاد في سبيل الله تأكيداً على حقوقهما ، وإمعاناً في التوصية بهما خيراً .. فعن عبد الله بن عمرو بن رضي الله عنهما قال : جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فاستأذنه في الجهاد فقـال ( النبي صلى الله عليه وسلم ): " أحي والداك ؟ " قـال نعم ، قال: " ففيهما فجاهد " (6) وكأنما رعايتهما وبرهما جهاد في سبيل الله ، بل هو أفضل عند الله عز وجل ليعرف الأبناء عظيم منزلة الآباء والأمهات التي أنزلهم الله فيها ، وحقوقهم الواجبة على أبنائهم المنوط بهم بذل غاية جهودهم وأقصى طاقاتهم في خدمة الوالدين ، ولا يجوز السفر ولا الجهاد ما لم يأذنا لأولادهما بذلك ، فإن رفضا فعلى الأبناء الإنضواء تحت لوائهما وطاعة أمرهما امتثالاً لأمر الله عز وجل ، وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال : " أتى رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ، إني جئت أريد الجهاد معك أبتغي وجه الله والدار الآخرة ، ولقد أتيت وإن والديّ ليبكيان . قال : " فارجع إليهما فأضحكهما كما أبكيتهما " (7) يقول الأستاذ عبد الرءوف الحناوي في كتابه " مختصر بر الوالدين " ما نصه : " لا تعجب أيها الأخ المؤمن أن قدم الله تعالى بر الوالدين على الجهاد في سبيل الله . فكلمة التوحيد لا إله إلا الله وعبادة الله عز وجل أعلى وأغلى من برهما ، ولكن هناك أمراً واحداً يزيل العجب من نفسك ، وهو أن بر الوالدين فرض عين فإن قصرت في برهما فمن ذا الذي يبرهما ؟ أما الجهاد فهو فرض كفاية – إلا في حال غزو العدو بلاد المسلمين وإعلان النفير العام – فإذا صحبت والديك ، ولزمت أقدامهما قام بالجهاد غيرك .. أما خدمتهما فلا يتولاها أحد سواك. ولقد اعتبر الرسول صلى الله عليه وسلم قيام الولد في خدمة أبويه والسعي عليهما جهاداً في سبيل الله " (8)
برهما وإن كانا مشركين :
ـــــــــــــ
يجب على الأبناء بر الوالدين والإحسان إليهما وطاعتهما طاعة تامة إلا في معصية الخالق جل وعلا لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ، ولا يمنع كفرهما أو شركهما أن يبرهما الأبناء ويحسنوا إليهما رحمة بهما ، والأبناء ينالون على ذلك الأجر والثواب إن شاء الله تعالى ، وفي الوقت نفسه ليس عليهم وزر شركهما ما لم يوافقوهما على ذلك الشرك أو غيره من المعاصي التي تغضب الله عز وجل .. وقد أمرنا الله تعالى بذلك فقال : " وإن جاهداك لتشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما " ( العنكبوت / 8 ) وفي سورة لقمان قال تعالى : " وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا.." ( لقمان / 15 ) فإذا كان هذا هو الحال مع الـوالدين المشركين فما بالك بحقوق آبائنا وأمهاتنا المسلمين الموحدين ؟!! ويكفي أن تعلم أن بر الوالدين قد كتبه الله سبحانه وتعالى على الأمم السابقة فليس الأمر مقصوراً – كما تقدم – على المسلمين أو من خصوصياتهم وحدهم دون غيرهم .
أمثلة وفضائل :
ــــــــ
لقد امتدح الله بعض أنبيائه ، وأثنى عليهم لبرهم والديهم، وخص منهم يحيي وعيسى ويوسف وإسماعيل .. قال تعالى : " وبراً بوالديه ولم يكن جباراً عصياً " ( مريم / 14 ) يعني يحيي بن زكريا عليهما السلام ، وعن عيسى عليه السلام يقول الله عز وجل : " وبراً بوالدتي ولم يجعلني جباراً شقيا " ( مريم / 23 ) وعن يوسف عليه السلام وبره بوالديه ، قال تعالى : " ورفع أبويه على العرش " ( يوسف / 100 ) وعن إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام ، قال الله تبارك وتعالى واصفاً أدبه وبره بأبيه : " يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين " ( الصافات / 102 ) تلك هى أخلاق الأنبياء التي يجب أن يتأسى بها كل مسلم على وجه هذه البسيطة المعمورة ، والتطبيق العملي لتعاليم الإسلام في حياتنا يكون سبباً في إسعاد البشرية واستقرارها وإزالة التردي الحادث في العالم ، فكم نسمع ونقرأ في الصحف عن حالات الاعتداء على الآباء والأمهات من قبل الأبناء سواء بالسب أو بالضرب أو الإهانة وغير ذلك .. وهذا كله يرجع إلى غياب الوازع الديني عند هؤلاء الأبناء العاقين ، فإن عرفوا فضل بر الوالدين لما فارقوهما ليلاً ولا نهاراً .. ومن الأحاديث النبوية الدالة على فضلهما ذلك الذي يقول فيه الرسول صلى الله عليه وسلم : وعن عمر بن حماد قال: " حدثنا رجل قال : خرج علي وعمر من الطواف فإذاهما بأعرابي معه أمه يحملها على ظهره وهو يرتجز ، ويقول :
أنــا مطيتهــا لا أنفـر … وإذا الركاب ذعرت لا أذعر
وما حملتني وأرضعتني أكبر … لبيـك اللهم لبيـــــك
فقال علي : يا أبا حفص أدخل بنا الطواف لعل الرحمة تنزل فتعمنا .. فدخل الرجل يطوف بها ويقول :
أنـا مطيتهـا لا أنفـــر … وإذا الركاب ذعرت لا أذعر
وما حملتني وأرضعتني أكثر … لبيـك اللهم لبيـــــك
وعلي رضي الله عنه يقول : إن تبرهما فالله اشكر .. يجزيك بالقليل أكثر" (9) .
ومن ثمار البر بالوالدين البركة والبسطة في الرزق ، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " من سره أن يبسط له في رزقه ، وينسأ له في أثره فليصل رحمه " (10)
ومن أراد أن يبره أبناؤه فعليه ببر والديه فعن جابر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى عليه وسلم : " بروا آباءكم تبركم أبناؤكم وعفوا عن نساء الناس تعف نساؤكم … " (11) .
وعن وهب بن منبه رحمه الله تعالى : أن الله تعالى قال : " يا موسى وقر والديك فإنه من وقر والديه مددت في عمره ، ووهبت له ولداً يبره ومن عق والديه قصرت في عمره ، ووهبت له ولداً يعقه " (12) .
والابن البار يهنأ بعمره ، ويطمئن في عمله ، وتحفه السعادة من كل جانب ..
وبر الوالدين كفارة للذنوب فمن أراد أن يغفر الله له ذنبه ويتوب عليه فليبر والديه فما أعظم هذه الرحمات التي نحن عنها غافلون ؟!!
فليبادر كل من عنده أبوان أو أحدهما إلى إكرامهما والإحسان إليهما قدر الاستطاعة ففي ذلك الفوز والنجاح والفلاح والسعادة .
لا ينقطع بر الوالدين بموتهما :
ـــــــــــــــــ
قد يظن البعض أن بر الوالدين ينقطع بموتهما ، ولكن الحقيقة غير ذلك ، فبر الوالدين دائم لا ينقطع والولد الصالح عليه أن يتحرى ذلك ويداوم عليه ويلزمه , والله تعالى فرض على الابن أن يذكر معروف والديه ، بل يوجهنا القرآن الكريم إلى طلب الرحمة لهما .. وعدم نسيانهما من الدعـاء والاستغفـار لهمـا ، قال الله تعالى : " وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيراً " ( الإسراء / 24 ) وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة : صدقة جارية ، أو علم ينتفع به , أو ولد صالح يدعو له"(13) وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الرجل لترفع درجته في الجنة فيقول : يا رب أنى لي هذا ؟ فيقال باستغفار ولدك لك" (14) .
ومن أبر البر بعد موت الوالدين أن يبر الابن صديق الأب ويحسن ضيافته ويكرمه ، وأن يوفي بعهد والديه ، ويصل الرحم التي لا توصل إلا بهما في حياتهما الدنيا , فعن أبي أسيد مالك بن ربيعة الساعدي رضي الله عنه قال : بينا نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاءه رجل من بني سلمة فقال : يا رسول الله ، هل بقي من بر أبوي شيء أبرهما به بعد موتهما ؟ قال : " نعم .. الصلاة عليهما والاستغفار لهما ، وإنفاذ عهدهما من بعدهما ، وصلة الرحم التي لا توصل إلا بهما، وإكرام صديقهما " (15) ، وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " أبر البر أن يصل الرجل ود أبيه " (16).
تلك هي أخلاق الإسلام التي تربّى عليها الصحابة رضوان الله عليهم والتابعون ، وما أحوجنا إلى التأسي بها وتطبيقها تطبيقاً عملياً في حياتنا اليومية ؟!!
قال تعالى : " مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ "(1(
من حكمة الله في خلق البشر أن جعلهم في حاجة بعضهم البعض, ليجعلهم كالجسد الواحد يساند بعضهم بعضا, واوجد العديد من العوامل التي تساعد على تكاتف ونشر المودة بينهم,فأمر الإنسان أن يلاقي أخيه بصدر رحب وابتسامة صادقة, وحرم قطع الأرحام.
وقد وزع الله نعمه على الناس ليختبرهم بها, فمنهم الغني ومنهم الفقير..
ووهب جل وعلا الناس البصر, والسمع والعقل والقوة وما إلى ذلك من نعم الله التي لا تحصى.
وكان أصعب اختبار على الإنسان هو اختبار المال , فعندما يملك الإنسان من المال ما يزيد عن حاجته, تراه في خوف دائم عليه , وتفكير دائم في كيفية استثماره,وقد يقسي قلب صاحبه في العديد من الأحيان فتراه يتعالى على الناس , أو تراه ينظر للناس بعدوانية خوفا من أن يسلبه احدهم إياه , ورغم ذلك يختلف تصرف الإنسان باختلاف الشخصيات والظروف , إلا أن المال لا يساوي شيئا إن لم يبارك الله فيه , وقد أمرنا الله بالصدقة , لما فيها من الخير الكثير لصاحب المال والمجتمع , فهي بداية تبارك أموال المتزكي,وتطهر نفس الفقير من الحسد, وتعمل على تكافل المجتمع , ونشر المودة فيه وتحد من السرقات وما إلى ذلك من العادات السلبية.
هذا ما تفعله الصدقة في الدنيا ولكن ما تفعله في الآخرة أكثر بكثير فقد شبه الله حسنة الصدقة بحبة قمح تنمو لتكون سبعة سنابل وتتكون في كل سنبلة مئة حبة ذلك يعني سبع مئة حسنة والله واسع عليم
ما ذكرته هو بعض فضل الصدقة وهذا بحث مطول عن الصدقة سأتناول فضائل وفوائد الصدقة بذكر بعض أحاديث الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم من ثم سأتطرق أفضل الصدقات بتفصيل مختصر, ثم ذكر بعض الأحاديث التي تبين مجالات الصدقة الجارية ثم أنواع الصدقات وما هي لمن الصدقة , من ثم اختم بحثي الذي اعتمدت عليه على العديد من مواقع ومدونة الانترنت وبعض الكتب القيمة.
الموضوع:
فضائل وفوائد الصدقة:
أولاً: أنها تطفئ غضب الله سبحانه وتعالى كما في قوله: { إن صدقة السر تطفئ غضب الرب تبارك وتعالى (1(
ثانياً: أنها تمحو الخطيئة، وتذهب نارها كما في قوله : { والصدقة تطفئ الخطيئة كما تطفئ الماء النار {
ثالثاً: أنها وقاية من النار كما في قوله : { فاتقوا النار، ولو بشق تمرة {
رابعاً: أن المتصدق في ظل صدقته يوم القيامة كما في حديث عقبة بن عامر قال: سمعت رسول الله يقول: { كل امرئ في ظل صدقته، حتى يقضى بين الناس }. قال يزيد: ( فكان أبو مرثد لا يخطئه يوم إلا تصدق فيه بشيء ولو كعكة أو بصلة )، قد ذكر النبي أن من السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: { رجل تصدق بصدقة فأخفاها، حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه } (3(
خامساً: أن في الصدقة دواء للأمراض البدنية كما في قوله : { داووا مرضاكم بالصدقة }. يقول ابن شقيق: ( سمعت ابن المبارك وسأله رجل: عن قرحةٍ خرجت في ركبته منذ سبع سنين، وقد عالجها بأنواع العلاج، وسأل الأطباء فلم ينتفع به، فقال: اذهب فأحفر بئراً في مكان حاجة إلى الماء، فإني أرجو أن ينبع هناك عين و يمسك عنك الدم، ففعل الرجل فبرأ ) (4(
سادساً: إن فيها دواء للأمراض القلبية كما في قوله لمن شكى إليه قسوة قلبه: { إذا أردت تليين قلبك فأطعم المسكين، وامسح على رأس اليتيم } (5(
سابعاً: أن الله يدفع بالصدقة أنواعاً من البلاء كما في وصية يحيى عليه السلام لبني إسرائيل: ( وآمركم بالصدقة، فإن مثل ذلك رجل أسره العدو فأوثقوا يده إلى عنقه، وقدموه ليضربوا عنقه فقال: أنا أفتدي منكم بالقليل والكثير، ففدى نفسه منهم ) (6) فالصدقة لها تأثير عجيب في دفع أنواع البلاء ولو كانت من فاجرٍ أو ظالمٍ بل من كافر فإن الله تعالى يدفع بها أنواعاً من البلاء، وهذا أمر معلوم عند الناس خاصتهم وعامتهم وأهل الأرض مقرون به لأنهم قد جربوه.
ثامناً: أن العبد إنما يصل حقيقة البر بالصدقة كما جاء في قوله تعالى: لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ .
(7)
تاسعاً: أن المنفق يدعو له الملك كل يوم بخلاف الممسك وفي ذلك يقول : { ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان فيقول أحدهما: اللهم أعط منفقاً خلفاً، ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكاً تلفاً ( { (8
عاشراً: أن صاحب الصدقة يبارك له في ماله كما أخبر النبي عن ذلك بقوله: { ما نقصت صدقة من مال { (9)
الحادي عشر: أنه لا يبقى لصاحب المال من ماله إلا ما تصدق به كما في قوله تعالى: وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلأنفُسِكُمْ .(10) ولما سأل النبي عائشة رضي الله عنها عن الشاة التي ذبحوها ما بقى منها: قالت: ما بقى منها إلا كتفها. قال: { بقي كلها غير كتفها { (11)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــ
(1) , (2) , (4) صحيح الترغيب . (3) ,(8)في الصحيحين. (5) رواه أحمد. (6) [صحيح الجامع] , (7) آل عمران:92. (9) (11) في صحيح مسلم. (10) البقرة 72 .
الثاني عشر: أن الله يضاعف للمتصدق أجره كما في قوله عز وجل: إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً يُضَاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ (1). وقوله سبحانه: مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافاً كَثِيرَةً وَاللّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (2(
الثالث عشر: أن صاحبها يدعى من باب خاص من أبواب الجنة يقال له باب الصدقة كما في حديث أبي هريرة أن رسول الله قال: { من أنفق زوجين في سبيل الله، نودي في الجنة يا عبد الله، هذا خير: فمن كان من أهل الصلاة دُعي من باب الصلاة، ومن كان من أهل الجهاد دُعي من باب الجهاد، ومن كان من أهل الصدقة دُعي من باب الصدقة، ومن كان من أهل الصيام دُعي من باب الريان } قال أبو بكر: يا رسول الله، ما على من دُعي من تلك الأبواب من ضرورة فهل يُدعى أحد من تلك الأبواب كلها: قال: { نعم وأرجو أن تكون منهم } (3(
الرابع عشر: أنها متى ما اجتمعت مع الصيام وإتباع الجنازة وعيادة المريض في يوم واحد إلا أوجب ذلك لصاحبه الجنة كما في حديث أبي هريرة أن رسول الله قال: { من أصبح منكم اليوم صائماً؟ } قال أبو بكر: أنا. قال: { فمن تبع منكم اليوم جنازة؟ } قال أبو بكر: أنا. قال: { فمن عاد منكم اليوم مريضاً؟ } قال أبو بكر: أنا، فقال رسول الله : { ما اجتمعت في امرئ إلا دخل الجنة } (4)
الخامس عشر: أن فيها انشراح الصدر، وراحة القلب وطمأنينته، فإن النبي ضرب مثل البخيل والمنفق كمثل رجلين عليهما جبتان من حديد من ثدييهما إلى تراقيهما فأما المنفق فلا ينفق إلا اتسعت أو فرت على جلده حتى يخفى أثره، وأما البخيل فلا يريد أن ينفق شيئاً إلا لزقت كل حلقة مكانها فهو يوسعها ولا تتسع (5) ( فالمتصدق كلما تصدق بصدقة انشرح لها قلبه، وانفسح بها صدره، فهو بمنزلة اتساع تلك الجبة عليه، فكلمَّا تصدَّق اتسع وانفسح وانشرح، وقوي فرحه، وعظم سروره، ولو لم يكن في الصَّدقة إلا هذه الفائدة وحدها لكان العبدُ حقيقياً بالاستكثار منها والمبادرة إليها وقد قال تعالى: وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ (6)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــ
(1)الحديد:18 . (2) [البقرة 45 . (3) , (5) في الصحيحين. (4) رواه مسلم . (6) الحشر:9.
أفضل الصدقات:
الأول: الصدقة الخفية؛ لأنَّها أقرب إلى الإخلاص من المعلنة وفي ذلك يقول جل وعلا: إِن تُبْدُواْ الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِىَ وَإِن تُخْفُوهَا وَتؤْتُوهَا الفُقَرَاءِ فَهُوَ خَيرٌ لَّكُمْ (1) ، ( فأخبر أنَّ إعطاءها للفقير في خفية خيرٌ للمنفق من إظهارها وإعلانها، وتأمَّل تقييده تعالى الإخفاء بإتيان الفقراء خاصة ولم يقل: وإن تخفوها فهو خيرٌ لكم، فإنَّ من الصدقة ما لا يمكن إخفاؤه كتجهيز جيشٍ، وبناء قنطرة، وإجراء نهر، أو غير ذلك، وأمَّا إيتاؤها الفقراء ففي إخفائها من الفوائد، والستر عليه، وعدم تخجيله بين النَّاس وإقامته مقام الفضيحة، وأن يرى الناس أن يده هي اليد السفلى، وأنَّه لا شيء له، فيزهدون في معاملته ومعاوضته، وهذا قدرٌ زائدٌ من الإحسان إليه بمجرد الصدقة مع تضمنه الإخلاص، وعدم المراءاة، وطلبهم المحمدة من الناس. وكان إخفاؤها للفقير خيراً من إظهارها بين الناس، ومن هذا مدح النبي صدقة السَّر، وأثنى على فاعلها، وأخبر أنَّه أحد السبعة الذين هم في ظلِّ عرش الرحمن يوم القيامة، ولهذا جعله سبحانه خيراً للمنفق وأخبر أنَّه يكفر عنه بذلك الإنفاق من سيئاته (2)
الثانية: الصدقةُ في حال الصحة والقوة أفضل من الوصية بعد الموت أو حال المرض والاحتضار كما في قوله : { أفضل الصدقة أن تصدَّق وأنت صحيحٌ شحيحُ، تأمل الغنى وتخشى الفقر، ولا تمهل حتى إذا بلغت الحلقوم قلت: لفلان كذا ولفلان كذا، ألا وقد كان لفلان كذا { (3)
الثالثة: الصدقة التي تكون بعد أداء الواجب كما في قوله عز وجل: وَيَسْئَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ العَفْوَ (4) ، وقوله : { لا صدقة إلا عن ظهر غنى… }، وفي رواية: { وخير الصدقة ظهر غنى } (5)
الرابعة: بذل الإنسان ما يستطيعه ويطيقه مع القلة والحاجة؛ لقوله : { أفضل الصدقة جهد المُقل، وابدأ بمن تعول } [(6) , وقال : { سبق درهم مائة ألف درهم }، قالوا: وكيف؟! قال: { كان لرجل درهمان تصدق بأحدهما، وانطلق رجل إلى عرض ماله، فأخذ منه مائة ألف درهم فتصدق بها } (7) قال البغوي رحمه الله: ( والإختيار للرجل أن يتصدق بالفضل من ماله، ويستبقي لنفسه قوتاً لما يخاف عليه من فتنة الفقر، وربما يلحقه الندم على ما فعل، فيبطل به أجره، ويبقى كلاً على الناس، ولم ينكر النبي على أبي بكر خروجه من ماله أجمع، لَّما علم من قوة يقينه وصحة توكله، فلم يخف عليه الفتنة، كما خافها على غيره، أما من تصدق وأهله محتاجون إليه أو عليه دين فليس له ذلك، وأداء الدين والإنفاق على الأهل أولى، إلا أن يكون معروفاً بالصبر، فيؤثر على نفسه ولو كان به خصاصة كفعل أبي بكر، وكذلك آثر الأنصار المهاجرين، فأثنى الله عليهم بقوله وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ (8)وهي الحاجة والفقر.
الخامسة: الإنفاق على الأولاد كما في قوله : { الرجل إذا أنفق النفقة على أهله يحتسبها كانت له صدقة } [(9) وقوله : { أربعة دنانير: دينار أعطيته مسكيناً، ودينار أعطيته في رقبةٍ، ودينار أنفقته في سبيل الله، ودينار أنفقته على أهلك، أفضلها الدينار الذي أنفقته على أهلك } (10)
السادسة: الصدقة على القريب، كان أبو طلحة أكثر أنصاري بالمدينة مالاً، وكان أحب أمواله إليه بيرحاء، وكانت مستقبلة المسجد، وكان رسول الله يدخلها ويشرب من ماء فيها طيِّبٍ. قال أنس: ( فلما أنزلت هذه الآية: لَن تَنَالُواْ البِر حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ (11). قام أبو طلحة إلى رسول الله فقال: يا رسول الله إنَّ الله يقول في كتابه لَن تَنَالُواْ البِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ وإن أحب أموالي إلي بيرحاء، وإنها صدقة لله أرجو برَّها وذخرها عند الله، فضعها يا رسول الله حيث شئت، فقال رسول الله : { بخ بخ مال رابح، وقد سمعت ما قلت فيها، إني أرى أن تجعلها في الأقربين }. فقال أبو طلحة: أفعل يا رسول، فقسَّمها أبو طلحة في أقاربه وبني عمه (12(
وقال : { الصدقة على المسكين صدقة، وهي على ذي الرحم اثنتان صدقة وصلة } (13)، وأخصُّ الأقارب – بعد من تلزمه نفقتهم – اثنان:
الأول: اليتيم؛ لقوله جلَّ وعلا: فَلا اقتَحَمَ العَقَبَةَ (11) وَمَا أدرَاكَ مَا العَقَبَةُ (12) فَكُّ رَقَبَةٍ (13) أَو إِطعَامٌ فِى يَومٍ ذي مَسغَبَةٍ (14) يَتِيماً ذَا مَقرَبَةٍ (15) أَو مِسكِيناً ذَا مَتْرَبةَ (14) . والمسبغة: الجوع والشِّدة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــ
(1) البقرة 71 . (2) طريق الهجرتين . (3), (9) في الصحيحين. (4) البقرة 19 . (5) كلا الروايتين في البخاري.(6) رواه أبو داود. (7) [رواه النسائي، صحيح الجامع] .(8) [الحشر:9] . (10) [رواه مسلم].. (11) [آل عمران:92] . (12) [في الصحيحين . (13) [رواه أحمد والنسائي والترمذي وابن ماجة] . (14) [البلد:11-16[
الثاني: القريب الذي يضمر العداوة ويخفيها؛ فقد قال : { أفضل الصدقة على ذي الرحم الكاشح } (1(
السابعة: الصَّدقة على الجار؛ فقد أوصى به الله سبحانه وتعالى بقوله: وَالْجَارِ ذِي القُرْبَى وَالْجَارِ الجُنُبِ (2) وأوصى النبي أبا ذر بقوله: { وإذا طبخت مرقة فأكثر ماءها، واغرف لجيرانك منها } (3(
الثامنة: الصدقة على الصاحب والصديق في سبيل الله؛ لقوله : { أفضل الدنانير: دينار ينفقه الرجل على عياله، ودينار ينفقه الرجل على دابته في سبيل الله، ودينار ينفقه الرجل على أصحابه في سبيل الله عز وجل { (4)
التاسعة: النفقة في الجهاد في سبيل الله سواء كان جهاداً للكفار أو المنافقين، فإنه من أعظم ما بُذلت فيه الأموال؛ فإن الله أمر بذلك في غير ما موضع من كتابه، وقدَّم الجهاد بالمال على الجهاد بالنفس في أكثر الآيات ومن ذلك قوله سبحانه: انفِرُواْ خِفَافاً وَثِقَالاً وَجَاهِدُواْبِأَموَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ ذَلِكُمْ خَيرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (5) ، وقال سبحانه مبيناً صفات المؤمنين الكُمَّل الذين وصفهم بالصدق إِنَّمَا المُؤمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُواْ بِاللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَم يَرتَابُواْ وَجَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (6)، وأثنى سبحانه وتعالى على رسوله وأصحابه رضوان الله عليهم بذلك في قوله: لَكِنَ الرَّسُولُ وَالذَّينَ آمَنُواْ مَعَهُ جَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ وَأُوْلَئِكَ لَهُمُ الخَيرَاتُ وَأُوْلَئِكَ هُمُ المُفلِحُونَ (88) أَعَدَّ اللهُ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِى مِن تَحتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ الْفَوزُ العَظِيمُ (7)، ويقول عليه الصلاة والسلام: { أفضل الصدقات ظلُّ فسطاطٍ في سبيل الله عز وجل أو منحة خادم في سبيل الله، أو طروقة فحل في سبيل الله } (8) وقال : { من جهز غازياً في سبيل الله فقد غزا }(9)، ولكن ليُعلم أن أفضل الصدقة في الجهاد في سبيل الله ما كان في وقت الحاجة والقلة في المسلمين كما هو في وقتنا هذا، أمَّا ما كان في وقت كفاية وانتصار للمسلمين فلا شك أن في ذلك خيراً ولكن لا يعدل الأجر في الحالة الأولى: وَمَا لَكُمْ أَلاَّ تُنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الَّذِينَ أَنفَقُوا مِن بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلاًّ وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (10) مَن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ (10). ( إن الذي ينفق ويقاتل والعقيدة مطاردة، والأنصار قلة، وليس في الأفق ظل منفعة، ولا سلطان، ولا رخاء غير الذي ينفق، ويقاتل، والعقيدة آمنة، والأنصار كثرةٌ والنصر والغلبة والفوز قريبة المنازل، ذلك متعلق مباشرةً لله متجردٌ تجرداً كاملاً لا شبهة فيه، عميق الثقة والطمأنينة بالله وحده، بعيدٌ عن كل سبب ظاهر، وكل واقع قريب لا يجد على الخير أعواناً إلا ما يستمده مباشرةً من عقيدته، وهذا له على الخير أنصارٌ حتى حين تصح نيته ويتجرد تجرد الأوليين ) (11)
العاشرة: الصدقة الجارية: وهي ما يبقى بعد موت العبد، ويستمر أجره عليه؛ لقوله : { إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له } (12)
وإليك بعضاً من مجالات الصدقة الجارية التي جاء النص بها:
مجالات الصدقة الجارية:
-1 سقي الماء وحفر الآبار؛ لقوله}: أفضل الصدقة سقي الماء} . (13)
-2 إطعام الطعام؛ فإن النبي لما سُئل: أي الإسلام خير؟ قال: { تُطعم الطعام، وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف } (14(
-3 بناء المساجد؛ لقوله : { من بني مسجداً يبتغي به وجه الله، بني الله له بيتاً في الجنة } (15) وعن جابر أن رسول الله قال: { من حفر بئر ماء لم يشرب منه كبد حرى من جن ولا إنس ولا طائر إلا آجره الله يوم القيامة، ومن بني مسجدا كمفحص قطاة أو أصغر بني الله له بيتاً في الجنة { (16)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــ
(1) , (8),(13) رواه أحمد وأبو داود والترمذي صحيح الجامع . (2) [النساء:36] . (3),(4),(12) رواه مسلم . (5) [التوبة:41] . (6) [الحجرات:15] .(7) التوبة:89،88. (9),(14),(15) [في الصحيحين] .(10) [الحديد:11،10] .(11) [في ظلال القرآن]. .(16) صحيح الترغيب.
-4 الإنفاق على نشر العلم، وتوزيع المصاحف، وبناء البيوت لابن السبيل، ومن كان في حكمه كاليتيم والأرملة ونحوهما، فعن أبي هريرة قال: قال : { إن مما يلحق المؤمن من عمله وحسناته بعد موته علماً علمه ونشره، أو ولداً صالحاً تركه، أو مصحفاً ورثه، أو مسجداً بناه، أو بيتاً لابن السبيل بناه، أو نهراً أجراه، أو صدقة أخرجها من ماله في صحته وحياته تلحقه بعد موته } (1(
ولتعلم أخي / أختي أن الإنفاق في بعض الأوقات أفضل منه في غيرها كالإنفاق في رمضان، كما قال ابن عباس رضي الله عنه: ( كان رسول الله أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل وكان بلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن، فلرسول الله حين يلقاه جبريل أجود بالخير من الريح المرسلة ) [في الصحيحين]، وكذلك الصدقة في أيام العشر من ذي الحجة، فإن النبي قال: { ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام } يعني أيام العشر. قالوا: يا رسول الله! ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: { ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه وماله، ثم لم يرجع من ذلك شيء } (2 ( وقد علمت أن الصدقة من أفضل الأعمال التي يُتقرب بها إلى الله.
ومن الأوقات الفاضلة يوم أن يكون الناس في شدة وحاجة ماسة وفقر بيّن كما في قوله سبحانه: فَلا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ (11) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ (12) فَكُّ رَقَبَةٍ (13) أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ (3(
فمن نعمة الله عز وجل على العبد أن يكون ذا مال وجدة، ومن تمام نعمته عليه فيه أن يكون عوناً له على طاعة الله { فنعم المال الصالح للمرء الصالح } (4(
أنواع الصدقات:
• ليست الصدقة قاصرة على نوع معين من أعمال البر بل إن كل معروف صدقة.
• قال الرسول الكريم صلوات الله وسلامه عليه: "كل نفس كتب عليها الصدقة كل يوم طلعت فيه الشمس، فمن ذلك أن يعدل بين الاثنين صدقة -أي يصلح بين متخاصمين بالعدل-، وأن يعين الرجل على دابته فيحمله عليها صدقة، ويرفع متاعه عليها صدقة، ويميط الأذى عن الطريق صدقة، والكلمة الطيبة صدقة، وكل خطوة يمشي إلى الصلاة صدقة"(5(
• عن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ”على كل نفس في كل يوم طلعت فيه الشمس صدقة منه على نفسه، قلت: يا رسول الله من أين أتصدق؟، قال: لأن من أبواب الصدقة: التكبير، وسبحان الله والحمد لله، ولا إله إلا الله، واستغفر الله، وتأمر بالمعروف، وتنهى عن المنكر، وتعزل الشوك عن طريق الناس، والعظم والحجر، وتهدي الأعمى، وتسمع الأصم والأبكم حتى يفقه، وتدل المستدل على حاجة له قد علمت مكانها، وتسعى بشدة ساقيك إلى اللهفان المستغيث، وترفع بشدة ذراعيك مع الضعيف، كل ذلك من أبواب الصدقة منك على نفسك، ولك في جماع زوجتك أجر“ (6(
لمن الصدقة…؟
• أولى الناس بالصدقة هم أولاد المتصدق وأهله وأقاربه.
• قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ”تصدقوا، قال رجل: عندي دينار، قال: تصدق به على نفسك، قال الرجل: عندي دينار آخر، قال: تصدق به على زوجتك، قال الرجل: عندي دينار آخر، قال: تصدق به على ولدك، قال: عندي دينار آخر،قال: تصدق به على خادمك،قال: عندي دينار آخر،قال صلى الله عليه وسلم: أنت به أبصر“
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــ
(1) رواه ابن ماجة:صحيح الترغيب. (2),(4)رواه البخاري]،(3) [البلد:11-14]. . (5),(6) رواه أحمد وغيره
الخاتمة:
ومما استفدت من هذا التقرير هو أن الصدقة تجوز ولو بكلمة واحده من تسبيحه أو تكبير أو تشهد فسبحان الله الذي جعل لنا ديننا دين يسر لا عسر .
أنني أقدم هذا التقرير إليكم، وآمل أن ينال إعجابكم ، وآمل أن أكون قد أديت الرسالة العلمية إليكم ، والله الموفق…
قال العماد الأصفهاني:
(( إني رأيت أنه لا يكتب إنسان كتاباً في يومه إلا وقال في غده: لو غيّر هذا لكان أحسن ، ولو زيد كذا لكان يستحسن ، ولو قدم هذا لكان أفضل ، ولوترك هذا لكان أجمل .. وهذا من أعظم العبر. ((
والله ولي التوفيق
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
المصادر والمراجع :
موقع كلمات :: الصدقة فضائلها وأنواعها
صحيح مسلم – للإمام أبي الحسين مسلم بن الحجاج –دار احياء التراث العربي – بيروت – لبنان.
منهاج المؤمن – د.مصطفى مراد – جامعة الأزهر – دار الفجر للتراث – الطبعة الأولى 1443هـ , 2022م .
رياض الصالحين – تأليف الإمام النووي – دار الفجر للتراث .
*كتاب الصدقة- محمد الشيباني.
م………….ن