كان السبب الرئيس وراء سقوط البيزنطيين الدمار الذي كانت تخلفه الحملات الأولى المارة من بيزنطة (مدينة القسطنطينية) عاصمة الإمبراطورية البيزنطية وتحول حملات لاحقة نحوها.
كانت الحروب الصليبية سلسلة من الصراعات العسكرية من الطابع الديني الذي خاضه الكثير من أوروبا المسيحية ضد التهديدات الخارجية والداخلية. وقد خاض في الحروب الصليبية ضد المسلمين، وثنية من السلاف، والمسيحيين الروسية والأرثوذكسية اليونانية، والمغول، والاعداء السياسيين للباباوات. كان الصليبيون يأخذون الوعود ويمنحون التساهل.
هدف الحروب الصليبية في الاصل كان احتلال القدس والأراضي المقدسة من المسلمين، وكانت القاعدة التي أطلقت في الأصل استجابة لدعوة من الإمبراطوريه البيزنطيه الارثوذكسيه الشرقية لمساعدتهم ضد توسع المسلمين السلاجقه في الأناضول.
مصطلح الحروب الصليبية يستخدم أيضا لوصف حروب معاصرة ولاحقه من خلال القيام بحملات إلى القرن السادس عشر في الأقاليم خارج بلاد الشام. عادة ضد الوثنيين، والزنادقة بحسب المعتقد المسيحي، والشعوب الخاضعة لحظر الطرد لمزيج من الدينية، والاقتصادية، وأسباب سياسية. التناحرات بين المسيحيين والمسلمين على حد سواء لنيل الصلاحيات أدى أيضا إلى التحالفات بين الفصائل الدينية ضد خصومهم، مثل التحالف المسيحي مع سلطنة رومية أثناء الحملة الصليبية الخامسة.
كانت الحروب الصليبية كانت بعيدة المدى السياسي، والاقتصادي، والتأثيرات الاجتماعية، والتي استمر بعضها في الاوقات المعاصرة. بسبب الصراعات الداخلية بين الممالك المسيحيه والقوى السياسية، وبعض البعثات الصليبية قد تم تحويلها من الهدف الأصلي، مثل الحملة الصليبية الرابعة، والتي اسفرت عن كيس القسطنطينيه المسيحيه وتقسيم الإمبراطوريه البيزنطيه بين البندقيه والصليبيين. وكانت الحملة الصليبية السادسة أول حملة صليبيه دون مباركة البابا، وارساء سابقة ان الحكام بخلاف البابا ان يستهل حملة صليبيه. إن الكنيسة الرومية الكاثوليكية تنتهج سياسة فريدة يمكن تسميتها ب"الاستعمار الخفي". تتلخص هذه السياسة في تغيير الخريطة السكانية عن طريق تشجيع أتباعها الكاثوليك على الهجرة إلى البلاد التي يراد زعزعة الولاء فيها، والأمثلة على ذلك كثيرة، منها ما حدث في الولايات المتحدة في منتصف القرن التاسع عشر الميلادي بعد أن لجأ إليها البروتستانت المضهدون في أوروبا، فكان هؤلاء البروتستانت يشلكون أغلبية ساحقة، لكن الأمر تغير بعد مشروع الاستعمار الخفي الذي خطط له الرهبان الكاثوليك في بفلو عام 1852، والذي أعلنوا فيه:
لقد عزمنا على الاستيلاء على الولايات المتحدة وحكمها، لكننا لا نستطيع صنع ذلك دون العمل سراً وبكل حكمة… وبسرية وصبر علينا أن نحشد أتباعنا من الروم الكاثوليك في المدن الكبرى بالولايات المتحدة… ولندعُ فقراءنا المؤمنين من الكاثوليك الإيرلنديين من كل أنحاء العالم
الدوافع الدينية
كانت دعوة البابا للحروب الصليبية التي بدأها البابا أوربان الثاني في نوفمبر 1095 بعقده مجمعا لرجال الدين في مدينة كليرمونت فران الفرنسية، وكان الكثير من الحملات قد بررت بتطبيق "ارادة الرب" عن طريق الحج إلى الأرض المقدسة للتكفير عن الخطايا، وكانت الدعوات تروي عن اضطهاد الحكم الإسلامي للمسيحيين في الأرض المقدسة وتدعو إلى تحريرهم، خصوصا بعد تدمير كنيسة القيامه في 18 أكتوبر عام 1009 بأمر الحاكم بأمر الله الفاطمي. وتراجعت هذه الدوافع الدينية مع مرور الوقت لتصل إلى حد تدمير مدينة القسطنطينية المسيحية الشرقية في الحملة الصليبية الأولى والرابعة على أيدي الصليبيين أنفسهم
الدوافع الاجتماعية
كان قانون الارث المطبق في أوروبا ينص على أن يرث الابن الأكبر عقارات والده وعبيده بعد موته، وتوزع المنقولات بين أبنائه، وبسبب هذا القانون نشأت طبقة من النبلاء أو الاسياد الذين لم يكونوا يملكون اقطاعيات، فشاعت بينهم القاب مثل "بلا ارض" و"المعدم" دلالة على عدم ملكيتهم لقطعة أرض، ورأى الكثير من هؤلاء فرصتهم في الحملات الصليبية للحصول على أراض في الشرق، ورأى آخرون فيها فرصة لتوسيع املاكهم بضم املاك جديدة، كما كان الفقراء يجدون فيها فرصة لحياة جديدة أفضل ووسيلة تخرجهم من حياة العبودية التي كانوا يعيشونها في ظل نظام الاقطاع السائد في ذلك الوقت. ولا ننسى أيضا رغبة المدن الساحلية الأوروبية تحقيق مكاسب تجارية نظيرا لنقل المحاربين على سفنها ورغبة بعض فرسان أوروبا في التخلص من النظام الاقطاعي الفاسد عن طريق العيش في الشرق وهذا ما يعيد نفسه اليوم
العلاقة مع الإسلام
كانت العلاقات الخارجية لاوروبا مع المد الإسلامي لا تبعث على الطمأنينة.فالمسلمون الذين كانوا قد قاتلوا البيزنطيين منذ القرن السابع الميلادي قد وصلوا إلى جبال البيرينية في شمال إسبانيا وجنوب فرنسا بعد أن سيطروا على شمال أفريقيا، فكانت المناطق الأوروبية المتاخمة لحدود دولة الأندلس الإسلامية بشبه جزيرة إيبيريا وجزيرة صقلية تشعر بتهديد السيطرة الإسلامية عليها مما ساهم في تجنيد الأوروبيين بدافع الحماية والدفاع عن مناطقهم.
تأثيرات الحملات الصليبية
كان للحملات الصليبية تأثير كبير على أوروبا في العصور الوسطى، في وقت كان السواد الاعظم من القارة موحدا تحت راية البابوية القوية، ولكن بحلول القرن الرابع عشر الميلادي، تفتت المبدأ القديم للمسيحية، وبدأ تطور البيروقراطيات المركزية التي شكلت فيما بعد شكل الدولة القومية الحديثة في إنجلترا وفرنسا والمانيا وغيرها.
كان تأثر الأوروبيين بالحضارة العربية والإسلامية كبيرا في فترة الحروب الصليبية، ولكن يرى العديد من المؤرخين ان التأثير الاعظم وانتقال المعارف الطبية والمعمارية والعلمية الأخرى كان قد حدث في مناطق التبادل الثقافي والتجاري التي كانت في حالة سلام مع الولايات الإسلامية، مثل الدولة النورمانية في جنوب إيطاليا ومناطق التداخل العربي- الإسلامي مع أوروبا في الاندلس ومدن الازدهار التجاري في حوض المتوسط كالبندقية وجنوه والإسكندرية، ولكن ما من شك بتأثر الاوروبين بالعرب خلال الحملات الصليبية أيضا، فكان تطور بناء القلاع الاوربية لتصبح ابنية حجرية ضخمة كما هي القلاع في الشرق بدلا من الابنية الخشبية البسيطة التي كانت في السابق، كما ساهمت الحملات الصليبية في إنشاء المدن- الدول في إيطاليا التي استفادت منذ البدء من العلاقات التجارية والمبادلات الثقافية مع الممالك الصليبية والمدن الإسلامية.
وكان للحملات الصليبية أثارا دموية، فبالإضافة إلى سفك الدماء في الحروب في الشرق، كانت الاقليات من غير المؤمنين تعاني الامرين، فكان الهراطقة الالبيجيين في جنوب فرنسا واليهود في ألمانيا وهنغاريا قد تعرضوا لمذابح بوصفهم "كفرة" أو "قتلة المسيح"، وادى ذلك إلى تنمية التمييز العرقي بين شعوب أوروبا الذي كان تكتل اليهود في أوروبا وعزلهم من نتائجه، الأمر الذي الهم فيما بعد الفكر النازي والفاشي في فترة مراهقة الدول القومية في أوروبا.
الحروب الصليبية في الذاكرة الإنسانية
يرى المسلمون الحروب الصليبية على أنها كانت حروب بربرية ومارس فيها الصليبيون المسيحيون ابشع المجازر الدموية باسم المسيحية فقتلوا الاطفال والنساء والشيوخ وشقوا بطون الحوامل واهلكوا الحرث والنسل فأذاقهم الله على يد عباده من المسلمين الهزيمة والهوان، ويرى المسلمون في شخصيات صلاح الدين والظاهر بيبرس ابطالا محررين، وكذلك يرى الأوروبيون الشخصيات المشاركة في الحروب الصليبية ابطالا مغامرين محاطين بهالة من القداسة، فيعتبر لويس التاسع قديسا ويمثل صورة المؤمن الخالص في فرنسا، ويعتبر ريتشارد قلب الاسد ملك صليبي نموذجي، وكذلك فريدريك بربروسا في الثقافة الألمانية.
كما ينظر إلى مسمى حملة صليبية في عديد من الثقافات الغربية نظرة إيجابية على أنه حملة لأجل الخير أو لهدف سامي ويعمم المصطلح أحيانا ليتخطى الإطار الديني، فقد ترد عبارات كـ"بدأ فلان حملة صليبية لإطعام الجياع"، كما استخدم المصطلح من قبل الرئيس الأمريكي جورج بوش لوصف ما أسماه الحرب على الإرهاب في 16 سبتمبر 2022 في عبارة مثيرة للجدل "This crusade, this war on terrorism is going to take a while." أي "هذه الحملة الصليبية، هذه الحرب على الإرهاب سيستلزمها وقت
الحملة الثامنة
انطلق في هذه الحملة لويس التاسع ملك فرنسا في عام 1270 بعد حوالي 3 سنوات من التأخير، وقد قام بها عدد قليل من البارونات والفرسان الفرنسيون، إذ ان فشل الحملات الجلي وانحطاط سمعتها صدهم عنها، حتى ان مؤرخ سيرة حياة لويس التاسع الذي رافقه في حملته السابقة رفض الانضمام إليه هذه المرة، ويروي هذا المؤرخ ان نبأ الحملة الجديدة كان مفاجئا للغاية بالنسبة له شخصيا وبالنسبة للاشخاص الآخرين المقربين من الملك، وانه اذهل البارونات، وكانت المعارضة مجمع عليها تقريبا واضطر الملك إلى شراء حماسة الاسياد بالمال، ونذر مع الملك النذر الصليبي أبناءه الثلاثة وبعض تابعي الملك الآخرين، واتفق على أن توجه الحملة نحو تونس.
بدأت المفاوضات مع المستنصر أمير تونس ولما نزل الصليبيون في تونس وصلت المفاوضات إلى طريق مسدود، وعندها انضم شارل الأول كونت انجو، الأخ الاصغر للويس وملك مملكة نابولي. واستولوا على قلعة قرطاجا القديمة، ولكن وباء دب في صفوف الفرسان، وتوفي على اثره الملك وافراد العائلة المالكة المرافقة باستثناء فيليب الابن البكر للملك الذي شفي، وفي نفس يوم وفاة الملك وهو 25 اغسطس 1270 وصل اخاه شارل الأول، وخاضت قواته برفقة قوات لويس بقيادة خلفه فيليب بضع معارك ناجحة ضد قوات أمير تونس، وفي أول نوفمبر 1270 وقعت معاهدة صلح مع المستنصر الزمتة بدفع جزية مضاعفة إلى ملك الصقليتيين، كما شملت حقوقا تجارية متبادلة، وبعد 17 يوما من التوقيع، ركب الصليبييون السفن وغادرو تونس.
الحملة السابعة
كان الهزيمة التي لحقت بقصائل الصليبيين عام 1244 وخسارتهم التامة للقدس أدت إلى ترتيب الحملة الصليبية السابعة، فقادها الملك الفرنسي لويس التاسع وتوجه بها إلى مصر واستمرت الحملة بين عامي 1248 و1254، فسيطروا في البدء على دمياط ثم المنصورة، ولكن المسلمين بقيادة الملك المعظم توران شاه نجحوا في تدمير قواتهم وفي حصر بقاياها في المنصورة حتى استسلموا، ووقع لويس في الأسر حتى تم فديه عام 1250 فعاد إلى عكا وبقي فيها 4 سنوات قبل العودة إلى فرنسا بخفي حنين
معركة حطين
في 4 يوليو 1187 وقعت معركة حطين التاريخية والمحورية. حيث انتصر فيها السلطان صلاح الدين الأيوبي سلطان مصر والشام. فحرر القدس في 2 أكتوبر 1187، الأمر الذي دفع بالبابا غريغوريوس الثامن إلى الدعوة إلى حملة صليبية جديدة.
الحملة الثانية
بدأت الحملة الثانية عام 1147 وانتهت عام 1192. وكانت قد أعقبت فترة من الهدوء، دعا إليها برنارد دي كليرفو، وكان قادتها لويس السابع ملك فرنسا وكونراد الثالث هوهنشتاوفن إمبراطور الجرمان(ألمانيا)، وهي أول حملة يشترك فيها الملوك، تعرضت فيها الجحافل الألمانية لضربة قوية تمثلت في الجوع والمرض بعد هزيمة لحقت بها امام فصائل الخيالة التابعة لسلطان قونية السلجوقي جوار ضورليوم، كما منيت القوات الفرنسية بهزيمة خطرة بجوار خونة. انهك السلاجقة الصليبيين بغاراتهم المتواصلة. وفي 24 يونيو 1147 تلاقى لويس السابع وكونراد الثالث ووصية العرش ميليساندا مع اعيان القدس. ومضوا لحصار دمشق الحصينة، لان فتحها كان يبشر بغنائم وفيرة.دام الحصار خمسة أيام (من 23 إلى 27 يوليو). لكنه فشل. وتخلي ملك القدس بودوان وبارون طبرية عن مطلبهما بعد تدهور موقعهم العسكري بسبب مناورة عسكرية أو لعله برشوة قدمها لهما الوزير الدمشقي معين الدين أنر. وفي عام 491هـ/ 1097م؛ تجمعت قوات الصليبيين في القسطنطينية، وبعد أن تم إعدادها عبرت البسفور إلى الشام، ودارت بينهم وبين السلاجقة معركة عام 1097م، عند "ضورليوم"، ولكن هزم فيها السلاجقة، ثم استولى الصليبيون على أنطاكية في شمالي الشام، وأسسوا بها أول إمارة لهم، ثم استولوا على الرها في إقليم الجزيرة الشمالي، وأسسوا إمارتهم الثانية واتجهوا إلى مدينة القدس وبها بيت المقدس. وأمام أربعين ألف مقاتل، لم يستطع جيش الفاطميين فك حصارهم للمدينة الذي استمر شهرًا كاملا، ودخلوها في النهاية في 15 يوليو سنة 1099م، وأقاموا فيها مذبحة قضوا على سكانها جميعًا رجالا ونساءً وأطفالا وكهولا، واستباحوا مدينة القدس أسبوعًا يقتلون ويدمرون حتى قتلوا في ساحة الأقصى فقط سبعين ألفًا من المسلمين. ويذكر أن ريموند القائد الصليبي احتل "مَعَرَّة النعمان"، وقتل بها مائة ألف،ٍ وأشعل النار فيها، ثم أقاموا دولتهم الكبرى المعروفة باسم مملكة القدس. وفي هذه الحملة، ظلت بعض مدن الشام الهامة مثل حلب ودمشق في أيدي المسلمين. لقد تم الاستيلاء على القدس، وشعر الصليبيون أنهم حققوا واجبهم الديني باستعادة المدينة المقدسة. وقد قسم الصليبيون هذا الإقليم إلى أربع إمارات: إمارة الرُّها 492هـ/ 1098م، وتشمل أعالي نهري دجلة والفرات، وتقرب حدودها الجنوبية الغربية من حلب، وكانت عاصمتها الرها التي توجد في بعض الخرائط باسم إدريسّا. أما الثانية فهي إمارة أنطاكية، وتقع في الإقليم الشمالي جنوب غرب إمارة الرها. ثم تليها جنوبًا إمارة طرابلس وهي تقع في شريط ضيق على الساحل وهي أصغر هذه الإمارات. أما الرابعة فهي مملكة القدس، وتمتد حدودها الشرقية من قرب بيروت الحالية، ثم تتبع نهر الأردن حيث تتسع قليلا، وتتجه جنوبًا إلى خليج العقبة، وكانت عاصمتها القدس نفسها. وكان لكل إمارة من هذه الإمارات أمير أو حاكم يحكمها، لقد استولوا على القدس، وها هو ذا نصرهم قد تم، وها هي ذي أوروبا كلها في فرح متزايد، ولكن الخلافات بينهم قد عادت كأشد ما تكون بعد أن تم لهم النصر.