هو الإمام الحافظ العلَم المحدّث الجليل أبو عيسى محمد بن عيسى بن سَورة بن موسى السُّلَمي التِّرْمِذِي.
وُلد في عام 209م (وقيل غير ذلك) بمدينة "ترمذ" الشهيرة – الواقعة على ساحل نهر "جيحون" من بلاد ما وراء النهر (في جنوب جمهورية أوزبكستان على حدود أفغانستان حسب التقسيم الجغرافي الحالي).
وكان جدّ الإمام الترمذي من مدينة "مرو" [وهي من مدن في تركمنستان اليوم] في الأصل، ولكنه انتقل إلى مدينة "تِرْمِذْ" وولد الإمام فيها.
وقيل بأن الإمام الترمذي وُلِد كفيفاً، إلا أن الإمام الذهبي يرجح بأنه أصيب بالعمى بسبب كثرة كتابته للعلم من أجل نشر حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم.
………………………….
طلبه للعلم ورحلاته الحديثية
امتثالاً للتوجيه النبوي الكريم "من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهّل الله له به طريقاً إلى الجنة" –وكما هي عادة علماء الإسلام والمحدثين عبر التاريخ الإسلامي- بدأ الإمام الترمذي في رحلاته العلمية فسمع من علماء الحديث بخراسان والعراق والحرمين الشريفين وغيرها.
وكان أعظم شيوخه الإمام البخاري، كما أخذ الحديث من كبار المشايخ مشاركاً شيخه البخاري، كالإمام قتيبة بن سعيد ومحمد بن بشار وإسحاق بن راهويه وغيرهم.
……………………………………..
من ثناء الأئمة على الإمام الترمذي
قال الإمام الحاكم: سمعتُ عمر بن علّك يقول: "مات البخاري فلم يخلّف بخراسان مثل أبي عيسى، في العلم والحفظ والورع والزهد، بكى حتى عمي وبقي ضريراً سنين".
وقال أبو الفضل البيلماني: سمعت نصر بن محمد الشيركوهى يقول: سمعت محمد بن عيسى الترمذي يقول: "قال لي محمد بن إسماعيل (يعني الإمام البخاري): ما انتفعت بك أكثر مما انتفعت بي".
وقد روى الإمام البخاري حديثاً في صحيحه عن طريق تلميذه الإمام الترمذي.
وقال الإمام الذهبي في ترجمته للإمام الترمذي:
"محمد بن عيسى بن سورة؛ الحافظ، العلَم، الإمام، البارع…" إلى أن قال: "جامعه" قاضٍ له بإمامته وحفظه وفقهه، ولكن يترخّص في قَبول الأحاديث، ولا يشدّد…" الخ.
……………………………….
قوة حفظ الإمام الترمذي وذكائه
روى الإمام الذهبي في سيره عن الإمام الترمذي أنه قال عن نفسه:
"كنت في طريق مكة فكتبت جزأين من حديث شيخ، فوجدته فسألته وأنا أظن أن الجزأين معي، فسألته فأجابني، فإذا معي جزآن بياض، فبقي يقرأ علي من لفظه، فنظر فرأى في يدي ورقاً بياضاً، فقال: أما تستحي مني؟ فأعلمته بأمري وقلتُ: أحفظه! فقال: اقرأ! فقرأته عليه، فلم يصدقني وقال: استظهرتَ قبل أن تجيء! فقلتُ: حدثني بغيره! فحدّثني بأربعين حديثاً ثم قال: هاتِ. فأعدتها عليه، ما أخطأتُ في حرف".
………………………
كتابه "الجامع " وأقوال العلماء فيه
صنّف الإمام الترمذي عدداً من الكتب الحديثية، أشهرها وأعظمها كتاب "الجامع المختصر من السنن عن النبي صلى الله عليه وسلم ومعرفة الصحيح والمعلول وما عليه العمل"، وهو المشهور بـ"سنن الترمذي".
وللإمام الترمذي أيضاً كتاب "الشمائل المحمدية"، وكتاب "العلل"، وكتاب الزهد، وغيرها.
أما كتابه "الجامع" فقد وصفه الإمام الترمذي قائلاً:
"صنفتُ هذا الكتاب وعرضته على علماء الحجاز، والعراق، وخراسان، فرضوا به، ومن كان هذا الكتابُ في بيته فكأنما في بيته نبي يتكلم".
قال الإمام الذهبي معلقاً:
"كتابه "الجامع" فيه علم نافع، وفوائده غزيرة، ورؤوس المسائل، وهو أحد أصول الإسلام، لو لا ما كدّره بأحاديث واهية، بعضها موضوع، وكثير منها في الفضائل".
ثم أورد الذهبي ثناء الإمام أبي إسماعيل شيخ الإسلام على جامع الترمذي بقوله:
"جامع الترمذي أنفع من كتاب البخاري ومسلم، لأنهما لا يقف منهما إلا المتبحر العالم، و"الجامع" يصل إلى فائدته كل أحد".
……………………………..
وفاة الإمام الترمذي
توفي الإمام الترمذي في عام 279م في نفس مدينته التي وُلد فيها، وهي "ترمذ".
فرحمه الله رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته، وجزاه خيرا كثيراً طيباً مباركاً فيه، لما قدّم لأمة الإسلام هذه المصنفات العظيمة ونشر الحديث الشريف وتسبب في هداية الألوف المؤلفة من الخلق إلى العلم النافع والعمل الصالح.
المصادر: – سير أعلام النبلاء للإمام الذهبي
– ميزان الاعتدال للإمام الذهبي
– تهذيب التهذيب – للحافظ ابن حجر