حرية العقيدة فى الإسلام مصونة ومقدسة ومكفولة إلى حد التقديس الذى لا يجوز العدوان عليه وهذا بصريح النصوص القرآنية التى تعلن أنه ( لا إكراه فى الدين قد تبين الرشد من الغى ) . ومهمة الرسول صلى الله عليه وسلم هى مجرد البلاغ وبيان حقيقة الدعوة , وهذا ما ينطق به القرآن صريحا فى مثل قوله تعالى : ( وقل للذين أوتوا الكتاب والأميين أأسلمتم فإن أسلموا فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما عليك البلاغ والله بصير بالعباد ) . وقوله تعالى : ( وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول واحذروا فإن توليتم فاعلموا أنما على رسولنا البلاغ المبين ). وقوله تعالى : ( فإن أعرضوا فما أرسلناك عليهم حفيظا إن عليك إلا البلاغ ). وقوله تعالى : ( فذكر إنما أنت مذكر لست عليهم بمصيطر إلا من تولى وكفر فيعذبه الله العذاب الأكبر ) .
وأخيرا ذلك الإعلان الصريح عن افتراق الطريق وترك مسألة الاعتقاد للحرية الكاملة كما يعبر القرآن عن ذلك فى قوله تعالى ( قل يا أيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون ولا أنتم عابدون ما أعبد ولا أنا عابد ما عبدتم ولا أنتم عابدون ما أعبد لكم دينكم ولى دين). هكذا بالإعلان الصريح أنتم أحرار فى اختياركم وأنا حر فى اختيارى . أفبعد هذا حرية ؟
أما موضوع قتل المرتد عقوبة على ارتداده فهذه العقوبة لها نظائر فى الشرائع السماوية والأديان جميعها تحمى نفسها وكمثال فإن فى المسيحية ما يسمى حق الحرمان وهو عقوبة مشهورة ومطبقة بل كان البابوات يطبقونها على الخارجين عن سلطان الكنيسة ولو كانوا من الأباطرة . ولم نذهب بعيدا وكل هيئة أو تنظيم أو حزب يرى من حقه أن يعاقب أى عضو من أعضائه إذا أخل بما يسمى الالتزام الحزبى فهل الدين أهون من مثل ذلك ؟ على أن لى فى القضية وجها آخر أراه وهو أن الإنسان حين يرتضىالإسلام دينا فإنه بهذا يصبح عضوا فى جماعة المسلمين له ما لهم وعليه ما عليهم ، وكأنه بهذا قد دخل مع جماعة المسلمين فى عقد اجتماعى يقرر الانتماء والولاء بكل ما لهما من حقوق وواجبات للفرد وللأمة التى ينمى إليها .. وبهذا العقد الاجتماعى يصبح الفرد وكأنه جزء من جسد الأمة على النحو الذى أشار إليه الحديث النبوى المشهور : " مثل المؤمنين فى توادهم وتعاطفهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى " . فإذا عن لأحدهم بعد هذا أن يرتد - أعنى أن يفارق الأمة التى كان عضوا فيها وجزءا منها تمنحه ولاءها وحمايتها - يكون بهذا قد مارس ما يشبه الخيانة الوطنية فى المستوى السياسى .. وخيانة الوطن فى السياسة جزاؤها الإعدام ولن تكون أقل منها خيانة الدين. الإسلام لا يجبر أحدا على الدخول فيه فإذا ارتضاه بحرية واقتناع ودخل فيه فعليه أن يلتزمه لأن الأمر فى الدين جد لا عبث فيه . ومع هذا فقتل المرتد لم يرد فيه نص قرآنى ، والمروى فيه حديث واحد وللفقهاء اجتهادات وآراء يعارض بعضها قتل المرتد ، ويدعو بعضها إلى استتابته ، أياما وقيل شهورا وقيل حتى يدركه الموت . ذلك لأن الأمة لن تخسر بارتداد من يرتد بل هو الذى سيخسر دنياه وآخرته ، والقرآن يوجه إلى إهمال شأن من يرتد حيث أن الله يعوض الأمة عنه وعن أمثاله حين يقول ( يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتى الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون فى سبيل الله ولا يخافون لومة لائم ). وفى ضوء هذا التوجيه القرآنى بإهمال شأن المرتد نشير إلى أن هذا يحرم هؤلاء المرتدين مما يطمح إليه أكثرهم من الظفر بالشهرة وذيوع الاسم وهنا يكون التوجيه القرآنى إلى إهمال أمرهم من حسن السياسة الشرعية التى تدعهم يمضون إلى أودية النسيان غير مأسوف عليهم . أما سلمان رشدى فليست قضيته حرية التعبير المزعومة ولكنها وصلت إلى أن تكون حرية العدوان الصريح على مقدسات الدين بالطعن فى رسوله والسخرية من أمهات المؤمنين وتصوير الرسالة كلها على أنها كبعض أساطير ألف ليلة . فى مثل الحالة يطبق عليه ما يطبق على خائن الوطن ، لأنه فعلا نقض العقد الاجتماعى الذى كان يربطه بالولاء والانتماء مع جماعة المسلمين . أما حرية التعبير فى الإسلام فسجلها حافل لا يتسع المقام لبسطه .