لقد اهتم الإسلام بشأن اليتيم اهتماماً بالغاً من حيث تربيته ورعايته ومعاملته وضمان سبل العيش الكريمة له، حتى ينشأ عضواً نافعاً في المجتمع المسلم قال تعالى: ((فأما اليتيم فلا تقهر)) وقال تعالى: ((أرأيت الذي يكذب بالدين^فذلك الذي يدع اليتيم)) وهاتان الآيتان تؤكدان على العناية باليتيم والشفقة عليه، كي لا يشعر بالنقص عن غيره من أفراد المجتمع، فيتحطم ويصبح عضواً هادماً في المجتمع المسلم.
ومما يؤكد على عناية الإسلام باليتيم والتأكيد المستمر على الحرص عليه وحفظه، هو ورود كلمة اليتيم ومشتقاتها في ثلاث وعشرين آية من آيات القرآن العظيم، وبالنظر في نصوص القرآن العديدة في شأن اليتيم، فإنه يمكن تصنيفها إلى خمسة أقسام رئيسية كلها تدور حول: دفع المضار عنه، وجلب المصالح له في ماله، وفي نفسه، وفي الحالة الزواجية، والحث على الإحسان إليه، ومراعاة الجانب النفسي لديه.
يقول تعالى: ((وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل لاتعبدون إلا الله وبالوالدين إحسانا وذي القربى واليتامى والمساكين وقولوا للناس حسنا وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة ثم توليتم إلا قليلا منكم وأنتم معرضون)) فالإحسان إلى اليتيم متعين كما هو للوالدين ولذي القربى، قال ابن كثير عن تفسير قوله تعالى: فأما اليتيم فلا تقهر: فلا تقهر اليتيم: أي لا تذله وتنهره وتهنه، ولكن أحسن إليه وتلطف به، وكن لليتيم كالأب الرحيم لقد كان أرحم الناس باليتيم وأشفقهم عليه حتى قال حاثاً على ذلك : "أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا، وأشار بالسبابة والوسطى وفرج بينهما شيئاً"
كما أمر ـ عز وجل ـ بحفظ أموال الأيتام، وعدم التعرض لها بسوء، وعد ذلك من كبائر الذنوب وعظائم الأمور، ورتب عليه أشد العقاب، قال تعالى:(( إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا)) كما قال تعالى:(( ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسئولا)) وعدّ الرسول أكل مال اليتيم من السبع الموبقات، فعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ عن النبي قال: "اجتنبوا السبع الموبقات، قالوا: يارسول الله، وما هن؟، قال: الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات"
واستمراراً لحرص الإسلام على أموال اليتامى، أمر باستثمارها وتنميتها حتى لا تستنفذها النفقة عليهم، فلقد ورد عن النبي أنه قال: "ألا من ربي يتيماً له مال فليتجر به، ولا يتركه حتى تأكله الصدقة" كما ورد عن عمر رضي الله عنه أنه قال: "اتجروا في مال اليتامى حتى لا تأكلها الزكاة"، ومن هنا يلزم الولي على مال اليتيم استثمارها لمصلحة اليتيم على رأي كثير من أهل العلم بشرط عدم تعريضها للأخطار.
وجماعاً لكل ماسبق، أمر الرسول بكفالة اليتيم، وضمه إلى بيوت المسلمين، وعدم تركه هملاً بلا راع في المجتمع المسلم، فلقد أخرج البخاري في صحيحه أن رسول الله قال: "أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا وأشار بالسبابة والوسطى وفرج بينهما شيئاً" كما عد رسول خير بيت من المسلمين بيت فيه يتيم يحسن إليه. فلقد ورد أن النبي قال: "خير بيت في المسلمين بيت فيه يتيم يحسن إليه، وشر بيت في المسلمين بيت فيه يتيم يساء إليه"
كما جعل الإحسان إلى الأيتام علاج لقسوة القلب، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلاً شكا إلى رسول الله قسوة قلبه فقال: "امسح رأس اليتيم، وأطعم المسكين" ورتب على ذلك الأجر العظيم، حيث يكسب المرء الحسنات العظام بكل شعرة على رأس ذلك اليتيم، فعن أبي أمامة أن رسول الله قال: "من مسح رأس يتيم لم يمسحه إلا لله كان له بكل شعرة مرت عليها يده حسنات" ومن أحسن إلى يتيمة أو يتيم عنده كنت أنا وهو في الجنة كهاتين وفرق بين إصبعيه السبابة والوسطى"
ولقد تمثل المجتمع المسلم تلك التوجيهات عملياً بدءاً من عصر الصحابة رضوان الله عليهم حتى يومنا الحاضر، فلقد ثبت في كتب الأحاديث والسير أن هناك العديد من الصحابة والصحابيات كفلوا أيتاماً ويتيمات وضموهم إلى بيوتهم، ومنهم على سبيل المثال لا الحصر: أبو بكر الصديق، ورافع بن خديج، ونعيم بن هزال، وقدامة بن مظعون، وأبو سعيد الخدري، وأبو محذوره، وأبو طلحة، وعروة بن الزبير، وسعد بن مالك الأنصاري، وأسعد بن زراره، وعائشة بنت الصديق، وأم سليم، وزينب بنت معاوية ـ رضي الله عنهم ـ وغيرهم كثير من الصحابة والتابعين رضوان الله عليهم.
كما عني المسلمون قديماً وحديثاً برعاية الأيتام فرادى وجماعات، كما قامت الدول الإسلامية المتعاقبة، أمراؤها وأغنياؤها وأفرادها بوقف الأوقاف الكثيرة عليهم، ومن ذلك ما ورد في إحدى وثائق الأوقاف التي ترجع إلى عصر سلاطين المماليك وفيها: (أن يكسى كل من الأيتام المذكورين في فصل الصيف قميصاً ولباساً وقبعاً ونعلا في رجليه، وفي الشتاء مثل ذلك، ويزاد عليه جبة محشوة بالقطن). كما ورد من مآثر صلاح الدين الأيوبي ـ رحمه الله ـ أنه أمر بعمارة كتاتيب ووضع فيها معلمين لكتاب الله ـ عز وجل ـ يعلمون فيها الأيتام، ويجرى عليهم الجراية الكافية لهم. كما ورد ذكر الرحالة ابن جبير في رحلته إلى دمشق، أنه شاهد محضرة كبيرة للأيتام لها وقف كبير يأخذ منه المعلم لهم ما يقوم به، وينفق منه على الأيتام لكسوتهم وما يحتاجون إليه. كما أن الظاهر بيبرس أنشأ مكتباً للسبيل بجوار مدرسته، وقرر لمن فيها من الأيتام خاصة الخبز في كل يوم، والكسوة في فصلي الشتاء والصيف، إضافة إلى توفير أدوات التعليم لهم من أقلام ومداد وألواح.
في المرفقات
- إسلامية.docx (119.3 كيلوبايت, 76 مشاهدات)