التصنيفات
القسم العام

كيفية العناية بذوي الاحتياجات الخاصة -تعليم اماراتي

لا يخلو مجتمع من ذوي الحاجات الخاصة على اختلاف الانواع، ولكن السؤال المطروح كيف يتعامل الناس معهم؟ وماذا يفعلون لهم؟ ما هو موقف الأهل، الجيران، المؤسسات المختصة والدولة؟

أطرح هذا الموضوع للنقاش، لأني سررت في المدة الأخيرة عندما رجع الوفد المكون من عائلات فيها أطفال من ذوي الحاجات الخاصة والذين قضوا اسبوعين في إيطاليا وفرنسا في ضيافة مؤسسة إيطالية تهتم بذوي الحاجات الخاصة تحتفل بمرور مائة سنة على تأسيسها، فقد وصلني بأن الاستقبال كان يفوق الوصف وأن العناية التي يولونها للمرضى وذوي الاحتياجات الخاصة تفوق التصور. فقلت في نفسي بأن أحد مقاييس حضارة الشعوب اهتمامها بمرضاها وفقرائها وذوي الاحتياجات الخاصة فيها. فأين نحن من هذا؟

يمكن أن نقسم ذوي الاحتياجات الخاصة إلى أنواع كثيرة، فهناك من يعانون من اعاقة جسدية وآخرون يعانون من أعاقة عقلية، ومنهم بسبب خلقي (منذ الولادة) وآخرون بسبب عرضي (حادث أو اصابة أو مرض). أما موقف الناس من هذه الحالات فيتراوح بين القبول والرفض والاهتمام أو الاهمال واللامبالاة، ومنهم من يحترم ويشفق ومنهم من يزدري ويعتبر بأنهم عالة على المجتمع. والسبب هو النظرة إلى قيمة الانسان انطلاقاً من المصلحة والفائدة والصفات وليس انطلاقاً من الذات الانسانية المخلوقة على صورة الله ومثاله، لذلك فالموقف السليم والإنساني والديني والأخلاقي هو أن حياة الإنسان وكل إنسان وكل الإنسان هي هبة مجانية من الله يجب قبولها واحترامها من لحظة الولادة إلى لحظة الموت، أي من المهد إلى اللحد، لا بل قبل الولادة منذ اللحظة الأولى للحمل في الرحم.

لا شك بأن الاهتمام بذوي الاحتياجات الخاصة ليس سهلاً فإنه يتطلب معرفة وموهبة وصبراً، وفوق كل شيء يتطلب محبة. فكثيراً ما يرتبك الأهل في التعامل مع أبنائهم لأنهم لا يعرفون ماذا يفعلون بهم ولهم، فيحاولون إيجاد المؤسسات المختصة لمساعدتهم، ولكن هل توجد مثل هذه المؤسسات؟ وإذا وجدت، هل يوجد العاملين الإجتماعيين والأخصائيين؟ على من تقع المسؤولية؟ هل على الدولة، أم الكنائس أم المساجد أم الجمعيات أم تعتمد علىهمة بعض المتحمسين للخدمة؟

تتطلب العناية بذوي الاحتياجات الخاصة توفر الموارد البشرية والمادية، فهل نخصص ما يلزم لمثل هذه المهمة الجليلة؟ أم تبقى مثل هذه المؤسسات معتمدة على الحسنات الخارجية؟ وإن لم تتوفر المؤسسات فإن هؤلاء يبقون عالة على أهلهم خاصة عندما يحتاجون إلى العلاج أو التأهيل لخوض معركة الحياة وكسب لقمة عيشهم بعرق جبينهم، فلماذا لا يتوفر لهم التأمين الصحي أو الضمان الاجتماعي كما في الدول المتقدمة؟ أم أنهم ليسوا بمواطنين أو مواطنين من الدرجة الثانية أو الثالثة أو من فئة المنسيين؟ لقد دهشت من خبر المرأة التي تسير الآن على الأقدام مع ابنها المقعد على الكرسي المتحرك من شمال إسرائيل إلى القدس لتحتج على تقليص الدعم المخصص للمرضى وذوي الاحتياجات الخاصة في إسرائيل بسبب تقليص ميزانية الحكومة والأزمة الاقتصادية الحالية.

هناك فئة من ذوي الاحتياجات الخاصة يمكن أن تتطور وتتقدم وتنمي مواهبها وقدراتها الذهنية والجسدية، وهي بحاجة إلى المؤسسات الخاصة لذلك مثل الصم والبكم والأكفاء والمعاقين جسدياً ومصابي الإنتفاضة. فهل توجد مراكز التأهيل هذه لخدمة هؤلاء؟ وإذا وجدت فهل تشمل جميع المناطق والفئات؟ فإننا نواجه مشاكل جمة في هذا المجال لصعوبة الحركة بسبب الأوضاع الحالية واغلاق الطرق والحواجز العسكرية. هل يمكن للمجتمع المحلي في القرى والمدن إيجاد حلول بديلة وابداعية لجميع هذه الفئات؟ من يقدم الدعم لمثل هذه المبادرات؟ الجميع يعرف بأن الله عندما يحرم الإنسان من عضو سليم فإنه يعوضه بمواهب أخرى، فإذا حرمه من نعمة البصر فإنه يفتح بصيرته، كما حدث مع الكاتب الكبير الدكتور طه حسين والكثير من أمثاله.

هناك فئة أخرى أعتبرها محرومة ومظلومة، وهي فئة من يجدون صعوبة في التعلم في مدارسنا، فكثيراً ما تجد في كل صف من الصفوف طلاباً وطالبات لا يستطيعون استيعاب كل شيء فيتراجعون في دراستهم ويهملهم أساتذتهم ويستهزيء بهم زملاؤهم ويعاتبهم أهلهم ويتهمهم الجميع بالكسل ويسمونهم بالفشل ولا أحد يفعل لهم شيئاً. هل هناك حلول لهؤلاء في مدارسنا؟ هل يمكن متابعتهم داخل المدرسة أو خارجها لتقويتهم؟

لقد فتحت جروحاً كثيرة وأبرزت مواجع كبيرة لا بد من أنها تقض مضاجع المسؤولين وذوي الشأن، ويبدو أن ليس في اليد حيلة. ولأني لا أريد أن أترك الجروح مفتوحة فإني أود أن أساهم ببعض الاستنتاجات والمقترحات:

– لا شك بأن الدولة تتحمل المسؤولية الأولى والأساسية في الاهتمام بهذه الفئات المحرومة لكي لا تظل مهمشة ولا تبقى عالة على الأهل والمجتمع. لا بد من تأسيس نظام للتأمين الصحي والضمان الاجتماعي لهؤلاء يكون عوناً للأهل، كما ولا بد من التفكير بالمؤسسات اللازمة للعناية بهم وتأهيلهم ولا يترك الأمر للمبادرات الفردية أو العشوائية.

– هناك ثلاث طرق للاهتمام بذوي الاحتياجات الخاصة: وضعهم في مؤسسات متخصصة أو تركهم في عهدة الأهل ليتدبروا أمرهم لوحدهم، أو تطوير طريقة لمساعدة الأهل في العناية بهم كمثل تشكيل فريق مساند للعائلة يهتم بزيارتهم أو التخفيف عنهم أو اخراجهم من البيت للترفيه عنهم. وأنا أرى بأن هذه الطريقة الأخيرة مهمة ورائعة لأنها تعزز التعاون والتكافل وتنمي روح التطوع والتضحية.

– إن هؤلاء الذين حرمتهم الطبيعة أو الظروف من نعمة عيش حياة طبيعية هم بأمس الحاجة إلى أن تتوفر لهم الخدمات الأساسية والضرورية للتخفيف عن معاناتهم، لا بل فإنهم أكثر حاجة من غيرهم لأنهم لا يستطيعون دائماً أن يعتمدوا على أنفسهم بأنفسهم، فلماذا نتقاعس في خدمتهم؟

– ليعلم أخيراً من يريد بأن يضع يده على المحراث في هذا الحقل، بأن من يمد يده ليد أخرى لا يمكن أن يسحبها وإلا سيحدث احباطاً نفسياً ومعنوياً في نفس الآخر، فإذا كنت كريماً وشهماً فعليك أن لا تتراجع، إنها طريق ذات اتجاه واحد، فالمحبة لا تعرف الشروط والحدود واليأس، فمقياس المحبة أن نحب بلا مقياس وأن نحب كل الناس.

إننا نستلهم هذه المباديء والأفكار من مثال سيدنا يسوع المسيح الذي أشفق على الناس أجمعين وخاصة المرضى والمتألمين فقد "كان يشفي الناس من كل مرض وعلة" وكانت رسالته في بداية بشارته: " روح الرب نازل على لأنه مسحني لأبشر الفقراء، وأرسلني لأعلن للمأسورين تخلية سبيلهم، وللعميان عودة البصر إليهم وأفرج عن المظلومين وأعلن سنة رضا عند الرب". كما أنه سيحاسبنا في نهاية الأزمنة على محبتنا لاخوتنا: "تعالوا يا من بركهم أبي، فرثوا الملكوت المعد لكم منذ إنشاء العالم: لأني جعت فأطعمتموني، وعطشت فسقيتموني، وكنت غريباً فآويتموني، وعرياناً فكسوتموني، ومريضاً فعدتموني، وسجيناً فجئتم إلي" لأنه "كلما صنعتم شيئاً من ذلك لأحد اخوتي هؤلاء الصغار فلي قد صنعتموه".

لا يمكننا أن ننهي هذا الحديث إلا بتقديم الشكر والعرفان وتوجيه التقدير والاحترام لكل المؤسسات والأشخاص الذين يتحملون مسؤولية الاهتمام بذوي الاحتياجات الخاصة وهم كثر وفيهم من الجنود المجهولين الذين يستحقون الأوسمة الرفيعة، كما ننحني إجلالاً لكل الآباء والأمهات الذين يهتمون بصمت وصبر بأبنائهم أو بناتهم الذين يتألمون في أجسادهم وأرواحهم، ونقول ونحن نشد على أيديهم: "إذا كان الزمن والقدر عليهم فلنكن نحن معهم وبجانبهم ولتكن المؤسسات المعنية والدولة معهم وتسرع لنجدتهم وعونهم".

لقراءة ردود و اجابات الأعضاء على هذا الموضوع اضغط هناسبحان الله و بحمده

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.