قال الله تعالى :
(( ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ، ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه وليٌ حميم )) فصلت : 34
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير معلم لهذه البشرية نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً ، أما بعد…
لعلنا أمة الإسلام أمة محظوظة ، لأننا لا نحتاج إلى شيء إلا وجدناه في ديننا الحنيف وفي سيرة خير الأنام محمد صلى الله عليه وسلم وسيرة صحابته الكرام .
والعرب قبل الإسلام أيضاً كانوا يتصفون ببعض الصفات التي أقرها لهم الإسلام كالكرم وإقراء الضيف وإعانة المحتاج … لهذا قال الرسول صلى الله عليه وسلم : إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق. والتعامل مع الناس يجب أن يكون مقترناً بالصفات الحسنة والأخلاق الكريمة التي تبعث في النفس طمأنينة وراحة للجهة المقابلة ، فكثير من الناس دخلوا الإسلام لما وجدوه من معاملة حسنة من بعض التاجر.
أولاً : أدب النصح
يقول الشافعي :
تعمدني بنصحك في انــفـــراد وجنبني النصيحة في جمــاعة
فإن النصح بين الناس نــــوع من التقريع لا أرض استماعه
من دلائل حب الإنسان لأخيه الإنسان النصيحة له فهو برهان على أنه يحب له الخير، ولا يرضى له أسلوبه الغير نافع والغير سوي ، فيحاول أن يغيير هذا السلوك بنصحه وإرشاده دون أن يسبب له الإحراج ، ولا بطريقة فيها تعالٍ عليه ويمارس الأستاذية عليه .
(إن السرية في النقد من شأنه أن يكون فعالاً ، وذلك لما يحس به الطرف الآخر من أمن وثقة في ناقده ، مما يساعده على البوح والتعبير بحرية عما يختلجه حتى وإن كانت أدق التفاصيل فيما يخص حياته)1.
ومن الضروري أن تبحث طرقاً لقلوب المحيطين بك لكي توصل لهم النصح بطريقة تجد قبولهم واستحسانهم .
يقول ((كلارنس فرانسيس)) أحد مؤسسي هيئة الأغذية العامة : بقيامك بالثناء على أحدهم فإنك تقوم بذلك بإخراج أفضل ما فيه من مشاعر، وبذلك سيكون متفهماً لك أكثر عندما يبيت أمر انتقاده ضرورياً 2.
يعتبر النصح من الأمور الهامة في رقي المجتمعات كيف لا وهو الطريق لتصحيح المسار وتقويمه ، وإرشاد الساهي والغافل للصواب ، فالمسلم مرآة لأخيه وعينه التي يرى من خلالها .
ثانياً : قبول أعذار الآخرين
تمر بالإنسان أحياناً بعض المواقف التي تبعده عن طبيعته الوديعة والهادئة ، وبعض المواقف تكون رغماً عنه ، وطارئ على شخصيته .
لذا علينا أن نكون حذرين في التعامل مع مواقف الحياة اليومية .
(يذكر ستيفن كوفي : أنه بينما كان في نفق في نيويورك ، كان الناس يجلسون بهدوء ، كان منظراً هادئاً ومسالماً . ثم فجأة دخل رجل مع أولاده ، وكان الأولاد على درجة من الفوضى والمشاكسة بحيث تغير الجو كله على الفور.
جلس الرجل إلى جانبي وأغلق عينيه متجاهلاً كل ما يحدث وكان الأطفال يركضون جيئة وذهاباً ويقذفون بالأشياء ، وكان الأمر في غاية الإزعاج، ومع ذلك لم يفعل الرجل شيئاً.
ولم أستطع أن أصدق أن يكون هذا الشخص عديم الإحساس بحيث يترك أولاده يتصرفون على هواهم دون أن يتحمل أي مسؤولية ، وفي النهاية التفت إليه وقلت ، بعد صبر وكبت : سيدي إن أولادك يزعجون العديد من الناس فعلاً وأتساءل إن كان بإمكانك ضبطهم قليلاً .
فتح الرجل حدقتيه كأنه يعي الموقف لأول مرة وقال بنعومة : آه أنت على حق أعتقد أن علي أن أفعل شيئاً ، لقد عدنا لتونا من المستشفى حيث توفيت أمهم قبل حوالي ساعة ولا أعرف ما أفعل، وأعتقد أنهم لا يعرفون كيف يتقبلون الأمر أيضاً) 3.
(ويمكن للمرء أحياناً أن لا يقبل الاعتذار وذلك إذا تيقن أن هذا القبول لا ينفع المعتذر ولا يؤدبه ، أو إذا علم أن المعتذر يستخدم هذا الاعتذار من قبيل المراوغة والمخادعة والاستغفال والاستهبال. أما غير ذلك وفي غالب الأحوال والظروف ، فإن الأولى بالمرء أن يسمو بنفسه فيقبل انكسار المنكسرين واعتذار المعتذرين) 4.
ثالثاً : الاعتراف بالخطأ
الاعتراف بالخطأ من الآداب التي تجعل من المعترف محل ثقة واطمئنان أمام الناس، لأن الذي يكون صريحاً مع الناس يكون التعامل معه أدعى.
(حدثني يوماً أحد المعلمين أنه أثناء زيارة الموجه له قرأ أحد الطلاب آيات من القرآن بطريقة خطأ ، فاستوقفه المعلم وصحح له قراءته ، فقال الطالب هكذا سمعتها من أيها المعلم . فلم يتردد المعلم أو يشعر بالارتباك والخوف، إنما رد عليه بثقة : إن قلت هذا فقد أخطأت ، والصحيح ما أقوله الآن. فشعر الموجه بسعادة وسرور ، وأثنى على تصرفه ، وقال له يكفيك هذا ) 5.
رابعاً : لا تكن لواماً
بعض السلوكيات من أقوال تسبب الضجر والقطيعة لصاحبها ، وتجعل منه منبوذاً لدى الخلق ، وحتى من أقرب الناس إليه ، فيهجره أهله ، ويتجنبه الزميل .
يقول الشاعر:
مــن اليوم تعارفنا ونطوي ما جـرى منا
فــلا كان ولا صار ولا قلتم ولا قـلـنـا
وإن كـــان ولا بد مـن العتب فبالحسنى
(إن العتاب لا يحل مشكلة ولا يوطد علاقة ولا يرجع فائتاً ، ومن كان هذا شأنه فالخير في تركه . إن صديقاً للزاهد ابن السماك واعظ هارون الرشيد قال له ذات يوم : الميعاد بيني وبينك غداً نتعاتب ، فقال له ابن السماك رحمه الله : بل بيني وبينك غداً نتغافر ، إنه جواب يأخذ بمجامع القلوب)6.
هذه بعض الآداب التي جمعتها ، وإن كانت هناك ميزة لها ، فهي أنها غائبة عن البعض ولا يلقي لها بالاً ، لذا أحببت أن اظهرها للسطح لكي يستفيد منه كل طامح لتحسين علاقته بالآخرين ، وتحذير لكل غافل في عصر السرعة من أن يحمل في يديه جذوة منها ، لكي تنير له طريق النجاح .
وبالتوفيق=)