المقدمة :
إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ [الآية 92 الأنبياء]
وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا [ آل عمران الآية 103
فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلا [ النساء الآية 59] ً
وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ [ الأنفال الآية 46
وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ [ آل عمران الآية 105
آيات جلية جليلة تبني امة واحدة و مجتمع متآلف يتآخى في سراء كان او ضراء اوشدة او رخاء, هي ركائز اصيلة اصّلها القرآن في حياتنا و حركتنا لنصبو دوما نحو امة افضل و اكمل(كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ… [ آل عمران الآية 110
ومع كل هذا وبالرغم مايحمله مفهوم الوحدة من بداهة عقلية و انسانية ومنفعة سامية تجد ان هناك العديد من الناس مازال يهمشها تارة واخرى يقصيها. و هؤلاء الناس عادة هم قشور ولا لب ,و رواة ولا عقل ينسجون بيوتا لافكارهم ليتخندقوا فيها طوائفا وفرقا يكفرون متفكهين و يجادلون عمهين قد استحوذ عليهم افك ابتدعوه وشرك مضو فيه و نصبوه وكأنهم لم يسمعوا ماورد عن ما روي عن المعصومين(ع):
" عن أبي العباس قال: سألت أبا عبدالله عليه السلام عن أدنى مايكون به الانسان مشركا، قال: فقال: من ابتدع رأيا فأحب عليه أو أبغض عليه."
وما علموا وانى لهم ان فعلهم هذا تقيدا للأمة واضعافا لها تماما كما انبأنا بذلك رسول الله (ص):
يقول: توشك الأمم أن تتداعي عليكم تداعي الأكلة على قصعتها، قال قائل منهم أمن قلة يا رسول الله يومئذ؟ قال (ص): بل انتم كثير ولكنكم كغثاء السيل ولينزعن الله من عدوكم المهابة منكم، وليقذف في قلوبكم الوهن. قال قائل يا رسول الله: وما الوهن؟ قال: حب الدنيا وكراهية الموت
فالوحدة الاسلامية هي تأصيل الفكر و الحركة ضمن إطار إسلامي موضوعي متجنبة حالة الغاء الآخر او الزامه بمذهب جديد او سلبه اياه.
و الوحدة ليست حلما أو بدعة ابتدعها مفكرون في هذه الامة بل هي نهج اسلامي اصيل نشأ منذ لحظات الاسلام الاولى حيث نجد ان الاسلام كان يعطي اي شخص ينطق بالشهادتين حصانة حقوقية لدمه وماله وعرضه
كما ان المسلم يملك حقا عالميا على اخيه المسلم :" عن أبي عبدالله عليه السلام قال: من لم يهتم بامور المسلمين فليس بمسلم."
العرض :
الوحدة الأولى في المجتمع المكي:
إن الأساس الأول الذي شاد عليه الإسلام بناءه الاجتماعي هو الأخوة بين أفراده جميعا.. فمن الطبيعي وهو مجتمع يقوم على عقيدة تجمع بين أبنائه أن يجعل منها رابطة قوية تشدّ كل المسلمين وتؤلف بين قلوبهم.|
إنه يجعل هذه الأخوّة علاقة حقيقية تزيد على علاقة الدم والنسب وتفضلها.. وقد كان الإسلام بذلك أول من أقام مجتمعا على أساس رابطة روحية يجعل لها الاعتبار الأول، ويعتمد عليها في تقرير الحقوق والواجبات..
ففي المجتمع المكي كان رباط الأخوة هو الأساس المتين الذي يتجمع حوله المسلمون دون اعتبار لما كان بين العرب قبل الإسلام من روابط تقوم على الأنساب والأجناس والتعصب لها.. ففي الإسلام لا تفاخر بالأنساب ولا اعتبار للجنس، فالإسلام يرفض أن يفترق الناس أجناساً مختلفة وأن تفصل بينهم فواصل من صنع أيديهم.
ولهذا فقد احتضن المجتمع الإسلامي الأول المسلمين من كل جنس ومن كل لون، ولم يجد الفارسي أو الرومي أو الحبشي حائلاً يمنعهم من الانتساب لهذا المجتمع بل والتصدر فيه..
وكانت هذه الأخوة نوعا جديداً من العلاقات لم يعهده المجتمع العربي قبل الإسلام، إذ كان ذلك المجتمع يقوم على رباط النسب والجنس فجاء الإسلام ليجعل الترابط في مجتمعه يقوم على أساس روحي وفكري من وحدة العقيدة ووحدة الغاية، متخطياً في ذلك الروابط التي تحمل في طياتها عوامل التفكك وبذور الانهيار.
وكان المسلمون في المجتمع المكي صفاً من العاملين، أخذوا هذه الدعوة أوّل أمرها ألماً وعناءً ولم يكن في طبيعة الدعوة الإسلامية ما يجذب غير العاملين المخلصين.. وكان الرسول (ص) رمزاً للإسلام وأفقاً واسعاً من الصبر والاحتمال، وظلّ يلاقي من العنت ما ذهب بماله ومال زوجه وأصحابه، وكان يمرّ على المستضعفين من أصحابه فيقول: صبراً لا املك لكم من الله شيئاً. وبذلك خلّى ما بينهم وبين ربهم وعرضهم عرضاً مباشراً للمحنة واحتمل معهم ما يحتملون..
والمؤمنون يرون هذا ويحمل كل فرد ما يطيق من البلاء.. لقد دخلوا الإسلام مغارم من أول يوم عرفوا فيه الإسلام وآمنوا بالرسول على أنّه مبلّغ لا على أنه قادر على حمايتهم أو الانتصار لهم. ورغم هذه الآلام جميعاً كانت لهم عبادتهم المحبّبة وأخوّتهم الخالصة ووقفاتهم الطويلة التي يفرضونها على أنفسهم.. وتكوّنت المجموعة الإسلامية الأولى، فكانت مجموعة عالمية تدعو لدين عالمي وأُخوة عالمية تفنى فيها فروق الجنس واللون والطبقات، فالناس كلهم إخوة ينتسبون إلى أب واحد، ويعبدون رباً واحداً..
وقام المجتمع الإسلامي على أساس من التكافل والتكامل والتفاهم.. وكان في تكامله وتفاهم أعضائه ما جعل كل عضو فيه يؤدي واجبه، ويقوم بالعمل الذي تؤهله له مواهبه، ويمنحه المجتمع من الطاقة ما يكفيه للسير في هذه المهمة.. فإذا اشتكى عضو ظهر التكافل واضحاً فيتداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى..
فالإسلام أقام عدالته الاجتماعية على هذا المعنى الدقيق من التكافل ووحدة الشعور.. بل وكان في هذا المجتمع الكريم ما هو أسمى من العدالة الاجتماعية.. كان فيه الكرم الاجتماعي والغذاء الإجتماعي.. وبه كان يدفع الفرد أكثر مما يُطلب منه، ويبذل أكثر مما طلب منه الشرع الإسلامي.. إذ لم يكن الأمر أمر مال فقط ولكنهم كانوا جسداً واحداً له شعور واحد وهدف واحد وكيان واحد ومصلحة واحدة.
ومن أهم المظاهر التي تدلّ على هذا:
1_ التكافل الاقتصادي: كان أغنياء المسلمين ينفقون الأموال لتحرير إخوانهم من الرّق، ومن الأمثلة على ذلك أبو بكر الصديق كان له مال كثير، أنفقه على عتق الرقيق المعذبين.. وهم قوم خالط الدين قلوبهم وخالفوا ساداتهم في الإيمان، وثبت هؤلاء الضعفاء على إيمانهم رغم ما أصابهم من أذى وإرهاق.. ويروي لنا التاريخ أن أبا فكيهة كان عبداً لصفوان بن أمية وأنه أسلم مع بلال فكان من السابقين الأول، وقد أخذه أمية بن خلف وربط في رجله حبلا، وأمر به فجرّ ثم ألقاه في الرمضاء، وخنقه خنفاً شديداً. وكان أخوه أبي بن خلف يقول زده عذاباً حتى يأتي محمد فيخلصه بسحره، ولم يزل على تلك الحال حتى ظنّوا أنه مات. ثم أفاق فمرّ به أبو بكر فاشتراه وأعتقه.
وتكرّرت هذه الحوادث مع عمار وبلال وغيرهم كثير، فما كان من أغنياء المسلمين إلا أن جعلوا مالهم فداء لإِخوانهم في العقيدة حتى يخففوا عنهم بعض ما يحملون من الألم.
واشتد العذاب بالمسلمين جميعاً حين قاطعتهم قريش اقتصادياً وألجأتهم إلى شعب أبي طالب، فوضع المسلمون مالهم بين يدي المحنة ترعاه حتى أتت عليه ومضت الأعوام الثلاثة وفنيت أموال المسلمين حتى أكلوا ورق الشجر من الفقر والجوع.
2_ رد الجوار: لقد دخل بعض الصحابة في جوار نفر من أقوياء الكفار، ولكن أمر الأذى اشتد بإخوانهم فلم تطب نفوسهم بأن يعيشوا في مكة آمنين وإخوانهم في العذاب. فما كان منهم إلا أن ردّوا الجوار إلى أصحابه واقتحموا لهيب العذاب سعداء بما يلقون في جنب الله.. ويروي ابن هشام في كتابه (السيرة النبوية) فيقول: لما رأى عثمان بن مظعون ما فيه أصحاب رسول الله (ص) من بلاء وهو يغدو ويروح في أمان من الوليد بن المغيرة قال: والله إن غدوّي ورواحي آمنا بجوار رجل من أهل الشرك، وأصحابي وأهل ديني يلقون من البلاء والأذى في الله ما لا يصيبني لنقص كبير في نفسي، فمشى إلى الوليد بن المغيرة فقال له: يا أبا عبد شمس وفت ذمتك وقد رددت إليك جوارك، قال له: يا ابن أخي لعله آذاك أحد من قومي: قال: لا ولكنني أرضى بجوار الله ولا أريد أن أستجير بغيره.
قال: فانطلق إلى المسجد فاردد علي جواري علانية كما أجرتك علانية.
قال: فانطلقنا فخرجا حتى أتيا المسجد فقال الوليد: هذا عثمان قد جاء يرد علي جواري: قال: صدق قد وجدته وفياً كريم الجوار. ولكني أحببت أن لا أستجير بغير الله فقد رددت عليه جواره ثم انصرف وعثمان ولبيد بن ربيعة بن مالك بن جعفر بن كلاب في مجلس من قريش ينشدهم فجلس معهم عثمان: فقال لبيد: ألا كل شيء ما خلا الله باطل، فقال عثمان صدقت قال: وكل نعيم لا محالة زائل، قال عثمان: كذبت، نعيم الجنة لا يزول. قال لبيد بن ربيعة: يا معشر قريش والله ما كان يؤذي جليسكم فمتى حدث هذا فيكم؟ فقال رجل من القوم: إن هذا سفيه في سفهاء معه، قد فارقوا ديننا فلا تجدن في نفسك من قوله. فرد عليه عثمان حتى سرى أمرهما فقام إليه ذلك الرجل فلطم عينه فخفرها والوليد بن المغيرة قريب يرى ما بلغ من عثمان. فقال: أما والله يا ابن أخي إن كانت عينك عما أصابها لغنية لقد كنت في ذمة منيعة. قال عثمان: بل والله إنّ عيني الصحيحة لفقيرة إلى مثل ما أصاب أختها في الله واني والله لفي جوار من هو أعز منك وأقدر يا أبا عبد شمس. فقال له الوليد: هلمّ يا ابن أخي إن شئت إلى جوارك فعد. فقال: لا.
كما ردّ أبو بكر جوار ابن الدغنة سيد الأحابيش حينما طلب إليه أن يكف عن تلاوة القرآن في المسجد قائلا: أرد عليك جوارك وأرضى بجوار الله.
3_ الفداء: ومن نتائج وحدة الشعور عند المسلمين تقديرهم العميق لرسول الله (ص) كرمز لهذه الدعوة، ومما يدل على هذا ما حدث وقت الهجرة حين نام علي ابن أبي طالب في فراش الرسول وتسجّى ببرده وخرج الرسول مهاجراً إلى ربّه.. وهكذا كانت أخوة الإسلام تملأ قلوب المسلمين وأرواحهم وتجعل منهم دروعاً تحمي رسول الله (ص) وتفديه.
لقد كانوا قوما أحبّوا هذا الدين من قلوبهم حباً صادقاً، ولم يأخذوا الإسلام (وظيفة) يؤدون منها عملاً، أو وراثة يحيون فيها، وإنما أخذوه روحاً وعقيدة توجه كل أوضاع حياتهم.
ولهذا لم ير العالم كأصحاب محمد (ص) قوماً من مختلف العناصر والبيئات والأجناس والطبقات اجتمعوا على التضحية هذا الاجتماع الرائع، وبذلوا لأخوّتهم هذا البذل السّخي.
في المجتمع المدني:
عندما وصل المهاجرون إلى المدينة تنافس فيهم الأنصار فحكّموا القرعة بينهم فما نزل مهاجر على أنصاري إلا بقرعة.. وكانوا يؤثرون إخوانهم المهاجرين على أنفسهم.. وسجل القرآن ذلك الموقف الفريد: (والذين تبوؤا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجةً مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة، ومن يوق شحّ نفسه فأولئك هم المفلحون).
وحتى يُمكّن الرسول (ص) بينهم هذا الإخاء آخى بين المهاجرين والأنصار فكان كل أنصاري ونزيله أخوين في الله. ويستطيع
الإنسان أن يدرك بحسه الإسلامي أن هذه الأخوة كانت أرقى بكثير من الأخوة العصبية.. فهي قلوب ألّف الله بينها حتى صارت شيئاً واحداً في أجسام متفرقة.. حتى إنهم كانوا يتوارثون بعد الموت دون ذوي الأرحام، والرسول عليه السلام يقول لكل اثنين (تآخيا في الله أخوين أخوين).. ودام هذا الميراث إلى أن أنزل الله سبحانه قوله في سورة الأحزاب: (وأولو الأرحام بعضهم أولى بعض في كتاب الله).
ولتثبيت دعائم الأخوة في هذا المجتمع الكريم فإن الرسول (ص) ابتدأ عمله في المدينة بإيجاد الروابط التي تربط أفراد الجماعة الإسلامية، وكوّن وحدة تضم العناصر المختلفة الأنساب والأماكن، وجعل من ذلك المجتمع المختلف أنساباً وقبائل مجتمعاً مؤتلفا في شعوره، تُمحى فيه الفوارق.
لقد وجد النبي (ص) مهاجرين من بطون مختلفة، ووجد أنصاراً آووا ونصروا، ولكن الدماء لم تكن قد جفت بينهم فجاء إلى ذلك المجتمع الذي كان متنافراً، ليؤلف بين قلوبهم، والأمم إنما تتكون بتأليف القلوب المتنافرة، وجمعها على الحق، وأشد ما يجمع الناس على الحق _الإيمان بالله والخضوع لأحكامه..
قال السهيلي في كتابه الروض الأنف: (آخى رسول الله (ص) بين أصحابه حين نزلوا بالمدينة، ليذهب عنهم وحشة الغربة، ويؤنسهم من مفارقة الأهل والعشيرة ويشد أزرهم بعضهم ببعض)..
وهذا أحد أغراض المؤاخاة.. فالمؤاخاة أولا تتجه إلى تكوين وحدة الجماعة المؤمنة، ولذلك كانت المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار أولاً، وكانت بين المهاجرين بعضهم مع بعض ثانياً، وبين الأنصار بعضهم مع بعض ثالثاً، أوسهم مع خزرجهم، ليقضي الرسول على الثغرة السابقة بالألفة التي تجمع القلوب، وتزيل نفورها.
فالمؤاخاة كانت لتجعل رابطة الأخوّة هي العلاقة الوثيقة بين النسيب الشريف، والمولى الضعيف، ولذلك كانت المؤاخاة بين حمزة بن عبد المطلب وزيد بن حارثة مولى رسول الله (ص).
والمؤاخاة كانت لتضع مبدأ المساواة عمليا بين أفراد الجماعة المسلمة.. قال ابن إسحاق: (وآخى رسول الله (ص) بين أصحابه من المهاجرين والأنصار، فقال _فيما بلغنا، ونعوذ بالله أن نقول عليه ما لم يُقل: تآخوا في الله أخَوين أخَوين، ثم أخذ بيد علي بن أبي طالب، فقال: هذا أخي. فكان رسول الله سيد المرسلين، وإمام المتقين، ورسول رب العالمين، الذي ليس له خطير ولا نظير من العباد، وعلي بن أبي طالب رضي الله عنه، أخَوين، وكان حمزة بن عبد المطلب، أسد الله وأسد رسوله (ص)، وعم رسول الله (ص)، وزيد بن حارثة، مولى رسول الله (ص) أخَوين، وإليه أوصى حمزة يوم أحد حين حضره القتال إن حدث بن حادث الموت، وجعفر بن أبي طالب ذو الجناحين، الطيّار في الجنة، ومعاذ بن جبل، أخو بني سلمة، أخَوين.
وكان أبو بكر الصديق رضي الله عنه، ابن أبي قحافة، وخارجة بن زهير، أخو بلحارث بن الخزرج، أخوين. وعمر بن الخطاب رضي الله عنه، وعتبان بن مالك، أخو بني سالم بن عوف بن عمرو بن عوف بن الخزرج أخوين: وأبو عبيدة بن عبد الله بن الجرّاح، واسمه عامر بن عبد الله، وسعد بن معاذ بن النعمان، أخو بني عبد الأشهل، أخوين، وعبد الرحمن بن عَوف، وسعد بن الربيع، أخو بلحارث بن الخزرج، أخوين، والزبير بن العوّام، وسلامة بن سلامة بن وَقش، أخو بني عبد الأشهل، أخوين، ويقال: بل الزبير وعبد الله بن مسعود، حليف بني زهرة، أخوين. وعثمان بن عفّان، وأوس بن ثابت بن المنذر، أخو بني النجار، أخوين وطلحة بن عبيد الله، وكعب بن مالك، أخو بني سلمة، أخوين، وسعد بن زيد بن عمر بن نُفيل، وأبي بن كعب، أخو بني النجار، أخوين. ومصعب بن عمير بن هاشم، وأبو ايوب خالد بن زيد، أخو بني النجار، أخوين. وأبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة، وعبّاد بن بشر بن وقش، أخو بني عبد الأشهل، أخوين. وعمار بن ياسر، حليف بني مخزوم، وحُذيفة بن اليمان، أخو بني عبد عَبس، حليف بني عبد الأشهل أخوين. ويقال ثابت بن قيس بن الشماس، أخو بلحارث بن الخزرج، خطيب رسول الله (ص)، وعمار بن ياسر، أخوين. وأبو ذرّ، وهو بُرير بن جُنادة الغفاري، والمنذر بن عمرو، أخو بني ساعدة بن كعب بن الخزرج، أخوين.
وكان حاطب بن أبي بلتعة، حليفة بني أسد بن عبد العزىّ، وعُويم بن ساعدة، أخو بني عمرو بن عوف، أخوين وسلمان الفارسي، وأبو الدرداء، عُوَيمر بن ثعلبة، أخو بلحارث بن الخزرج، أخوين. وبلال، مولى أبي بكر رضي الله عنهما، مؤذن رسول الله (ص) وأبو رُويحة، عبد الله بن عبد الرحمن الخثعمي، أخوين. فهؤلاء من سُمي لنا، ممّن كان رسول الله (ص) آخى بينهم من أصحابه.
وقال ابن اسحاق: فلمّا دوّن عمر بن الخطاب الدواوين بالشام، وكان بلال قد خرج إلى الشام، فأقام بها مُجاهداً، فقال عمر لبلال: إلى من تجعل ديوانك يا بلال؟ قال: مع أبي رُويحة، لا أفارقه أبدا، للأخوة التي كان رسول الله (ص) عقد بينه وبيني، فضمّ إليه، وضُمّ ديوان الحبشة الى خَثعم، لمكان بلال منهم، فهو في خثعم الى هذا اليوم بالشام).
يتبين لنا من هذا العرض الكبير لعقد الإخاء العام بين المسلمين بعضهم وبعض أن هذا الإخاء يرتبط بمعنى العقيدة التي يقررها القرآن الكريم بقوله تعالى: (إنما المؤمنون إخوة).. فالإسلام دين تجميع وأُلفة. ومن هنا يجيء الإخاء مظهراً من مظاهر الهدي الإسلامي الذي يستحق المؤمن عليه ثواب الله ورضوانه. يقول الشيخ محمد أبو زهرة في كتابه (خاتم النبيين).
إن المقصود من هذه المؤاخاة:
أولاً: عقد الألفة بين الضعيف والقوي، وتمكين الصحبة بين المؤمنين، وألاّ يتعالى مؤمن على مؤمن.
ثانياً: أن المهاجرين كانوا من قبائل مختلفة، والقرشيون منهم كانوا من بيوت متنافسة، فكان لا بد من محو العصبية والدمج بينهم بحكم أخوة الإسلام.
ثالثاً: أن الأنصار لم يكونوا متآلفين فيما بينهم، فكانت على مقربة من هدايتهم العداوة المستعرة الأوار بينهم، بين الأوس والخزرج، فكان لا بد من العمل على نسيانها، وذلك بالمؤاخاة الإسلامية.
رابعاً: أن النبي (ص) عندما عقد عقد المؤاخاة كان يشرع للأمة من بعده هذا النظام الذي يجمع المسلمين، ولم يكن حكما لحادثة واقعة، ولا علاجاً مقصوراً، على ما بين المهاجرين والأنصار بل هو تأليف للمؤمنين ونظام متبع، وربما تكون الحاجة إليه من بعد أشد وأكبر).
ولهذا فإن الأخوة الإسلامية تمتاز على كل أساس يهتدي إليه البشر، لأنها عقيدة قوية تحوي ركائز روحية وإنسانية، لا افتعال فيها ولا تزوير.. ولقد أصبحت هذه الأخوّة الصادقة في المجتمع الإسلامي مقياساً من مقاييس الإيمان يزكو بها العمل وتعلو بها الدرجة.. بل ترقى المحبة في الله والأخوة في الإيمان به حتى تصير أفضل الأعمال وأولاها بالقبول.. يقول الرسول (ص): (أفضل الأعمال الحب في الله).
إن هذا التصور لمنزلة الأخوة في الله يحيط العلاقة في المجتمع المسلم بهالة من نور العقيدة تحميها من الانفصام وتثبتها على الدوام، وتكفل للمجتمع الإسلامي أن يظل بمنأى عن الصراع والمنافسة..
يقول الدكتور مصطفى عبد الواحد في كتابه (المجتمع الإسلامي): (والإسلام يعلنها واضحة في مجتمعه على لسان رسوله: (لاتؤمنوا حتى تحابّوا).. والقرآن يعلن هذه الحقيقة وحين يبين أن الرابطة التي جمعت بين أبنائه لم تكن صنع قانون يفرض، ولم تُجتلب بغايات مادية ولم تدخل في نطاق المنفعة، بل صدرت عن العقيدة ونبعث من الأخوة، وتلك الآصرة لا تُشترى بشيء من الدنيا ولو كانت كل مافيها من أموال، ولكنها تنبع ببساطة من القلوب المؤمنة حتى تسيطر عليها العقيدة ويدفعها الإيمان.. يقول الله سبحانه: (وألف بين قلوبهم لو أنفقت ما في الأرض جميعاً ما ألّفت بين قلوبهم، ولكن الله ألف بينهم).
وهذا ما حدث في المدينة فعلاً حين قام أول مجتمع إسلامي بعد هجرة المسلمين إليها، فكانت الأخوة بين المؤمنين الدعامة الأولى التي قام عليها المجتمع.. حيث أفلحت الأخوة في شدهم برباط متين من المحبة والإيثار.. فقد فتح أهل يثرب الذين اعتنقوا الإسلام قلوبهم لإخوانهم الذين وفدوا من مكة، على غير أرحام بينهم، بعيداً عن نطاق العصبية للقبيلة فقط، واتسعت ديارهم وأموالهم وأسواقهم لأولئك الذين هاجروا إليهم.
وهذا الذي قام به الأنصار نحو إخوانهم المهاجرين لم يصدر عن طبع أو كرم اعتاده العرب نحو من ينزل عليهم، ولكنه صدر عن إدراك لعلاقة جديدة أنشأها الإسلام بين أتباعه، هي أن المسلم أخو المسلم، وأن لتلك الأخوة حقوقاً تقتضيها، ليست عاطفة مجردة، بل هي تنظيم عملي للمجتمع الجديد يربط بين الأفراد برباط وثيق..
ولذا لم يتحرج المهاجرون من بقائهم في ديار الأنصار ومن اعتمادهم على عونهم فترة من الزمان، فقد قضت الأخوة على التقاليد الجاهلية التي لا تعرف ارتباطاً إلا بالقبيلة ولا تأوي إلا إلى العصبية والنسب.
قال أعداء الإسلام
التسلسل الكلمة الكاتب
18 "لكننا وجدنا أن الخطر الحقيقي علينا موجود في الإسلام وفي قدرته على التوسع والإخضاع وفي حيويته المدهشة" لورانس بروان
17 "من يدري؟ ربما يعود اليوم الذي تصبح فيه بلاد الغرب مهددة بالمسلمين يهبطون إليها من السماء لغزو العالم مرة ثانية، وفي الوقت المناسب" ألبر مشادور
16 "إذا اتحد المسلمون في إمبراطورية عربية، أمكن أن يصبحوا لعنة على العالم وخطراً أو أمكن أن يصبحوا أيضاً نعمة له، أما إذا بقوا متفرقين فإنهم يظلون حينئذ بلا وزن ولا تأثير" المنصر لورانس بروان
15 "إن الوحدة الإسلامية نائمة، لكن يجب أن نضع في حسابنا أن النائم قد يستيقظ" أرنولد توينبي
14 "إذا أعطي المسلمون الحرية في العالم الإسلامي وعاشوا في ظل أنظمة ديمقراطية فإن الإسلام ينتصر في هذه البلاد، وبالديكتاتوريات وحدها يمكن الحيلولة بين الشعوب الإسلامية ودينها" المستشرق الأمريكي "و ك سميث" (الخبير بشؤون الباكست
13 "و ماذا أصنع إذا كان القرآن أقوى من فرنسا" لاكوست (وزير المستعمرات الفرنسي عام 1962)
12 "لا يوجد مكان على سطح الأرض إلا واجتاز الإسلام حدوده وانتشر فيه؛ فهو الدين الوحيد الذي يميل الناس إلى اعتناقه بشدة تفوق أي دين آخر" هانوتو (وزير خارجية فرنسا سابقاً)
11 "إن الخطر الحقيقي على حضارتنا هو الذي يمكن أن يحدثه المسلمون حين يغيرون نظام العالم" سالازار
10 "إذا وجد القائد المناسب الذي يتكلم الكلام المناسب عن الإسلام، فإن من الممكن لهذا الدين أن يظهر كإحدى القوى السياسية العظمى في العالم مرة أخرى" المستشرق البريطاني مونتجومري وات
9 "إن أخشى ما نخشاه أن يظهر في العالم العربي محمد جديد" بن جوريون
8 "يجب أن نزيل القرآن العربي من وجودهم ونقتلع اللسان العربي من ألسنتهم، حتى ننتصر عليهم" الحاكم الفرنسي في الجزائر بعد مرور مائة عام على اح
7 "يجب أن ندرك أن الخلافات القائمة بيننا وبين الشعوب العربية ليست خلافات بين دول أو شعوب، بل هي خلافات بين الحضارة الإسلامية والحضارة المسيحية".. لقد كان الصراع محتدماً ما بين المسيحية والإسلام منذ القرون الوسطى، وهو مستمر حتى هذه اللحظة، بصور مختلفة. ومنذ قرن ونصف خضع الإسلام لسيطرة الغرب، وخضع التراث الإسلامي للتراث المسيحي.
إن الظروف التاريخية تؤكد أن أمريكا إنما هي جزء مكمل للعالم الغربي، فلسفته، وعقيدته، ونظامه، وذلك يجعلها تقف معادية للعالم الشرقي الإسلامي، بفلسفته وعقيدته المتمثلة بالدين الإسلامي، ولا تستطيع أمريكا إلا أن تقف هذا الموقف في الصف المعادي للإسلام وإلى جانب العالم الغربي والدولة الصهيونية، لأنها إن فعلت عكس ذلك فإنها تتنكر للغتها وفلسفتها وثقافتها ومؤسساتها. إن روستو يحدد أن هدف الاستعمار في الشرق الأوسط هو تدمير الحضارة الإسلامية، وأن قيام إسرائيل، هو جزء من هذا المخطط، وأن ذلك ليس إلا استمراراً للحروب الصليبية.
** أيوجين روستو رئيس قسم التخطيط في وزارة الخارجية الأمريكية ومساعد وزير الخارجية الأمريكية، ومستشار الرئيس جونسون لشؤون الشرق الأوسط حتى عام 1967م أيوجين روستو
6 لقد كان إخراج القدس من سيطرة الإسلام حلم المسيحيين واليهود على السواء، إن سرور المسيحيين لا يقل عن سرور اليهود ، إن القدس قد خرجت من أيدي المسلمين، وقد أصدر الكنيست اليهودي ثلاثة قرارات بضمها إلى القدس اليهودية ولن تعود إلى المسلمين في أية مفاوضات مقبلة ما بين المسلمين واليهود. راندولف تشرشل
5 كان قادتنا يخوفننا بشعوب مختلفة، لكننا بعد الاختبار لم نجد مبرراً لمثل تلك المخاوف.. كانوا يخوفنا بالخطر اليهودي، والخطر الياباني الأصفر، والخطر البلشفي.. لكنه تبين لنا أن اليهود هم أصدقاؤنا، والبلاشفة الشيوعيون حلفاؤنا، أما اليابانيون، فإن هناك دولاً ديمقراطية كبيرة تتكفل بمقاومتهم. لكننا وجدنا أن الخطر الحقيقي علينا موجود في الإسلام، وفي قدرته على التوسع والاخضاع، وفي حيويته المدهشة. لورانس براون
4 في كتابه "العالم العربي المعاصر": إن الخوف من العرب، واهتمامنا بالأمة العربية، ليس ناتجاً عن وجود البترول بغزارة عند العرب، بل بسبب الإسلام. يجب محاربة الإسلام، للحيلولة دون وحدة العرب، التي تؤدي إلى قوة العرب، لأن قوة العرب تتصاحب دائماً مع قوة الإسلام وعزته وانتشاره. إن الإسلام يفزعنا عندما نراه ينتشر بيسر في القارة الأفريقية. مورو بيرجر
3 لما وقف كرزون وزير خارجية إنكلترا في مجلس العموم البريطاني يستعرض ما جرى مع تركيا، احتج بعض النواب الإنكليز بعنف على كرزون، واستغربوا كيف اعترفت إنكلترا باستقلال تركيا، التي يمكن أن تجمع حولها الدول الإسلامية مرة أخرى وتهجم على الغرب. فأجاب كرزون: (( لقد قضينا على تركيا، التي لن تقوم لها قائمة بعد اليوم .. لأننا قضينا على قوتها المتمثلة في أمرين: الإسلام والخلافة. فصفق النواب الإنكليز كلهم وسكتت المعارضة )) . كرزون وزير خارجية إنكلترا
2 إن الوحدة الإسلامية تجمع آمال الشعوب الإسلامية، وتساعد التملص من السيطرة الأوربية، والتبشير عامل مهم في كسر شوكة هذه الحركة، من أجل ذلك يجب أن نحوّل بالتبشير اتجاه المسلمين عن الوحدة الإسلامية. القس سيمون
1 إذا اتحد المسلمون في إمبراطورية عربية، أمكن أن يصبحوا لعنةً على العالم وخطراً، أو أمكن أن يصبحوا أيضاً نعمة له، أما إذا بقوا متفرقين، فإنهم يظلون حينئذ بلا وزن ولا تأثير… يجب أن يبقى العرب والمسلمون متفرقين، ليبقوا بلا قوة ولا تأثير.
أسباب التمزق و عقبات الوحدة :
إن من أهم مشاكل الوحدة الإسلامية حسب ما بينه القادة والمفكرون الإسلاميون أو ما هو واضح للمهتمين بها يتمثل في ثلاث عقبات رئيسية وأخرى فرعية. هي:
أولا النعرات القومية ثانياـ النعرات الطائفية ثالثاـ الحكومات المهزومة
أو تُوضّح على أساس الجوانب الحياتية كما في 1ـ الجانب العاطفي والنفسي 2ـ الجانب الفكري 3ـ الجانب السياسي.
أولاـ النعرات القومية ـ التعصب القومي والعنصري ظاهرة تسود كل المجتمعات الجاهلية فالمجتمع الجاهلي ينتقد القيم الإنسانية ويفتقد التربية الإنسانية ولذلك يعيش أفراده في مستوى منحط من التصورات والأفكار والقيم وتصبح مظاهر اللغة أو اللون أو النسب هي معايير التمييز والتفضيل بين أبناء البشر وتهبط قيمة كل المعايير الإنسانية الصحيحة فالرسالة الإسلامية (الإلهية) تستهدف فيما تستهدف طرح معايير وتصورات إنسانية في المجتمع كي يتجاوز الكائن البشري الأُطر الضيقة التي تؤطر فكر الإنسان الجاهلي مثل المرعى والقطيع. فالإسلام واجه في الجزيرة العربية كما ذكرنا مجتمعاً فرقته العصبيات القبلية واستفحلت فيه العداءات النسبية والعرقية من هنا كانت عملية القضاء على هذه النعرات والعصبيات من اصعب مهام القائد (الرسول الأكرم(ص) ) على طريق إنشاء المجتمع الموحد وعانى القائد ما عانى لاستتباب معيار التقوى في المجتمع الإسلامي بدل المعايير الجاهلية لكن الجاهلية الحديثة أعادت لنا تلك القبائل والعصابات بأسلوب جديد ومسميات جديدة معقدة محاطة بأطر ونظريات علماء الاجتماع الأوربيين واليهود والأمريكان ومحملة بكل الوسائل الرخيصة للقضاء على الإسلام فخلقت الفرقة وروح العداء بين أبناء الأمة الإسلامية .
ثانياـ النعرات الطائفية. الاتجاهات الفكرية والاجتهادية المختلفة ظاهرة شهدها العالم الإسلامي منذ فجر الإسلام بعضها طبيعي يعود إلى طبيعة المجتمع البشري وبعضها الآخر مفتعل استحدثه المغرضون لأهدافهم الخاصة وخلال عصور تاريخية مختلفة استغلت هذه الاختلافات لأغراض شخصية مِن قبل أفراد لا يؤمنون بالإسلام أصلا ولعبت السياسة على مرّ التاريخ الإسلامي دوراً كبيراً في بروز الاتجاهات الفكرية والفقهية أو ضمورها وهذه المسألة واضحة لكل باحث في التاريخ الإسلامي، والجانب الكبير من تفشي هذه النعرات يعود إلى جهل المسلمين فرعاع الناس كانوا دوماً وقود النزاعات الطائفية واداة بيد المغرضين يستغلون تعصبهم الأعمى إلى هذه الجهة أو تلك، فيثيرون المعارك والاشتباكات 0فلكي نخطو للأمام لابد أن تزول هذه النعرات الطائفية بين المسلمين وأن يحس المسلمون اجمع أن مشكلتهم واحدة هي طواغيت الأرض الذين انقضوا على امتنا الإسلامية وسلبوا ثرواتها.
ثالثاـ الحكومات المهزومة. بعد أن فشل الغزاة في فرض سيطرتهم المباشرة على العالم الإسلامي وضعوا خطة شاملة للسيطرة غير المباشرة على هذه الأمة شملت الجوانب السياسية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية للمسلمين والذي ينهض بهذا الدور هو الحكّام الضعفاء في عالمنا الإسلامي فبعد أن تمزق العالم الإسلامي إلى دويلات متفرقة هنا وهناك اهتم الغزاة بتربية أفراد من هذه الأمة ليخلفوهم في تنفيذ مخطط التبعية ومارس هؤلاء دورهم بكل إخلاص فقمعوا كل حركة تحررية وقدموا ثروات الأمة المادية والمعنوية قرباناً بين يدي أسيادهم، إن هذه الحكومات رغم تصاغرها أمام الأسياد وخضوعها وتخاذلها أمام المستعمرين لكنها تقف من شعوبها موقف الطاغية الجبار المتفرعن وبذلك ينفصل الجهاز الحاكم عن شعبه ويحرم المجتمع من أحد أهم دعائم الوحدة وهي وحدة الحكّام والمحكومين.
كما ان هناك مشاكل وعقبات أمام الوحدة يمكن إيرادها على أساس أنها ثانوية وقد يعدّها البعض أو قد تصل في بعض الأحيان إلى أسباب أو مشاكل رئيسية هي:
1ـ وعاظ السلاطين، إن هذه الظاهرة في عالمنا الإسلامي ليست جديدة فقد برزت في تأريخنا الإسلامي مع بروز الانحراف عن الإسلام كما أنها لا تختص بالإسلام بل تظهر كلما عصفت الأهواء والأغراض بالرسالات الإلهية ومهمتهم هي إصدار الفتاوى التي تسند ذوي السلطة والنفوذ وتضفي عليهم الشرعية على انحرافهم وقد ظهرت ذروة المأساة حينما تولى زمام الأمور قيادات معادية للإسلام ومعادية لكل تحرك إسلامي بنّاء وهذه القيادات بدورها مارست كل ألوان الضغوط على علماء الدين كي يساعدوها على مسخ الإسلام والقضاء على الروح الإسلامية وحماية المشاريع الاستعمارية في بلاد المسلمين.
2ـ خلو ساحة الرسالة من القادة المبدئيين والأمة المؤمنة.
3ـ فشل الاطروحات الداعية للوحدة لأن اغلبها انطلقت من الأوساط المنحرفة عن الرسالة الإلهية.
4ـ عدم تشخيص السبب الرئيسي للصراع ومن ثم عدم الاستطاعة في تقديم العلاج الناجح.
5ـ استغل المستعمرون سلبيات الحكومات الضعيفة فطرحوا الأفكار البديلة للدولة الإسلامية مثل فكرة الدولة القومية خاصة أيام ضعف الحكم العثماني.
6ـ الهزيمة الداخلية بين قطّاع كبير من الأمة وذلك بعد الغزو الاستعماري من خلال الابتعاد عن القيم والتعاليم الإسلامية واللجوء إلى الثقافة الغربية الرامية إلى تفكيك الأمة والسيطرة عليها.
الخاتمة :
بعد تعريفنا للوحدة الإسلامية و الوقوف على نقاط مهمة منها الوحدة الإسلامية الأولى وما قاله الأعداء عنا و أسباب تمزقنا لا يسعنا بعد العمل على قيامها إلا أن نرفع أيدينا لخالقها و نتضرع إليه بأن يرحمنا برحمته و يرشدنا إلى الطريق السليم فليس ذنبنا أننا ولدنا في زمن ليس بزماننا و مكان غير مكاننا .
العودة إلى الإسلام هي العودة إلى الوحدة
لاحظنا مما تقدم أن الوحدة الإسلامية لا تتحقق في الواقع إلا في إطار الرسالة الإلهية لان هذه الرسالة هي القادرة على تربية الفرد والمجتمع الإنساني وفق قيم ومعايير تزول معها كل ألوان الصراع المصلحي المادي بين أبناء البشر وليس معنى هذا أن الدين الإلهي يستهدف خلق نوع من المصالحة بين الظالم والمظلوم في المجتمع الإنساني بل انه يتأمل الظلم والظالمين من المجتمع ويخلق بين الأفراد وحدة في القلوب والأفكار ووحدة في الهدف والمسير ووحدة في المصالح والطموحات وهذه المسألة لا تخفى على كل متتبع لأهداف الرسالات الإلهية التي جاء بها الأنبياء لا التي اختلقتها الكنائس والأديرة والبلاطات . والفترة القصيرة التي مرت بها التجربة الإسلامية – بداية البعثة النبوية- قبل انحراف المجتمع الإسلامي سجّلت في تاريخ البشرية أروع انتصار في خلق المجتمع الموحد في الأفكار والعواطف والأهداف.
فالإسلام انطلق من أرض تسودها ألوان الصراع القبلي والعنصري والطبقي وما أن انتصرت كلمة الإسلام حتى خلق مجتمعاً رافضاً لكل تمييز عنصري (الأسود والأبيض) أو طبقي (السيد والعبد) أو قبلي (قريش وغيرها) وساد الإخاء بين أفراده ومن أول مصاديقه المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار وزال الصراع الدامي بين القبائل العربية وانتهى عهد الرق والاستغلال الجاهلي وقطعت أيادي المتسلطين في ذلك المجتمع وبقيت التجربة الإسلامية ومع كل ما عصف بها من انحراف تمارس دورها خلال العصور التالية للبعثة في صهر القوميات المختلفة في بوتقة الإسلام وتربية العواطف الإنسانية والسمو بها عن الهبوط إلى مستوى الصراع المصلحي البهيمي إلا إننا نلاحظ من خلال دراستنا للتأريخ والأحداث انه خلال القرون الأخيرة انحسر الإسلام وتراجع للأسباب المتقدمة ومعه انحسرت الوحدة الإسلامية (الإنسانية) حيث أصبحت البلدان مستعمرات والشعوب أناساً مستعبدين واصبحت الساحة مسرحاً تصول به ذئاب كاسرة انطلقت من الغرب وهي مجهزة بأسلحة جديدة وتكنولوجيا عالية لاستنزاف خيرات الأمة المادية والمعنوية ونتيجة هذا الإختلال في التوازن نشأة الصراعات الدموية التي مزقت الأمة شر ممزق بحيث أصبح توازن القوى هو الحائل الوحيد دون نشوب الحروب العالمية الطاحنة. إذن لابد من الرجوع إلى القاعدة الأساسية التي وضعها الإسلام وطبقها الرسول(ص) ولا تتحقق هذه إلا بزوال ما أمامها من مشاكل وعقبات لذا نرى أن الطريق الأمثل للوصول إلى الوحدة الإسلامية وإعادة العزة للمسلمين جميعاً هو رفع مستوى المسلمين الفكري وإطلاعهم على آراء الإسلام ومعارفه التي يحتويها القرآن والسنة النبوية والروايات وسيرة الأئمة(ع) فذلك كفيل بمعالجة المشكلة وسلب الأعداء إمكانية الاستفادة من عوامل الخلاف السالفة الذكر .إن زيادة الوعي الديني والثقافي والعلمي لدى المسلمين هو خير وسيلة لتجنب بروز الخلافات التي تثيرها العوامل المذكورة ولشدة تأثير ذلك كان الإسلام يحث اتباعه دائماً وفي كثير من الآيات على التفكر والتدبر بدقة والتعرف على النفوس وما يحيط بها .إذن لابد أن نضع أيدينا بأيدي بعض من اجل إزالة الغبار عن وجه الإسلام الحقيقي الناصع ليطلع عليه المسلمون .فلو أدرك المسلمون حقيقة الإسلام وما يدعو إليه لما تفرقوا ولأصبحوا أعظم قوة في العالم وأرقى الشعوب و أنجحها في جميع الميادين.
التوصيات :
لا عجب إذا قلت: نحن بحاجة إلى فيلسوف مسلم، يبحث عن الأخوة الإسلاميّة التائهة، في وضح النهار، وبيده مصباح.
لقد أصبحت الأخوة الإسلامية -اليوم- مجرد شعار، يردّده بعض خطباء المنابر والوعاظ، في أضيق الحدود، بل وعلى استحياء!
إن الرسول – صلوات الله وسلامه عليه- حين قال لنا: "المسلم أخو المسلم، لا يظلمه، ولا يُسلمه ولا يخذله"، لم يقل لنا هذه الكلمات، لكي تكون مجرد شعار نردّده للاستهلاك، بل لتكون منهج عمل وخطة للتنفيذ.
لقد أصبحت التوعية الدينية -اليوم- ضرورة ملحة .. أعني التوعية الدينية الرشيدة، التي تهتم بمعالي الأمور، وتتابع الأحداث الجارية، وفي مقدمتها ما يمس الإسلام، بل والمسلمين في شتى بقاع العالم، ولم يعد لنا عذر أي عذر، بعد أن تقدمت وسائل الاتصال، حتى أصبح العالم قرية صغيرة.
إن التوعية الدينيّة التي نريدها، ليست قاصرة على ما يتعلق بأمور الدين، بل يجب أن تشمل أمور الدنيا، باعتبار الإسلام ديناً ودنيا معاً، أعني هنا التربية التوعية السياسية الإسلاميّة في المقام الأول. ومما يُؤسف له أن المناهج الدراسيّة في وطننا العربي لا تزال في معزل عن دراسة السياسة الإسلاميّة العامة والخاصة، والتي يجب أن تتبناها مناهج الدراسة، لإنارة الوعي الديني لدى الشباب المسلم أمل الحاضر والمستقبل، على الرغم من غياب الوحدة الإسلاميّة!
لقد تبين لي أن دراستنا للتاريخ الإسلامي ضحلة، وأن دراستنا للتاريخ الإنساني فوق الصفر ..كيف هذا؟؟
إن رسالة محمد للقارات كلها، فكيف نجهل هذه القارات، ولا نعرف ما يعمرها من أجناس ومذاهب وفلسفات؟..ولماذا نلوك بألسنتنا أن رسالتنا عالمية دون أدنى اتصال بهذا العالم الرحب؟
إن ما قاله الداعية الإسلامي الكبير في عام 1984م جدير بأن يثير في نفس كل مسلم كوامن الأسى المرير.
إن هناك أثراً يقول : "من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم"، ولا أهمية هنا لصدور هذا الأثر، فالمهم هو المضمون ألم يقل الحق –سبحانه- :"إنما المؤمنون إخوة" وأي أخوة تكون إذا كانت مجرد شعار يردّده الخطباء على المنابر؟!
ألم يقل كتاب الله لنا: (وَمَا لَكُمْ لا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيّاً وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيراً) [النساء:75]
ألم يقل لنا – صلوات الله وسلامه عليه-، فيما رواه البخاري ومسلم عن النعمان بن بشير – رضي الله عنهما-:"مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم، مثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو، تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى" .
ولا داعي للدهشة إذا قلت لك: إن بابا الفاتيكان الراحل ذهب إلى نيجيريا؛ لكي يتدخل بشأن ثلاثة قساوسة اعتقلوا، ولم يغادرها حتى أقام قداساً وأفرج عن القساوسة، والسودان قرر طرد بعض القساوسة، ضبطوا وهم متلبسون بالتجسّس، فقامت الدنيا ولم تقعد.. وتدخل بعض سفراء الدول الأوربية، وجاؤوا للسودان للتدخل.
ونتساءل في أسى مرير: لو كان هؤلاء مسلمون في دولة غير إسلامية، أكانت الدول المسلمة تدخلت؟ وهل كانت وسائل إعلامنا العربي والإسلامي تهتم ولو لمجرد خبر عادي؟
ولك أن تتصور أن الرئيس الروسي بوتين، حين زار إسرائيل أواخر إبريل الماضي أراد أن يطمئن على آلاف الروس، الذين هاجروا إلى إسرائيل، على الرغم من اكتسابهم للجنسية الإسرائيلية، بينما الرؤساءالعرب والمسلمون يزورون دولاً فيها أقليات مسلمة، ولا أظن أحداً منهم تجرّأ وسأل عن حال هذه الأقلية المضطهدة!!
ألست على حق حين قلت: نحن في حاجة لفيلسوف مسلم يبحث عن"الأخوة الإسلامية التائهة" في وضح النهار، وبيده مصباح، كما فعل فيلسوف يوناني، كان في وضح النهار يبحث عن الحقيقة وبيده مصباح!!
المراجع :
www2.alsaha.com
• القرآن الكريم
• كتاب التربية الإسلامية للصف العاشر