الفعل صنفان: [لازم] لا ينصب مفعولاً به، و[مُتَعَدٍّ] ينصبه.
1- اللازم: نحو: [نام – ذهب – شبع…]، ويمكن نقله إلى متعدٍّ، بإحدى طريقتين:
الأولى: زيادة همزة في أوله، نحو: [أَذْهَبَ الاستجمامُ التعبَ](1).
والثانية: تضعيف حرفه الثاني، نحو: [عظَّمَ اللهُ العلمَ](2).
2- المتعدّي: وهو صنفان:
الأوّل: ما ينصب مفعولاً واحداً، نحو: [قرأ خالدٌ كتاباً].
والثاني: ما ينصب مفعولين، ومن ذلك – على سبيل المثال -: [أَعطى – أَلبس…]. يقال: [أعطى خالدٌ زهيراً كتاباً، وألبس سعيدٌ محمداً ثوباً].
ومما ينصب مفعولين، ما يسميه النحاةُ: [أفعال القلوب](3)، وتمتاز بأنّ أصل مفعوليها، مبتدأ وخبر، ومنها [ظَنَّ وعَلِمَ وحَسِبَ…]. يقال: [ظننت خالداً مسافراً، وعلمت زهيراً محبّاً للخير، وحسبت سعيداً غائباً](4).
وقد تأتي [أنّ] وصِلَتُها (أي: اسمها وخبرها)، بعد الفعل القلبي فتؤوَّل بمصدر يسدّ مسدّ المفعولَين، نحو: [ظننت أنّ خالداً مسافرٌ = ظننت سفرَه].
تنبيه: قد يتضمّن [القَولُ] معنى [الظنّ]، فيعمل عمله – فينصب المبتدأَ والخبرَ مفعولَين – جوازاً نحو: [متى تقول زيداً راجعاً من سفره؟] = [متى تقول زيدٌ راجعٌ من سفره].
* * *
يتّصل بأفعال القلوب مسألتان هما: الإلغاء والتعليق. ودونك بيانهما:
¨ الإلغاء: هو أن يتوسّط الفعلُ القلبيُّ مفعولَيه أو يتلوهما، فيجوز عند ذلك رفعُهما؛ ولكن يظلّ نصبهما جائزاً أيضاً.
فالرفع نحو: [خالدٌ – ظننت – مسافرٌ، وخالدٌ مسافرٌ، ظننت].
والنصب نحو: [خالداً – ظننت – مسافراً، وخالداً مسافراً، ظننت].
¨ التعليق: هو أن يلي الفعلَ القلبيَّ مانع يمنعه من نصب مفعوليه، فتكون الجملة في محل نصب تسدّ مسدّهما. وذلك إذا تلاه:
استفهام: [علمت أين الكتابُ]،
أو لام ابتداء: [تيقّنتُ لَلصدقُ فضيلة]،
أو لام قسم: [علمت ليسافرنّ خالد]،
أو إحدى الأدوات النافية: [ما، لا، إنْ] نحو: [حسبت ما خالدٌ مسافرٌ]، [علمت لا كاذبَ ممدوحٌ]، [ظننت إن زينبُ مسافرةٌ].
فائدة: قد ينصب الفعلُ القلبي مفعولَه الأول، وتسدّ الجملة مسدَّ الثاني: [علمتُ خالداً (مَن هو)].
ملاحظة: زعموا أنّ في اللغة أفعالاً تنصب ثلاثة مفاعيل، هي: [أرى – أعلم – أنبأ – نبّأ – أخبر – خبّر – حدّث]، وأنه يقال مثلاً: [أعلم سعيدٌ خالداً الأمرَ صحيحاً] و[خبّر زهيرٌ عليّاً الحديث تامّاً](5).
* * *
نماذج فصيحة من اللزوم والتعدّي
· ]لقد علمتَ ما هؤلاء ينطقون[ (الأنبياء 21/65)
[عَلِم]: فعلٌ قلبيّ ينصب مفعولين – في الأصل – ولم ينصبهما هاهنا، لأنه عُلِّق عن العمل، وذلك أنّ [ما] – حرف نفي له الصدارة – وقد تلا الفعلَ القلبي، فامتنع أن ينصب مفعوليه مباشرة، ومن ثم كانت جملة: [ما هؤلاء ينطقون](6)، في محلّ نصب، سدّت مسدَّ مفعولَين.
· ]إنّهم يرونه بعيداً[ (المعارج 70/6)
[يرونه]: (أي: العذاب)، فهاهنا – إذاً – في الأصل مبتدأ وخبر، هما: [العذاب بعيدٌ]. وقد نصبهما الفعل القلبي: [يرى]، على أنهما مفعولان له، فهاء الضمير مفعوله الأوّل، و[بعيداً] مفعوله الثاني.
· ]الذين يظنون أَنهم ملاقو ربّهم[ (البقرة 2/46)
[يظنّ]: فعلٌ قلبيٌّ ينصب مفعولين في الأصل، ولم ينصبهما هاهنا، لدخوله على [أنّ] المشبهة بالفعل وصلتها، (أي: اسمها وخبرها) فإنها هي وصلتها، سدّتا مسدّ مفعولَي: [يظنّ].
· ]أَذْهبتم طيِّباتِكم في حياتكم الدنيا[ (الأحقاف 46/20)
[ذَهَبَ]: فعلٌ لازم لا ينصب مفعولاً به. غير أنّ اللازم يُنقَل من اللزوم إلى التعدّي بإحدى طريقتين: الأولى: أنْ تُزاد همزة في أوله، كما جاء في الآية، إذ نُصِبت كلمة: [طيّبات]، على أنها مفعول به لفعل: [أذهب].
وفي القرآن آيات أخرى مطابِقات، منها: ]إنما يريد الله لِيُذْهِبَ عنكم الرجسَ أهلَ البيت[ (الأحزاب 33/33). فقد نُقِل فعلُ [ذهب] من اللزوم إلى التعدّي، بأن زيدت همزة في أوله: [أذهب – يُذهب]، فانتَصَبت كلمةُ [الرجس] على أنها مفعول به لـ [يُذْهِب].
وأما الطريقة الثانية، التي يُنقَل بها الفعل من اللزوم إلى التعدي، فهي أن يُضَعَّف حرفه الثاني. وذلك نحو قوله تعالى ]هو الذي يسيّركم في ظلمات البرّ والبحر[(يونس 10/22)، ففِعْل [يَسِيْر] لازم في الأصل لا ينصب مفعولاً به، ولكن ضُعِّف حرفه الثاني فقيل: [يُسَيِّر] فأصبح متعدّياً، فنَصَب الضميرَ: [كم]، على أنه مفعول به له.
· ]إنّا أعطيناك الكوثر[ (الكوثر 108/1)
[أعطى]: فعل ينصب مفعولَين، ليس أصلهما مبتدأ وخبراً. كاف الضمير هنا مفعوله الأول، و[الكوثر] مفعوله الثاني. ومثلُه فِعْلُ: [عَلَّمَ] في الآية: ]وما علَّمناه الشعرَ وما ينبغي له[ (يس 36/69). فالهاء مفعوله الأول، و[الشعرَ] مفعوله الثاني.
· قال الشاعر:
ظننتكَ-إنْ شبّتْ لظى الحرب-صالياً فَعَرَّدْتَ فِيمَنْ كان عنها مُعَرِّدَا
(عرَّدَ: انحرف وهرب). [ظنّ]: مِن أفعال القلوب، ينصب مفعولين أصلهما مبتدأ وخبر. فكاف الضمير هي المفعول الأول، و[صالياً] هو المفعول الثاني.
· ]ولقد علِموا لَمَن اشتراه ما له في الآخرة مِن خلاق[ (البقرة 2/102)
[علِم]: فعلٌ قلبيّ، ينصب مفعولين. غير أنه جاء في الآية معلَّقاً عن العمل، فلم ينصبهما، وذلك أنّ لام الابتداء تلته، وهي من الأدوات التي لها الصدارة، فكانت الجملة بعده في محلّ نصب، سدّت مسدّ مفعولين(7).
· ]وإنْ أدري أقريب أم بعيد ما توعدون[ (الأنبياء 21/109)
[درى]: فعلٌ قلبيٌّ، ينصب مفعولين أصلهما مبتدأ وخبر. غير أنه جاء في الآية معلَّقاً عن العمل، فلم ينصبهما، وذلك أنّ الهمزة مِن: [أقريبٌ] تلته، وهي حرف استفهام، والاستفهام له الصدارة، فكانت الجملة بعده في محلّ نصب، سدّت مسدّ مفعولين(8).
· ]لنعلم أيُّ الحزبين أحصى لما لبثوا أمداً[ (الكهف 18/12)
[علم]: فعل قلبيّ، ينصب مفعولين أصلهما مبتدأ وخبر. غير أنه جاء في الآية معلَّقاً عن العمل، فلم ينصبهما. وذلك أنّ: [أيّ] تلته، وهي اسم استفهام، والاستفهام له الصدارة، فكانت الجملة في محلّ نصب، سدّت مسدّ مفعولين(9).
· قال الشاعر:
ولقد علمتُ لَتَأْتِيَنَّ منيَّتي إنّ المنايا لا تطيش سِهامُها
[علم]: فعلٌ قلبي ينصب مفعولين، ولكنْ عُلِّق هاهنا عن العمل فلم ينصبهما، وذلك أنّ اللام المُشْعِرَة بالقسم تلته، وهي أداة لها الصدارة، فكانت الجملة في محلّ نصب، سدّت مسدّ مفعولين.
· وقال الشاعر:
رأيتُ اللهَ أكبرَ كلِّ شيءٍ محاولةً، وأكثرَهم جُنودا
(محاولةً: قوّةً). [اللهُ أكبرُ]: هما – في الأصل – مبتدأ وخبر. ولكن دخل عليهما فعلُ [رأى]: وهو فعلٌ قلبيّ، ينصب مفعولين أصلهما مبتدأ وخبر، فنُصِبا – على المنهاج – مفعولين له، فقيل: [رأيت اللهَ أكبرَ].
· ]ولَتَعْلَمُنَّ أيُّنا أشدُّ عذاباً[ (طه 20/71)
[أيُّنا أشدُّ]: مبتدأ وخبر، دخل عليهما فعلُ: [تعلم]، وكان الأصل أن ينصبهما مفعولين له. ولكنه عُلِّق هاهنا عن العمل، لأنّ المبتدأ: [أيُّ] اسمُ استفهام، والاستفهام – حرفاً كان أو اسماً – له الصدارة، ومتى تلا الفعلَ القلبيّ، علّقه عن العمل، فكانت جملتهما في محلّ نصب سدّت مسدَّ مفعولين.
· قال الشاعر:
أبالأراجيز-يا ابن اللؤم-توعدني وفي الأراجيز-خِلتُ-اللؤمُ والخَوَرُ
[خِلت]: فعل قلبي مِن [خال – يخال]، حقُّه إذا تقدّم، أن ينصب المبتدأَ والخبرَ مفعولين له. وأما إذا توسطهما – كما ترى في البيت – أو تأخر عنهما، فيجوز مع النصب الرفعُ، وقد آثر الشاعر هنا الرفعَ، فقال: [في الأراجيز – خلت – اللؤمُ].
والنحاة يسمّون ذلك: [الإلغاء]. ويريدون بذلك: إلغاءَ نصب الفعل القلبي للمبتدأ والخبر، إذا توسطهما أو تأخّر عنهما. ولو أنّ الشاعر قدّم هذا الفعل لما جاز إلاّ النصب، ولكان واجباً أن يقول: [خلت في الأراجيز اللؤمَ].
· وقال الشاعر:
القومُ في أثري ظننتُ، فإنْ يكن ما قد ظننتُ فقد ظفِرتُ وخابُوا
[القوم في أثري]: مبتدأٌ وخبر، وبعدهما فعل قلبيّ تأخر عنهما هو: [ظننتُ]. ولقد كان حقُّه لو تقدّم عليهما أن ينصبهما مفعولين له فيقول: [ظننتُ القومَ في أثري]. ولكنه تأخر عنهما فجاز مع النصب الرفعُ. وهو ما يسمّيه النحاة: [الإلغاء].
· ]وتظنّون إنْ لبثتم إلاّ قليلاً[ (الإسراء 17/52)
[تظنّون]: فعلٌ قلبيٌّ، ينصب مفعولين. ولكنه جاء في الآية معلَّقاً عن العمل، فلم ينصبهما. وذلك أنّ: [إنْ] هاهنا تلته ومعناها النفي، ولها الصدارة، وإذا كان ذلك امتنع أن ينصبهما، فكانت الجملة بعده في محلّ نصب، سدّت مسدّ مفعولَين.
· ]وسيعلم الذين ظلموا أيَّ منقلَبٍ ينقلبون[ (الشعراء 26/227)
[يعلم]: من أفعال القلوب، حقُّه أن ينصب مفعولين. غير أنه لم ينصبهما هاهنا، إذ جاء بعده ما يعلّقه عن العمل، وهو: [أيّ] الاستفهامية. وذلك أنّ الاستفهام اسماً كان أو حرفاً، له الصدارة، ومتى تلا الفعلَ القلبي، علّقه عن العمل، فكانت الجملة بعده في محل نصب، سدّت مسدّ مفعولين.
وقد يُظَنُّ أنّ [أيَّ] مفعول به لفعل [يعلم]، وليس هذا بصواب، بل هي مفعول مطلق لفعل [ينقلبون]، أي: ينقلبون أيَّ انقلاب.
· قال زهير بن أبي سلمى:
فقلت تَعَلَّمْ أنّ للصيد غِرَّةً وإلاّ تُضيِّعها فإنك قاتلُهْ
[تعلّمْ]: من أفعال القلوب، ينصب مفعولين. لكنه لم ينصبهما هاهنا، لدخوله على [أنّ المشبهة بالفعل وصلتها (أي: اسمها وخبرها)]. فإنها هي وصلتها سدّتا مسد مفعولَي [تعلَّمْ].
· قال عنترة يذكر جوادَه:
لو كان يدري ما المحاورةُ اشتكى ولكان لو علِم الكلامَ مكلِّمي
[درى]: من أفعال القلوب، ينصب مفعولين أصلهما مبتدأ وخبر، لكنه جاء في البيت معلَّقاً عن العمل، لأنّ [ما الاستفهامية] تلته، والاستفهام له الصدارة، ومتى تلا الفعلَ القلبي، علّقه عن العمل، كما ترى في البيت، فكانت جملةُ [ما المحاورةُ]، في محل نصب سدت مسدّ مفعولين. ولكثيّر عزّة، بيت مطابق بيتَ عنترة، هو:
وما كنت أدري قبل عزّة ما البكا ولا موجعات القلب حتى تولّتِ
فقد عُلِّق فعل [أدري] عن العمل – وهو فعل قلبي ينصب مفعولين أصلهما مبتدأ وخبر – وذلك أنّ [ما] الاستفهامية تلته فعلّقته عن العمل، فكانت جملةُ [ما البكا]، في محل نصب سدّت مسدّ مفعولين.
· ]قد نعلم إنّه ليَحْزُنكَ الذي يقولون[ (الأنعام 6/33)
[نعلم]: فعل قلبي ينصب مفعولين، ولكنه عُلِّق عن العمل فلم ينصبهما، لأنّ أداةً من أدوات الصدارة – هي لام الابتداء – تلته، فمُنع من العمل. فالجملة بعده في محل نصب سدت مسد مفعولين(10).
· قال هدبة بن خشرم:
متى تقول القُلُصَ الرَّواسِما يحملْنَ أمَّ قاسمٍ وقاسِما
[تقول]: فعلٌ قد يأتي بمعنى الظنّ، فيعمل عمله. (أي: ينصب مفعولين). وهو ما تراه في البيت، فكلمة [القلص](11) هي المفعول الأول لـ [تقول]، وجملة: [يحملن]، في محل نصب مفعول ثانٍ له.
· ]كذلك يُريهم اللهُ أعمالَهم حسراتٍ عليهم[ (البقرة 2/167)
في الآية ثلاث كلمات منصوبات. الأولى والثانية هما: الضمير [هم] المتصل بالفعل، و[أعمالَ] – وهاتان مفعولان لفعل: [يُري] – وأما الثالثة وهي: [حسراتٍ] فإنها حال من [أعمالهم](12).