هذا وإن تآلف القلوب واتحاد الكلمة بواسطة هذا الاجتماع، وإن كان فيه فائدة عظمى للمسلمين إلاَّ أن هناك أمورًا أخرى يحصلون عليها فيها انتظام أحوالهم الدنيوية، وهي أن يعرف كل قبيل ما في بلاد القبيل الآخر من أحوال التجارة والصناعة والزراعة والفوائد المتحسنة؛ فيقتبسون من بعضهم هذه المنافع التي لو أردنا تعدادها لخرجنا على المراد من هذا الباب، وبالجملة فإنهم يتبادلون كل ما فيه مصلحتهم الدنيوية والأخروية، وهذا هو معنى الجامعة الإسلامية.
ونقول زيادة على ذلك أنهم إذا اجتمعوا وكانت فيهم طائفة مغلوبة على أمرها من حاكم ظالم أو عدو شديد البطش أخذت الأمة القوية تناصرها، وأنقذتها من كل خطر محدِق بها، وهذه المنافع العديدة والفوائد الجميلة الجليلة أشار إليها الكتاب العزيز بقوله: "ليشهَدُوا منافِعَ لهم".
ورب قائل يقول: إن الحج لم يكن في الإسلام فقط؛ بل كان من قبل الإسلام من عهد سيدنا إبراهيم الخليل- عليه الصلاة والسلام-؛ فنقول له: إن الحج لم يكن قبل الإسلام على هذه الصورة التي قررها الشارع الحكيم. وأيضًا إن العرب في جاهليتهم أدخلوا في الحج ما لا ينطبق على شريعة الخليل- عليه السلام-؛ فجاء الإسلام مغيرًا مما هو ليس من الدين. ولو سلمنا جدلا أن جميع أفعال الحج الآن كانت في زمن الخليل- عليه السلام-؛ فالشريعة الإسلامية هي ملة إبراهيم كما قال- تعالى-: "دينًا قيمًا ملةَ إبراهيمَ حنيفًا".
ومما يؤسف عليه أن الغربيين فقهوا هذه الحكمة الجليلة وعرفوا أن الحج هو تأييد للجامعة الإسلامية؛ فتخوفوا منها، وحسبوا لها ألف حساب. أما المسلمون فإنهم جهلوها، ومن يُؤَدِّ فريضة الحج منهم فإنما يؤديها على أنها فرض يجب أداؤه بلا نظر فيما فيه من تلك المنافع والفوائد والحِكَم التي بيناها.