أسلمت أسماء رضي الله عنها بمكة وكان عمرها آنذاك خمس عشرة سنة، وكان إسلامها بعد سبعة عشر شخصا، وبايعت النبي صلى الله عليه وسلم وآمنت به، وقد عايشت أحداث عهد البعثة النبوية، وشاركت فيها بجدارة.
حافظة سر الرسول
لما جاء قرار الهجرة، غادر النبي عليه السلام مكة تحرسه عين الله، ودخل الرسول برفقة أبي بكر الصديق في غار ثور للاختباء فيه، وكان لأسماء دور مهم حيث كانت تحمل الطعام والشراب إليهما وتمضي في عتمة الليل، وتصعد الجبل الشاهق وكانت حاملا رضي الله عنها – فكانت رمزا للشجاعة والذكاء رغم صغر سنها.
وفي يوم حملت أسماء الزاد لتربطه بالناقة ولكنها لم تجد ما تربط به، ففكت نطاقها (حزامها) وشقته نصفين، فربطت سفرة الزاد بأحدهما، وانتطقت بالآخر، وفي تلك اللحظة أُطلق عليها لقب ذات النطاقين.
لقد شاركت أسماء أباها أعباءه في الدعوة إلى الله تعالى ونصرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويظهر ذلك حين كان أبوها الصديق يجهز للرسول صلى الله عليه وسلم متاع الهجرة، – وما كان أحد يعلم بهجرة الرسول سوى أبي بكر وابنتيه أسماء وعائشة وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهم – ومن هنا نعلم كبير ثقة رسول الله صلى الله عليه وسلم بهؤلاء حيث أطلعهم على أخص أسراره، ولذا فقد تمتعت أسماء بنت أبي بكر بين النساء بمنزلة مرموقة، لا لحسبها، ولكن لمنزلتها في الإسلام ولرجاحة عقلها، وجهادها في الدعوة إليه وثباتها.
قال ابن إسحاق: لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر رضي الله عنه، أتى نفر من قريش، فيهم أبو جهل، فوقفوا على باب أبي بكر، فخرجت إليهم أسماء، فقالوا: أين أبوك؟! قالت: لا أدري أين هو؟ قالت أسماء : فرفع أبو جهل يده، وكان فاحشا خبيثا، فلطم خدي لطمة طرح منها قرطي!
الزواج المبارك
تزوجت أسماء رضي الله عنها من الزبير في مكة، وكان فقيرا، وما له في الأرض مال ولا مملوك ولا أي شيء غير فرسه، وهاجرت وهي حامل بولده عبد الله وفي ذلك تقول : تزوجني الزبير وما له في الأرض مال ولا مملوك، ولا شيء غير فرسه فكنت أعلف فرسه وأكفيه مؤونته وأسوسه، وأدق لناضخه، وكنت أنقل النوى من أرض الزبير، وأدق النوى، أعجن ولم أكن أحسن الخبز، فكانت تخبز جارات لي من الأنصار، وكن نسوة صدق.
وكانت رضي الله عنها تتحمل الكثير من التعب في سبيل خدمة زوجها، وهي صابرة، فأتت أباها فشكت ذلك إليه، فقال: يا بنية اصبري. فالتزمت وصية أبيها إلى أن كبر ابنها عبد الله بن الزبير.
وروت أسماء عن النبي صلى الله عليه وسلم 58 حديثا، اتفق البخاري ومسلم على أربعة عشر حديثا منها.
موقف خالد
بويع عبد الله بن الزبير بالخلافة بعد موت يزيد بن معاوية بن أبي سفيان سنة أربع وستين، وبقي حتى قتل سنة ثلاث وسبعين، وحج بالناس كل هذه المدة وبنى الكعبة أيام خلافته وكساها الحرير.
وكانت جميع الأقطار الإسلامية قد بايعته بالخلافة، ولم يبق إلا مروان بن الحكم ومعه جزء صغير من بلاد الشام، لكن مروان بدأ يتوسع وخلفه ابنه عبد الملك، وقد سأل عبد الملك من حوله بعد أن أنهى ضم العراق إليه: من يكفيني أمر ابن الزبير في مكة؟ فلم يتجرأ أحد على ذلك إلا الحجاج بن يوسف الثقفي الذي قال: أنا له يا أمير المؤمنين فابعث بي إليه فإني قاتله، فبعثه في جيش كثيف، ثم استأذن الحجاج من عبد الملك أن يدخل الحرم فيحاصر ابن الزبير فأذن له، وكان حصاره ستة أشهر وسبعة عشر يوما، ولم تكن أسماء بمنأى عن ذلك بل كانت تتابع الموقف، فذهب إليها عبد الله شاكيا – وكانت قد فقدت بصرها فقال لها: “يا أماه خذلني الناس حتى أهلي وولدي ولم يبق معي إلا اليسير من جندي، والناس يعطونني ما أردت من الدنيا فما رأيك”؟ قالت: “يا بني أنت أعلم بنفسك إن كنت تعلم أنك على حق وإليه تدعو فاصبر عليه، فقد قتل عليه أصحابك، وان كنت تعلم أنك إنما أردت الدنيا، فبئس العبد أنت، أهلكت نفسك وأهلكت من معك وإن كنت على حق، فما وهن الدين إلى كم خلودك في الدنيا؟ القتل أحسن!”.
فدنا فقبل رأسها وقال: “هذا والله رأيي، ولكن يا أماه أخاف أن يمثل بي بعد القتل” قالت: “يا بني.. هل يضير الشاة سلخها بعد ذبحها؟”.
لقد عاشت كريمة مجاهدة، وكانت خاتمة المهاجرين والمهاجرات وفاة رضي الله عنها.