فاسكو دا جاما (بالبرتغالية: Vasco da Gama) (ولد في 1469 م في البرتغال وتوفي في 24 ديسمبر 1524 م في كاليكوت بالهند) يعدّ من أنجح مستكشفي البرتغال في عصر الاستكشاف الأوروبي وهو أول من سافر من أوروبا إلى الهند بحرًا.
كُلف من قبل ملك البرتغال مانويل الأول بإيجاد الأرض المسيحية في شرق آسيا وبفتح أسواقها التجارية للبرتغاليين وهو أول حاكم برتغالي للهند. قام دا جاما بمتابعة استكشاف الطريق البحرية التي وجدها سلفه بارثولوميو دياز عام 1487 م والتي تدور حول قارة أفريقيا عبر رأس الرجاء الصالح وذلك في أوج عهد الاستكشافات البرتغالية التي كان هنري الملاح قد بدأها.
الموضوع :
وبالرغم من أن دا جاما نجح في إيجاد طريق للسفر بين أوروبا والهند بديل عن طريق الحرير الذي كان تحت سيطرة المسلمين في الشرق الأوسط وآسيا، إلا أنه لم ينجح بحمل أي بضائع ذات أهمية لسكان آسيا الصغرى والهند. فقد كان الطريق محفوفًا بالمخاطر ولم ينجح سوى 54 من الملاحين البالغ عددهم 107 وسفينتين من السفن الأربعة التي أبحرت معه في العودة إلى البرتغال وذلك في عام 1499 م. وبالرغم من ذلك فإن هذه الرحلات التي قام بها دا جاما أدّت إلى سيطرة الأوروبيين على القوة والتجارة البحرية لمئات من السنين، كما أدّت إلى استعمار الهند الذي جلب القوة والثروة للعرش البرتغالي والذي دام لمدّة 450 سنة.
حياته المبكرة
ولد فاسكو دا جاما لعائلة نبيلة، فقد كان والده إستفاو دا جاما، وهو حاكم ساينز في البرتغال، من عائلة الأمير فرناندو سيد فرسان سانتياغو. أما والدته فكانت من أصل إنجليزي ولها صلات قرابة بعائلة دايوغو، دوق فيسيو (ابن الملك إدوارد الأول من البرتغال) وحاكم مديرية المسيح الحربية. يقال بأنه في عام 1488 م أُدخل فاسكو مع إخوته إلى مديرية سانتياغو. ولكن في عام 1507 م انتقل فاسكو إلى مديرية المسيح الحربية تحت قيادة الملك مانويل الأول ملك البرتغال.
بدأت حياة فاسكو دا جاما المهنية عندما تم اختيار والده لقيادة حملة لفتح طرق بحرية إلى آسيا لتجنب المسلمين الذين كانوا يسيطرون على التجارة مع الهند ودول الشرق الأخرى، ولكن والده توفي في يوليو من عام 1497 م قبل القيام بالرحلة. ثم طُلب من باولو دا جاما، وهو شقيق فاسكو، أن يتولى المهمة لكنه رفض، فطُلب من فاسكو تولي القيادة فوافق.
الاستكشافات قبل دا جاما
منذ بدايات القرن الخامس عشر كانت رحلات هنري الملاح ومن سار على خطاه من المستكشفين قد ساهمت في توسّع اطّلاع ومعرفة البرتغاليين بخط الساحل الإفريقي. ومع أوائل العقد 1460، كان هدف البرتغاليين الالتفاف حول القارة الإفريقية من أقصى الجنوب وذلك لتأمين طريق تجاري سهل إلى ثروات الهند (خصوصًا الفلفل الأسود والبهارات الأخرى) عن طريق البحر.
كانت هذه المحاولات قد بدأت تؤتي ثمارها عندما كان عمر دا جاما 10 سنوات. فقد كان بارثولوميو دياز قد عاد من رحلته التي بلغ فيها رأس الرجاء الصالح وتعمق حتى وصل نهر السمك (Rio do Infante) في ما يعرف اليوم بجنوب أفريقيا، وتحقق من أن الشاطيء يبدأ بالالتفاف إلى الشمال الشرقي.
كانت الاستكشافات التي تجري في نفس الوقت في عهد الملك جواو الثاني قد دعّمت الفرضية القائلة بإمكانية الوصول إلى الهند بحرًا عن طريق المحيط الأطلسي. فقد أرسل هذا الملك كلاً من السياسيين والرحالتين بيرو دا كوفيلها وأفونسو دي بايفا عن طريق برشلونة مرورًا بنابولي ثم جزيرة رودس فالإسكندرية ومن هنالك إلى عدن فمضيق هرمز وصولاً إلى الهند. وقد أكدت هذه الرحلة إمكانية الوصول إلى الهند عن طريق المحيط.
بعد التأكد من إمكانية الوصول إلى الهند بحرًا، بقي على أحد المستكشفين أن يقوم بالإبحار إلى الهند عن طريق المحيط الأطلسي للحصول على طريق تجاري واعد بالأرباح في المحيط الهندي. وُكّلت هذه المهمة -والتي كانت قد أعطيت في البداية إلى والد دا جاما- إلى فاسكو نفسه من قبل مانويل الأول. وقد كان فاسكو قد كسب سيطًا بتأمينه الحماية للمحطات التجارية البرتغالية على طول الساحل الإفريقي الذهبي من الفرنسيين.
رحلات دا جاما
الرحلة الأولى
في 8 يوليو من عام 1497 م خرج أسطول من أربع سفن من لشبونة على النحو التالي:
سفينة بقيادة فاسكو دا جاما بوزن 178 طنًا وطول 27 م وعرض 8.5 م وأشرعة بمساحة 372 م2 وعمق تحت البحر 2.3 م وطاقم من 150 ملاحًا.
سفينة بقيادة شقيقه باولو دا جاما بمواصفات شبيهة بالسفينة السابقة.
سفينة بقيادة نيكولا كولهو أصغر قليلاً من السفينتين السابقتين.
سفينة تخزين بقيادة جوسالو نونيز والتي فقدت فيما بعد بالقرب من خليج ساو براس على طول الساحل الإفريقي الشرقي.
الالتفاف حول رأس الرجاء الصالح
بحلول 16 ديسمبر كان الأسطول قد تجاوز النهر الأبيض في جنوب إفريقيا، وهو أقصى ما كان دياز قد وصل إليه من قبل، فكانت هذه أول مرة يبلغ الأوروبيون إلى هذا البعد. ومع كون عيد الميلاد قريبًا سُمي هذا الشاطيء الذي كانوا يعبرون بجانبه باسم ناتال، والتي تعني عيد الميلاد بالبرتغالية، وما زال يحتفظ بهذا الاسم إلى الوقت الحاضر.
الموزمبيق
مع دخول السنة الجديدة وصل الأسطول إلى ما يعرف اليوم بالموزمبيق على الشاطيء الشرقي لأفريقيا، والتي كانت جزءًا من الشبكة التجارية في المحيط الهندي. ولخوفه من أن يتخذ السكان المحليون موقفًا عدائيًا منهم لكونهم مسيحيين، تصنّع دا جاما الإسلام وتمكن من أن يقابل سلطان البلاد. لم يجد دا جاما ما يليق بتقديمه كهدية للسلطان مما كان يحمل من مواد، الأمر الذي أدى بالسكان المحليين أن يشكوا بأمرهم فهاجموهم غاضبين، فاضطر دا جاما ورجاله أن يغادروا البلاد فأبحر مبتعدا قاصفًا المدينة بالمدافع انتقامًا منهم.
مومباسا
لجئت الحملة إلى القرصنة عندما كانت بالمقربة من ما يعرف اليوم بكينيا، فقامت بنهب سفن التجارة العربية، خاصة منها غير المسلحة وبدون مدفعية ثقيلة. وبوصولهم إلى هذه النقطة، أصبح البرتغاليون أول من زار ميناء مومباسا من الأوروبيين ولكنهم قوبلوا بالسخط وما لبثوا أن غادورها.
ماليندي
بعد ذلك، تابع دا جاما رحلته شمالاً باتجاه ماليندي التي كان قادتها على خلاف مع قادة مومباسا، وهنالك لاحظت الحملة وجود التجار الهندوس لأول مرة. تعاقدت الحملة عندها مع الدليل أحمد بن ماجد (من ولاية غوجارات بالهند) والذي استطاع بخبرته في رياح موسمية أن يصل بالحملة إلى كاليكوت (ما يعرف اليوم بكوزيكود) في جنوب غرب الهند.
الهند
فاسكو دا جاما يصل إلى كلكتا في الهند في 20 مايو 1498 م
فاسكو دا جاما يصل إلى كلكتا في الهند في 20 مايو 1498 موصلت الحملة إلى الهند في 20 مايو من عام 1498 م. تلا ذلك بعض المفاوضات مع الحاكم المحلي ساموثيري راجا والتي كانت عنيفة في بعض الأحيان نتيجة لمعارضة التجار العرب. استطاع دا جاما في النهاية أن يحصل على وثيقة مريبة تعطيهم حق التجارة في البلاد، ولكنه اضطر أن يترك جميع بضائعه كضمانة. وترك دا جاما مع البضائع بعضًا من رجاله وأمرهم أن يبدأو تجارتهم.
العودة
توفي باولو دا جاما أثناء رحلة العودة في جزر الآزور. وعندما وصل دا جاما إلى البرتغال، وكان ذلك في سبتمبر 1499 م، كوفيء بجزالة لإنجاحه خطة دامت ثمان سنوات في طور التحضير. فقد قُلّد لقب أدميرال المحيط الهندي، ومنح حقوقًا إقطاعية في ساينز. وأعطي أيضًا لقب دوم (أو كونت) من قبل مانويل الأول والذي عيّن له مرتّبا مقداره 300,000 ريال سنويًا له ولذريته من بعده.
كان من نتائج رحلة دا جاما أن أدرك البرتغاليون أهمية الشاطيء الشرقي من أفريقيا لمصالحهم. فقد كانت الموانيء في هذه المنطقة توفر لهم الماء والزاد، بالإضافة إلى الخشب والمرافيء للقيام بعمليات إصلاح السفن، كما أنها توفر لهم المأوى إلى حين انقضاء الفصول الصعبة من السنة. وكان من نتائجها أيضًا أن أصبحت سلعة البهارات من العناصر
في مطلع القرن السادس عشر، كان بيدرو ألفاريس كابرال قد أرْسل إلى الهند، حيث اكتشف البرازيل في طريقه، فوجد أن التجّار الذين تركهم دا جاما قد قتلوا، وقوبل هو بمقاومة أشد دفعته لقصف كاليكوت. جلب بيدرو معه الحرير والذهب إلى البرتغال ليثبت أنه كان في الهند أيضًا. بعد ذلك بعامين، عاد دا جاما إلى الإبحار مرة ثانية، في 12 فبراير 1502 م، ولكن هذه المرة في أسطول عداده عشرون سفينة حربية لمحاولة تدعيم المصالح البرتغالية.
في طريقه، انتظر دا جاما سفينة كانت عائدة بالحجاج من مكة وقام بسلب جميع بضائعها ثم قام بحشر جميع الركاب والبالغ عددهم 380 في السفينة وأضرم بها النار. استغرقت السفينة أربعة أيام لتغرق في البحر مما أدى إلى مقتل جميع من فيها من رجال ونساء وأطفال.
قام دا جاما بعد ذلك بالاعتدء وجمع الأتاوة من ميناء كيلوا في شرق إفريقيا، وهو أحد الموانيء اللاتي استعصين أمام مخططات البرتغاليين، والذي كان وقتها أحد الولايات الإسلامية الغنية. كما عمل دا جاما على قرصنة سفن التجارة العربية، ثم حطّم أسطول من كاليكوت عداده تسع وعشرون سفينة محتلاً بذلك المدينة. طلب دا جاما من حاكم المدينة أن يُقصي جميع المسلمين من البلاد. وفي محاولة منه لإرهابهم، قام دا جاما بشنق 38 صيادًا، ثم قطّع رؤوسهم وأيديهم وأرجلهم، ثم رمى بالجثث والأشلاء لتطفوا بالقرب من الشاطيء. عرضت المدينة على دا جاما تسهيلات تجارية كبيرة مقابل السلام والصلح، وقام هو بعمليات نهب ضخمة الأمر الذي رفع من مكانته لدى حاكم البرتغال.
عند عودته، قُلّد دا جاما لقب كونت فاديغويرا وأقطعت له الأراضي فيها وفي فيلا دوس فرادس وأعطي السلطة القضائية فيهما.
الرحلة الثالثة
أرسل دا جاما مرة ثالثة إلى الهند في عام 1524 م، بعد أن اكتسب شهرةً بكونه قادرًا على حل المشاكل التي تعترضهم هناك. وكان الهدف من إرساله هذه المرة هو استبدال إدواردو دي مينيزس، الذي لم يتمتع بالكفاءة المطلوبة، ليقوم على أملاك البرتغال هناك ولكنه مات بعد وصوله إلى كاليكوت بفترة قصيرة.
دفن جثمان دا جاما في البداية في كنيسة القديس فرانسيس في مدينة كوتشي الهندية. ثم جمعت بقاياه فيما بعد وأرسلت إلى البرتغال في عام 1539 م حيث دُفنت في فاديغويرا في قبر كبير
آثاره
أنجبت زوج دا جاما، واسمها كاترينا دا أتايد، له ستة أبناء وبنت واحدة وهم: فرانسيسكو دا جاما، وكوندي دا فيديجويرا، وإستفاو دا جاما، وباولوا دا جاما، وكريستوفر دا جاما، وبيدرو دا سيلفيا دا جاما، وألفارو دا أتايدا، وإيزابل دا أتايدا دا جاما.
كان لدا جاما الفضل الأكبر، بعد هنري الملاح، في صعود البرتغال كقوة استعمارية. فإلى جانب رحلته الاستكشافية الأولى، فإن مهارة دا جاما السياسية والحربية في الجانب الآخر من العالم هي التي وضعت البرتغال في مركز متقدم في منطقة المحيط الهندي التجارية. ولذلك فقد كانت رحلات دا جاما موضوعًا أساسيًا في الملحمة الوطنية في البرتغال، لا لويسيداس التي كتبها لويس فاز دا كامويس.
أدرك حكام البرتغال بعد الرحالات الأولى لدا جاما أهمية توفير مراكز محمية على الشاطيء الشرقي لإفريقيا لتأمين تجارتهم مع الشرق الأقصى.
أُطلق اسم فاسكو دا جاما على مدينة فاسكوا دا جاما وهي ميناء بحري في ولاية غوا الهندية. كما أطلق اسمه على فوهة قمرية وعلى عدة أندية كرة قدم برازيلية ونادٍ رياضٍ في ولاية جوا الهندية.
جاء ترتيب دا جاما في المركز السادس والثمانين في قائمة أكثر الشخصيات تأثيرًا في التاريخ والتي أعدها مايكل هارت.
حدث هنالك بعض الاختلاف في عام 1998 م بسبب تردد الهند في الاحتفال بذكرى مرور خمسة قرون على وصول دا جاما إلى الهند معللين ذلك بأن هذا الحدث كان ذا تأثير سلبي كبير في تاريخهم.
ماذا فعل فاسكو دي جاما بالهنود وبالمسلمين؟
د. محمد وقيح
فاسكو دا جاما .. ماذا فعل بالهنود وبالمسلمين ؟ !
عندما تحدث الأستاذ الهندي الذي كان يدرسنا تاريخ العلاقات الدولية ، عن حركة الكشوف الجغرافية ، ورحلة فاسكو دا جاما إلى بلاده ( الهند ) ، قال إن دا جاما خاطب ملك الهندوس شارحاً مهمته التي جشمته عناء الرحلة من البرتغال قائلاً إنها تتلخص في القضاء على المسلمين . وأكمل الأستاذ روايته قائلاً إن الملك الهندي خاطب الرحالة البرتغالي قائلاً : إن مسلمي الهند هم جزء لا يتجزأ من مملكتي وإنني مسؤول عنهم ، ولا يمكن أن أتآمر ضدهم ، وبذا حال بينهم وبين مذابح مهلكة .
كانت تلك هي المرة الأولى التي أسمع فيها بتلك الرواية ، فأطرقت خجلاً وأسفاً على جهلي ، وأنا دائم الإطراق ، شديد الخجل من جهلي ، ومن كثرة الثغرات التي تعتري ما حصلت من علم مغشوش قاصر ، فكم قد درسنا تاريخ الكشوف الجغرافية في حصص الجغرافيا والتاريخ ، ولكن ما علمنا أحد ولا أخبرنا بحقيقة نوايا دا جاما تجاه الإسلام والمسلمين . وبالطبع فما كان لتلك المناهج الدراسية المسلوخة سلخاً من كتب الغربيين أن تخبرنا عن ذلك ، وما كان لنا أن نعرف ما دمنا قد قررنا أن نتلقى العلم عن الغربيين !
وقبيل احتفال البرتغال بالذكرى الخمسمائة لرحلة فاسكو دا جاما ، أنطلقت أصوات الهنود تحتج على إقامة احتفال بذكرى شخص سفك دماءهم ، باعتبار أن ذلك الاحتفال يمثل نوعاً من الاستهتار والاحتقار لتلك الدماء . ورداً على أصوات الهنود التي تعالت بالإحتجاج ، ارتفعت أصوات منظمي الاحتفال تقول بأنهم إنما يحتفلون بفاسكو دا جاما البرتغالي ، لا فاسكو دا جاما الهندي ، بمعنى أنهم يحتفلون بما حققه للبرتغال من كشف أدى بهم للسيطرة على أعالي البحار ، لا بما أصاب به الهند من فتك ذريع ، أوهن ممالكهم وقضى على أقسام عامرة من مجتمعاتهم . وهكذا تأكد أن الاحتفال ينطوي فعلاً على استهانة واحتقار لدماء الهنود .
هذا وإن كانت البرتغال قد عملت على ترضية الهنود وشراء صمتهم بإنشائها لمتحف للثقافة الهندية بلشبونة ، ومشاركتها في بعض البرامج الثقافية بولاية جوا الهندية ، وبإعترافها بأن عام وصول دا جاما إلى الهند كان عاماً صعباً على الهنود . وذلك من غير ما إفاضة في توضيح وجه الصعوبة ، ولا تفصيل يفضي إلى إدانة مسالك دا جاما مع الهنود . وأكثر من ذلك فقد دعا أنطونيو هيسبانا رئيس هيئة الاحتفال بالذكرى نصف الألفية لرحلة دا جاما ، الهنود إلى أن يكفوا عن النوح والعويل ، وإلى أن يطووا صفحة آلام القرن الخامس عشر ! وصرح فاسكو فيليز رئيس مؤسسة الكشوف الجغرافية البرتغالية ، بأن بلاده ليست في حاجة إلى أن تعتذر لأحد بشأن تراث دا جاما قائلاً : " إن دا جاما كان بطلاً غير مصير العالم بأسره إلى الأبد ، وأنه حول مصير العالم إلى مسار أفضل ، ومن العار أن يركز الناس على بعض المآسي والمذابح ، التي ربما اضطر إلى إرتكابها ، أو ربما لم يرتكبها قط " .
ماذا فعل دا جاما في الهند ؟
هذه اللهجة الإعتزازية ، والمتعالية في نفس الوقت ، تخالف ما رصدته كتب التاريخ من أفعال فاسكو دا جاما . وبعض تلك الكتابات التاريخية كانت من تسجيل بعض من كانوا معه على متن السفينة . ولطالما وصف المؤرخون دا جاما بأنه كان ذا قسوة غير عادية ، وكان مما رسخ فيه ذلك الطبع ماضيه الطويل في النخاسة ، إذ قضى مطلع شبابه يمتهن إصطياد الأفارقة من على شاطئ إفريقيا الغربي ليبيعهم في البرتغال . التي لم يخل بيت فيها من العبيد ، وكان مما يؤجج فيه تلك القسوة ، تعصبه الديني ، وطمعه في المقتنيات المادية . ويحكي المؤرخون أنه كان قد خدع في الهنود ، إذ ظنهم نصارى ، وظن معابدهم كنائس ، وجن جنونه عندما اكتشف حقيقة دينهم ، وكانت فجيعته الكبرى عندما رأى المسلمين هنالك ورأى نفوذهم القوي في التجارة والنقل البحري .
وجد دا جاما دويلات هندية صغيرة على الشاطئ تصطرع مع بعضها البعض ، فاستغل الوضع ليحالف بعضها ويوجهها ضد بعضها البعض ، وفي كل الأحوال اشترط أن يعطى إعفاءات وإمتيازات هائلة ، وأن ينصب أميراً لا منازع له على البحر ، وأضاف إلى ذلك شرطاً يقضي بأن يجتث الوجود الإسلامي من جذوره في الهند ، وأن يجرف المسلمون وثقافتهم وتراثهم إلى البحر . أي أن يفعل بهم مثل ما فعل بأشياعهم في الأندلس .
ولدى رفض الهنود لتلك الشروط ، قام دا جاما في سنة 1502 م بقصف مدينة كلكتا . وهذا وصف مختصر لتلك الواقعة مأخوذ من أوراق ملاح جرماني مجهول الاسم رافق دا جاما في رحلته الثانية ، وهي الأوراق التي نشرت لأول مرة في سنة 1905 م وفيها يقول : " وفي السابع والعشرين من أكتوبر سنة 1502 م أبحرنا إلى أن وصلنا إلى مملكة كلكتا ، التي تبعد 40 ميلاً عن كنانور وحشدنا جنودنا عند حدودها ، ثم خضنا معهم حرباً لمدة 3 أيام ، وأسرنا عدداً كبيراً من جنودهم ، قمنا بشنقهم داخل السفن ، وقطعنا أيديهم وأقدامهم ورؤوسهم ، وأخذنا سفينة من سفنهم قذفنا فيها بتلك الأشلاء ، مرفقة برسالة علقناها على عصا ، وبعثنا بتلك السفينة لترسو على ساحلهم " .
كان ذلك ضرباً واحداً من ضروب حرب الترويع التي شنها دا جاما ضد الهنود . والغريب أن دا جاما كان يصب عذابه على البرئ الغافل ليجعل منه أمثولة يرتدع بها الآخرون . والآن فلنقف على ضرب آخر من ضروب تلك القسوة العارمة إذ يحكي لنا صاحب كتاب ( Voyages and Adventures of Vasco da Gama ) المطبوع في سنة 1878 م أن دا جاما اصطحب دليلاً يهودياً يقوده إلى سفن الهنود ، ليقدمه لهم بمثابة صديق ، ذلك بينما كان دا جاما يعد مدفعيته لحرق السفن الهندية . وعندما اطمأن له الهنود واستغرقوا في السبات ، صرخ دا جاما في منتصف الليل آمراً جنوده ببدء القصف ، فأضاء الليل بالقذائف ، واحترقت كل السفن الهندية وتفرق جنود دا جاما يلاحقون الهنود الذين سبحوا ولجأوا إلى الجزر القريبة ، ومزقوهم شر ممزق … ويقول الراوي أن تلك الحادثة أرعبت كل الهنود وجعلتهم يعاملون البرتغاليين بمزيد من المهابة والاحترام .
وماذا فعل بالمسلمين ؟
كان ذلك بعض ما فعله دا جاما بالهنود ، وقد كانت بعض دوافعه نابعة من شدة الضغن الذي كان يكنه للمسلمين لما رآه من تعايشهم سلمياً مع الهندوس . والغريب أن المسلمين كانوا قد أعانوا دا جاما بكل ما مكنه من نجاح رحلته . فابتداءً كانت الأموال التي أنفقت على الرحلة هي أموال المسلمين البرتغاليين الذين أجبروا على النصرانية ، وكانوا قبل – كما يحكي المؤرخون – يستمتعون بقدر من الحرية الدينية ، وذلك إلى أن تزوج اثنان من أمراء البرتغال بأميرتين إسبانيتين ، جاءت معهما عدوى التعصب ضد المسلمين ، واستحكمت من ثم عقيدة إفناء المسلمين أو تنصيرهم . وهكذا قام الملك عمانويل في سنة 1496 م بمصادرة أموال المسلمين ، وخصصها لصناعة السفن التي مخر بها دا جاما عباب البحر .
وبعد أن تخبط دا جاما لمدة عشرة شهور في البحر اللجي ، وصل إلى شواطئ إفريقيا الشرقية ، واستعان بأمرائها ، فزودوه بملاح ماهر ، بل عالم بجغرافيا البحار ، حيث وضع فيها عدة كتب لا تزال تسعة عشر كتاباً مخطوطاً منها محفوظة بالمكتبة الوطنية بباريس ( Bibliotheque Nationale, Paris ) فبعد أن تاه فاسكو دا جاما طويلاً في البحر ، ويئس من الوصول إلى الهند ، تصرف أخيراً كقرصان ، إذ احتجز في سفينته الرسول الودي الذي بعثه إليه شيخ منطقة ماليندي ورفض إطلاق سراحه حتى يبعث إليه الشيخ بدليل ماهر يقوده إلى الهند . كان ذلك الدليل الماهر هو أحمد بن ماجد الذي دخل إلى كابينة القيادة ونثر خرائطه الجغرافية ، وقام بتوجيه القبطان إلى أن رست سفينتهم على سواحل الهند في يوم 22 / 5 / 1498 م ، وفوجئ دا جاما بأن التجار المسلمين قد سبقوه إلى هناك ، وأقاموا لأنفسهم مكاناً علياً في كلكتا ، وتزاوجوا مع السكان ونشروا دعوة الإسلام هناك ، وهو الأمر الذي أثار حنق دا جاما ، الذي نشأ على كره المسلمين ، وشهد مآسي طردهم من الأندلس ، وشمت بأميرهم الذي خرج ذليلاً من قصره ليقبل أيدي إيزابيلا ، ولذلك فقد حرص عند رجوعه إلى البرتغال على التحريض على المسلمين والالحاح على ضرورة إفنائهم ، حتى لا يعترضوا سيطرة البرتغال على أعالي البحار . وبالفعل فقد جرد ملك البرتغال حملة كبرى على المسلمين ، قوامها 33 سفينة و 1500 مقاتلاً ، ولكن حالت حماقاتهم واصطدامهم بالساموريين دون نفاذ مخططهم .
إحراق الحجاج :
ولكن مع ذلك لم يخل سجل دا جاما من اصطدامات مباشرة وعنيفة مع المسلمين . ويحكي لنا صاحب كتاب ( Sea Road To The Indies ) وهو من أوثق الكتب عن رحلة فاسكو دا جاما ، القصة التالية عن إجرامه : " وبعد أيام قليلة رأى دا جاما السفينة العربية ( ميري ) قادمة من ناحية الغرب . وهي سفينة تتبع لشقيق خوجة قاسم في كلكتا ، وكانت السفينة قادمة لتوها من مكة ، وفي جوفها 380 من الرجال والنساء والأطفال ، بالإضافة إلى البضائع ، وكان معظم هؤلاء الركاب قد فرغوا من أداء شعيرة الحج متوجهين إلى بلادهم كلكتا ، فقام القائد البرتغالي بمطاردة تلك السفينة واحتجازها بعد أن استسلمت له من غير مقاومة ، بسبب عدم جدوى أي مقاومة لسفينة دا جاما ، التي كانت تحوي عدداً ضخماً من الرجال المدججين بالسلاح . وأمر دا جاما بمصادرة كل البضائع والأسلحة ، ولما أنكر العرب وجود أي ممتلكات ثمينة بحوزتهم أمر الأدميرال بقذف اثنين منهم إلى البحر ، وقذفا فوراً ليلقيا حتفهما غرقاً ، وعندها اعترف الباقون بما يوجد عندهم من المقتنيات الثمينة ، فأخذت وشحنت بالسفينة ( ديجو فيرناندس كوريا ) وخصصت للملك ، بينما قسم بقيتها بين ملاحي دا جاما . وقد استغرقت مهمة تفريغ تلك الأشياء يومين كاملين . ولم يكتف الأدميرال بذلك ، بل أبدى شكه في أن المحمديين ربما أخفوا بعضاً من تلك الأشياء ، وربما أخفوا أيضاً بعض الأسلحة " . وهكذا لم يكتف دا جاما بسلب سفينة مسالمة ، تتبع لقطر ليس في حالة حرب مع بلاده ، " بل واصل قرصنته غير المبررة ليختمها بأخس وأضرى فعل جاء به في حياته العملية كلها ، إذ أمر بكل برود بحشر كل الركاب في مخزن السفينة ، وإشعال النار فيها ، حيث ماتوا جميعاً محترقين " .
هذا الفعل غير المبرر في نظر ذلك المؤرخ الذي روى الواقعة ، يبرره لنا غربي آخر هو بارو ( Barroe ) ، إذ يقول : " صحيح أنه يوجد حق عام للكل للملاحة في كل البحار ، ولكن ذلك الحق مقصور على أوربا ، ولذلك جاز للبرتغاليين باعتبارهم ملوك البحار أن يصادروا – في خارج أوربا – بضائع كل من يجول في تلك البحار بغير إذن منهم " . ويقول بانيكار ، صاحب كتاب Asia And Western Dominance ) ) ، " إن مبادئ القانون الدولي ما كانت تسري على العالم غير الأوربي ، ولذلك تصرف دا جاما بقانون الغاب الذي كان يسري وحده على تلك البقاع " .
وبالطبع ، فإن قانون الغاب لم يكن سارياً على تلك البقاع ، وأبلغ دليل على ذلك ، هو حالة التعايش السلمي الذي شهده دا جاما بين المسلمين والهندوس ، وقد كان كلاهما أكثر تحضراً وإنسانية من البرتغاليين وسائر الغربيين ، وقد طور المسلمون بخاصة ، على يد إمامهم الشيباني ، مواد القانون الدولي ، قبل أن يضع جروشيوس الهولندي كتاله فيه بثمانية قرون ، وظلوا يحكمون به العالم في قسط وبر ، لا يفرقون فيه بين رقع وصقع .
أما الغربيون فقد كان لهم في كل أرض قانون ، ولكل حادث حديث ، ولكل قضية معيار ، ولذلك فقد تصرف دا جاما مع الهنود ، مثل ما تصرف رصيف له ، هو كريستوفر كولمبس ، مع الهنود الحمر في أمريكا الشمالية وهكذا ففي ذكرى فاسكو دا جاما حق لأبناء الهند أن يرفعوا عقيرتهم بالشكوى من علو ضجيج ذلك الاحتفال .
أما المسلمون فما بالنا لا نسمع لهم صوت احتجاج … أما لجرح بهم إيلام ؟ ! .
بستنى ردودكم بالتوفيق ان شاء الله