أبناء الخلفاء في المقدمة
لقد كان الأمويين أصحاب أحلام كبيرة، وأفكار إصلاحية نيرة، وكانوا رجال دولة من الطراز الأول وقد: كان العرب في ظل الأمويين يعتبرون كل حد وصلوه بداية لانطلاقة جديدة حتى وصلوا أعماق فرنسا وسويسرا من جهة وأطراف تركستان واحتضنوا حوض السند من جهة أخرى. وتطابقت ثلاثة مفاهيم بعضها فوق بعض. فالدولة الإسلامية هي نفسها الخلافة الإسلامية. وهي ذاتها دار الإسلام. وهذه الدولة الأموية هي الدولة الكبرى والأولى والوحيدة في العالم [7]. آنذاك. وشهدت الدولة الأموية أحداث جليلة عملاقة وفتوحات كثيرة: منها فتح قتيبة بن مسلم لبخارى وسمرقند ومد السيادة الإسلامية على آسيا الوسطى ( 705م ) وإتمام الفتح الإسلامي لشمالي أفريقيا وأول نزول للمسلمين بأسبانيا في حملة طريف (710م ) ثم فتح الأندلس وبداية أذكى وأثرى حضارة في البحر الأبيض المتوسط على يد طارق بن زياد ( 711م ) .. [8] بتوجيه وإشراف القائد الكبير موسى بن نصير والي أفريقية للوليد بن عبد الملك. ولم يقتصر موسى على هذه الفتوحات البرية، بل عمل على تقوية أسطوله لضرب القواعد البحرية البيزنطية، في حوض البحر المتوسط [9]…. وقد: استطاع موسى أن يبني أسطولا قويا وأن يضرب قواعد البيزنطيين في جزر البحر المتوسط مثل صقلية وسردانيا وقورسيقا وجزر البليار، فشلّ بذلك حركة الأسطول البيزنطي [10].
وفي عهد الدولة الأموية، وصلت سفن المسلمين إلى الصين، (و) أقام المسلمون علاقات تجارية مع الصينيين، وكان للمسلمين في (كانتون ) جالية عربية مسلمة قوامها مائة ألف شخص أو تزيد، كانوا يلقون أفضل معاملة، بأمر من إمبراطور الصين [11]. وقد أرسلت الدولة الأموية سبع عشرة سفارة إلى عاصمة الصين، وأجرى القائد العسكري قتيبة بن مسلم الباهلي مفاوضات مع إمبراطور الصين للدخول إلى بلاده سلما [12].
وعلاوة على ذلك هناك أيضا ، حروب الشواتي والصوائف التي سنها معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه، بعد أن استقرت خلافته، وسار عليها من جاء بعده من الخلفاء الأمويين. بل وقاموا بتفعيلها بما يتجاوز العهد السابق. وحرب الشواتي والصوائف هي تلك الغزوات الجهادية المتواصلة التي شنها المسلمون ضد الإمبراطورية البيزنطية دفاعًا عن حدود العالم الإسلامي، وتصديا للمحاولات البيزنطية الهادفة إلى استعادة الشام، وتعزيزا لمكانة الإسلام، ومحاولة لتقويض أركان هذه الإمبراطورية المعادية للإسلام وأهله، والتي تحصنت بالموقع الفريد لعاصمتها القسطنطينية، وببعض الثغور) التي بقيت لها خطّاً دفاعيًا في آسيا الصغرى، حيث كانت مواجهة طويلة وصعبة مع الأمويين الذين كان فتح العاصمة البيزنطية، أحد أبرز الأهداف العسكرية لمعظم خلفائهم. أملا في أن تتحقق البشارة النبوية بفتح هذه المدينة على أيديهم. وقد بلغت الغزوات في عهد معاوية اثنتا عشرة شاتية، وثلاث صوائف، عدا غزوات لم تندرج في هذه أو تلك منها غزوة يزيد بن معاوية إلى القسطنطينية سنة 49هـ، على سبيل المثال وهي من أكبر وأجرأ الحملات التي قام بها المسلمون ضد القسطنطينية، وشارك فيها الصحابي الشهير أبو أيوب الأنصاري، وأبناء الصحابة: عبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر وعبد الله بن الزبير.
وهناك عشرات الغزوات التي حدثت في عهد خلفاء بني مروان ما بين شواتي وصوائف وغزوات أخرى شملت الثغور البرية والبحرية للدولة البيزنطية، وتحققت خلالها أعظم الانتصارات والفتوحات، وأفرزت عشرات أعظم القادة والفاتحين المسلمين الذين ارتبطت بهم هذه الجبهة. فضلا عن قطع أمل الإمبراطورية البيزنطية نهائيا من إمكانية العودة إلى الشام، بقرتها الحلوب السابقة. وقد استمرت هذه الغزوات من عام 45هـ، حتى أواخر عشرينيات القرن الثاني للهجرة أي إلى قبيل سقوط الدولة الأموية بعامين أو ثلاثة.
وتجدر الإشارة إلى أن أبناء الأسرة الحاكمة الأموية، كانوا على رأس الكثير من هذه الغزوات، وقد عرفنا منهم على الجبهة البيزنطية: محمد بن مروان الذي عرف بـ (قائد الصوائف)، وابنه عبد الله بن محمد بن مروان، وعرفنا من أبناء عبد الملك: مسلمة بن عبد الملك، الذي اقترنت باسمه معظم الحملات في عهد أخيه الوليد وما بعده، وهو أعظم القادة الذين عرفتهم هذه الجبهة غير منازع، وسعيد بن عبد الملك، وعرفنا من أبناء الخليفة الوليد بن عبد الملك: العباس بن الوليد، وعبد العزيز بن الوليد، وعمر بن الوليد، ومروان بن الوليد، وبشر بن الوليد، وعرفنا منهم من أبناء الخليفة سليمان بن عبد الملك: داود بن سليمان، وعرفنا منهم من أبناء الخليفة هشام بن عبد الملك : معاوية بن هشام، وإبراهيم بن هشام، وسعيد بن هشام، وسليمان بن هشام، ومسلمة بن هشام. وعرفنا من أبناء يزيد بن عبد الملك: النعمان بن يزيد، فهؤلاء كانوا يتناوبون في الخروج مع مسلمة بن عبد الملك أو يتولون قيادة الجيوش والخروج إلى الغزو بأنفسهم سواء في ظل خلافة آبائهم أو إخوانهم أو أعمامهم. إضافة إلى العديد من القادة من أبناء عمومتهم من البيت الأموي والقادة الآخرون من بقية المسلمين.